دلالات الاحتفال باليوم العالمي للعَلَم الأمازغي؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحسن جرودي
دلالات الاحتفال باليوم العالمي للعَلَم الأمازغي؟
باعتباري أمازيغيا أبا عن جد من جهتي الأب والأم، تفاجأت بسماعي لأول مرة باحتفال شرذمة ممن يعتبرون أنفسهم أوصياء على « الأمازيغ » بما أسموه اليوم العالمي للعلم الأمازيغي، وأول ما تبادر إلى ذهني هو الرجوع إلى موقع الأمم المتحدة، للتأكد من ورود هذا اليوم ضمن قائمة الأيام والأسابيع الدولية المُحتفل بها عالميا، وبما أنني لم أجد له أثرا، اضطرت إلى تعميق البحث، لكني لم أجد ولو مؤشرا واحدا يدل على عالميته، ما عدا ما ورد على لسان أحمد عصيد، والذي تم استنساخه بالحرف من قبل مجموعة من المجلات والجرائد الإلكترونية المروجة للأطروحة الأمازيغية. وفيما يلي بالحرف أهم ما نقلته عنه إحدى هذه الجرائد:
- « يعود تاريخ الاحتفال بهذا اليوم إلى 30 غشت من سنة 1997، حيث أقر به الكونغريس العالمي الأمازيغي بتافيرا بجزر الكناري، ويتكون من ثلاثة ألوان هي الأزرق والأخضر والأصفر، التي ترمز لألوان شمال إفريقيا: لون السماء والبحر ـ لون الجبال والغابات ـ لون الصحراء، مع حرف الزاي الأمازيغي مكتوبا بالأحمر في وسط العلم ».
- « العلم تمّ اختراعه للمرة الأولى في السبعينات من القرن الماضي، إذ أنه في الأصل إبداع لأحد الأمازيغ القبائليين بالجزائر، الذي كان عضوا بالأكاديمية البربرية بباريس منذ الستينات، ولا يعرف الكثير من المناضلين الأمازيغيين بأنّ هذا العلم كان حاضرا سنة 1980 في أولى تظاهرات الربيع الأمازيغي التي اندلعت بسبب منع محاضرة مولود معمري بجامعة تيزي وزو، غير أنه لم يلفت الأنظار آنذاك. »
- « تاريخ هذا العلم سيعرف انعطافا هاما وبداية انطلاق عالمية مع المصادقة عليه من طرف كل القوى الأمازيغية المشاركة في الكونغريس العالمي الأمازيغي سنة 97 ».
- « مصطلح تامازغاTamazgha الذي يتمّ عادة ربط العلم الأمازيغي به لا يعني كيانا دولتيا أو مشروعا سياسيا بل يُقصد به الإطار الجغرافي لشمال إفريقيا الذي يحتضن الثقافة الأمازيغية من واحة سيوا إلى جزر كاناريا منذ أقدم العصور. واعتبار « تامازغا » مشروع دولة هو من إسقاطات « العقل العربي » الذي يفسر الرموز والمفاهيم حسب بديهياته وثوابته السياسية المتقادمة، والتي منها فكرة « دولة العرب الواحدة من المحيط إلى الخليج ».
- « العلم الأمازيغي رمز ثقافي دولي للهوية الأمازيغية، ولهذا لا يمكن أن يحلّ محلّ أي من الأعلام الوطنية، وقد تمّ اختراعه ليجد فيه الأمازيغيون أنفسهم حيثما كانوا عبر العالم، فهو بذلك أداة تقارب وتواصل بين كل نشطاء الحركات الأمازيغية سواء في بلدان شمال إفريقيا أو أوروبا أو العالم ».
لكن الذي تنكب عنه عصيد ومن معه هو ذكر بعض الحقائق التي صاحبت تبني هذا العَلَم والتي أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
- أن العلم الأمازيغي تمت هندسته في الأكاديمية البربرية بفرنسا التي أنشئت سنة 1965 من قبل عميل المخابرات الفرنسية Jaques Bénet بمعية محند أعراب بسعود، الذي قال في كتابه « تاريخ الأكاديمية البربرية » -حسب ما ورد في موسوعة ويكيبيديا-: « إذا كان ينبغي على البربر، أيها الإخوة، أن يتذكروني ذات يوم إلى حد الرغبة في تكريم اسمي، فإنني أحثهم على ربطه باسم Jaques Bénet، لأنه بدون مساعدة هذا الصديق الكبير للبربر، فإن عملي في صالح هويتنا ما كان لينجح. لذلك سيكون من العدل أن نقول: محند أعراب-جاك بينت، كما نقول Erckmann-Chatrian **، وأن تصميمه يُنسب إلى الجزائري يوسف مذكور الذي صرح بأن فكرة إحداث علمٍ للأمازيغ واختيار ألوانه جاءته في أثناء زيارته للمشرق العربي في عام 1967، وأن إنشاءه لعلم الأمازيغ « هو أول خطوة في سبيل إقامة دولة خاصة بهم تشمل كل الوطن الأمازيغي وتأسيس جمهورية أمازيغية مكانَ الدول العربية القائمة.* » ولعل تصريح فرحات مهني رئيس » الحركة من أجل استقلال القبائل » المعروفة بالماك، في وقت سابق بأن الهدف المباشر للماك، هو تقرير مصير إقليم القبائل، والذي يمكن أن يكون « الخطوة الأولى نحو الدولة القبائلية الأمازيغية » والذي جسده يوم السبت 20 أبريل 2024، بالإعلان بشكل رسمي عن قيام دولة القبائل، يُعتبر مؤشرا قويا على وفاء الحركة لفكرة إنشاء هذا العَلم، على الرغم من إحداثها لتغيير في تصميه، من خلال حذف اللون الأخضر، والذي لا يخرج تفسيره عن كونه مراوغة وتغطية عن الهدف الحقيقي للحركة الأمازيغية التي تندرج ضمنها الحركة التي يتكلم باسمها عصيد، وهو الأمر الذي يتماهى مع اتهامها من قبل بعض الأمازيغ بالخيانة مما يتماشى مع العمل بمبدأ التدرج.
وفي هذا الصدد تجدر الإشارة إلى الخطورة التي تنطوي عليها مراسلة الماك للمغرب من أجل مساندته في الحصول على استقلال القبائل، ذلك أنه إن فَعل اتُّهم من قبل البوليزاريو ومسانديه بالكيل بمكيالين، إذ كيف يساند استقلال القبائل ويرفض استقلال الصحراء المغربية من جهة، ويعطي المشروعية للمطالبة بانفصال الأمازيغ المغاربة إسوة بالقبائل من جهة ثانية، وإن لم يفعل اتُّهم بمساندته لحكم العسكر في الجزائر.
ثم بعد هذا كله يأتي السؤال البديهي الذي لا يمكن لكل من يمتلك ذرة من الوطنية أن يتجاهله ألا وهو: ما الدافع وراء البحث عن علم آخر في وجود العلم الوطني؟ ونحن نرى بوادر إيقاظ فتنة أصبحت تتقوى يوما بعد يوم على أرض الواقع، وما الانقسام الذي أحدثه تطليق زوج لزوجته ليلة الزفاف بسبب رفضها ارتداء الزي الأمازيغي في صفوف رواد وسائل التواصل الاجتماعي، واللغط الذي تمت إثارته في شأن استمارة الإحصاء الوطني إلا أمثلة لهذه البوادر. ومع ذلك نقول لعصيد ومن معه، إذا كان الأمر عاديا كما تروجون ولا ينطوي على أية خلفية سياسية، فما المانع من إيجاد علم عربي يعبر عن الهوية العربية لعرب العالم، وآخر يعبر عن الهوية الإسلامية لمسلمي العالم، ونفس الشيء يقال بالنسبة لليهود والنصارى…؟ وقد تطول القائمة دون إمكانية حصر عدد الأعلام التي يَعتبر أصحابها أنها تعبر عن هويتهم وخصوصياتهم تأسِّيا بالعلم الأمازيغي. وأمر كهذا نتيجته واضحة ولا يمكن أن يؤدي إلا إلى التمزق والتشرذم، لأن كثرة الهويات المتباينة إن لم أقل المتضاربة، مآلها التصادم، لتصبح بذلك هويات قاتلة بحسب تعبير أمين معلوف في كتابه « الهويات القاتلة » حتى وإن اختلف قصده بالمعنيين بهذه الهويات.
أخيرا أسأل عصيد ومن معه من المروجين للعَلَم « البدعة » في عالم الأعلام، عن حجتهم في ترقية يوم 30 غشت إلى مصاف الأيام العالمية، وعن رأيهم في فكرة إنشاء الأعلام الهوياتية المشار إليها أعلاه وإدراج الاحتفال بها ضمن الأيام العالمية؟ وأقول لهم: إن كنتم تقبلون بها فأنتم بذلك تعبرون صراحة لا تلميحا عن دعوتكم إلى الفتنة التي تخدم إن عاجلا أو آجلا المخطط الصهيوني لتقسيم وتفتيت الدول العربية والإسلامية وعلى رأسها المغرب، وإن كنتم ترفضونها فأي حق إلاهي هذا الذي أُعطي لكم ولم يعط لباقي الهويات؟
* انظر موسوعة ويكيبيديا النسخة العربية
** اسم مستعار لكاتبين فرنسيين اشتهرا بكتابتهما المشتركة لعدد كبير من الروايات القومية التي تمجد الشعور الوطني.
الحسن جرودي
Aucun commentaire