الفِتنة السوداء.. قادمة
رمضان مصباح الادريسي
افريقيا تنظف زجاج السيارة:
ما أن تتوقف السيارة ، وقفتها الحمراء ،في المدار الرئيسي بمدخل القنيطرة ،جهة الرباط؛ حتى تحيط بها جماعة من أفارقتنا السود، بشدادها وغلاظها ،من شباب لا يمكن أن تحول بينهم وبين زجاج سيارتك كله؛ يهرقون الماء ويُتبعونه بخرق ماسحين؛ حتى تخال أنك أخطأت الطريق وولجت حمَّاما .
لا وقت لك للاعتراض ،ولالغة،الا إشارات غاضبة، تنضم الى تدافع الأكتاف والسواعد واللغط الافريقي من حولك.
تستسلم لهذه الافريقيا- الممثلة هنا – وهي تنظف سيارتك ،استجداء ليس الا.
تتذكر أن هذا الذي ترى يكاد يحدث في كل المدارات ،بكل المدن المغربية.
وتتذكر أيضا أنك وهؤلاء من نفس القارة ،ومن نفس خرائط النهب الكولونيا لي ؛التي لم تسرق فقط التبر واللجين سبائك قددا؛ بل سرقت المستقبل أيضا ،حينما نصبت آليتها لإنتاج أنظمة يستنسخ بعضها بعضا ؛الى أن يحدث الله أمرا ،وتتبدل أركان هذا النظام العالمي التي انتصبت ،بعد الحرب العالمية الثانية، فوق أكتاف ضعفاء العالم .
تدفع دريهمات لإفريقيا هذه ،المنظفة، والمنهوبة ،وتواصل طريقك.
وهل هذا حل ،لنا ولهم؟
وعائلات ،كما اتفق:
هذه المرة بمدارات وجدة ،عبر طريق سيدي يحي. انهن هناك دائما ومنذ سنين ؛كن افريقيات يافعات ؛السيقان منهن مثل سيقان النعام ،على حد تعبير عنترة واصفا دمامة أمه:
أنا ابن سوداء الجبين كأنها**ضبع ترعرع في رسوم المنزل
الساق منها مثل ساق نعامة**والشعر منها مثل حب الفلفل
كن شابات خفيفات ،فصرن من أولات الأحمال ؛ثم من أولات الصبيان ،مثنى وثلاثا.
عائلات كاملة ،ترعرعت في مدارات الطرق ؛تناسلت كما اتفق في غابة جبل الحمراء ،جوار سيدي امعافة، ثم توزعتها ،كما اتفق أيضا، شوارع المدينة .
ما أن يصبح المُلك لله فجرا ،حتى ينحدرون زرافات ووحدانا ،من العالية صوب أرزاق في حكم الغيب وجيوب ساكنة وجدة ،الكادحة بدورها.
موجودون في كل المساحة الا زوايا مواقف العمال والعاملات ،بطريق لازاري. هم لا يبحثون عن شغل .
كل العضلات مؤجلة لتعْرَق في خرائط أخرى ،وليس في المغرب المضياف.
حتى في البوادي لا حضور لهم ،حيث تكدح سواعد العمال الفلاحيين.
هل أصبح المغرب خريطة للكسل الافريقي؟
هل قدرنا أن ندفع فاتورة النهب الكولونيالي؟
هل نقوى على استعادة الأمل المسروق بدوره ،لهؤلاء الذين غدوا بمثابة نقط وفواصل في كل نصوصنا؟
انها علامات استفهام تكبر وتكبر في كل ربوع مغربنا الحبيب.
وسمعةٌٌ كُلفتها ثقيلة
:
بلد مضياف ،كما كان عبر كل أزمنته القديمة والحديثة.
البلد الشجرة ،ذات العروق الضاربة في العمق الافريقي، والأغصان الممتدة عاليا عبر فضاءات أوروبا ؛كما عبر المرحوم الحسن الثاني ذات رؤية جيوسياسية.
لكن ما هذا النمل الصاعد عبر الجذع ،والآخذ في النخر ؛اجتماعيا وحتى أمنيا؟
ما هذا الكسل القادم من جنوب الصحراء ، ليستشري في كل ربوع الوطن؟
يرحل شبابنا بدورهم، حتى عبر بحار الموت ؛لكن طلبا للعمل ؛وليس زوايا الأزقة ومدارات المدن؛ فلماذا نعوضهم بكل هذه العضلات الكسولة ،أو المفروض عليها الكسل.
رحلت الينا اليافعة وصارت أما بأبناء، ونحن لم نقرر بعد ،هل نمسكها أم نسرحها ؟
أما هي ،أو هو، فلم يقررا بعد في أمرهما؛ هل هما في بلد عبور ،أم بلد استقرار؟
حتى حينما ينهمك البعض في أنشطة تجارية خفيفة ، تراهم وقد عزلوا أنفسهم – سيكولوجيا -عن محيطهم الاجتماعي ،زاهدين فيه ربما.
الفتنة الكبرى شمالا
:
وقد لاحت ببوابة مدينتنا المستعمرة ،امليلية.
« حَرْكة » كبرى ،شبه عسكرية، نازلة من أعالي جبل « كوروكو » ؛مدججة بعضلات قوية ،مرتاحة؛ ادخرت زمنا ليوم الزحف الكبير.
الزحف من المغرب على المغرب؛ من عالية الجبل الى سافلة البحر.
ان كان جنرالات الهجوم بالجزائر ، قد دبروا أمرا ؛فكان على جنرالات الدفاع بحدودنا رد البلاء ؛عدا هذا مجرد كلام خفيف على اللسان ثقيل على الوجدان الأمني للوطن.
كيف عبرت هذه الحَرْكة كل جدراننا الأمنية – حقيقة ومجازا – لتستقر بالجبل ،وتستجمع أنفاسها ونفيرها ؛وتتدجج بهراوات غابته ،ثم تسيل بها الأباطح صوب قواتنا الأمنية المنزوعة السلاح ،وتعيث فسادا في هيبة الدولة وحراسها ،قبل أن ترتمي على السياج كسحالي عملاقة؟
وأغلب من عبر –من ترابنا الى ترابنا- كال لنا كل ألوان الشتائم؛ وكان من ضمنهم غوريلا بشري ،يدفدف صدره ويفتح شدقيه صارخا ،وكأنه يتفحلل على أنثاه.
لو كانت قواتنا جزارة كما تزعم بعض القنوات والأصوات المقعقعة ،ما عبر أحد من المغرب الى المغرب ؛من الخريطة الأم الى جيبها .
وقبل هذا ،ما أدرك الجبل والغابة أحد ،بشرا كان أو غوريلا.
ليست هذه أولى الحركات السوداء ،ولن تكون آخرها ؛ان كانت قد اخذت قواتنا الأمنية على حين غرة –تنظيما قتاليا واختراقيا- فعليها أن تستعد للقادم من الفتن السوداء .
ولا استعداد دون تطهير استباقي لكل المواقع المتوحشة ،المهاجرية ،بمشارف المدن وأحراشها وغاباتها.
ولا استعداد دون استباق العابرين من دول الجوار –فوضويا- الى ثغرات التسلل الفردي والجماعي.
ولا استعداد دون مقاربات إعلامية واسعة ،تكشف حقيقة الوضع الهجرتي بالمغرب ؛خصوصا في مضارب الفتنة السوداء شمالا.
وتحية لكل قواتنا الأمنية التي استبسلت في سلميتها ؛وهي تواجه النفرة السوداء ،النازلة من هضاب الجبل.
وليس من رأى كمن سمع.
ولا نامت أعين تراخت عن حماية البلاد ، وتقاعست حتى تمددت الفتنة وفاضت على ما حولها.
ومرحبا بمن يهاجر الينا ، مسالما ،وتحت النور، كما نهاجر نحن.
والهجرة ديانة البشرية منذ الأزل ،وان بدون أنبياء.
Aucun commentaire