مقال في شأن مطالب جمعيات العلمانيين في موضوع تعديل مندونة الأسرة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحسن جرودي
فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا؟
كثيرا ما نسمع ونقرأ عن مخاطر التضليل الإعلامي، في تشويش الحقائق وخداع الرأي العام، لكن لا أحد من الذين يمارسونه على أرض الواقع، يقر بتعاطيه له، لذلك وجب على كل قارء حصيف أن يدقق في الحمولة اللغوية، لكل المواد الإعلامية التي يتناولها، حتى يميز الخبيث من الطيب، ولعل المقال الذي ورد بإحدى الجرائد الإلكترونية الكثيرة التداول تحت عنوان: جمعيات المجتمع المدني ترفع شعار « التعديل الشامل والجذري » لمدونة الأسرة، من بين الأمثلة التي يُشتم منها هذا التضليل، بدءا بالعنوان نفسه، بحيث يُفهم منه بأن كل جمعيات المجتمع المدني ترفع هذا الشعار، وذلك من خلال تعمد صاحب المقال استعمال أسلوب التنكير عوض التعريف، بتلك الجمعيات التي ترفع هذا الشعار، والواقع أن هناك مجموعة من « العصابات » المفبركة التي لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، والتي يُوفر لها كل الدعم المادي والسياسي، حتى تستولي على الساحة الإعلامية، وتعطي الانطباع وكأنها تمثل أغلبية المجتمع المغربي الذي تتكلم باسمه بغير وجه حق.
والغريب في الأمر، هو الإصرار الذي تتصف بهذه « الجمعيات »، على الرغم من الاصطدام المتكرر لأطروحاتها بمجموعة من الثوابت، التي لا يمكن للمغاربة التخلي عنها بأي ثمن كان، أهمها تنصيص الدستور على كون الإسلام دين الدولة، معززا بتصريح الملك باعتباره أميرا للمؤمنين، الذي يقر فيه بأنه لا يحلل حراما ولا يحرم حلالا، ومع ذلك، وكأن في أذنيها وقرا، نجدها بمناسبة وبغير مناسبة، تكرر طرح المطالب التي أُمرت بالدفاع عنها، والتي ورد بعضا مما يتم تداوله بمناسبة التعديل المرتقب لمدونة الأسرة، في المقال المشار إليه أعلاه وهي كالآتي: القطع مع تزويج القاصرات، منع تعدد الزوجات، احترام إرادة النساء في العقد مع تضمينه قضية اقتسام الممتلكات، حق اختيار النظام المالي للزوجين، تعديل مقتضيات الطلاق والولاية عن الأبناء، الدعوة إلى القضاء على كل أشكال التمييز ومنح الأطفال جميع حقوقهم بعد إثبات النسب، ضرورة مراجعة منظومة الإرث على قاعدة المساواة، إلغاء التعصيب، طرح قضية الوصية، القضاء على التمييز في الزواج بسبب الدين، والإقرار بضرورة اقتسام الممتلكات بين الزوجين والاعتراف بالعمل المنزلي للنساء.
لا أريد في هذا المقال مناقشة هذه « المطالب » ولا الرد عليها، لأن عددا كبيرا من العلماء والدعاة جازاهم الله عنا خيرا قاموا بتسفيهها، والكشف عن المخاطر المجتمعية التي تُفضي إليها، بغض النظر عن كونها تهدف بالأساس إلى علمنة المجتمع، وإقصاء الإسلام من حياة المغاربة.
أخيرا أتساءل، على غرار قول الله عز وجل في الآية 78 من سورة النساء﴿ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا ﴾ عن كيفية قراءة القوم لتفاعل المغاربة مع الأحداث والوقائع، التي عشناها خلال الزلزال، والتي نعيشها حاليا من خلال أحداث غزة، بحيث يُعتبر الوازع الديني، الذي يحاربونه بكل ما أوتوا من قوة، من أهم الدوافع التي أدت إلى انخراطهم التلقائي في مساعدة إخوانهم الذين تضرروا من الزلزال، وفي المشاركة المكثفة في التظاهرات الحاشدة، التي عمت جل مدن المغرب، لأجد الجواب في ثنايا كتاب الله العزيز الحكيم في الآية 179 من سورة الأعراف حيث يقول سبحانه وتعالى: ﴿ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴾. صدق الله العظيم.
الحسن جرودي
Aucun commentaire