Home»Débats»التعليم العمومي بين الخوصصة والخصاص

التعليم العمومي بين الخوصصة والخصاص

0
Shares
PinterestGoogle+

  عاشت الساحة التعليمية على امتداد الأشهر
الماضية وما تزال مخاضا محموما فرضته تدخلا ت البرنامج الإستعجالي. برنامج دق
أبواب مؤسساتنا التعليمية، وحتى من دون استئذان ولج تفاصيل الحياة المدرسية منذ
مطلع السنة الدراسية الحالية. وإذ نقول مخاضا فليس ذلك إلا من قبيل الإستهلاك
الإعلامي المحرض على دفع المسألة التعليمية إلى الواجهة، والتعويض السيكولوجي عن
انكسارات وإحباطات الواقع التعليمي المعقد. فما عجز عقد من الزمن عن تحقيقه واقعا مأمولا
أو مقبولا في الحد الأدنى،لن يكون بوسع  بضع سنوات من الإسراع والهرولة أن تفعله.
فالإستعجال بالمنطق الذي نشهده في مجال التربية والتعليم هو ذو طبيعة علاجية لواقع
يتدحرج في سلم التردي،وبالتالي فلن يكون إلا مبسترا أي فاقدا لعنصري العفوية
والسلاسة بمفعولهما الضروري لشرط الإندماج في الوسط التعليمي. فهل تكفي إجراءات
سطحية و ترميمية لتأصيل إصلاح جوهري يطوي مسافات الترقيع ؟

  ولنتساءل حقا،هل هناك مجال يمكن أن تتجسد فيه حسنات البرنامج الإستعجالي
وغيرها من المبادرات الرسمية أكثر من المدرسة العمومية؟ هذه المدرسة يا إخواني
تعيش حالة الإنكفاء ويسودها منطق ضعف الأداء الذي تشهد عليه حالة الفصام المرضي
بين ماهو مسطر كأهداف ومرامي، ومترجم ببرامج ومضامين يخال المرء أنها موجهة
للمدرسين وليس لجمهور المتمدرسين، وبين واقع تعليمي مهدد بانسداد في مخرجاته بفعل
هشاشة التكوين وضعف المردودية بل وانعدامها في بعض الحالات. هذه المدرسة التي
ننتظر نتائج محاولات انتشالها من الأزمة التي لازمتها في العقود الأخيرة هي عمليا
محاصرة بمحاولات التقزيم وإشاعة اللاجدوى. هذه المدرسة تتكالب عليها جهات
مركنتيلية مغرضة تريد أن تسلب منها ما تبقى من مصداقية.فهي تستغيث ولا من مغيث إلا
من برامج « ورقية » لا تصمد في وجه لهيب الواقع المفروض بقوة لوبي
المصالح: أي الحفاظ على الستاتيكو في نسخته التعليمية .

   كيف أمكن إذن للتعليم الخصوصي وهو الذي كان إلى وقت قريب ملاذ الفاشلين
والمدللين،أن يكتسح الساحة ويقلب الموازين؟ وكيف أمكن لواقع الخصاص المزمن أن يسدي
خدمة مجانية للتعليم الخصوصي،بجعل هذا الأخير أكثر جاذبية من ذي قبل، فالظاهر أن
حملة التيئيس والتنفير من المدرسة العمومية قد أتت أكلها ،خاصة مع تسارع وثيرة
التهافت والمزايدات الرخيصة والإختزالية التي جعلت من الوضعية الراهنة للتعليم
محورا لها .

  وفي ظل هذا الواقع وإفرازاته السلبية وجب علينا الإلتزام بالقدر الكافي من
الموضوعية، ذلك بأن نعترف بان هذا التعليم الخصوصي لا يهتم في واقع الأمر،وفي
حالتنا المغربية بالذات، إلا بالواجهة . ولا يمكن أن نثق في الواجهات لأنها غالبا
ما تكون خادعة كما يقول الفرنسيون، فالمظاهر والإيحاءات الرنانة قد تسلب إرادة
المواطن وتشل حركته في اتخاذ المبادرة وتحد من قدرته على التمييز،خاصة إذا كان هذا
المواطن ممن تنطلي عليهم أساليب الدعاية والإشهارالتي يتأثث بهافضاء التعليم الخصوصي. 

