لا لتبذير الماء، ولا لتحميل عيد الأضحى استنزاف الفرشة المائية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحسن جرودي
لا لتبذير الماء، ولا لتحميل عيد الأضحى استنزاف الفرشة المائية
من المعلوم أن كلام البشر في عمومه يحتمل معان متعددة بتعدد السياقات والحيثيات التي يَرِد فيها، لذلك وجدتُ نفسي مضطرا لاستحضار السياق الحالي المتمثل في قرب عيد الأضحى الذي من مستلزماته الأساسية، بعد توفر الأضحية، توفر الماء بما يكفي لتنظيف كل ما يترب عن عملية الذبح وما يليها من العمليات المرتبطة به، مثل غسل الأحشاء، وتنظيف مكان الذبح، والأواني المستعملة… لعلي أتمكن من إيجاد معنى لما ورد في المقال الذي ورد بإحدى الجرائد لإلكترونية تحت عنوان: » نشطاء بيئيون يحذرون من استنزاف الفرشة المائية » خلال صبيحة عيد الأضحى »، والكشف عن وجهة النظر التي يريد صاحب المقال تمريرها.
وقلت في نفسي أنه إذا بلغ الأمر حد التحذير من « استنزاف الفرشة المائية »، فإما أن هناك خلل ما لدى المسلمين بخصوص معرفتهم بالنصوص الشرعية، والتزامهم بها، فيما يتعلق بالتبذير عموما، وبالإسراف في استعمال الماء على وجه الخصوص، نظرا لأهميته القصوى في حياة البشر وفي حياة كل الكائنات الحية بدون استثناء، كما هو الشأن بالنسبة لما جاء في قول الله عز وجل في سورة الإسراء :﴿ وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27) ﴾علما أنه ورد في تفسير هذه الآية أن كل إنفاق بغير وجه حق يعتبر تبذيرا، وكما هو الشأن بالنسبة لما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بخصوص الاقتصاد في استعمال الماء واستهلاكه، حيث جاء في هذا الصدد أن الإمام أحمد بن عبد الله بن عمرو روى أن رسول الله (ص) مَرَّ بسعد وهو يتوضأ فقال له: «لا تسرف» فقال يا رسول الله: أو في الماء إسراف؟ قال: « نعم وإن كنت على نهر جار »، وإما أنهم ميسورون إلى الحد الذي لا يقيمون معه وزنا لأداء الفاتورة في آخر الشهر.
ويبدو لي أن كِلا الأمرين مستبعد، علما أن بينهما علاقة تأثير وتأثر، فبالنسبة للجانب الشرعي يعتبر احتمال جهل المسلمين المعنيين بالأضحية ضعيف جدا، لأن الأمر يهم بالأساس البالغين الذين لهم مسؤولية تدبير شؤون أسرهم، وغالبا ما يُستثنى منهم الشباب الذين لم يتجاوزوا بعد مرحلة التهور، التي تعمل بعض الجهات المعروفة على استدامتها، أما بالنسبة للجانب المادي المحض فلا يمكن التفكير لحظة واحدة بأن سواد المغاربة لا يضربون له ألف حساب، حتى أن مجموعة من المشاكل المنزلية تقع بسبب مطالبة الأب المتكررة للأم والأبناء بالاقتصاد في استعمال الماء والكهرباء، علما أن العلاقة بين الثمن والكمية المستهلكة تتناسب طرديا، ليصل معامل التناسب إلى أرقام قياسية، عندما تدخل الكمية المستهلكة ضمن الشطر الثالث فما فوق. ويبقى أن هناك استثناءات تنتمي للطبقة الثرية التي تعتَبر الإسراف ميزة تميزهم عن غيرهم، وصفةٌ تسمح لهم بالتعالي والاستكبار عن الآخر، ومن ثم فهم لا يقتصرون على إسرافهم في الماء، بل يعمدون إلى إبداء مظاهر الإسراف في كل أمورهم الحياتية من مأكل ومشرب وملبس ومركب…
من هذا المنطلق أهمس في أذن صاحب المقال، الذي عمل على التضخيم من عملية الإسراف في استعمال الماء صبيحة يوم العيد بالخصوص، وذلك من خلال اعتماد عبارة « استنزاف الفرشة المائية » في عنوان المقال، ومن خلال تضمين الخاتمة كلاما لرئيس » جمعية البساط الأخضر »، قال فيه بأن » الظرفية المائية صعبة، ونحن في المغرب، نعيش ندرة وخصاصا في الثروة المائية بشكل غير مسبوق، حتى أن سدودا لا تتجاوز نسبة ملئها 35 في المائة، وبعض السدود تحت المستوى الأدنى »، ومحذرا « من خطورة الوضع إذا زاد عن هذا الحد، بما أن فترة الجفاف والتغيرات المناخية المتطرفة بلغت مداها، ومن ثمة لا يمكن أن نقوم « بمخالفة شرعية وهي تبذير المياه لتحقيق سنة مؤكدة« »، أهمس له في أذنه لأقول له، أنه إذا كان يتوخى من وراء مقاله توعية الناس بواجبهم الشرعي، بخصوص شعيرة عيد الأضحى، فإن ذلك ليس من اختصاصه، ولا من واجبه، وإنما من اختصاص المكلفين بالشأن الديني، من علماء، وخطباء، ومجالس علمية… وأما إذا كان الأمر يتعلق بالتنقيص من قيمة هذه الشعيرة، وهو ما تأكد لي من خلال مقال آخر له، تحت عنوان « الوعي والثمن يدفعان الطبقة المتوسطة للعزوف عن شعيرة الأضحى » بحيث يظهر الاستخفاف بالسُّنة المؤكدة واضحا بتبنيه كلاما نَسَبهُ إلى » اختصاصي في علم النفس الاجتماعي »، أذكر منه ما يلي: « إن جزءا كبيرا من الطبقة المتوسطة المغربية بحكم الوعي، يعي جيدا المسافة بين السنة المؤكدة والفريضة، لهذا حين يصبح الواجب الديني ناجما عن وعي، فهو يتيح مسألة الاختيار، وهذا ما تتمتع به الطبقة المتوسطة المتعلمة »، « التحولات القيمية التي يعرفها المجتمع المغربي جعلت العديد من العائلات أيضا غير معنية بهذه الشعيرة، رغم أنها عائلات مسلمة بالضرورة ». وأخطر ما أورده على لسان هذا « الاختصاصي في علم النفس الاجتماعي » قوله: » هناك أيضا عائلات مسلمة تنتمي لطبقات اجتماعية مختلفة متوسطة وبورجوازية، ترفُض الطريقة التي يتم بها ذبح الأضحية، وتعتبرها تعذيبا، فلا تُحيي هذه الشعيرة ». من هنا يبدو جليا أن مسألة تبذير الماء، على أهميتها ليست سوى مبررا لضرب سنة مؤكدة، وما أدراك ما السنة المؤكدة إذا فَقِهنا مقاصدها الشرعية، المتمثلة أساسا في كونها عبادة للتقرب من الله سبحانه وتعالى، واتباعا لهدي نبيه صلى الله عليه وسلم، وليست عادة يتم التصرف فيها حسب الأهواء كما يحلو للبعض أن يصورها، هذا بالإضافة إلى أثرها الإيجابي في لم شمل المجتمع الإسلامي، الذي يغيض الحاقدين على الإسلام، كما هو الشأن بالنسبة للغرب، وكل من يدور في فلكه، من بني جلدتنا، الذين يحاولون اقتفاء أثره في كل ما يتناقض مع الشريعة الإسلامية، ولا شك أن كل المبررات السابقة ليست سوى مقدمة للمطالبة بإلغاء هذه الشعيرة، على غرار ما هو معمول به في الأنظمة الغربية.
لذا أقول للنشطاء البيئيين ومن يتكلم باسمهم: عوض التحامل على العيد، وتحميله ما لا يحتمل، لكون الماء المستعمل في صبيحته لن يصل معشار ما يتم تبذيره طول السنة في أحواض السباحة، وفي سقي عشب الفيلات، وملاعب الغولف، وهكتارات فاكهة « الأفوكادو » والبطيخ الأحمر…عوض هذا التحامل، كان عليهم مطالبة المسؤولين، وتذكيرهم بضرورة توفير الظروف الملائمة، وعلى رأسها توفير الماء اللازم، والكافي، حتى يمر العيد في ظروف متميزة، خاصة بالنسبة للذين لا يتوفرون عليه أصلا، وكذا توفير القدر الكافي من حاويات جمع النفايات، بالإضافة إلى تخصيص آليات لجمع الجلود قبل فسادها، عوض تحميل المسؤولية للمواطن العادي الذي لن يجد بُدا من طرحها في الأزقة، وربما في بعض الأماكن العمومية، خاصة بعد انقراض زمن الجدة التي كانت تحسن استغلالها حسب الحاجة. والسؤال المنطقي في هذه الحالة هو: هل تم توفير الإمكانات اللازمة للحيلولة دون هذه الممارسات، فإن كانت الإجابة بالإيجاب، فيتعين على الجهات المسؤولة رصد المخالفين، واتخاذ الإجراءات الزجرية اللازمة في حقهم، أما إذا كانت الإجابة بالنفي فيجب أن تكون العقوبة من نصيب المسؤولين، لأنهم لم يستعدوا الاستعداد الكافي لهذه الشعيرة التي لم تأت صدفة وعلى حين غفلة، بل هي معروفٌ توقيتها، وتكرارها عبر السنوات، ومن ثم فليس هناك أي عذر لعدم الاستعداد الكافي لها، سواء تعلق الأمر بتوفير الماء حتى وإن اقتضى الأمر استعمال صهاريج متنقلة بالنسبة للأماكن النائية، وتوفير أماكن للذبح بالنسبة لبعض العمارات التي بنيت على الطراز الغربي، والتي لا تتوفر فيها شروط الذبح ولوازمه، مما يستلزم مساءلة « وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير وسياسة المدينة » عن هذا التناقض الصارخ بين طبيعة المساكن والثقافة الإسلامية للسكان. هذا بالإضافة إلى توفير ما يكفي من الحاويات لجمع القمامة، وكذا توفير آليات لجمع الجلود، والتعاقد مع معامل لتصنيعها…بل لقد كان بالإمكان إيجاد آليات لاقتناء الأضاحي للمعوزين من خلال تسجيلهم وفق معايير محددة، ثم وضع صندوق تساهم فيه الدولة والمحسنون على حد سواء.
أما انتظار المسؤولين قرب يوم العيد للإعلان على ضرورة عدم تبذير الماء، بإصدار منشورات وتوزيعها، أو الإعلانات في التلفزة والإذاعة عوض توفيره، فهذا أمر لا تستفيد منه سوى الشركات المنتجة لهذه الإعلانات والمنشورات، بالإضافة إلى إتاحة الفرصة للمحاربين لكل ما له علاقة بالدين الإسلامي، للدعوة المباشرة وغير المباشرة للزهد في هذه الشعيرة، وغيرها من الممارسات الشرعية، والتقليل من شأنها في الوقت الذي يتم فيه رصد كل الإمكانيات للمهرجانات والأنشطة الماجنة، التي تشجع على العربدة والتفسخ. والأمثلة في هذا لا تخفى على أحد.
الحسن جرودي
Aucun commentaire