Home»Islam»دلالة عبادة الإنفاق في رمضان

دلالة عبادة الإنفاق في رمضان

1
Shares
PinterestGoogle+

من المعلوم أن الله عز وجل تعبدنا بعبادات منها ما هو بدني محض ، ومنها ما هو مالي محض ، ومنها من جمع بين البدن والمال. فإذا ما كانت الصلاة عبادة بدنية صرفة ،وكانت الزكاة عبادة مالية صرفة ، فإن الحج عبادة جمعت بين الجهد البدني وبين المال .

وقليل من يتنبه إلى عبادة الصوم الجامعة بين الأمرين أيضا. والملاحظ في الذكر الحكيم أن الله عز وجل رفع من قدر عبادة الإنفاق فذكرها جلت قدرته في معرض حديثه عن أعظم العبادات ذكر اقتران أو ذكر مساواة إذ العطف بحرف الواو لا يفيد تفاضلا وإنما يفيد المساواة فقال سبحانه : ((قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة وينفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلال )). فعبادة الإنفاق في هذه الآية مساوية لعبادة الصلاة، فبالعبادتين معا تعبد الله عباده المؤمنين ، وما يجب من طاعة في هذه العبادة يجب في الأخرى. والسر في فرض الإنفاق وجعله عبادة هو حرص الله عز وجل على حسن توزيع رزقه على عباده لتستقيم حياتهم لأن في سوء توزيع الأرزاق مجلبة للصراع بين الناس. ولما كان الناس بحكم مخلوقيتهم فقراء إلى خالقهم إذ لو ملكوا قدرة خلق أنفسهم لأغناهم ذلك عن غيرهم ولاستطاعوا خلق أرزاقهم ، وهو ما عبر عنه قول الله تعالى : (( يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد )) ، فإن صفة الفقر تلازمها بالضرورة صفة الشح لأن المفتقر يخشى الفاقة والحرمان بطبعه مما يجعله مؤهلا للبخل مصداقا لقوله تعالى : (( قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لأمسكتم خشية الإنفاق وكان الإنسان قتورا )). ولا يخرج الإنسان من بخله وشحه إلا بافتراض الإنفاق عليه عبادة وطاعة ، لهذا امتدح الله تعالى المنفقين مع الخصاصة و الحاجة والعوز فقال سبحانه : (( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون )).

والغاية من علاج شح الإنسان هو الحرص على استقرار الحياة ودوامها. فالله تعالى الغني أحاط الناس بسابغ نعمه كما قال جل من قائل : (( ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة )) ، وإسباغ النعم هو السر وراء تعذر إحصائها كما جاء في قول الله تعالى : (( وإن تعدو نعمة الله لا تحصوها )) . فالخوف إذن ليس من نضوب النعم بل من سوء توزيعها بين الناس ، وهو ما حذر منه الله تعالى بقوله : ((كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم )) فالنعم المتداولة بين الأغنياء وحدهم مجلبة للصراع ولعدم استقرار الحياة واستمرارها. ومن أعظم النعم التي تقف وراء حسن توزيعها نعمة التسخير ، وهي نعمة لا يلقى لها بال مع أنها وراء وصول الأنصبة إلى أصحابها مصداقا لقوله تعالى : (( أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا لعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا )). فالقسمة من الله ، وهي قسمة دقيقة توزن بأدق ميزان كما قال الله تعالى : (( إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو السماوات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير )) ووسيلة هذه القسمة نعمة التسخير. فالناس في هذه الحياة بدون نعمة التسخير لا يستطيعون الوصول إلى ما قسم الله لهم ذلك أن أنصبتهم من النعم معلقة بالتسخير حيث يعمل كل منهم عملا يكمل أعمال غيره كما هو حال آلة تتحرك بحركة دواليبها المتداخلة المتشابكة. ولما كان الإنسان بمفرده لا يستطيع البقاء على قيد الحياة فوق سطح هذا الكوكب فإن الله تداركه بلطفه من خلال نعمة التسخير فسخر له غيره ليوفر له ظرف عيش كريم ولتستقر حياته. ولما كان السعي ، والعمل في هذه الدنيا مختلفا بين الناس فقد ترتب عن ذلك اختلاف درجات الكسب وتفاوته .

