تحدث جلالته، كملك للجزائر أيضا
رمضان مصباح
تقديم:
ان كارثة نفاذ الأوكسجين بمستشفى شعبان حمدون بمغنية؛ والتي راح ضحيتها يوم 27يوليوز2021،أزيد من عشرين مصابا بكوفيد؛ خير دليل على أن القدر البهي للجزائر والمغرب لن يبرعم الا في الأخوة والتعاون والتكامل.
لو تدخلت الأطقم الصحية بوجدة – أقل من عشرين كلم – لتم تفادي هذه الكارثة الصحية؛ خصوصا وقد أكد جمعويون جزائريون، أن الاستغاثة بمدينتي سيدي بلعباس، ووهران لم تأت بنتيجة؛ جراء الخصاص الكبير في الأوكسجين.،على مستوى الجزائر كلها.
و خصاص في الأوكسجين السياسي أيضا:
هذا ما اشتغل عليه خطاب العرش-2021- مخصصا حُشاشته لهبات أوكسجين سياسي منعش ، موجهة لقصر المرادية بالجزائر ؛ حيث يختنق جنرالات مربع الحكم ؛وفي خدمة دولتهم العسكرية رئيسٌ مدني ،لا له في العير ولا في النفير.
ومن حق المختنق ،على من هو قريب منه، أن يُغيثه ؛حتى وهو العدو البين الكيد، مُزمنُه.
هذا نهج الملك في الخطاب ،وهو منحى نبيل ،لا يحيد عنه جلالته، ولا يستوحش السير فيه منذ سنوات؛ اذ في النهاية لن يصح الا الصحيح.
ان وحدة الشعبين الجزائري والمغربي ،بمثابة شمس مغاربية خلف الغيوم.
وحدة ستظل صامدة في وجه كل عوامل التفكيك؛ مهما تكن قوتها ،ومهما تكن الوجهة التي تلوح منه.
وقد برهنت الملكية المغربية – كما تجددت – على ايمانها الراسخ بهذا المعطى العقدي، التاريخي، الجغرافي، اللغوي ،الثقافي ،الاقتصادي والاجتماعي..؛ ولن يكون في وسع أي نظام أو كيان أو قوى مغامرة–اليوم أو غدا- تفكيك قناعتها هذه ،وتيئيسها لتطوي صفحة التاريخ ،وتدفع بالمنطقة صوب المجهول.
وفي غياب قادة جزائريين ، يرتقون الى نبل الخطاب وجلاء الهدف، تحدث الجالس على العرش كملك للشعب الجزائري أيضا ؛بالمدلول الأبوي الذي يطمئنه ،وهو الشعب الحي الواعي بزلات قادته واستبدادهم وغرورهم ؛والمنتفض عليهم ،ثقة وانتخابا وولاء.
يطمئنه مصرا على ضرورة تحقق مستقبل جزائري مدني ومغاربي يستحقونه.
يطمئنه اليوم، كما الأمس، حينما هبت الملكية والشعب ،لتثبيت الأخوة ورفقة السلاح ووحدة القدر.
ان الردود السخيفة ،من طرف بعض الصحف الجزائرية، على نبل الخطاب الملكي ،و قوة استشرافه للمستقبل- بغض النظر عن سَدْرة « الآن » بكل أشواكها وحيَّاتها – لخير دليل على أن الشعب الجزائري ،لا يعاني من الاستبداد العسكري الظالم والفاسد فقط، بل من التضليل الإعلامي أيضا ؛حيث تُلوى أعناق الحقائق ،والبراهين الصارخة على بؤس القيادة العسكرية ،ورديفتها المدنية.
هل يحتاج الملك الى من يخبره بأن التوتر بين البلدين بلغ مداه ؛ وكل حديث عن التقارب والتصالح وفتح الأبواب ،يبدو نشازا؟
يا سادتي من شدة علمه بتفاصيل الوضع المغاربي الكارثي ، والجزائري المتفسخ ،يصر- وفي خطاب العرش-على اعتبار حالة الاختناق تستدعي الإغاثة فورا ،وليس أسئلة: لماذا الآن؟ وكيف؟ وهل هي بسمة أم تكشيرة؟.
من يعلم حجم الدمار الذي لحق بالاتحاد المغاربي، ويعلم ما يمكن أن تصيب به الدولتان القويتان به ، بعضهما البعض ؛ولا يسارع الى رأب الصدع وتعطيل صناعة الزمن الضائع ،غير جدير لا هو ولا أبناؤه وأحفاده ،مهما سفلوا؛ بهذه الخرائط المغاربية الثرية والمعطاء؛ التي أسالت وتسيل لعاب المستعمرين والحالمين والغاوين .
من أوج الأزمة ينبعث الأمل ،ومن الرماد ينهض الفينيق حيا معافى.
