متى كانت الغيرة الوطنية مبررا للتسلط؟!
اسماعيل الحلوتي
فور انتشار ذلك الشريط المصور على منصات التواصل الاجتماعي، الذي يوثق لتلك الحصة من التقريع والتجريح التي لقنها عامل إقليم سطات إبراهيم أبو زيد للمدير الإقليمي لوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة عبد العالي اسعيدي بذات المدينة، خلال دورة يناير للمجلس الإقليمي المنعقد بتاريخ 13 يناير 2025 اهتز الرأي العام الوطني للواقعة غير المشرفة، وسارعت العديد من فعاليات المجتمع المدني والمنظمات النقابية والحقوقية وغيرها، إلى إعلان تضامنها مع المدير الإقليمي منددة بالسلوك المهين الصادر عن العامل وذلك الأسلوب السلطوي الذي يتعارض مع المفهوم الجديد للسلطة.
إذ أن الشريط/الفضيحة أثار تذمرا عميقا وردود فعل غاضبة ليس فقط في أوساط نساء ورجال التعليم، الذين يرفضون بقوة أن يتعرض ممثل القطاع لهكذا بهدلة أمام أنظار الحاضرين وغير الحاضرين في عين المكان، بل كذلك بين جميع مكونات المجتمع المغربي في مختلف الجهات، حيث طالبت عدة منظمات حقوقية ونقابية حتى من خارج الإقليم بضرورة احترام المبادئ الدستورية وسيادة القانون في تنظيم العلاقات بين ممثلي الحكومة وغيرهم من المسؤولين في سائر المؤسسات، والالتزام بالمبدأ الدستوري حول « ربط المسؤولية بالمحاسبة »، عوض اعتماد تلك الأساليب الرعناء، التي عفا عنها الزمن ومن شأنها الحط من كرامة الموظفين، ناهيكم عما لها من تأثير مباشر على نفسيتهم ومكانتهم الاعتبارية…
وفي الوقت الذي لقي فيه المدير الإقليمي « المهان » الذي عرف بنزاهته وكفاءته، تضامنا واسعا بين المواطنين وعدد من الهيئات السياسية والنقابية والحقوقية، حيث هناك من النقابات من ناشدت جميع رجال السلطة بضرورة احترام المفهوم الجديد للسلطة الذي وضع له ملك البلاد إطارا خاصا مباشرة بعد اعتلائه العرش، داعيا إلى القطع مع كل أشكال الظلم والجور والقهر والشطط في استعمال السلطة، واعتماد الحوار الهادئ والمثمر والاحترام المتبادل، بما يخدم المصلحة العليا للوطن ومصالح المواطنين، وتفادي السلوكات التي تفتقر إلى معاني اللباقة وتساهم فقط في المس بصورة الإدارة المغربية وهدر الكرامة الإنسانية للمواطنين والمسؤولين على اختلاف مستوياتهم ومراكزهم.
وبينما تتواصل تداعيات ذلك الأسلوب الهجين الذي خاطب به عامل إقليم سطات المدير الإقليمي لوزارة التربية الوطنية، إذ فسح المجال أمام شرفاء الوطن والغيورين على سمعته، للتدخل كل من موقعه والتعبير عن امتعاضهم واستنكارهم لهكذا سلوك سلطوي غير مقبول، معلنين عن رفضهم التام لتصرفات بعض رجال « أم الوزارات » من ذوي تلك العقلية التسلطية والذين مازال لديهم الحنين إلى ذلك الزمن البئيس، ولا يبدون أي نوع من التحضر والتحفظ خلال تعاملهم مع المواطنين والمسؤولين على حد سواء، اعتقادا منهم أن الغيرة على الوطن تقتضي منهم الحزم والصرامة مع أي كان وبكل الطرق المتاحة مهما كانت مهينة، غير عابئين بما يمكن أن يترتب عن ذلك من تجاوزات وردود فعل غاضبة…
فإذا ببعض النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي وفي خطوة مثيرة للاستغراب وغير مفهومة، يدخلون على الخط لمؤازرة عامل إقليم سطات، وينبرون للرد على منتقدي سلوكه تجاه المدير الإقليمي لوزارة التربية الوطنية واللغة التي خاطبه بها في ذلك الاجتماعي الرسمي أمام عدد من المسؤولين، معتبرين أن انفعاله يعود لغيرته الوطنية وإصراره على محاربة الفساد والتصدي لكل أشكال التقصير والتهاون في القيام بالواجب، ناسين أن الغيرة ليست هي استئساد من يعتقدون أنفسهم أقوياء على الضعفاء، بل هي ذلك الخلق الكريم الذي يتميز به من يسعى فعلا إلى نيل رضا الله وتلبية نداء الضمير في بناء وتنمية الوطن، بالجد والاجتهاد ونكران الذات والاحتكام إلى مقتضيات القانون، بعيدا عن المزايدات واستعراض العضلات، واتهام الآخرين بالضعف والقصور دون موجب حق، حيث لا يمكن تبرير الغيرة الوطنية بالتهجم اللفظي وتجاوز حدود اللياقة في الخطاب، فالغيور الحقيقي هو من يجسد نموذجا راقيا لقيم ومثل وطنه، الرصين في تدخلاته والكيس في دفاعه ومؤاخذاته.
ثم كيف لأولئك الانتهازيين الذين هرعوا لدعم وتبرير ما قام به العامل إياه من فعل شنيع وسوء معاملة في حق المدير الإقليمي لقطاع التعليم، ونصبوا أنفسهم محامين للترافع عنه الادعاء بأن مغاربة كثر ينوهون بما أبداه من حزم، معتبرين أن ذلك يندرج في إطار جديته وحرصه على احترام إنجاز المشاريع العمومية في مواعيدها، غير أن العبارات خانته؟ أليس العذر هنا أقبح من الزلة؟ وهل من المقبول أن تخون العبارات في اجتماع رسمي تحت أضواء كاميرات الصحافة مسؤولا من درجة عامل؟
ولعله من سوء الصدف أن تحدث هذه الواقعة الفظيعة بذات المدينة التي أنجبت ادريس البصري أحد أقوى وزراء الداخلية المتسلطين إبان حكم الملك الراحل الحسن الثاني، الذي أطلق في عهده على وزارة الداخلية لقب « أم الوزارات »، لهيمنتها على مفاصل الدولة وتسلط أذرعتها الأمنية، وانتهى به الأمر مهاجرا، مريضا ومهانا، ليست في الواقع عدا نموذجا بسيطا لتسلط عدد من الرجال السلطة، الذين كثيرا ما لا تظهر تجاوزاتهم للعلن جراء خوف ضحاياهم من الانتقام، مما يستدعي مضاعفة الجهود في حسن تكوين المسؤولين والموظفين على احترام القيم الأخلاقية، للقطع مع تلك العقليات المستبدة لبعض رجال السلطة، ممن لم يستوعبوا جيدا أبعاد المفهوم الجديد للسلطة، وإعادة النظر في الثقافة المؤسساتية التي تعطي عامل الإقليم صلاحيات غير محدودة في علاقته مع المواطنين والمؤسسات وغيرها…
Aucun commentaire