ولو تساوت درجات الكسب لاختلت نعمة التسخير حيث لا يحتاج أحد إلى أحد بدون نعمة التسخير ، وهو ما يعني تعثر الحياة واستحالتها. وحرصا من الله تعالى على استمرار الحياة تفضل علينا بنعمة التسخير ، وصانها بعبادة الإنفاق التي تعدل من اختلال توازن توزيع النعم بين خلقه. وبموجب نعمة التسخير تكون أنصبة الخلق عند بعضهم البعض ، وعبادة الإنفاق تعيد شيئا من هذه الأنصبة إلى أصحابها بوازع طاعة الله عز وجل وعبادته. ولما كانت عبادة الصيام كما مر بنا سابقا هي أفضل الطاعات التي تدرب الإنسان على تقوى الله تعالى وخشيته حيث يمسك العباد عن المباحات من أكل وشرب و وقاع في أيام معدودات تعبيرا عن الطاعة الباطنة البعيدة عن الرياء الممكن في طاعات الظاهر فقد جعل الله تعالى هذه العبادة مقترنة بطاعة الإنفاق حيث تجبر طاعة الإنفاق طاعة الصوم في حال نقصانها كما جاء في قول الله تعالى : (( وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مساكين )). وجعل الله تعالى أيضا عبادة الإنفاق تسد مسد عبادة الصوم بالنسبة لمن يفطر متعمدا فيطعم سنين مسكينا ، ويكون ذلك بمثابة صوم شهرين متتابعين أو تحرير رقبة.

وجعل الله تعالى أيضا عبادة الإنفاق متحكمة في عبادة الصيام بحيث لا يقبل الصوم إلا بصدقة الفطر وهي عبادة إنفاق. وقد ذكر ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطرة طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين .فعبادة الصوم تعتريها الشوائب من قبيل فارغ الكلام وهذره وفاحشه وساقطه وزكاة الفطر وهي عبادة إنفاق تنقي عبادة الصوم من شوائبها. وقد رغب الله تعالى في عبادة الإنفاق بإغراء عباده بالأجر الكثير فقال سبحانه : (( مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم )) فالإنسان بطبيعته وجبلته محب للخير والربح لهذا رغبه خالقه في ربح كثير من خلال عبادة الإنفاق حيث يكون الجزاء بسبعمائة ضعف وأضعاف مضاعفة .

وقد خص الله تعالى عبادة الإنفاق في ظرف رمضان بإغراء كبير هو إنزال ملائكته على المنفقين لتصلي عليهم مصداقا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إن الصائم تصلي عليه الملائكة إذا أكل عنده حتى يفرغوا )) وفي رواية حتى يشبعوا . وصلاة الملائكة عبارة عن دعاء فيه بركة وخير ورحمة مصداقا لقوله تعالى : (( هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما )) إن صلاة الملائكة تخرج من الظلمات إلى النور ، وهو خروج من العذاب إلى الرحمة. ولو فكر الإنسان المؤمن وهو إنسان الإيمان بالغيب الذي لا يستقيم اعتقاده إلا به في هذه المنحة الإلهية وهي إرسال الملائكة الكرام للصلاة عليه عندما يفطر عنده الصائمون أو عندما يطيع ربه بطاعة الإنفاق في رمضان لما أفطر وحده أبدا حرصا على جلب الملائكة الكرام إلى بيته طيلة شهر الصيام من أجل أن يصلوا عليه. ونذكر أن عبادة الإنفاق الجالبة لزيارة الملائكة الكرام وصلاتهم لا تكون إلا إذا كان الكسب من حلال لأن الله عز وجل طيب لا يقبل إلا طيبا.

فإذا كان الثوب الذي فيه درهم من حرام لا تقبل صلاة صاحبه مادام عليه ، كما لا تقبل صلاته أربعين يوما بسبب لقمة من حرام في جوفه ، فكذلك لا تدخل بيته الملائكة ولا تصلي عليه ومطعمه ومشربه حرام. ولا يجوز إطعام الصائمين وهم في عبادة بطعام من حرام . ولا يصدق دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم :  » أفطر عندكم الصائمون وأكل طعامكم الأبرار وصلت عليكم الملائكة  » على أصحاب الأطعمة والأشربة من الكسب الحرام.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *