الانتساب إلى الأفاضل لا يُحوِّل الرذائل إلى فضائل
بسم الله الرحمن الرحيم
الحسن جرودي
الانتساب إلى الأفاضل لا يُحوِّل الرذائل إلى فضائل
عندما يصرح شخص ما بأنه مسلم أو مسيحي أو يهودي أو بوذي… بالميلاد، فأول سؤال يتبادر إلى الذهن، هو ما مدى ثباته على العقيدة التي ولد في أحضانها؟ وإن كان الأمر كذلك، نسأله عن مدى استيعابه لشرائعها، وعن درجة التزامه بها، في التعبير عن مواقفه بوضوح، كلما تَتَطلَّب الأمر منه ذلك. أعتقد أن هذا الكلام ينطبق على كل الذين يَهُمُّهم الانسجام مع أنفسهم، بخصوص توافق المعتقَد الذي تَكوَّن لديهم عن وعي واقتناع وهم راشدون، مع ذلك الذي ترعرعوا في كنفه وهم دون سن التكليف، غير أني في هذا المقال أخص بالذكر الكاتب « الفرنسي المغربي » الطاهر بنجلون، الذي ربط موقفه الأخير من حركة حماس بكونه مسلما بالميلاد، وذو ثقافة وتربية مغربية تقليدية، لأتساءل عما إذا يهدف من خلال هذا الربط إلى دعوة المغاربة للاقتداء به، في تحديد موقفهم من حركة حماس؟ ليتماهى بذلك مع موقف وزير الخارجية الإسرائيلي، عندما صرح بأنه على « الشعب المغربي أن يدين الأعمال الإرهابية والبشعة لحركة حماس، وجرائم القتل التي ارتكبتها في يوم السبت 7 أكتوبر الجاري »، أم أن لديه انفصام وعدم انسجام بين العقيدة التي وُلد فيها، والثقافة والتربية المغربية التقليدية من جهة، وبين معتقده وتربيته الحالية؟ وهذا ما يُستشف من تَسرُّعه في التعبير عن موقفه من حماس، بمجرد مشاهدته لبعض الصور والفيديوهات المفبركة، وهو يعلم مكر اليهود وتفننهم في لعب دور الضحية، مما يَنِم عن جهله أو تجاهله لقواعد الشريعة الإسلامية، وإلا فالتريث والتبين هو ديدن المؤمنين في مثل هذه السياقات، انطلاقا من قول الله جل جلاله الذي لا يَحتمل التأويل في الآية 6 من سورة الحجرات:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾.
ومما يدل على انحياز صاحبنا للأطروحة الإسرائيلية، سكوته عن جرائم الإبادة، التي تستهدف البشر والشجر والحجر، قبل وبعد السابع من أكتوبر، فَلْنَعتبر جدلا أن حماس قتلت أطفالا ونساء، وهو ما كذبته عدد من وسائل الإعلام الإسرائيلية نفسُها، فهل قَتْلُ أطفال ونساء غزة والتمثيل بجثث رجالها، عمل يستحق الإشادة؟ أم أن قصف مستشفى المعمداني عمل بطولي ضد الإرهابيين يتعين تمجيده والتنويه به؟ كيف يسكت عن كل هذه المجازر في حق المدنيين العزل حتى مع اتهامه حماس بكونها حركة إرهابية، وهو الذي يقول في كتابه » الإرهاب كما نشرحه لأبنائنا » موجها كلامه لابنته: « لا يمكن لدولة القانون أن تَرُدَّ على الإرهابيين باعتماد ما يعتمدونه من عنف أعمى واعتباطية، فلا يجوز أن تكون عدالتان، واحدة للمواطنين المسالمين، وأخرى للذين يحملون السلاح لاقتراف الجرائم في حق الأبرياء ». ويبدو تحيزه لإسرائيل أكثر وضوحا، في الصفحة 21 من النسخة الإلكترونية لنفس الكتاب، عندما أراد أن يعطي لابنته أمثلة للإرهاب، بحيث ركز على العمليات الإرهابية المنسوبة « للمسلمين »، التي استهدفت اليهود، كحادثتي الباتكلان، وشارلي إيبدو بفرنسا سنة 2015، بينما تعمَّد القفز على استفزاز العالم الإسلامي، بالإساءة إلى رسوله الكريم، عن طريق الرسوم الكاريكاتورية والأفلام السنيمائية، كما تعمد عدم ذكر العمليات الإرهابية التي تورط فيها غيرُ المسلمين، كما هو الشأن بالنسبة لأحداث 22 يوليوز 2011 بالنرويج، التي ذهب ضحيتها 69 شخصا، ناهيك عما يجري من إرهاب للمسلمين في الهند وفي الإيغور بالصين. والخطير في الأمر هو زرع واستنبات الحقد على الإسلام والمسلمين، لدى ابنته، ومن خلالها لدى الناشئة التي تقرأ له، بتنمية الشعور لديهم بكون الإرهاب مرتبط بالإسلام والمسلمين.
وأنا بصدد كتابة هذا المقال، لازمني سؤال بخصوص تصريحه بهويته الإسلامية المغربية، في الوقت الذي اتخذ فيه موقفا معاكسا لها تماما، ألا يكون لجنسيته المزدوجة يد في هذا التذبذب بين القول والفعل؟ مما يدفعه لأن « يُمسك العصا من الوسط » كما يقال، حفاظا على مصالحه، بحيث يكون مع طرفي النزاع إلى حين تفوق طرف على آخر ليكون معه، والوسط في مثل هذه الحالات هو « المستنقع بعينه » حسب تعبير لينين، أما الحياة « فموقف »، لذلك أقول له بأنه لا يمكن له أن يوفق بين الجنسية المغربية ذات المرجعية الإسلامية، وبين المرجعية الفرنسية ذات المرجعية العلمانية المتطرفة، التي بلغ بها الحقد على الإسلام إلى حد سلب المسلمين حريتهم في أدنى مستوياتها المتمثلة في اللباس، فإذا رغب في أن يكون فرنسيا فذلك شأنه، ومن ثم فليس لأحد الحق في مجادلته في مواقفه ما دامت منسجمة مع هذا الاختيار، أما إذا كان مغربيا مسلما، فمواقف المغاربة المسلمين واضح من القضية الفلسطينية، ومن كل فصائلها المجاهدة في سبيل استرجاع أرضها المغتصبة منذ 1948، والحفاظ على مقدساتها من تدنيس العدو الصهيوني، لذا فالتذبذب بين الجنسيتين حسب تقديره للجهة التي تخدم مصلحته غير مُجِدٍ، وإنما يتعين عليه الحسم في جنسيته، حتى لا يكون أقل شجاعة من اليهودي المغربي جاد المالح، الذي أفحم وسائل الإعلام الفرنسية، عندما صرح بِملْءِ فيه، بأنه مواطن مغربي مهاجرٌ بفرنسا، ولا أقل جرأة من أحمد الشرعي الذي تحدى كل المغاربة، من خلاله مقاله « كلنا إسرائيليون »، فإما أن يكون ولاءه لبلده الأصلي ولثوابته، وإما أن يكون لفرنسا، ومن ثم بالضرورة لإسرائيل ومن معها، حتى لا يعتقد أن مجرد انتسابه الصوري للإسلام والمغرب، من شأنه أن يحول سيئاته إلى حسنات ورذائله إلى فضائل. وفي هذا الصدد أوجِّه كلمة لكل الذين يعتبرون أنفسهم أذكياء بحصولهم على جنسية ثانية، حتى إذا أصابهم أو أصاب بلدهم الأصلي مكروه، أو أصابته دائرة، حسب التعبير القرآني، هرعوا للاحتماء بها، وتنكروا لكل النعم التي أنعم عليهم بها بلدهم الأصلي هذا، متناسين أن الله سبحانه وتعالى هو من يدبر الأمور، وهو من يفرِّج الكرب والضوائق، وأن لا ملجأ من الله إلا إليه، ولعل دعوة الله الأزلية للمؤمنين من عدم تولي اليهود والنصارى، تبقى سارية إلى يوم القيامة، عملا بقاعدة « العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب » إذ يقول عز من قائل في سورة المائدة:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52) ﴾صدق الله العظيم.
Aucun commentaire