رئيس مجلس النواب يترافع عن بنموسى!
اسماعيل الحلوتي
عديدة هي المناسبات التي يجد فيها مواطنون مغاربة كثر أنفسهم مضطرين إلى تأكيد صحة أقوالهم أو إعطائها قوة في الإقناع، سواء تعلق الأمر بمواضيع للنقاش أو الكتابة، من خلال العودة للذاكرة الشعبية بغرض استخراج ما يرونه من أمثال كفيلة بمساعدتهم في الاستشهاد بها عن عدم كفاءة أو فساد البعض ممن أنيطت بهم مسؤولية تدبير الشأن العام، وانتقاد تقصيرهم وتدبيرهم السيء وغيره.
وبمناسبة ما سجلناه في هذا الصدد من دفاع مستميت عن وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة شكيب بنموسى في معركة « كسر العظم » مع الشغيلة التعليمية، من طرف رئيس مجلس النواب والقيادي البارز بحزب « الأحرار » رشيد الطالبي العلمي، صباح يوم الأحد 19 نونبر 2023 إبان حلوله ضيفا على البرنامج الإذاعي الشهير « ديكريبطاج » بإذاعة « إم إف إم »، ارتأينا أن نستحضر هنا المثل الشعبي القائل: « شكون اللي يشكر العروسة؟ أمها وخالتها والحزارة جارتها… »، الذي عادة ما يتم اعتماده في الاحتجاج على من ينحاز لشخص مقرب أو مدحه.
حيث أنه وفي خضم المعركة الدائرة رحاها بين الوزير بنموسى والتنسيق الوطني لقطاع التعليم والنقابات التعليمية، على خلفية النظام الأساسي الجديد المصادق عليه في المجلس الحكومي المنعقد بتاريخ: 27 شتنبر 2023، الذي أثار موجة من الغضب وأخرج عشرات الآلاف من الأساتذة للتظاهر، حتى أن الإضرابات المتواصلة شلت مؤسسات التعليم العمومي في كافة جهات المملكة، إذ اعتبر المضربون عن العمل نظام بنموسى أو ما بات معروفا إعلاميا ب »نظام المآسي »، نظاما تعسفيا وإقصائيا ودون مستوى تطلعاتهم، فضلا عن أنه يهدف إلى الحط من كرامتهم ويطوقهم بمجموعة من المهام والعقوبات المستفزة وغير المبررة.
أبى رئيس مجلس النواب رشيد الطالبي العلمي إلا أن يتقمص دور المحامي، ويؤكد في مرافعته خلال البرنامج السالف الذكر أن ملف إصلاح التعليم مازال بيد وزير التربية الوطنية شكيب بنموسى على عكس ما يتم الترويج له، معتبرا أن هذا الأخير استطاع إدارة الحوار مع النقابات المعنية بموضوعية وحياد. ولم يفته التنويه بمساره الطويل على مستوى التدبير العمومي عبر عدد من المناصب التي شغلها، مما يجعله ملما بجميع السياقات والمفارقات والخلفيات الخاصة بهذا الملف.
فلا أحد من المغاربة يشكك في حصول مهندس النموذج التنموي الجديد على شهادات علمية عليا من كبريات المعاهد والكليات الأجنبية، خولت له البصم على مسار طويل في تدبير الشأن العام وتقلده عدة مناصب وازنة، لكننا لا نعتقد أنه استطاع إدارة الحوار مع النقابات التعليمية الأكثر تمثيلية بما يلزم من كفاءة وقدرة على التفاوض والإقناع، وإلا ما كان ليقوم بتهريب مشروع النظام الأساسي للحكومة قصد المصادقة عليه، حتى قبل نهاية المهلة التي منحتها وزارته للنقابات قصد إبداء ملاحظاتها وتقديم اقتراحاتها، وما ترتب عن ذلك من غليان داخل الساحة التعليمية.
ثم كيف يمكن لرئيس مجلس النواب إقناع المستمعين للبرنامج إياه، بكفاءة وزير أثار موجة من السخرية غير مسبوقة، حيث قال بنموسى بكل جرأة ولغة ركيكة أثناء رده على أسئلة المستشارين في جلسة الأسئلة الشفوية بالغرفة الثانية للبرلمان مساء يوم الثلاثاء 24 أكتوبر 2023، بأن هناك عدة سبل للأستاذ في الرفع من دخله الشهري، ومنها الانخراط في الساعات الإضافية المؤدى عنها، والقيام ببعض الأنشطة الأخرى مثل تصحيح أوراق الامتحانات الإشهادية، وهو ما يؤكد مدى جهل « المهندس الكبير » بما يجري من حقائق صادمة داخل وزارته ليس فقط على مستوى تباين التعويضات بين المنتسبين إليها، بل كذلك على مستوى معاناة نساء ورجال التعليم في مختلف الفئات والهيئات التعليمية.
فهل من الكفاءة في شيء أن يتواصل إضراب الشغيلة التعليمية بمختلف أطيافها لأزيد من خمسة أسابيع وتهدر آلاف الحصص الدراسية لتلاميذ أبرياء، دون أن يكون قادرا على إيقاف هذا النزيف الحاد، وأن يتدخل رئيس الحكومة أخنوش يوم الاثنين 30 أكتوبر 2023 لعقد لقاء مع النقابات التعليمية الموقعة على اتفاق 14 يناير 2023، بحثا عن الحل الذي عجز عن إيجاده الوزير بنموسى، وإبداء موافقته المبدئية على تحسين مضامين النظام الأساسي؟ وليس هذا وحسب، بل إنه اضطر إلى تكليف وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والشغل والكفاءات يونس السكوري للنيابة عنه في اجتماع آخر مع النقابات يوم الجمعة 3 نونبر 2023 على أن يوافيه بتقرير مفصل في الموضوع…
إن ما لا ينبغي أن يغيب عن ذهن رئيس مجلس النواب ومعه رئيس الحكومة وغيرهما من كبار المسؤولين، هو أنه « ليس كل ما يلمع ذهبا »، فوزير التربية الوطنية يتوفر حقا على أعلى الشهادات العلمية وتحمل عدة مسؤوليات كبرى، بيد أن هذا كله لا يعني أن بمقدوره حمل حقيبة أي قطاع مهما كانت حساسيته من قبيل قطاع التعليم، الذي توليه الدولة اهتماما خاصا وتحرص جيدا على تقوية حضوره في منظومة التنمية، باعتباره قضية وطن بكامله وهو أيضا مصنعا لإنتاج عقول الأجيال.
وتكمن صعوبة وزارة التربية الوطنية في أنها رغم تناوب عدة شخصيات سياسية وتكنوقراط على حمل حقيبتها منذ فجر الاستقلال، ومحاولتهم مواجهة الأزمة والتصدي لاحتقان الساحة التعليمية بشتى الوسائل والوعود والوصفات الإصلاحية، فإنهم أخفقوا جميعهم في تجاوز الاختلالات البنيوية والهيكلية، في ظل غياب الإرادة السياسية الحقيقية والحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة وغيره كثير…
Aucun commentaire