ان الخطاب الراقي لا يفهمه غير المتلقي الراقي؛ لقد تحدث الملك عرشيا ليُفهم ويُجاب رئاسيا؛ وفي مقابلة موقف ملكي ،يجُبُّ ما قبله ؛كان من المنتظر صدور جواب رئاسي يجب بدوره ما قبله ؛ويبدأ البناء ،بدون شرط ،كما اشترط الملك.
لم يحصل هذا ،ولا أراه سيحصل ،لتعدد رؤوس الرئاسة في الجزائر؛ وكثرة المتدخلين ،حتى من الخارج.
ان الجزائر مملوكة عسكريا « على الشياع »؛ ولا تدري أين تبدأ مِلكية هذا – أو مَلَكيتُه -،وأين تنتهي مِلكية ذاك.
من يجيب الملك؟
من يجيب « المخزن » كما يحلو للصحافة الجزائرية العسكرية ورديفتها، أن تنعت المؤسسة الملكية؟
هذا النعت ،المفهوم مغربيا، والغريب جزائريا – اليوم – يعكس شحنة نفسية تمتح من رواسب الماضي ؛حينما لم تكن أغلب الخريطة الحالية للجزائر غير امتداد للإمبراطورية المغربية القديمة .
وقد برز هذا جليا حينما سعى الغرب الجزائري الى مبايعة السلطان مولاي عبد الرحمن ،حاملا للواء الجهاد ؛ غداة احتلال الفرنسيين للجزائر.
أما المرحوم محمد الخامس فقد استحق – وهو في منفاه – لدى القادة التاريخيين لجبهة التحرير الجزائرية ،مكانة أبوية متميزة كادت ترقى الى بيعة حقيقية.
وعليه فلا بأس ،اليوم، أن يمارس اللاشعور سلطته على جنرالات الحكم الجزائري ،فينعتون ملك المغرب بالمخزن مستعيدين ارتباطات أزمنة ولت.
ومن حق ملك المغرب – التاريخي – أن يخاطب الشعب الجزائري بما يُطمئن ويفتح أبواب الأمل في وجهه.
لم تفلح العسكرية الجزائرية الحاكمة ،الى اليوم، في تثبيت ،ولو النزر اليسير من الشرعية ؛ سواء في الخريطة الجزائرية ،أو الخرائط المغاربية.
كيف تُثبت وتُرسخ ما لم تملكه أبدا، ولن تملكه؟
ان لملك المغرب – في الأمس كما اليوم – حضور قوي لدى الشعب الجزائري ؛لم تنل منه عشرات السنين من الكيد والتغييب التاريخي الفاضح.
هذا بالضبط ما يجعل الخطاب الملكي مستغربا من طرف مربع الحكم- وحتى مثيرا للهلع – ومقبولا ومنتظرا من طرف الشعب الذي لم يطمر أبدا عتاد الكفاح.
يستطيع ملك المغرب ،اليوم وغدا ،أن يتحدث كملك للجزائر أيضا ،بالمدلول الذي ذكرت؛ وسنده التاريخ ؛ولا يستطيع قصر المرادية ،العسكري والمدني، أن يدعي أن له موطئ خلية واحدة في الدورة الدموية المغربية.
وهي الدورة التي تستدخل الشعب الشقيق التوأم، بكل أريحية ؛ في المنشط والمكره.
لن يجيبوا الملك:
لماذا؟
لأنهم أدركوا أن نداء الملك غير موجه لهم ،الا شكليا وبروتوكوليا.
الخطاب الملكي – في شقه الجزائري- موجه للشعب الجزائري ،الذي تسيل به الشوارع والأباطح كل أسبوع ؛في ملحمة تحريرية فريدة من نوعها ؛حتى في تجاهلها من طرف القوى الفاعلة في السياسة الدولية.
لا يمكن لملك المغرب ،وهو الأدرى بتفاصيل الوضع الجزائري والمغاربي، أكاديميا وسياسيا ، أن يراهن – في مشروعه الاحيائي المغاربي – على جنرالات عجزة لا فقه لهم ولا دراية حتى في تدبير الغذاء والأوكسجين للشعب الجزائري؛ فكيف مع التعقيدات الجيوسياسية الإقليمية والعالمية؟
وعلى رئيس من وزن الريشة – انتخابيا – في كل هذا.
ان الأفق الشعبي شاسع جدا ،ومطمحه في تحقيق الدولة المدنية الديموقراطية والمستقلة بأمرها –وهذا ما تحاربه القوى الخارجية ذات الحنين الاستعماري – ما هو الا مدخل لبناء مغرب الشعوب ،على أطلال مغرب القادة الذي فشل.
يتحرك الخطاب الملكي في هذه الخرائط الشعبية ،الفوارة ،وفيها يغرس صفصاف الأمل .
وفيها وحدها سيبرعم الجواب على نداء ملكي نبيل.
وأتوقع العداء ليس من جماعة الهلع العسكرية فقط، بل حتى من قوى خارجية ،لا ترتاح لمن يلج –ولو سائحا – حدائقها الخلفية.
ليس للملك من يجيبه عدا الحراك الشعبي؛ وأكرم به من حراك.
Aucun commentaire