موسم العودة إلى المعارضة
تعتقد بعض الأحزاب أن بعودتها إلى المعارضة سوف تسترجع ما ضاع منها من أمجاد وشعبية واحترام لدى الجماهير، كما تعتقد أن من شأنها، أي المعارضة، أن تساعد في ترتيب أوراق الحزب على أرضية صلبة تحقق التماسك المطلوب وتزيل الكثير من الاختلالات التي عرفها من قبل.
إن في الأمر بعضا من الصحة والصواب عندما يتعلق بالأحزاب التي لم يسبق لها أن شاركت في حكومات سابقة، وظلت تتأرجح بين ممارسة المعارضة بقوة وبين التلاشي والضعف الذي يجعلها في معزل بسبب قلة برلمانييها أو ضعفهم. أما عندما يتعلق الأمر بأحزاب سبق لها أن قامت بترؤسها لحكومة من الحكومات السابقة، أو ساهمت في تسييرها وتحملت مسؤولية مجموعة من الحقائب الوزارية، فالأمر يختلف، إذ يعتبر رجوعها إلى المعارضة كعدمه، لأن الشعب المغربي قد منح هذا الحزب فرصة ومنحه ثقته فاعتلى كراسي الاستوزار والتدبير ولكنه خان الأمانة وخان الشعب ولم يكن عند حسن الظن. وبذلك فلن تشفع له لا العودة إلى المعارضة ولا الدخول من جديد في حكومة الآخرين.
لا أحد ينكر أن وجود معارضة أمر ضروري في الدول الديموقراطية وإذا تشكلت لدينا في بلادنا معارضة قوية فالأمر سيكون لصالح الحكومة، وبالتالي لصالح الشعب المغربي، لأن الحكومة التي من ورائها معارضة قوية وشديدة البأس ستسهم في تصحيح الكثير من الأوضاع وتدفع بالحكومة دفعا نحو تحمل مسؤولياتها الكاملة وستسعى جاهدة لتكون حكومة قوية شجاعة وحكيمة وفاعلة حتى تجتنب ما أمكن المحاسبة والمساءلة التي يخولها الدستور للمعارضة.
إن النموذج الأمثل الذي عرفه المغرب من حيث المعارضة، قبل حزب العدالة والتنمية، يتمثل في حزب الاتحاد الاشتراكي، ولازال المغاربة يتذكرون يوم كان فتح الله ولعلو يهز أرجاء قبة البرلمان بتدخلاته النارية وشجاعته الناذرة. ومبرر إعجاب المغاربة بمعارضة الاتحاد ااشتراكي كان هو نضاله ودفاعه المستميت منذ الستينيات عن الضعفاء والطبقات المقهورة بنغمات ماركسية قوية، ولكن بمجرد أن تسلم مفاتيح حكومة التناوب حتى تنكر لكل تلك التدخلات وتلك الخطابات الجميلة والمرافعات الفاعلة والحكيمة والصائبة. مما جعل من أمثال عبد العزيز المسيري رحمه الله في إحدى مداخلاته التاريخية يقوم بمقارنة عجيبة بين خطاب الاتحاد الاشتراكي أيام المعارضة وخطابه أيام العسل والاستوزار مما كشف مفارقة عجيبة وغريبة بين خطابه أثناء المعارضة وخطابه أثناء الحكومة.
إن النداءات المتكررة لبعض قياديي ومناضلي الحزب التي تطالب بالعودة إلى المعارضة، إنما هي نداءات اليائس الذي فقد بوصلته وظن أن نفس الطريق الذي جاء به إلى الحكومة هو نفسه سيعيده إليها مرة أخرى، وفي هذا نوع من المغالطة لأن الحزب الذي يتسلم مفاتيح الحكم وسبق له أن اعتلى كرسي رئاسة الحكومة لا يكون أمامه إلا طريق واحد وهو حصيلة ما قدمته حكومته والتي ترضي الشعب المغربي وتجعله مبتهجا بما تحقق له ولأبنائه على جميع المستويات على رأسها الاقتصادية والاجتماعية وعلى مستوى التعليم والصحة والعدل ومحاربة الفساد. وبما أننا أتينا على ذكر الفساد فإن الشعب المغربي يعلم بأن جل اللوبيات المالية التي انتعشت في اقتصاد الريح والربح السريع واحتكرت الكثير من مجالات التجارة والبيوع هي أصلا من كانت تمثل الشعب في حكوماته المتعاقبة. ولذلك لازال الكثير من الناس يتساءل عن السبب الذي جعل وزير العدل السابق يمنع الهيئة الوطنية لحماية المال العام من التمكن من فحص ملفات بعض الوزراء. ورغم هذا التهرب والتستر على لوبيات المال والعقار والسياحة والفلاحة والتجارة والصيد البحري وتفويت الأراضي والضيعات ومنح الامتيازات لقد استطاع بعض من الإعلام المغربي المسؤول الحصول على ملفات متخنة بالفساد مثل ملف وزير التشغيل السابق والقيادي الاتحادي خالد عليوة أيام كان مديرا عاما للقرض العقاري و السياحي…
إن أي محاولة لاستحمار الشعب المغربي واستغبائه، حتما، ستبوء بالفشل خصوصا في هذه المرحلة الذهبية التي تعرفها بلادنا من حيث الديموقراطية واحترام اختيار الشعب، حيث ارتفع الوعي الشعبي وصار حتى الأطفال يتتبعون ما يقع في كل بلاد العرب من تحركات وسقوط مدوي للوبيات الفساد والاستكبار والطغيان. والنموذج المصري لازال ماثلا أمام كل العيون إذ لم يستطع أحد أن يستغله أو يستحمره أو يلبس لبوس الوجهاء الأبرياء أو يرتدي عباءات الديموقراطيين النزهاء. وفي تونس وقعت الاحتجاجات حتى لا يعود الحزب الديكتاتوري للواجهة من جديد حيث هو من سلب الحريات وقتل الأبرياء وعطل مصالح الشعب التونسي…
إن الوعي الشعبي يرتفع يوما عن يوم، وما عبرت عنه ثورة الصناديق في المغرب لخير دليل حيث سئم المغاربة من الأحزاب التقليدية التي لم تقو على مسايرة التطورات وتحديث الآليات وظلت هكذا كما كانت يوم ولدت تعتمد لغة خشبية وخطابا متحجرا أبعد عنها حتى أفضل النخب بله الجماهير الشعبية في كل المدن و الأحياء.
إن منطق الهجرة إلى المعارضة لن يجد مكانا في البلاد لسببين: الأول يتجلى في الوعي الشعبي المتنامي، خصوصا وأن الكثير من المراقبين اعتبر جزءا من الأصوات التي حصل عليها حزب العدالة والتنمية هي ضرب من العقاب للأحزاب التي سبق لها أن قادت الحكومات السابقة التي يعزى إليها هذا التردي الذي يعرفه المغرب على جميع المستويات.
والسبب الثاني هو القوة التي يتمتع بها حزب العدالة والتنمية والاستماتة في التمسك بوعده الذي قطعه للشعب المغربي، وثقته في النجاح الذي يتجلى في تحقيق العدل والرفاهية والرفع من مستوى المعيشة وضمان الاستمرارية في النهج الديموقراطي الذي دشنته البلاد. إن نجاح حكومة العدالة والتنمية لن يترك المكان ولن يترك الخيار للشعب المغربي للتصالح مع المعارضة مهما كانت هذه المعارضة قوية، خصوصا وأنها معارضة قد سبق وأحرقت أوراقها مع الشعب المغربي عندما قامت بتسيير الحكومات السابقة.
وفي المقابل نجد أن الأحزاب التي اختارت أن تلتحق بحكومة العدالة والتنمية قد حققت لنفسها هدفا ثمينا وللمغاربة هدفا أثمن: أما هدفها فيتجلى في كون إسهامها في حكومة العدالة والتنمية سيجعلها تقتسم معه كل الانجازات المحققة مما يجعل الشعب المغربي يغفر لها ما سبق، وأما هدف المغاربة، والذي تكون قد حققته هذه الأحزاب بمشاركتها في الحكومة الجديدة، فيتجلى في الظرفية العصيبة التي يمر منها العالم العربي والتي ستجعل المغرب استثناء ونموذجا فريدا حيث استطاع أن يحقق الديموقراطية والرفاهية والازدهار دون المرور عبر العتبة المجنونة المتجلية في إزهاق الأنفس والأرواح وهدم العمران والمنشآت. فعملية الإنقاذ هاته ستكتب في سجل جميع الأحزاب المشاركة في الحكومة، وبالتالي لن ينساها لها الشعب المغربي وستكون حاضرة بكل قوة أثناء صناديق الاقتراع المقبلة, في الوقت الذي تكون فيه الأحزاب التي اختارت المعارضة لاهية بترتيب أوراقها الداخلية التي لا تفيدها في شيء لأن الأوان قد فات.
Aucun commentaire