Home»Débats»قاعدة شعبية فاقدة للحساسية

قاعدة شعبية فاقدة للحساسية

2
Shares
PinterestGoogle+

 

    ليسمح لي القارئ الكريم ، خاصة من الذين لهم حساسية مفرطة من وقع العناوين الصادمة ،أو لربما يتراءى لهم أنها كذلك. فسرعان ما سيتأكدون بواسطة ربط الأسباب بالمسببات وحشد القرائن من أننا أكثر قربا من التوصيف المشار إليه في العنوان أعلاه . فهل نستطيع، نحن المغاربة، أن نتفق على أن أشد المواقف استفزازا للضمير هي تلك المواقف التي يستشعر فيها الفرد ضرورة الإذعان بدل المواجهة ، حيث لا حيلة له في الإمساك بناصية القرار أو التأثير في مجريات الأحداث، ولا سلطان له على تحرير مصيره من استجداء شروط عيش أفضل .

    وحيث أن المطالب الشعبية في عمومها لا تسلم من تحريض ضدها أو تحريف لقصدها ، فهي إن كانت فردية جوبهت بالتجاهل وصم الآذان ، وإن كانت جماعية اتهمت بالغوغائية وعرقلة الطريق العام. إنه لينذر أن يعجز من بيدهم تحقيق هذه المطالب عن إيجاد التبريرات الجاهزة المناسبة لكل حالة، مقارنة بعجزهم عن تحقيق المطالب ذاتها في حدها الأدنى.

    ولنبدأ أولا بالدخول في سياق الأحداث، حتى نستجلي بعضا من مظاهر فقدان الحساسية عند قاعدة شعبية، يتكالب عليها السياسيون ويراهنون على ديمومتها.  وليكن دخولنا،على سبيل الإستئناس، مقتصرا على الشق الإجتماعي في التدبير الحكومي. فقد جاءت إلينا حكومة قذفت بها رياح ما يسمى بالربيع الديمقراطي إلى الواجهة، وزكتها حالة اليأس المستفحل في نفوس الناس من القطع مع أساليب التدبير البغيضة، تلك التي راكمت الفشل وفاقمت العجز وعمقت من هتك النسيج المجتمعي. حكومة رأى فيها البعض فرصة لأنجاز التغيير المأمول رغم يقينهم بمحدودية تأثيرها في صنع القرارات المصيرية الكبرى للدولة .حكومة يقال أنها شعبوية لكن بقرارات غير شعبية. كيف ذلك؟

    لقد عمد رئيس الحكومة الأستاذ عبد الإلاه بنكيران ، وفي عز زمن المطالبات وتصاعد وثيرة الإحتجاجات، إلى تبني قرار الزيادة المهولة في أسعار المحروقات، مستغلا،من جهة، حالة الإستحسان والرضى  الجماهيري الذي أشاعته التصاريح « الوردية » لبعض أعضاء الحكومة من الذين بيدهم ملفات تؤرق بال المغاربة. ومن جهة ثانية ، مدغدغا آمال وعواطف الفئات الهشة من المجتمع ،مطمئنا إياها بعدم استهدافها ، وبأن مستقبلا زاهرا ينتظرها  لن يكون فيه النصر على ظروف الحياة الصعبة إلا صبر ساعة قد لاح .

    لن ننتظر الصبح حتى يلوح  وتنفرج أساريره، قبل أن تفاجئنا تباشير زيادة جديدة في أسعار مصدر طاقة لا يقل أهمية عن سابقه وهو الكهرباء. لكن لحسن الحظ تم استدراك الأمر إلغاءا أو تأجيلا، ولا ندري هل يتعلق الأمر ببالون اختبار إعلامي ، لمعرفة رد الفعل الشعبي وإدراك مداه . أم لحاجة أملتها استراتيجية العمل الحكومي الروتينية في ضبط التوازنات الإقتصادية .

    ابتلع المغاربة الطعم إذن، أو على الأقل من يعنيه منهم أمر الزيادة ، وهم الغالبية العظمى.  وانبرى كل واحد إلى شأنه ليحرص على تدبيره كيفما اتفق. فهل يعني هذا سوى أن الحساسية للأثر المادي والمعنوي للقرارات السياسية على الفرد والجماعة قد افتقدت.  ماذا لو أن حدث هذا الأمر في بلاد تحترم مواطنيها وتضرب ألف حساب لعدم المساس بمكتسباته؟   سنحتكم في هذا السياق للمقارنة التالية:

  _ مواطنون يعيشون في بحبوحة عيش بالقياس إلى وضعنا، يؤمن لهم المجتمع مستلزمات الحياة الكريمة،ويضمن لهم حق المرافعة من أجل تحقيق أقصى درجة الرضا على شروط الحياة . لكن بمجرد أن تلوح حكومتهم بالزيادة في الأسعار، مهما كانت هذه الزيادة طفيفة ومهما كان أثرها في سلم الأولويات،حتى تقوم القيامة ويتأجج الإحتجاج  الذي قد يكلف الإطاحة بأعضاء في الحكومة . وينتهي الأمر بتصحيح الأوضاع .

 _ مواطنون يعيش معظمهم  على حافة الفقر،ويقتاتون مما تجود به أريحية الدول المانحة وتوجيهات صندوق النقد الدولي . ومع مطلع كل سنة تقريبا يتفاجأون بزيادات معتبرة في مواد بديل لهم عنها . لكن أقصى ما يمكن أن يواجهوا به هذا الوضع هو بعض التعبير الفردي المنعزل عن التذمر والقلق، ومجال تصريفه الأسواق والمقاهي وبعض المنتديات التواصل الإجتماعي . وبعض التعبير الجماعي عن الرفض لكنه محصور على فئة متنورة ومناضلة، ومحاصر في الوقت ذاته بأجهزة الرقابة والضبط.

   كيف يمكن أن نصف هذا الصنف الثاني من المواطنين ،الذي هم نحن بالطبع ، إذا لم نصفهم بفاقدي الحساسية لما يتهدد معيشهم اليومي،ويرهن أحلامهم بتحقيق الرفاهية والإنتصار على شظف العيش ؟

 إنه لمن المؤسف أن يدخل الجميع ،بوعي أو بدونه، هذه اللعبة ويقبل بقوانينها القائمة على التوافقات الصريحة، التي تنتصر لمصلحة البلاد دون أن تراعي أحوال العباد . أو تلك الضمنية التي تتوسل سبيل الإقناع  وتروج لمقولة  » كل موجود رخيص » .  فالمواطن البسيط هو الذي يؤدي في نهاية الأمر الفاتورة الثقيلة لهذه التوافقات المغرضة التي تجري على مرأى ومسمع منه دون أن يمتلك حق النقض بشأنها.

         

                                                                                                                                                                     توقيع / محمد اقباش

 

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *