الدعم التربوي » سؤال السطح والعمق «
الدعم التربوي
» سؤال السطح والعمق «
عبد العزيز قريش
باحث في علوم التربية
ـ في البداية كانت قضية النقد التربوي:
ليس من نافلة القول أن التبني المطلق للأدبيات التربوية العامة والخاصة، أو للمكتوبات التربوية والبيداغوجية والتعليمية المتداولة في الساحة المغربية، أو للخطاب التربوي النظري والعملي الرسمي بكل تفاصيله ومقولاته ومزاعمه وادعاءاته ونتائجه، من بديهيات التفكير المنطقي أو الموضوعي أو العلمي؛ وإنما حضور التفكير النقدي التربوي بما هو عملية فكرية علمية، تدرس المجال التعليمي بكل تفاصيله ومفاصله قصد تعزيز عمليته، من حيث تقويمها وتصحيحها ومعالجة تحدياتها وتطويرها وتحبير نتائجها، في مجالات المناهج الدراسية والديداكتيك والمتن التعليمي والأداء التدريسي والتأليف المدرسي فضلا عن السلوك الإنساني والتواصل الاجتماعي وتقاسم التجارب والخبرات والمعرفة. فحضوره في سياق تناول الخطاب التربوي المغربي عامة والرسمي خاصة أمر طبيعي، يستهدف مساءلته للاستفادة من إيجابياته وتجاوز تحدياته، واستثمار فرصه طلبا لتطويره وتحبيره وتجويده وتجديده، بما يتوافق والمتغيرات العالمية في مختلف الحقول المعرفية ومجالات تطبيقاته العملانية؛ غير أن هذه الأبجدية العقلية والمنهجية في الفكر الإنساني لا يقبلها الفكر التربوي الرسمي على الغالب، لأنه يراها ممارسة منهجية وفكرية تعري عن ترسبات هفواته وسلبياته. لذا؛ نألف عادة ارتفاع الأصوات شاجبة أي انتقاد، من منطلق التضامن الشعبوي ضد المساس بالمصالح الفردية أو الفئوية أو الطبقية أو الجماعية المقدسة، التي حيك حولها سياج من الخطاب المطنب من الحرمة والقداسة، والويل والثبور. خاصة حين يتربع على المجمع الكهنوتي التربوي آباء وقساوسة المنظومة التربوية الذين يقررون في سيرورتها وتوجهاتها وغاياتها، وفي مصيرها. فالاقتراب من الخطاب التربوي الرسمي بمنظومة علامات استفهام التفكير النقدي التربوي يشكل خرقا للخطوط الحمر التي أسسها ذلك الخطاب عبر التقليد الأبوي واللاهوتي المقدس من خلال حقب تاريخية متمفصلة واضحة، يتناوب عليها فعلا الأزمة والإصلاح في تموجات ذات ذروات مختلفة، ويتخللها فعل الدعم باستمرار بتردد متنوع، ودرجات مختلفة. فالمنظومة التربوية والتكوينية تعيد إنتاج أزمتها بنفسها بنسبة مرتفعة رغم سلسلة الإصلاحات التي ماتزال قائمة. حيث تعاقب العديد من المسؤولين على رأس وزارة التربية الوطنية وبمسمياتها التكميلية المتنوعة، وأزمتها لا تبرح ألسنتهم وخطاباتهم؛ فرئيس الحكومة الحالي كشف في كلمته بمجلس المستشارين عن المشاكل والاختلالات التي تعرفها المنظومة التربوية والتكوينية المغربية، مذكرا بأن واقعها الحالي مازال يعيش تدنيا في ناتجها التعليمي … ورغم المكتسبات التي أحرزتها على مستوى توسعة العرض المدرسي والدعم الاجتماعي؛ فهي دون انتظارات الملك محمد السادس، ودون انتظارات فئات عريضة من الشعب المغربي. وكشف من جهة أخرى أمام هذا المجلس عن خريطة جديدة لإصلاح التربية والتعليم، وتخصيصها بموارد مالية مهمة تناسبها، تنزيلا لها على أرض واقع قطاع التعليم.
والتفكير النقدي التربوي حتما يطرح فعل » فعل الشك » في الخطاب التربوي الرسمي وأدبياته ومقولاته مهما بلغ تداولها ترددا مرتفعا، ما لم يوقعها تحت التجريب وإعادة التجريب لتحصيل نفس النتائج التي خلصت إلى ذلك الخطاب بما له وما عليه. وبما يرفع مصداقيته منطقيا وإحصائيا؛ وإلا فدوام الشك يلازمه إلى حين تجلي مصداقيته من عدمها. فالتفكير النقدي التربوي لا يقبل أي خطاب خارج شروطه العلمية والموضوعية والمنطقية والمنهجية. وبالتالي؛ فهو لا يعرف للمحاباة أو المداهنة أو المجاملة أو الفرجوية أو الاحتفالية أية موقع في ممارسته النقدية واشتغاله على الخطاب التربوي بصفة عامة والممارسة الصفية اليومية خاصة. ومنه؛ نجده، يطرح علامات استفهام دقيقة على المنظومة التربوية والتعليمية المغربية، قد لا ترد على الذهن للوهلة الأولى، وإنما تتخمر في العقل عبر الفعل اليومي خارج إطار هذا التفكير الذي يمنح المفكر حياة متجددة ووعيا مؤهلا لتناول قضاياه التربوية والتعليمية عن بصيرة. ونحن في نطاق هذا الفعل التربوي والتعليمي وإن شئت البيداغوجي نعيش مروحة واسعة من الظواهر والقضايا والمشاكل والإشكاليات على المستوى النظري، وعلى المستوى العملي، حيث تسائلنا عن فعلنا جودة ونجاحا. ما يقود الباحث إلى الوقوف عليها بالملاحظة والدراسة طلبا لمعرفتها معرفة دقيقة تؤدي إلى امتلاك علم بها وبحيثياتها، وتفعيلا لوظيفتها في سيرورة أداء المنظومة التربوية والتعليمية لمهامها ودورها التربوي والتعليمي والتكويني والثقافي والاجتماعي والاقتصادي. فبدون الإمساك بهذه القضايا والظواهر معرفيا وعمليا لا يمكن للمنظومة التقدم نحو الأمام، إن لم ترجع عجلتها إلى الخلف؛ وهو ما يلاحظه المهتم بهذا الشأن العام.
إن تراجع المنظومة التربوية والتعليمية في أداء مهامها مقارنة بالمنظومات القوية والجيدة العالمية، وحتى بعض منظومات العالم المتخلف التي بدأت تتخطى مناطق ضعفها وسلبياتها، وتنقل شعوبها إلى مصاف الدول المتقدمة بما تتيحه من فرص خلق العقول المفكرة المبدعة في مجالات العلوم الحقة، والتمكن من التقنيات والصناعات الكبرى، وخلق الفرد المجتمعي الاجتماعي الكفء والمؤهل لمواجهة تفاصيل الحياة اليومية بمعرفة وعلم واقتدار وكفاءة وبصيرة وتأمل، وعزيمة شديدة الإصرار على التحدي. ليلمسه الإنسان المغربي مباشرة من خلال أبنائه أو غير مباشرة من خلال الظواهر السلبية التي تطفو على سطح المجتمع المدرسي والمجتمع العام، الذي انحدر إلى الحضيض في حياته العامة معرفة وسلوكا وأخلاقا، وحتى خطابه اليومي تردى في قاموس لسني أنشأه من مطارح الألفاظ السوقية؛ الألفاظ النشاز التي تشكل في يومياتنا خطابا سوقيا هابطا تمجه الأسماع، وتستكرهه الآذان السليمة وترفضه وتأباه أن يكون من خطابها المتداول. وهو خطاب لا يراعي آداب الشارع ولا حقوق الغير عليه، الجميع يسمعه رغما عنه، وإن اختلط في مجمع الأسرة والعائلة، يشنف سمعه برذائل الخلق السائب في أرض الله الواسعة كتلك التي في براري إفريقيا، وإن كانت منها ما يحترم قواعد وقوانين الجماعة، ويمتثل للقيادة وسلم طبقات العشيرة كالقردة وزمرة الأسود. فهنا حتى فطرة الأخلاق اخترقتها جحافل جيوش السائبة وكسروا خطوطها الحمر التي ضمنها ديننا السمح، وتقاليد أجدادنا الكرام. كل ذلك يتداول تحت سقف التغيير الاجتماعي والتدافع الحضاري بين الأمم، والانفتاح على العالم نتيجة الثورة المعلوماتية وشبكة الطرق السيارة للقرية العالمية. التغيير الذي ما أخذنا منه سوى السلبيات كالزنا بمسمى العلاقات الجنسية الرضائية واللواط باسم المثلية بدعوى الحرية الشخصية، وأما الإيجابيات فنحن عنها ساهون وعادون، لم نأخذ منها العلم النووي ولا صناعة الأقمار الاصطناعية وعلى بناء المدن العائمة في المحيطات ولا الغواصات، ولا أخذنا منها غزو الفضاء ودراسة الكون … عجبا نتفنن فيما يهدم المجتمع والأخلاق، أما ما يبنيها فنحن عنه غائبون وبعيدون بملايين السنوات الضوئية والفجوات والهوات العميقة!
وهنا؛ لابد من الإشارة أن ظواهر المجتمع العام السلبية لا تشكل المنظومة التربوية والتعليمية إلا نصيبا من بين أنصبة مؤسسات كثر لم تقم بواجبها بالشكل المطلوب، وليست المصدر الوحيد لها، وإنما تتظافر في هذه السلبيات سلبيات كثيرة من تربية أسرية وإعلامية ودينية وحقوقية وتشريعية وسياسية … وفي إطاره، جاء النقد التربوي ليسائل المنظومة التربوية والتعليمية عن المهام وجودته من خلال سؤال السطح والعمق، والعمل على بحثهما ودراستهما. وهذا السؤال لن يلتفت إلى ذلك اللفيف المقرون نحو الحمية العمياء والاحتفالية والتزييف والشعبوية التي تغطي على أخطائها وسلبياتها بالاستباقية في الهجوم على العقل والتفكير المنطقي والموضوعي والعلمي، والحط من الحق بهمروجات تلفيقية توليفية لا تصمد أمام النقد التربوي والحقائق الموضوعية والوقائع الفيزيقية. ومنه؛ هذه الورقة لن تدخل في سجال مع تلك الزمرة، وستبقى وفية لمبادئ التفكير النقدي التي تتعاطى مع نقد النقد البناء والمسؤول والموضوعي والمنطقي الذي لا يسلك المغالطات الفكرية والقولية للانتصار لمزاعمه. وإنما يدحض خصومه بالحجج والدلائل الحقيقية، التي تستهدف تنوير العقل الإنساني، وتسعى إلى تبيان وإظهار الحقيقة سعي محاوره. وانطلاقا من ذلك تحاول هذه الورقة طرح إشكالية » الدعم التربوي » مفهوما ودلالة وإجراء، ومن خلاله النفاذ إلى مساءلة المنظومة التربوية والتعليمية المغربية عن جودتها وجدوى وجودها في إطار » الدعم التربوي « . وهذه الإشكالية ترتكز على مستويين للدعم هما: السطح والعمق. وتحيلنا على تشييد موضوعنا العلمي أو الموضوع البنائي من الموضوعي الشيئي أي الفيزيقي، الذي واقعيا يعد عالما معطى أساسا، يتطلب اقترابا معرفيا ومنهجيا معا باستعمال الخزان المعرفي والمكتسبات النظرية والأدوات والمسلكيات المنهجية، لتشكيل بنية معرفية مرتفعة عن الواقع الفيزيقي ومنبثقة منه في نفس الآن؛ بمعنى تشييد عالم ميتافيزيقي مرتفع ممكن، عمل عليه الواقع كفعل تحول العالم المعطى إلى موضوع، يمنحنا إمكانية دراسته من زاوية معينة ورؤية محددة لاستخلاص معرفته واكتشاف قوانينه ومتحكماته عبر استراتيجيات قد تكون جديدة انطلاقا من وعينا بما نفعل لما نفعله، ونعرف ذلك ونفهمه جيدا، وهو ما يتطلب منا العلم المسبق بالإشكالية التي نطرحها والتي تسمح لنا باختيار المنهج المتبع لمقاربتها. وفي هذا الطرح توجد إشكالية أخرى يجب الإضاءة عليها، وهي أن الورقة لا تزعم مطلقا أنها ستعرف إشكالية » الدعم التربوي » من خلال معرفة العالم المعطى معرفة تفصيلية جامعة مانعة، وإنما ستجلي بعض ظلال الموضوع والبنيات المتحكمة فيه. ما يتيح فرصة نقد النقد أو مقاربته بزوايا دائرية ورؤى متنوعة لموضعته حيث ينبغي أن يكون.
ـ لماذا السطح والعمق؟
الدعم التربوي بنية من بنيات المنظومة التربوية والتعليمية المغربية، فهو (ليس فقط إجراء نقوم به في سياق معين، بل هو جزء من عمليات التعليم والتعلم، على اعتبار أن هذه العملية تشكل بنية أو نظاما متناسقا يشغل فيها الدعم وظيفة محددة. وبذلك يكون الدعم جزءا لا يتجزأ من المنهاج عادة)[1]. فبنية الدعم التربوي مخطط لها سلفا، ومبرمجة داخل المناهج الدراسية، ومعلن عنها في سياق الأنشطة الدراسية، ومسيلة في الممارسة الصفية بما يتوافق مع مجموع الأنشطة والموارد المقررة في الكتب المدرسية، التي تحدد الدعم بكل تفاصيله، وإن كانت تجازف وتخاطر بمفهوم الدعم الذي يصبح بفعلها المسبق درسا مدرسيا مقررا لا دعما نتيجة الخلفية المفاهيمية والمعرفية للدعم لدى الممارس البيداغوجي، وبناء على الممارسة التقليدية التي ينتهجها نحو محتوى الكتاب المدرسي، وعلى القدسية والحرمة التي حيكت حول الكتاب المدرسي لمعطى الخطاب الرائج حوله، وبعض التوجهات النظرية والعملية التي جعلت من الكتاب المدرسي خطا أحمر وسياجا للممارسة الصفية لا يمكن خرقه أو تجاوزه أو التعدي على قدسيته وحرمته بالخروج عنه من مبدأ الاستئناس لا القدسية ولا العلية ولا التفرد. وهذا الفهم وهذه النظرة والرؤية لم تأت في الغالب من فراغ وإنما ولدتها حقب تاريخية ساد فيها الكتاب المدرسي الواحد، ثم تعدد الكتاب المدرسي بمفهوم » الوزيعة » الضيق وفق المتداول القاموسي المغربي؛ وإن كان يحمل دلالته النووية من المعجم العام. الذي يحيط نفسه بالأشواك والأسلاك ضمانا لمصالحه الخاصة، لا بمفهوم سيادة الجودة في الميدان. فمفهوم تعدد الكتاب المدرسي الممارس فعليا في المجتمع المدرسي يضرب بالقوانين والتشريعات عرض الحائط أولا؛ فهو يلغي أحد مهام المجالس التعليمية المتمثلة في (اختيار الكتب الملائمة لتدريس المادة وعرضها على المجلس التربوي قصد المصادقة)[2]، وفي ذات الوقت يشطب على مهمة المصادقة على الكتب المدرسية المختارة والمقترحة من مهام المجالس التربوية. والاختيار بالمنطق التربوي والأخلاقي والإنساني لن يكون خارج تفعيل منظومة الجودة ومفهوم الأبقى للأجود من الكتب. فلم يثبت تاريخيا، ومنذ صدور النظام الأساسي الخاص بمؤسسات التربية والتعليم العمومي أن اختارت المجالس التعليمية كتبها المدرسية التي ستدرس بها. فدائما، تصدر لائحة الكتب المدرسية المقررة رسميا من الجهات التربوية العليا!. ثم ثانيا يضمن المفهوم المغربي لتعدد الكتاب المدرسي قاعدة » رابح رابح « . خاصة؛ إذا علمنا أن قطاع التربية والتعليم أصبح قطاعا تجاريا بامتياز يستثمر فيه الرأسمال ميزانيات كبرى، ويحتكره أباطرة التسويق وشركاتهم الكبرى، وأرباب شركات النشر والتوزيع. وفقد بعده التربوي والتعليمي والثقافي والأخلاقي، وهو ما تلمسه الأسر المغربية في أثمنة الكتب التي لا تراعي إمكانياتها وقدراتها الشرائية، ولولا تدخل الدولة بالمبادرة الملكية المشكورة والمقدرة والمثمنة لصالح الطبقة المعوزة، والمساهمة في تخفيض الأعباء عن كاهلها؛ لما تمدرس أبناء الفقراء. لذا كان للدعم مكانته الخاصة لدى أغلبية الأطر التربوية والإدارية، توليه أهمية قصوى في سيرورة الدرس المدرسي تقنينا وتشريعا وممارسة وثقافة؛ (مما يجعل من الدعم التربوي وسيلة لتحسين المردود، ويعطيه بعدا خاصا يستلزم تغيير نظرتنا إليه، والارتقاء به إلى أن يصبح ثقافة تتجذر في العلمية التربوية)[3]، وعليه المعتمد في ترقيع الرقع التربوية لسد ثغراتها وهفواتها، ورتق قميصها وفتقها الجلية.
والدعم منطوق لغوي، مفهومي، يؤثث مساحة لغوية واصطلاحية واسعة على مستويين فضائيين مجازين يسيران بالتوازي كوجهي العملة المالية:
ـ مستوى السطح: وفيه يتجلى الدعم مكونا من مكونات الفعل التدريسي، يشكل دعامة أساسية لما يقع من تحديات في هذا الفعل، ويرفع من ناتج التعلم عند المتعلم ودرجة أدائه التعلمي وكفاءة ممارسة فعل الكينونة بالدرجة الأولى مقابل رفع نتائج العملية التعليمية التعلمية، ويؤهل المتعلمة والمتعلم إلى تحصيل كفاية مسايرة المناهج الجديدة، واستدراك الحاصل السلبي بين ما هو قائم وما هو مستهدف؛ بمعنى تحصيل الفارق بين الكائن والممكن من الكفايات والقدرات والمهارات والمعارف والمناهج والموارد. وهو سطح يجترئ على البوح بإيجابيات الدعم وحسناته ضمن التكوين على الدعم عبر العلم بأدبياته التربوية، التي تقوم على مفهوم الدعم، وعلى أهميته ودوره في العملية التعليمية والتعلمية، وعلى صيغه وأنماطه وأدواته ومناهجه واستراتيجياته، وعلى نظرياته، وعلى إجراءاته وكيفية اشتغاله معرفيا في سيرورة التعليم والتعلم … وهو هنا الدعم يطرح نفسه سياقا طبيعيا ضمن سياق العملية التعليمية التعلمية العام، بما يمنحه قبولا لدى المبرمج التربوي والممارس البيداغوجي والمتعلمة والمتعلم فضلا عن أجهزة التأطير والمراقبة التربوية والإدارية. كما تحتضنه الأسر بشكل غير مفكر فيه، من باب أنه أمر طبيعي لا يحيل عن أي سؤال محرج ولا حارق. فالتعاطي معه ينطلق أساسا من صوابية وأحقية وضرورة وجوده في الحياة المدرسية بمفهوم التبني وقابلية عيشه طبيعيا في فكرنا التربوي الرسمي وغير الرسمي. وهو ما يعطيه مشروعية الوجود والكينونة، التي تستمدها من رحم طبيعة الدرس المدرسي الذي هو فعل إنساني بامتياز يعتريه النجاح والتوفيق، كما يعتريه الفشل بنفس الدرجة أثناء الاشتغال الميداني في حجرة الدرس. ففي نجاح الدرس المدرسي يكون مفهوم « التعزيز »، وفي فشله يكون مفهوم « الدعم ». ومن هنا؛ يكون للدعم على السطح وجه معلن وصريح، بينما يكون في العمق وجه غير معلن وخفي، يتستر على أسئلة مؤلمة مدفونة في أعماق طبقاته التحتية، ومطمور في رماله الشاطئية، وهي أسئلة ما يسمى مستوى العمق.
والسطح[4] يفيد لغة أعلى كل شيء وظهره، والتسوية والمد والصرع، واصطلاحا المساحة العليا من موجود ما. وقيل مد خط مستو على الوجه الأعلى من موجود ما؛ وكذلك (السطح هو شكل يحيط به خط أو خطوط)[5]. وتعريف السطح اصطلاحا يتنوع بتنوع المجالات المعرفية والتطبيقية التي تشتغل عليه، ومنه لا يوجد تعريف شامل مانع، وإنما توجد تيمة معجمية نووية تؤثث مفهوم السطح اصطلاحا، وهي العلو والمساحة. وهذه المعاني وسيماتها المكونة لها توحي وكأن سطح الأدبيات التربوية الخاصة بالدعم تعلو التكوين الأساس لهيئة التدريس، وتمد المكوَّن بأبجديات الدعم من المفهوم إلى التطبيق، فيصرع تحديات اشتغاله المدرسي بالتفوق عليها، وتجاوزها واستثمارها فرصا لتطوير ممارسته الصفية، والرفع من أدائه التعليمي مقابل رفع ناتج التعلم عند متعلماته ومتعلميه، وهو متحكم في مفاصل فعله التعليمي دون تسطيح بالقدرة على إناخته وتدليله أمام المتعلمين. وهذا السطح يقوم فيزيقيا شاهدا على مزايا الدعم وضرورة حضوره في المشهد التعليمي لما له من فوائد جمة على سيرورة التعليم والتعلم. وعليه؛ حين النظر في العالم المعطى بما يفيد من واقع معيش، نلمس بالمحسوس البيولوجي وجود الدعم في المؤسسة التعليمية، وفي المؤسسات الموازية من مراكز الدعم التربوي، وفي يوميات منظمات المجتمع المدني التي تشتغل على هذا المجال من خلال التنمية البشرية والدعم الخاص بمفهوم الساعات الإضافية، وفي مراقبة وتتبع الأسر لمسار أبنائها المدرسي. وهذا الواقع؛ يفيد أن هذا المشهد المكرر في المجتمع المغربي ناتج عن الدعاية أو بروباغندا الجوقة الموسيقية والإعلامية والأسرية التي تنشر المعلومات في كل الاتجاهات برؤية أحادية البعد والنظر والمنظور، وتتجه بها نحو مَرْكزة رسائلها المشفرة والصريحة حول قطب معين مستهدف يطبِّع مع الدعم ويتطبَّع به. وتقصد تشكيل الرأي العام، والتأثير على رؤى وآراء وأفكار أكبر قدر من الأفراد وعلى سلوكهم تجاه الدعم كفعل روتيني وتقليدي وعاد في المسار التعليمي للمتعلمات والمتعلمين.
ـ مستوى العمق: وهو مستوى أثري بمعنى أركيولوجي، يحتوي على مجموعة من الحفريات المطمورة في عمق » الدعم « ، يمكن اكتشافها من خلال التفكير النقدي وإبرازها للعلن، وعلى السطح للاستفادة منها واستثمارها في تطوير المنظومة التربوية والتعليمية المغربية، وهي تحمل دلالات سيميولوجية عديدة تسائل المنظومة برمتها عن جدوى وجودها تحت ظلال » الدعم » ومقولاته المتعددة وفلسفته وأطروحاته، من حيث تسائل ثقافة المجتمع المدرسي مؤسسة رسمية، ومكوناته الفردية متنوعة المهام والاختصاص والثقافات والمعارف والمهارات المهنية عن علة وجود » الدعم « ؟ وعن مدى تطابق مفهوم » الدعم » النظري مع مفهومه العملي؟ وعن كيفية تمثله مهنيا لدى الممارس البيداغوجي والمؤطر التربوي والمبرمج التربوي؟ وعن ملاءمته مضمونا وإجراء ومنهجا مع معطى المتعلمات والمتعلمين، ومع مناطق التحدي الواقعية التي كشف عنها تقويم الممارسة الصفية؟ وهو مشهد » الدعم » السطحي في كثير من الأحيان يسطح الفعل التدريسي ويسخفه حين يركز على » الدعم » بزعم أنه الدعامة الأساسية للدرس المدرسي، وبدل التركيز على فعل التدريس وجودته، فتشاهد جماعات المتعلمات والمتعلمين يفدون على مؤسسات الدعم يوميا وطيلة اليوم. حينها تعلم بأن (كل ما حولنا يشي بتسطيح الهام وتسخيف المعتبر، من خلال الاستخدام المبالغ فيه للغة والخطاب الساذجين، بدعوى التبسيط. والحقيقة هي أن التبسيط، إن بولغ فيه، يمكن أن يصل إلى درجة لا يرتجى منها التطور العقلي المجتمعي الصحي، بل يصير مهددا له … ففي المجال البيداغوجي، قد لا تكون هناك جريمة أكثر فداحة من جريمة التبسيط العلمي الساذج، الذي ينزل بالمعرفة إلى مستوى قدرات غير العارف، عوضا عن أن يرفع قدرات الأخير بما يليق بمستوى المعرفة التي كان ينبغي نقله إليها)[6]. وهذا ما حصل مع الفعل التعليمي حين سطحه المشرع التربوي والسياسي بجعله مجالا يلجه الجميع على قدم المساواة، مفترضا فيهم الكفاية المعرفية بالمجال التربوي والتعليمي ابتداء من المباراة ومرورا بالتكوين الأساس والتخرج. والحقيقة أن هذا الفعل الإنساني التنشيئي والتكويني والتعليمي والتربوي والأخلاقي والفلسفي والإبداعي لا ينزل بمعرفته إلى غير القادر على معرفته، ولا إلى من دفعته الظروف القاسية إلى الانخراط فيه دون رغبة منه، وفيه. وإنما طلبا للرزق والمعيش اليومي الذي لن يساهم حتما في تطوير العقل التربوي ولا المعرفي ولا التطبيقي، وسيظل دائما طالبا للمزيد من المعيش اليومي. ولن يكون ثوريا ضد طبقية التعليم والتربية التي تعيد إنتاجها منظومة التربية والتعليم، من خلال خلق شرائح مجتمعية مختلفة التحصيل المعرفي متصارعة ومتدافعة، تعبر عنها الشهادات المتنوعة ما بين الشهادات الدنيا والشهادات العليا والشهادات المتوسطة. فهذا الممارس البيداغوجي الذي شكلته ترسبات وأتربة الأزمات السياسية، وبنته التساقطات الفكرية الثلجية لن يكون قادرا على مساعدة متعلماته ومتعلميه على ارتقاء ربوة المعرفة والعلم، وقمم الكفايات والمهارات والقدرات، ولن يكون قادرا على مواجهة طبقية التربية والتعليم بتحطيمها من الداخل بالعزيمة على إحداث التغيير المنشود في التربية والتعليم، ولن يكون قادرا على تحمل ألم الرسالة وعذاباتها ومخاطرها وتحدياتها، ولن يحيل متعلماته ومتعلميه إلى نظراء له في المعرفة وربما يتفوقون عليه. بل سيظل في أحسن الأحوال ممارسا بيداغوجيا منفذا للأوامر ومطبقا للتوجيهات التي لا وعي له بها. ولن ينخرط في سلك أولئك الذين يواجهون المطبات ويقفون على قمم جبال التربية والتعليم بشموخ وإباء؛ فـ (المعلم الحقيق يدرك أنه الفائز دائما، مهما تجاوزه طلبته: بالمنظور المثالي المعلن، وعلى المدى القصير؛ لقد انتصرت ثورته وحققت أهدافها. أما بالمنظور النرجسي السري؛ وعلى المدى الطويل؛ فهو يدرك تماما أن النتاج الحقيقي لجهده هو تحويل طلبته من » أنداد » إلى » امتداد « . سيعيش إلى الأبد، هذا المعلم الثوري)[7]. فهل يوجد الممارس البيداغوجي الثوري في منظومتنا؟ فمشهد » الدعم » السطحي يفصح عن الجواب؛ فلو كان لما كان الدعم قائما إلا قليلا.
ـ إشكالية الدعم تشييد موضوعي من واقع معيش:
لا يجادل أحد في أن المغرب يعيش ظاهرة الدعم التكميلي الخارجي بجانب باقي أنواعه الأخرى بوتيرة متصاعدة، وبشكل كثيف يعرب عن واقع هش ومأزوم للممارسة الصفية ومنطلقاتها التشريعية والهندسية والتطبيقية. وهذه الظاهرة تتعاظم يوما بعد يوم في نطاق تدني الكفاية الداخلية والخارجية للمنظومة التربوية والتعليمية بالإضافة إلى منظومة التكوين الأساس والمستمر التي لا تأخذ بعين الاعتبار البعد الزمني في بناء الكفايات المهنية والأكاديمية العلمية لهيئة التدريس، خاصة، وباقي الأطر، عامة، ما ينتج كفاية مهنية قاصرة على استيفاء كفاية الفعل وقدرة تحقيق المستهدف من الأهداف التعليمية للأنشطة التربوية والتعليمية، والغايات التربوية والتعليمية للفلسفة التربوية. وبذلك؛ تتجلى هذه الظاهرة بوضوح في مجموع المتعلمات والمتعلمين الملتحقين بالدعم، وفي مجموع المؤسسات والمنظمات التي تشتغل في مجال الدعم علاوة على الأفراد والأساتذة الذين يقومون بالدعم الخارجي بأماكن متنوعة كالمنازل والمقاهي وغيرها. ومنه؛ يمكن التساؤل عن:
ـ ما الأسباب التي قادت إلى ظاهرة الدعم بهذه الدرجة من الكثافة؟
ـ ما المبررات الموضوعية والذاتية والأخلاقية التي تقبع خلف هذه الظاهرة؟
ـ ما دورها في الفعل التعليمي من باب الإدراك المعرفي لنظام المعرفة المطروح رسميا؟
ـ ما دورها في تغيير المعطيات الواقعة والقائمة في المنظومة التربوية التي تحاصر الفهم والوعي والإدراك فضلا عن المعرفة والفعل؟
ـ ألا يشكل استدعاء » الدعم » للوقوف بجانب الفعل التربوي والتعليمي والممارسة البيداغوجية القائمة في المؤسسة التعليمية المغربية، اعترافا بضعف جودة منظومة التربية والتعليم؟
ـ ألا تسائل ظاهرة الدعم بكل أنواعه سيميولوجيا السياسي المغربي عما قام ويقوم به في منظومة التربية والتعليم لصالح طبقية هذه المنظومة؟
ـ ألا يمكن من خلال القراءة السيميولوجية لظاهرة الدعم أن تفيد عدم وعي السياسي لفعل التربية والتعليم في التنمية البشرية والحجرية على حد سواء؟ وعدم إدراكه بأن المعرفة اليوم هي قوة الدول والأمم والشعوب والأفراد؟ وهي الدم الذي يسري في عروق الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفكرية؟
ـ ألا تعد ظاهرة الدعم مؤشرا حقيقيا على مجمل الضرائب والأثمان التي تدفعها الدولة والأفراد لخلل ما، في مكان ما، تسبب فيه فكر قاصر ما، وقرار خاطئ ما، وإجراء سيء ما، في المنظومة التربوية والتعليمية المغربية؟
ـ أحقيقة؛ ظاهرة الدعم ظاهرة طبيعية في سياق سيرورة العملية التعليمية التعلمية، لا تطرح سؤال علية الوجود بهذا الشكل الكثيف؟ ألا تعد في سياق الكثرة حدثا مشكوكا فيه، وفي دواعيه؟
ـ ألا تشكل ظاهرة الدعم تسترا على ضعف الأداء، وحفاظا على ماء الوجه في الحد الأدنى؟
مقتطف من ورقة علمية في الموضوع .
[1] مديرية الدعم التربوي، وزارة التربية الوطنية، كتاب مرجعي في الدعم التربوي، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، المغرب، 1998/1999، ص.:24.
[2] المادة 26 من الفرع الثاني » مجالس المؤسسة » من الباب الثاني « آليات التأطير والتدبير التربوي والإداري » من مرسوم رقم 2.02.376 صادر في 6 جمادى الأولى 1423 « 17 يوليو 2002 » بمثابة النظام الأساسي الخاص بمؤسسات التربية والتعليم العمومي.
[3] مديرية الدعم التربوي، وزارة التربية الوطنية، كتاب مرجعي في الدعم التربوي، مرجع سابق، ص.:7.
[4] انظر على سبيل المثال: ـ الفيروزآبادي، القاموس المحيط، دار الجيل، بيروت، لبنان، د.ت.، د.ط.، مج1، صص.:236 ـ 237.
ـ د. أحمد مختار عمر، معجم اللغة العربية المعاصرة، عالم الكتب، القاهرة، مصر، مج1، 1429/2008، ط1، صص.:1063 ـ 1064.
[5] رسائل إخوان الصفا وخلان الوفا، مكتب الإعلام الإسلامي، قم، إيران، جمادى الأولى1405، ج1، ص.:92.
[6] د. آلان دونو، نظام التفاهة، تر. وتع.: د. مشاعل عبد العزيز الهاجري، دار سؤال، بيروت، لبنان، 2020، ط1، صص.: 31 ـ 32.
[7] د. آلان دونو، نظام التفاهة، مرجع سابق، ص.: 34.
Aucun commentaire