وتتوالى المهازل السياسية ببلادنا !
اسماعيل الحلوتي
في الوقت الذي مازالت فيه موجة الاحتجاجات تتصاعد منددة بما آلت إليه أوضاع البلاد والعباد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والبيئية من ترد صارخ لم يشهد المغاربة مثيلا له من قبل، لاسيما في ظل تفشي جائحة « كوفيد -19 » وما خلفته من أضرار بليغة في أوساط الفئات الفقيرة والهشة، والأسر التي فقد معيلوها موارد رزقهم، على إثر إفلاس الكثير من المقاولات الصناعية والتجارية…
وفي الوقت الذي كشف فيه بحث أجرته المندوبية السامية للتخطيط حول توقعات ظرفية الأسر، عن تراجع الثقة لدى الأسر المغربية بسبب تضافر عدة عوامل، وفي مقدمتها انتشار الغلاء الفاحش وتزايد أعداد العاطلين وضعف القدرة على الادخار، مؤكدا على أن هناك ما يزيد عن 65 في المائة منها صرحت بتدني مستوى معيشتها خلال السنة الماضية، وأن حوالي 30 في المائة منها تتوقع أن تصل إلى نفس المستوى من التردي في السنة القادمة، وما إلى ذلك من مؤشرات أخرى تنذر بتفاقم الأوضاع…
وفي الوقت الذي مازالت فيه فصول مسرحية التطاحن السياسوي تجري تحت قبة البرلمان، وخاصة في مجلس المستشارين من خلال إقدام فرق المعارضة في جلسة عمومية على توجيه انتقادات لاذعة إلى حزب العدالة والتنمية الأغلبي، بمناسبة تقديم أمينه العام ورئيس الحكومة سعد الدين العثماني حصيلة حكومته. محملة إياه مسؤولية تراكم الإخفاقات وارتفاع حجم المديونية التي بلغها المغرب في الولايتين المتتاليتين، اللتين ترأس فيهما حزبة الحكومة على مدى عشر سنوات، وفقدان المغاربة الثقة في العمل السياسي والمؤسسات، نتيجة الخطاب الشعبوي والعنف اللفظي بين الفرقاء وما إلى ذلك من أزمات.
فإذا بخبر ينزل كالصاعقة على رؤوس المغاربة، يتحدث عن حدوث مهزلة سياسية أخرى أكثر فظاعة مما سبقها من مهازل، ستظل محفورة في الأذهان على مر الزمان، وستتناقلها الأجيال الصاعدة جيلا بعد جيل. مهزلة فاقت في غرابتها كل ما يمكن أن يتوقعه العقل البشري السليم، ونحن على بعد بضعة أسابيع قليلة فقط من الاستحقاقات الانتخابية المزمع إجراؤها يوم الأربعاء 8 شتنبر 2021. إذ في قراءة ثانية لمشروع القانون المثير للجدل حول إلغاء وتصفية نظام معاشات أعضاء مجلس المستشارين، وبالرغم مما رافقه من جدل ونقاش واسعين داخل البرلمان بغرفتيه وعلى منصات التواصل الاجتماعي، صادقت لجنة المالية والتنمية الاقتصادية رسميا عليه بمجلس النواب يوم الثلاثاء 13 يوليوز 2021.
حيث أنه بلا أدنى خجل ولا وجل تم الحسم في مصير مبلغ 13 مليار سنتيم المتوفر بالصندوق، في ظل حضور باهت ومستفز لا يتجاوز خمسة نواب برلمانيين فقط، إذ صوت لصالح اقتسام المبلغ بما فيه ثلاثة ملايير من مساهمة الخزينة العامة، ثلاثة نواب من حزب العدالة والتنمية الذي طالما صدع قياديوه رؤوسنا بنظافة اليد والزهد، وهم عبد الله بوانو رئيس اللجنة ذاتها وإدريس الأزمي وعبد الرحيم القرع، فيما صوت بالرفض كل من حنان رحاب وسعيد باعزيز عن حزب الاتحاد الاشتراكي…
وجدير بالذكر أن مجلس النواب كان قد رفض في وقت سابق المصادقة على مقترح القانون الشهير باسم « الوزيعة » الذي تقدم به زملاؤهم في الغرفة الثانية، وعارضه بعض النواب من المعارضة والأغلبية، مما أدى إلى توقيف مسطرة التشريع عدة مرات. وينص المقترح في مادته الرابعة على أنه: « يتم تصفية رصيد احتياط النظام المنصوص عليه في المادة 13 من القانون رقم: 92.24 المطبق على مجلس المستشارين بالقانون رقم: 99.53 كما يلي: أ- بالنسبة للمنخرطين، يصرف لهم مجموع مبالغ اشتراكاتهم التي سبق اقتطاعها قبل دخول هذا القانون حيز التنفيذ، يضاف إليها عوائد التوظيفات المالية منذ بداية الولاية التشريعية الحالية، والتي يتم توزيعها بالتناسب مع مدة الاشتراك. ب- بعد استيفاء العملية المنصوص عليه في البند « أ »، يتم توزيع الرصيد المتبقي على المستفيدين كل حسب النسبة التي يمثلها معاشه من مجموع المعاشات التي صرفت في آخر شهر قبل دخول هذا القانون حيز التنفيذ »
ونحن هنا لم يغظنا إطلاقا استرجاع أعضاء مجلس المستشارين مساهماتهم في صندوق التقاعد، بل الذي استفزنا بشدة هو الترامي على مساهمات المجلس المتأتية من المال العام من قبل من يفترض فيهم حمايته، دون مراعاة الظروف الاستثنائية والأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمر منها بلادنا، بفعل تداعيات الوباء اللعين الذي اجتاح بلدان العالم. فكيف لبعض المحسوبين على الحياة السياسية أن يتباكوا على التراجع المتواصل لنسبة المشاركة في الانتخابات، وأن يستشيطوا غضبا كلما اضطررنا إلى مؤاخذاتهم على ما يظهرونه من جشع مفرط وتهافت أعمى على المناصب والمكاسب؟
إنه من المحزن جدا أن يأبى بعض ممثلي الأمة ممن منحهم المغاربة ثقتهم للنهوض بأوضاعهم والدفاع عن حقوقهم، إلا أن يفسدوا عليهم لحظات الفرح والانتشاء بما يحقق ملك البلاد محمد السادس من إنجازات ويطلق من مبادرات ومشاريع تنموية ضخمة من قبيل مشروع تعميم الحماية الاجتماعية، الرامي إلى صون كرامتهم ودعم قدرتهم الشرائية. وأن يواصلوا إصرارهم على تلويث سمعة البلاد والإساءة إلى صورة المؤسسة التشريعية، عبر الكثير من المهازل إن على مستوى تدني الخطاب السياسي وافتعال المعارك السياسوية وإقرار مشاريع قوانين على المقاس، لتحصين مكاسبهم ومراكمة التعويضات والامتيازات الريعية والاستيلاء على أموال الشعب قسرا. وإلا كيف يمكن تفسير تمرير مقترح قانون تصفية نظام معاشات أعضاء مجلس المستشارين واقتسام 13 مليار سنتيم، بثلاثة أصوات فقط؟
Aucun commentaire