في
هذا التشخيص المقتضب لسنا ، ومن حيث المبدأ، ضد التعليم الخصوصي ولا ضد مساهمته في
تخفيف العبء عن الدولة،ولا أحد يحبذ أن يرى العصا في العجلة ويتفرج على واقع
الإنسداد في الوضع التعليمي، لكن يجب أن ندرك أن هذا النوع من التعليم وبمواصفاته
الحالية  لا يصلح لوضعنا ولمجتمعنا وحتى
لتمثلاتنا الأكثر إغراقا في الذاتية،وهو مرفوض مجتمعيا حتى وإن أتاح للبعض فرصة
التميز بمعيار التمثيل الإجتماعي. وهو فوق هذا وذاك لا يخرج عن إطار » الموضة  »
التي انفرد بها المغرب وبعض الدول النامية،والقائمة على أساس التفاضل والتباهي حسب
ألوان الطيف المجتمعي المتباينة. ثم أن هذا الصنف من التعليم لم يؤسس على حاجة
حقيقية خارج منطق الإكراهات المادية والشكوى من العبء المتزايد الذي يشكله قطاع
التعليم على ميزانية الدولة. بمعنى أن هذا التعليم الخصوصي لا يراد له أن يكون
رافدا من روافد التعليم المعروفة،كالتعليم العمومي وتعليم البعثات والتعليم غير
النظامي.. بل كمنافس شرس يتحين الفرص ويستغل الهفوات في انتظار أن تخور قوى
التعليم العمومي ليعطي حماره كما يقال ،ثم يحل محله ويصادر حقه في الوجود. ومن
المؤسف حقا أن تأخذ هذه المنافسة طابع المكر والتشهير، والمغالطات أحيانا.

  وليس يغرب عن كل ذي بصيرة أن التعليم العمومي هو الأنسب لوضع مجتمعي نفترض
فيه التجانس والتكامل على مستوى التمثلات المرتبطة بوضع اجتماعي معياري تجسده
الطبقة المتوسطة ، لكن بقيت هناك فئة أخرى محدودة استثنيناها من مجال المقارنة وهي
فئة الميسورين وعلية القوم ،هؤلاء يعيش معظمهم غربة حقيقية في مجتمعهم الأصلي،وهم
عمليا مرتبطون بمدارس البعثات المختصة في إعادة إنتاج النخب التي سيعهد إليها أمر
التسيير فبما بعد.

   ولا يفوتنا أن نسجل أن الكثير ممن حولوا اتجاههم إلى المدرسة الخصوصية
تخلوا عن ذلك بعد فترة طالت أم قصرت ،أتاحت لهم مراجعة موضوعية لإختيارهم .
هؤلاء،من خلال تصريحاتهم ،وضعوا أصبعهم على موضع الداء،بعدما خبروا تحركات ومواقف
الجهات المغرضة والتي تتعمد تمييع الحقل التعليمي ليصفو لها الجو وتستقطب من تشاء
من الحيارى والمترددين. هذه الجهات بالذات هي التي صفقت كثيرا لمبادرة المغادرة
الطوعية،التي من جهة أجهزت على الأمل في إحداث التوازن على مستوى المورد
البشري،ومن جهة أخرى أمدت القطاع الخصوصي بثلة من أولائك الذين لم يخرجوا من الباب
إلا ليدخلوا من النافذة وبئس الإختيار الماكر.                   

توقيع : محمد اقباش                        

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

1 Comment

  1. متتبع
    31/01/2010 at 11:36

    السلام عليكم
    انطلاقا من واقعنا التربوي والتكويني والممارسة اليومية ومواكبة مختلف العمليات التربوية والإدارية، فإن العديد من الأطر الإدارية والتربوية يجزمون أن:
    التعليم العمومي أرض حصبة للتربية والتعليم والتنشئة الاجتماعية السليمة للأطفال، نظرا لتبع تحركاتهم وتنقلاتهم ومراقبة سلوكهم اليومي بعيدا عن الإغراء والتخنث؛
    التعليم الخصوصي أرض معطاء للنقط وتوزيعها بين التلاميذ دون مقياس ولا استحقاق ودون مراقبة لسلوكات التلاميذ الذين يفدون على المؤسسة بعشرات الدراهم في جيوبهم يستهويهم ما لذ وطاب ويقتنون بعيدا غن أعين آبائهم ما يحلو لهم ، الشيء الذي يزيعهم عن السلوك القويم والبذل والعطاء والتحصيل الدراسي

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *