Home»Débats»وقفة مع قولة لها علاقة بما سمي خطة تسديد التبليغ

وقفة مع قولة لها علاقة بما سمي خطة تسديد التبليغ

0
Shares
PinterestGoogle+

وقفة مع قولة لها علاقة بما سمي خطة تسديد التبليغ

محمد شركي

تداولت وسائل التواصل الاجتماعي فيديو قصير لأحد رؤساء المجالس العلمية في البلاد جاء فيه ما يلي :

  » من أعظم مقاصد خطة تسديد التبليغ إحياء صورة التدين الصحيحة التي يبلغ بها الإنسان حالة الرشد في التدين ، وهذا مقصد قريب ، والمقصد البعيد هو الوصول بهذا الدين الراشد إلى حالة من الحياة الطيبة « .

وأول ما يستوقف في هذه القولة أنها خلاصة كلمة وزير الأوقاف المطولة التي ألقاها في جمع من التابعين إلى وزارته . ولا شك أن المستوى العلمي والأكاديمي لصاحب هذه القولة، جعله يجنح إلى الإيجاز أو إلى ما قل ودل ، بينما أطال الوزير، وأطنب .

ولقد جعل صاحب القولة لخطة تسديد التبليغ التي تبنتها وزارة الشأن الديني مقصدين ميز بينهما  من خلال عامل الزمن قربا وبعدا . أما المقصد القريب، فهو كما جاء في القولة :  » إحياء صورة  التدين الصحيح التي يبلغ بها الإنسان حالة الرشد في التدين « . ويستوقفنا في ألفاظ هذه العبارة ما يلي :

1 ـ لفظة : إحياء :  ودلالتها تستدعي استحضار دلالة ما يناقضها، وهو الموت أو الموات أو الإماتة ،والدلالتان معا مجازيتان ، وتقابلهما دلالتان حقيقيتان  كما جاء في بعض آي الذكر الحكيم نذكر منه قوله تعالى : (( إن الله له ملك السماوات والأرض يحيي ويميت))  ، علما بأن الذكر الحكيم لا يخلو أيضا  من دلالة مجازية للحياة والموت كقوله تعالى : (( أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها )) .

2 ـ لفظة صورة :  والتي تقابلها  لفظة شكل، وقد أضيفت إليها لفظة تدين

3 ـ لفظة تدين  : والتي تعني اتخاذ دين أو ممارسته إجرائيا .

4 ، لفظة صحيح : والتي تقابلها لفظة خطأ ،وقد وردت صفة أو نعتا للفظة تدين.

وعندما تجتمع هذه الكلمات في جملة :  »  إحياء صورة التدين الصحيح  » ، فإن ما يخطر على البال هي  أن التدين في بلادنا حسب  صاحب القولة، هو تدين خاطىء أو منحرف أو هو في حكم الموات، لهذا اقتضت حاله الإحياء والتصحيح أو التسديد . ولا شك أن صاحب القولة اقتبس لفظة الإحياء من عنوان مؤلف الإمام أبي حامد الغزالي :  » إحياء علوم الدين  »  فهل انطلق صاحب القولة من منطلق الإمام الغزالي الذي عبر في مقدمة مصنفه عن سبب تأليفه ؟ بقوله

:  » أدلة الطريق هم العلماء ، الذين هم ورثة الأنبياء ، وقد شغر منهم الزمان ، ولم يبق إلا المترسمون ، وقد استحوذ  على أكثرهم الشيطان ، واستغواهم الطغيان ، وأصبح كل واحد بعاجل حظه مشغوفا ، فصار يرى المعروف منكرا ، والمنكر معروفا حتى ظل علم الدين مندرسا ، ومنار الهدى في أقطار الأرض منطمسا ، ولقد خيّلوا إلى الخلق أن لا علم إلا فتوى حكومة تستعين به القضاة على فصل الخصام عند تهاويش الطغام، أو جدل يتذرع به طالب المباهاة إلى الغلبة والإفحام ، أو سجع مزخرف يتوسل به الواعظ إلى استدراج العوام ، إذ لم يروا ما سوى هذه الثلاثة مصيدة للحرام وشبكة للحطام . فأما علم طريق الآخرة ، وما درج عليه السلف الصالح مما سماه الله سبحانه في كتابه فقها وحكمة وعلما وضياء ونورا وهداية ورشدا ، فقد أصبح من بين الخلق مطويا ، وصار نسيا منسيا. ولما كان هذا ثلما في الدين ، وخطبا مدلهما ، رأيت الاشتغال بتحرير هذا الكتاب مهما إحياء علوم الدين ، وكشفا عن مناهج الأئمة المتقدمين ، وإيضاحا لمباهي العلوم النافعة عند النبيين والسلف الصالح  » .

