Home»Débats»القوانين الزجرية بين الحرص والإهمال

القوانين الزجرية بين الحرص والإهمال

0
Shares
PinterestGoogle+

بسم الله الرحمن الرحيم

الحسن جرودي

القوانين الزجرية بين الحرص والإهمال

وأنا أتأمل في التطبيق العملي لمجموعة من القوانين الزجرية ببلادنا، تساءلت عما إذا كانت هناك معايير موحدة يتم تفعيلها أثناء معالجة مختلف الانتهاكات التي يتم ضبطها، أم أن العمل يتم بانتقائية، حسب طبيعة المخالفة، ذلك لأنه لوحظ اعتماد الصرامة في تطبيق بعضها، بينما يتم التغاضي أو التهاون في تنفيذ البعض الآخر.

فعلى سبيل المثال لا الحصر، يتم توفير كل الإمكانات المادية والبشرية لتطبيق قانون السير، بحيث يتم توظيف عدد هائل من رجال الدرك والشرطة، واقتناء أحدث الوسائل من رادارات وكاميرات و… لضبط مختلف المخالفات، وهذا شيء مهم وجد إيجابي، بل ويبعث على الافتخار، على الرغم من وجود مجموعة من النقائص والتجاوزات الملاحظة من حين لآخر، والمتمثلة أساسا في التعامل الميكانيكي لبعض رجال الدرك مع تطبيق القانون، وسوف لن أفصل في هذا الموضوع لأن سياق المقال لا يسمح بذلك، لكن في المقابل نجد أن مجموعة من القوانين معطلة، ولا تُعطى لها الأهمية التي تستحقها مقارنة بوضعها الدستوري والمجتمعي في نفس الوقت. وسأكتفي بثلاث حالات على سبيل المثال لا الحصر: المثال الأول يتعلق بالفصل 267 من القانون الجنائي، والذي ينص على « السجن من ستة أشهر إلى سنتين وبغرامة من 20.000 درهم إلى 200.000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين إلى كل من أساء إلى الدين الإسلامي، أو النظام الملكي، أو حرَّض على الوحدة الترابية ». والمثال الثاني يتعلق بالمادة 483 من القانون الجنائي بخصوص الإخلال العلني بالحياء، والمثال الثالث يخص القانون رقم 15.91 المتعلق بمنع التدخين، والإشهار والدعاية للتبغ في بعض الأماكن العمومية التي تم تحديدها في المادة الرابعة من الباب الثاني.

والسؤال هو هل هذه القوانين الثلاثة تُعتبر أقل أهمية من قانون السير؟ مع العلم أن عدم تطبيقها يساهم بشكل أو بآخر في تفسخ المجتمع المغربي، وتطبيعه مع الفاحشة، وهجر الأخلاق السامية، أم أن هناك ضغوط وإكراهات تحول دون تنفيذها؟ وإذا كان الأمر كذلك فإلى أي حد يمكن التماهي معها؟

ففيما يتعلق بالإساءة إلى المقدسات الثلاث المشار إليها في الفصل 267 من القانون الجنائي، وخاصة ما يتعلق بالإساءة للدين الإسلامي والتطاول على محكم القرآن الكريم، يبدو لي أن السيل بلغ الزبا، ذلك أنه على الرغم من التنصيص الصريح للدستور بأن الإسلام هو دين الدولة، وتصريح جلالة الملك بأنه لا يحل حراما ولا يحل حلالا، فإننا نلاحظ  يوميا تطاولا شرسا على هذا الدين، دون غيره من الأديان، من قبل أناس وجمعيات مرجعيتها الوحيدة « حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا »، مستغلين في ذلك اللبس الوارد في الدستور بخصوص سمو « الاتفاقيات الدولية على التشريعات الوطنية » وذلك بالاستجارة  بجهات خارجية، تتقدمها الأمم المتحدة والهيئات والمنظمات التابعة لها، والتي لم يعد خافيا على أحد محاربتها لكل ما يمت للقيم والأخلاق، بل وللفطرة بصفة عامة، بِصِلَة.

أما فيما يتعلق بالإخلال العلني بالحياء الذي يدخل في إطار المادة 483 المشار إليها أعلاه، فيبدو أن هناك مشكل أساسي يتعين حله قبل الشروع في الكلام عن تطبيق القانون، ألا وهو مشكل المفهوم في حد ذاته، وهو ما يحيلنا بالضرورة على المرجعية المعتمدة في تحديده، وإذا كنا نعتبر أن المغرب بلد إسلامي بنص الدستور، فإن الحياء يكتسي مفهوما خاصا ينسحب على كل مجالات الحياة العامة والخاصة، منها ما يتعلق أساسا بطبيعة الخطاب الذي يتعين على المسلم اعتماده، بحيث لا ينبغي أن يتضمن فُحشا ولا لَعْنا ولا بَذاءة، مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم: « ليس المؤمن بالطعان، ولا اللعان، ولا الفاحش، ولا البذيء »، ومنها ما يتعلق باللباس الذي يُشترط فيه ستر العورة كما هي مُعرفة في الشريعة الإسلامية والتي تدخل في إطار المعلوم من الدين بالضرورة، أما محاولة تعريف الحياء انطلاقا من المرجعية العلمانية التي يبذل معتنقوها  كل ما أوتوا من قوة  للإقرار بالحريات الفردية من زنا ولواط وإفطار علني و… فلا يعدو أن يكون نوعا من العبث، انطلاقا من مبدأ « الثالث المرفوع »، فإما الحياء بمفهومه الشرعي أو الحريات الفردية بمفهومها العلماني.

وفيما يخص التدخين في الأماكن العمومية، فأعتقد أن كل الأماكن التي يتواجد فيها المدخن مع آخرين ولو كان شخصا واحدا غير مدخن يعتبر مكانا عموميا، فإذا كان القانون رقم 15.91 يحدد بعض الأماكن التي يمنع فيها التدخين دون أخرى، فإن السؤال الذي يطرح نفسه، ما هو المعيار المعتمد لعدم إدراج الشارع والمقهى والشاطئ… ضمن مقتضيات هذا القانون، ما دام أن غير المدخن يتأذى من فعل التدخين في كل هذه الأماكن، على غرار تلك خصها القانون بالذكر، وهذا دون الحديث عن باقي أضراره الصحية والبيئية و…

أخيرا أعتقد أنه مراعاة للمصلحة العامة، وانطلاقا من الحفاظ على ثوابت الأمة، يتعين على المسؤولين رصد كل الإمكانات المادية والمعنوية لتطبيق كل القوانين المتعلقة بالحفاظ على الهوية الدينية والوطنية للمغاربة، وعلى رأسها القوانين المشار إليها أعلاه، على غرار تلك التي يتم رصدها لقانون السير، ليتم بذلك تجسيد مفاهيم « الإسلام دين الدولة » و » الإخلال العلني بالحياء » و »المكان العمومي » على أرض الواقع، مما سيجعل حدا للتدخل الأجنبي، ولأذنابه الذين يعملون جاهدين على نشر فلسفة العبث واللامعنى، التي أصبحت تخترق جل مجالاتنا الحياتية، والتي تنبئ بخطر عظيم لا قدر الله.

 

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *