لمن الأولوية؟ لتعقب الباعة المتجولين، أم لإزالة خطر الحيوانات الضالة؟
بسم الله الرحمن الرحيم
لمن الأولوية؟ لتعقب الباعة المتجولين، أم لإزالة خطر الحيوانات الضالة؟
لا يملك أي مواطن غيور على سمعة وطنه، إلا أن يندد بتلك الفوضى التي يتسبب فيها عدد من الباعة المتجولين أمام مجموعة من المساجد، وفي بعض الأزقة بالشكل الذي يصعب على سكانها، في أوقات معينة، ولوج منازلهم حتى وهم راجلون، أما بالنسبة لأصحاب السيارات فتلك قصة أخرى، بحيث يتجمع عدد من أصحاب الدراجات الثلاثية العجلات، ومعهم في بعض الحالات حتى وإن قَلَّتْ، بعض أصحاب العربات المجرورة بالدواب. إلى هذا الحد يبدو الأمر شبه عادي لأننا طبَّعنا معه، بسبب المصلحة الآنية، المتمثلة في إعفائنا من الانتقال خارج الحي، لقضاء تلك الحاجات التي يوفرها هؤلاء الباعة، غير أن الأمر يصبح غير مقبول أخلاقيا قبل أن يُقبل قانونيا، خاصة عندما تُعرقَل عملية المرور، بل وتصبح مستحيلة أحيانا، وعندما تترُك الدواب فضلاتها منثورة وراءها، وعندما يمتزج صياح الباعة بنهيق الحمير، إلى حد إفساد صلاة المصلين، وحرمان السكان المعنيين براحتهم وسكينتهم. وهو الأمر الذي يُطرح معه سؤال الحل بحدة؟ مع العلم أن عددا كبيرا من المصلين، ومن السكان المعنيين بشكل مباشر، يقتنون احتياجاهم لدى هؤلاء الباعة، في نفس الوقت الذي يدينون فيه هذه التصرفات.
ولعل أول ما يتبادر إلى الذهن، هو تطبيق القانون، وبهذا الخصوص تجدر الإشارة إلى أن منظومتنا القانونية تتوفر على قوانين تضاهي، وقد تتفوق على، قوانين مجموعة من الدول التي توصف بأنها متقدمة، غير أن الإشكال عندنا يكمن في مدى قابلية تنزيلها على أرض الواقع، ذلك أننا نتوفر على سبيل المثال لا الحصر على: قانون منع السكر العلني، قانون الإخلال بالحياء العام، قانون عدم بيع الخمور لغير المسلمين، قانون منع التدخين في الأماكن العمومية، وهلم جرا، لكن أثر هذه القوانين في الواقع العملي ضئيل جدا إن لم يكن منعدما.
عود على بدء، وبخصوص الباعة المتجولين، يُلاحظ أن السلطات المعنية تقوم من حين لآخر بحملات لإخلاء هؤلاء الباعة من بعض الأماكن، كما عاينتُ ذلك بأم عيني صباح يوم الاثنين 10/09/2023 قرب أحد المساجد، لكن سرعان ما يعودون إليها، بمجرد مرور دوريتها، أو في أحسن الحالات يتحولون إلى أماكن أخرى لا يخلو تواجدهم فيها من نفس المشاكل، ويتكرر الأمر، ليصبح مع مرور الوقت عبارة عن مسرحية، يَخفُت فيها الدور الحازم للسلطة، مقابل استئساد بعض الباعة الذين أصبحوا يتجرؤون على بعض المسؤولين دون أدنى حرج، ليبقى المشكل مطروحا، بل ويزداد حدة يوما بعد، مما يُطرح معه سؤال وجود أو غياب قانون خاص بتنظيم أو منع هذه الممارسات، التي لا تضر ببعض المواطنين، أو بجمالية المكان فحسب بل تضر حتى بهيبة السلطات المعنية.
حسب المعلومات التي زوَّدني بها أحد الباعة المتجولين الذي استقر قرب أحد المساجد لما يناهز سنتين دون مشكل يذكر، حتى أنه استطاع بخُلُقِه الحسن، اكتساب احترام جل مرتادي المسجد، الذي كان ولا يزال واحدا منهم، قبل أن يلتحِق به آخرون، كانوا حسب تقديري سببا في إثارة انتباه السلطات. قلت حسب هذه المعلومات، يبدو أن عددا من هؤلاء الباعة هم إما أصحاب سوابق، سُلِّمت لهم هذه الدراجات في إطار المبادرة الوطنية للتنمية، بهدف إعادة تأهيلهم، أو معوَّقين، وأنهم حصلوا على رخص مشروطة بالتزامهم بالمكان المخصص لهم، وهذا الخبر إن صح لا يمكن إلا تثمينه، غير أن المشكل يبقى مطروحا بالنسبة للآخرين الذين ألجأتهم الحاجة لممارسة هذا النوع من التجارة المقنعة، لذا يُطرح السؤال عن طبيعة القانون الذي يحكم هذه الشريحة إن وُجد؟ وإلا فما هي مستندات السلطات في تعقُّبهم؟ وعلى افتراض أن هناك قانون يتم الاستناد إليه، فإني أعتقد أن المشكل يتجاوز الجانب القانوني إلى الجانب الإنساني، بحيث يتم التساؤل: أليس هؤلاء مواطنون مغاربة، أليس لهم الحق في عيش كريم يحفظ لهم ماء وجههم، ويضمن لهم قوت يومهم وقوت عائلاتهم؟ أينحصر قدَرُهم في مطاردتهم من مسجد لآخر ومن زنقة إلى أخرى؟ هل يمكن للمكلفين بتطبيق القانون، على اعتبار أنه موجود، أن يتصوروا الوضعية النفسية لأحد هؤلاء، وهو يدخل على عائلته صفر اليدين، وربما دون دراجته الثلاثية التي قد تُسحب منه، والتي غالبا ما تكون المعيل الوحيد لأسرته التي تتميز بكثرة أفرادها في جل الحالات؟
والشيء بالشيء يذكر، أود أن أطرح سؤالا يخص أساسا بعض المسؤولين الذين يتشددون في تعاملهم مع هذه الفئة، بغض النظر عن كونهم ينطلقون بحرصهم على التطبيق الحرفي للقانون، أو باجتهادهم الخاص لحل هذا النوع من المشاكل، أصيغه على الشكل الآتي: ألا ترون أن هناك أولويات أجدر بالاهتمام من هذا المشكل الذي لا يَجِب إهماله، بقدر ما يتعين العمل على حله من خلال دراسات رصينة ملائمة، تساهم فيها كل الأطراف المعنية، علما أن البلاد تمر بفترة حرجة تتميز بالغلاء الفاحش الذي شمل جل المواد الاستهلاكية، وعلى رأسها البنزين الذي يُعتبر المادة الحيوية لدى جل المواطنين بصفة عامة، ولدى أفراد هذه الفئة بصفة خاصة، مع العلم أنهم يتحركون باستمرار بين مكان وآخر؟. وفي هذا السياق يتعين على هؤلاء المسؤولين أن يعلموا أن الأمر يتعلق بالقوت اليومي لعائلات معظمهم، وبالتالي فإن التضييق عليهم يمكن أن يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه لا قدر الله، بحيث سيضطرون إما للسرقة وإما للاتجار في الممنوعات، وآنذاك سوف لن يكون الحل إذا ما قُبض على أحدهم سوى إيداعه السجن، ليتم العمل بعد ذلك على إعادة تأهيله، وتسليمه من جديد دراجة ثلاثية العجلات أو ما يقوم مقامها، ليتم الدوران بذلك في حلقة مفرغة.
في اعتقادي أنه في انتظار إيجاد الحل الملائم لهذه الفئة، والذي لا تزيده هذه الإجراءات المؤقتة إلا استفحالا، يتعين الانكباب على حل بعض المشاكل التي أصبحت تشكل خطرا على سلامة المواطنين، من بينها على سبيل المثال لا الحصر، مشكل تناسل القطط، والكلاب، بشكل غير مسبوق داخل المدن، والخنزير البري في البادية، ذلك أنه بعدما كان يُسمح بقتلها في الحالات التي يتم إضرارها إما بالأشخاص داخل المدن والقرى بالنسبة للكلاب، أو بالمحاصيل الزراعية في البوادي، بالنسبة للخنزير، أصبحت تصول وتجول بكل حرية، خاصة بعد دخول جمعيات « الرفق بالحيوانات » على الخط وتجريم قاتلها.
أعتقد أني لست في حاجة لإعطاء أمثلة للحالات التي تعرَّض فيها مواطنون لهجوم الكلاب، إن على المستوى الوطني أو المستوى المحلي، خاصة وأن وسائل التواصل الاجتماعي تعج بها، في نفس الوقت الذي قام فيه الأستاذ محمد شركي جازاه الله خيرا، بإعطاء أمثلة حية ضمن مقال له تحت عنوان « تفاقم خطر جموع الكلاب المهددة لسلامة وصحة الساكنة في مدينة وجدة والمقلقة لراحتها »، كما لا يخفى على كل من له علاقة بالبادية على مستوى الجهة الشرقية، تلك الأضرار التي تُحدثها الخنازير البرية بالمحاصيل الفلاحية بمختلف أنواعها، سواء تعلق الأمر بالزراعات الموسمية، أو بالأشجار المثمرة، مثل اللوز والحوامض وباقي الفواكه، خاصة بالنسبة للفلاحين الذين لا يتوفرون على الإمكانات المادية لتسييج ضيعاتهم.
لهذه الأسباب أوجه نداء للسلطات المعنية، وإلى جمعيات « الرفق بالحيوانات » لتتحمل مسؤوليتها إزاء ما قد يحصل للمواطنين من ضرر مادي، ومعنوي بالنسبة للأطفال والنساء على الخصوص، بسبب عجز السلطات عن معالجة ظاهرة الكلاب الضالة، التي أصبحت تتجول في شوارع المدينة دون رقيب ولا حسيب، وبسبب استماتة هذه الجمعيات في « الدفاع » عن حقوقها، مع العلم أن خطرها أصبح يتزايد يوما بعد يوم. وما قيل عن الكلاب ينسحب عن الخنازير البرية، بسبب الخطر الذي تمثله بالنسبة للفلاحين، إن على مستوى محاصيلهم الزراعية، أو على مستوى سلامتهم الجسدية التي تصبح مهددة بمجرد مصادفتها.
في الأخير أقول لهذه الجمعيات، بأن قتل الحيوان بصفة عامة، أو تعذيبه لمجرد التسلية، كما يفعل الإسبان بثيرانهم، وأن تقديسه كما يفعل الهنود ببقرهم، أمر غير مقبول في الإسلام، وإنما تقدر الأمور بمدى جلب المصلحة ودرء المفسدة، على أساس مراعاة الإحسان في القتلة إذا كانت المصلحة تقتضي ذلك، مصداقا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته ». ومن ثم أعتقد أنه في غياب الإمكانات المادية اللازمة للاعتناء بهذه الحيوانات الاعتناء الملائم، من حيث المأوى والمأكل والتطبيب، يبقى الحل الوحيد المقدور عليه، هو قتلها مع اعتماد وسائل « القتل الرحيم » الذي أصبح يُعمل به حتى بالنسبة للإنسان، في عدد من البلدان الأوروبية. وحتى تَطمئن الجمعيات التي تستمد مقاربتها من الغرب، فإني أهمس في أذنها، وأقول لها بأن فرنسا نفسُها سمحت رسميا بقتل 110 ذئب سنة 2021، وقتلت 105 سنة 2020، نظرا لإضرارها بقطيع الأغنام، وذلك رغما على اتفاقية « برن لعام 1979 والتوصية رقم 17 للاتحاد الأوروبي لعام 1989 » وضدا على « جمعية حماية الحيوانات البرية ».
ختاما أتمنى أن يكون حرص إخواننا وأخواتنا بجمعيات الرفق بالحيوان على حياة إخواننا المتضررين من زلزال الحوز، أكثرُ من حرصهم على حياة الكلاب، وما شابهها من الحيوانات التي تشكل خطرا على راحة المواطنين وربما على حياتهم، وذلك بالانخراط الفعال في تقديم المساعدات اللازمة لانتشالهم من آثار الوضعية المادية، والنفسية التي لا يعلم حجمها إلا الله.
نسأل الله أن يرحم الموتى ويتقبلهم في عداد الشهداء، ويشفي المرضى والجرحى، ويرد بالأحياء منا ومنهم إلى دينه ردا جميلا، وصلى الله وسلم على سيد الخلق سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
الحسن جرودي
1 Comment
هاد الجمعيات يبقاو فيهم لكلاب ومايبقاش فيهم الانسان؟؟؟؟؟ شكون اولى.