يبدو أن ما قصده الإمام الغزالي غير قصد  صاحب القولة ، ذلك أن الأول كان سبب استعماله لكلمة إحياء هو تردي التدين في زمانه بسبب فساد من كانوا يتعاطون العلم به والاشتغال بتبليغه من الذين سماهم المترسمين الذين كانت تجرى عليهم رسوم من طرف حكام ذلك الزمان، بينما صاحب القولة أشار إلى انحراف تدين  الناس دون أن يشير إلى المسؤولين عن ذلك ممن أوكل إليهم تدبير الشأن الديني ، وهم يتقاضون رسوما عن ذلك .

ألم يكن أجدر بصاحب القولة أن ينطلق من دلالة اسم الخطة التي أعلنت عنها الوزارة  وهو  » تسديد التبليغ  » ، علما بأن كلمة تسديد  إنما يقتضيها  وجود الاعوجاج أو الانحراف في الشيء أو في الأمر ، والتبليغ هو مسؤولية من يبلغون . فإن كانت الوزارة الوصية على الشأن الديني صاحبة الخطة قد أقرت من خلال التسمية التي وضعتها لها أن التبليغ منحرف أو معوج يتطلب تسديدا ، فهنا يكون من يعنيهم الأمر  هم ممن يعملون تحت إمرتها ،وإذا كان الأمر كذلك ، وحال التدين في البلاد  كما وصفها أصحاب الخطة ، وكما كرر ذلك صاحب القولة بما تحيه عبارته  ، فإنه كان الأجدر أن يقول إحياء صورة التبليغ غير السديد ، لأن في سداد هذا الأخير سداد للتدين إذا سلمنا جدلا بأنه غير صحيح أو هو منحرف كما وصفه صاحب المقولة معمما ذلك  دون استثناء وإلا فالمغاربة ليسوا على وتيرة واحدة في التدين حتى يصح تعميم الحكم عليهم جميعا  خصوصا وأن شرائح  عريضة ترتاد المساجد لحضور صلاة الجمعة ومستوياتها المعرفية لا يمكن  أن تقارن بها مستويات بعض من يعلون المنابر أو كراسي الوعظ والإرشاد خصوصا من هم دون هذه المهمة معرفة ،وأداء، ولغة، وأسلوبا ،وطرحا أو تناولا ومعالجة . ولو أننا راجعنا الجهات المختصة في العمليات الإحصائية الخاصة بالمواطنين بخصوص نسبة أصحاب المستويات المعرفية  في البلاد لخجل من أنفسهم من يعممون وصف انحراف التدين على الجميع دون استثناء .

ولو قبلت الوزارة الوصية على الشأن الديني تحديا نقترحه عليها ، قلنا لها هلاّ جربت توزيع استمارة على مساجد في البلاد تكون بمثابة عينة ممثلة تسألين فيها عن آراء المتديين في المبلغين وفيما يبلغونه عنك ؟ ولعلها إن فعلت، وما أظنها فاعلة ، ستراجع ما زعمته من وجود هوة بين الدين وبين التدين في بلادنا  تعميما دون استثناء، ولاقتصرت على اتهام  بعض من يعملون تحت سلطتها ،وقد انتدبتهم لهذا التبليغ وهم دون مستواه ، والحالة أن الوزير ينهج سياسة عزل كل خطيب له رصيد معرفي ، ليعوضهم ببعض ممن يسلسون له القياد ، ولا يتطرقون إلى ما يزعجه من قضايا  المحرمة بالنسبة إليه مع أنها من صميم الواقع المعيش إلا أنه يكره أن تثار خوفا من توعية رواد المساجد الذين لا يعوزهم وعيا ، والذي يمتعضون من خطب ومواعظ لا تلامس شيئا من واقعهم المعيش ، ولا تتطرق إلى أمهات القضايا الملحة  ، ولولا إثم ترك الجمع لما حضر إلا من لا رصيد معرفي لهم من العوام الذين يعودون من الجمع  إلى بيوتهم كما جاءوا كل ما يقومون به أنهم يؤمنون على الدعاء .

وإنني لأذكر جيدا  أن جماعة من الأطباء حضروا درسا من دروس شهر رمضان في مسجد من المساجد، فشرع أحد الوعاظ في الحديث عن فضل الصيام من الناحية البدنية ، وخاض في علم التشريح والطب  الخاص بالبطن وما حوى  بحضور جراحين يزولون  الجراحات الباطنية ، فخرجوا يتفكهون بما حدثهم به. وصادف  عند خروجنا من المسجد أن التقيت  بأحد هؤلاء الأطباء كنت أعرفه، فعبر لي عن استيائه مما سمع من الواعظ ، وسألني لماذا تسمح الجهات المسؤولة عن الشأن الديني لمثل هذا بالخوض فيما لا علم ولا معرفة له به ؟

ومعلوم أن ما حصل مع هؤلاء الأطباء، قد يحصل مع تخصصات أخرى في مجالات أخرى ،يحضرون مواعظ أو خطب يتطفل فيها  بعض الخطباء  والوعاظ على ميادين معرفية ليس بينهم وبينها أدنى صلة ، فيكون رد الفعل كما كان الحال بالنسبة لأهل الطب .

ولنعد الآن إلى المقصد البعيد الوارد في المقولة أعلاه وهو قوله  :  » الوصول بهذا الدين الراشد إلى حال من الحياة الطيبة  » ولنقف عند ألفاظ هذا المقصد أيضا وهي كالآتي :

1 ـ لفظة:  الوصول : التي تدل على بلوغ الغاية  بعد قطع مشوار  قد يطول وقد يقصر.

2 ـ لفظة : الراشد : التي تدل على الاستقامة ، وقد جعلها صاحب القولة صفة للدين ، علما بأن الدين عند الله عز وجل كان راشدا منذ أكمله الله تعالى قبل  أربعة عشر قرنا ، ولا يستقيم أن يكون دين الله  غير راشد ثم يصير راشدا بعد ذلك ، ولو قال صاحب القولة تدين راشد لاستقام كلامه ووصفه، لأن التدين مهما كان لن يكون راشدا، بل لا بد أن يشوبه النقص .

3 ـ  عبارة : حال الحياة الطيبة : فلفظة حال تطلق على الظرف ، وعلى الوضع ، و الحال أوالوضع هنا هو ما سماه صاحب القولة  » الحياة  الطيبة « ، ولا ندري ما طيبوبتها بالنسبة إليه ؟ وهل يقصد الحياة الدنيا أو مطلق الحياة دنيا وآخرة ؟ أما صفة طيبة التي تعني حسنة، فتناسب الحياة الأخرى في جنة الله عز وجل  ، أما طيبوبة الحياة الدنيا، فهي إلى زوال كزوال هذه الدنيا نفسها ، وبذلك قد وصفها الخالق سبحانه وتعالى .

ولعمري إن أهل النهى إنما يلتمسون من طيب الحياة ما كان دائما ، وما أشد خسارة وخيبة وحسرة من وصل بتدينه الراشد  ـ حتى لا نقول دينه الراشد  كما قال صاحب القولة ـ  إلى طيب الحياة الزائلة  الفانية ، وهو مقصد حتى  من لا دين ، ولا تدين له .

ونختم بالقول إن ما سمي خطة تسديد التبليغ قد اضطلع بها سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم الذي بلغ الرسالة، وأدى الأمانة ،ولم يخش في الله لومة لائم ، فمن سار على نهجه،  وكان أمره موكولا إلى الله تعالى بلغ السداد ، ومن تنكب نهجه ، وكان أمره لغير الله تعالى، فلا سداد له وإن ادعاه.

ولن يصلح أمر الخطابة والوعظ في بلادنا إلا حين تكون للخطباء والوعاظ استقلالية كاستقلال القضاء في البلاد التي تحسن الفصل بين السلط . وما دام الخطباء والوعاظ لقما سائغة يبتلعها من لهم مسوؤلية الشأن الديني ، ومن لهم غير هذه المسؤولية ، فلا خطابة ولا وعظ ، ولا سداد للتبليغ الذي  يخضع لمقص الرقابة ، وهو ما لا يرضاه أهل الصحافة بله يرضاه أهل الخطابة والوعظ .

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *