Home»Débats»تعديل المدونة بين الأسرة وكأس العالم 2030

تعديل المدونة بين الأسرة وكأس العالم 2030

0
Shares
PinterestGoogle+

بسم الله الرحمن الرحيم

الحسن جرودي

تعديل المدونة بين الأسرة وكأس العالم 2030

تزامنا مع الشروع في مراجعة مدونة الأسرة، من قبل الأطراف التي عينها جلالة الملك، أصبح الحديث سواء في وسائل التواصل الاجتماعي، أو حتى في المقاهي والجلسات العائلية، مُنْصَبَّا على انتظارات وتمثلات كل طرف لما ستسفر عنه هذه التعديلات. فإذا كان سواد المجتمع متمسكا بشرع الله، ويَنتظِر ألا يَخرُج التعديل عن الضوابط الشرعية، على الرغم من وجود نقص-حتى في الإلمام بالمعلوم بالضرورة من الدين -لدى عدد منهم، مما يحيلهم على الاستنارة بما تجود به قريحة مجموعة من العلماء والدعاة الذين يبذلون كل ما في وسعهم لتوعية الناس، بما يحاكُ لهم لإفساد عقيدتهم، من خلال تفسيرات وفهوم سخيفةٍ للمُحكَم من الدين قبل المتشابه منه، ما أنزل الله بها من سلطان. في المقابل نجد طائفة من الأغرار المُجرَّدين بأدنى عناصر المناعة الفكرية، بحيث ينحصر هَمُّ طائفة منهم في إشباع رغباتهم الجنسية، بينما تَعْمَد طائفة أخرى إلى التعبير عن مخالفتهم لقيم المجتمع والتمرد عليها، في إطار العنفوان الذي تتميز به فترة المراهقة التي قد تطول مدتها لدى عدد منهم، مُستَلَبين في ذلك بتلك الشرذمة المتعلمَنة، التي سُخِّرت لها كل الوسائل للقيام بالدعوة إلى إحداث مدونة مدنية مستقلة تماما عن الدين الإسلامي، بما يتماشى مع تطبيق مطالب الأمم المتحدة بخصوص الحريات الفردية من زنا (رضائية)، ومثلية (شذوذ وسحاق) وإجهاض، وإفطار علني في رمضان…  

إلى هذا الحد يبقى الأمر في إطار التدافع بين الخير والشر في أدنى مستوياته، لكن عندما يدخل وزير العدل على الخط لينغمس بكيفية مُبتذَلة في العمل على إلغاء مجموعة من الأحكام الشرعية في دولة إسلامية، فهذا أمر يُطرح معه أكثر من سؤال. فعلى الرغم من كون تصريحاته تُعبِّر عن انخراطه التام في مجمل الطرح العَلماني، فسوف أكتفي بالتعليق على موقفه من مسألة ضرورة الإدلاء بعقد الزواج، عند طلب رجل مرفوق بامرأة، غرفة نوم مشتركة بفندق من الفنادق، حيث  صرح أن هذا الإجراء غير قانوني، ومن ثم يُمكِن لمن حُرم من الحصول على غرفة رفقة زوجته أو خليلته، أن يقدم دعوة قضائية ضد صاحب الفندق المعني، لكن في المقابل، لست أدري هل نسي السيد الوزير (المحامي) أو تناسى، أنه في حالة وقوع حادثة أو جريمة، وهو أمر جد وارد، خاصة بالنسبة للفنادق التي تُوفر الخمور وما لا تحلو الخُمرة إلا به، أنَّه يمكن محاسبة صاحب الفندق قانونيا بتهمة المشاركة في الجريمة، وإغماض العين عن الفساد. وفي هذا الصدد، وعلى اعتبارا أننا في بلد يدين أهله بالإسلام، أقول: إذا لم يكن هناك قانون يطالب الرجال المصحوبين بخليلاتهم بالإدلاء بعقد الزواج أو ما يقوم مقامه، فما المانع من إيجاده؟ خاصة وأن الله سبحانه وتعالى يأمر بسد كل الذرائع والمنافذ المؤدية للزنا من خلال قوله جل في علاه في الآية 32 من سورة الإسراء:﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا ﴾. ومهما حاول السيد الوزير البحث عن تبرير مَوْقفِه هذا، فإن السماح لرجل وامرأة أجنبية بولوج غرفة نوم مشتركة بفندق معين، لن يكون أقل من دعوة صريحة لفتح الباب على مصراعيه أمام ممارسة هذه الفاحشة التي تعتبر من الكبائر في الإسلام، لأنهم يتعدون ما أحل الله من الفروج إلى ما حرمه منها، مصداقا لقوله تعالى في سورة المؤمنون:﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7) ﴾

إذا علمنا أن مُنطلَق الفريق الذي يطالب بمدونة تحترم الشريعة الإسلامية، يرتكز على مبدأ ثابت عبر الزمان والمكان، ألا وهو الحلال والحرام، مُبَرِّرُهم في ذلك إرضاء الله والفوز بالجنة، فإن منطلق الفريق الذي يطالب بعلمنة المدونة، لا مبدأ يرتكز عليه غير الانسياق وراء الشهوات الغريزية التي تندرج ضمن « البعد الفلسفي لمبدأ اللذة » الذي يؤدي بالضرورة إلى الشذوذ الجنسي حسب المفكر المصري الراحل عبد الوهاب المسيري إذ يقول رحمه الله « أعتقد أن الشذوذ هو النتيجة المنطقية والترجمة الوحيدة الأمينة لمبدأ اللذة النفعي ».

للتغطية على هذه النتيجة الكارثية على كل المجتمعات التي تنساق وراء هذا المُنطلق، يعتمد العلمانيون عندنا مجموعة من المبررات، أهمها مبرر ضرورة وفاء المغرب بالتزاماته تجاه الأمم المتحدة في موضوع حقوق الإنسان الكونية، مستندين في ذلك على الصياغة المُبهمة للدستور التي يمكن أن يُفهم منها أن الاتفاقيات الدولية المصادق عليها تسمو على التشريعات الوطنية. هناك مبرر مُستجد يعتبر بمثابة هدية لم يكونوا ليحلموا بها مجرد حلم، ألا وهي مناسبة مساهمة المغرب في تنظيم مباريات كأس العالم لكرة القدم 2030، وهي مناسبة « ثمينة » أتخيل أنهم سيستغلونها إلى حد المطالبة بمدونة تسمح بارتكاب كل الموبقات التي تُرضي شذوذ جماهير البلدان الغربية، ومن ثم فعوض المطالبة بمدونة للأسرة، سينقلب الأمر إلى المطالبة بمدونةٍ لكأس العالم لكرة القدم، لولا الالتزام الصريح لأمير المؤمنين بعدم تحريم حلال ولا تحليل حرام.

بقدر ما يُعتبر هذا الحدث مبررا للعلمانيين ولوزير العدل، للدعوة إلى التفسخ والانبطاح للقيم الغربية، فإنه تَحَدٍّ لكل الذين لا يرضون بديلا عن تحكيم الشريعة الإسلامية، في إعداد بنود المدونة المرتقب تعديلها، لا من حيث العمل فقط على الحفاظ على المستوى الذي أبانت عليه قطر في تنظيمها لكاس العلم 2022، بل يتعين الاستفادة منه، والعمل على تجاوزه إلى مستوى أرقى، من خلال معالجة كل المظاهر السلبية التي يتعين دراستها بعمق، وإيجاد الآليات المناسبة لتفاديها، مع العلم أن التنظيم الثلاثي يمكن اعتباره نقطة قوة للمغرب، بحيث يُعتبر الإفصاح المسبق وبآجال معقولة عن المبادئ والأخلاق التي يتعين الالتزام بها من قبل الجماهير، بمثابة إخبار لكل الذين لا ينوون الالتزام بها ، ومن تغيير وجهتهم إلى البلدين الآخرين، وقد تكون مناسبة، لم لا، للمقارنة بين جودة التنظيم ببلد ذو ثقافة إسلامية وآخرين ذوا ثقافة علمانية.

الحسن جرودي

 

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *