نوستالجيا : العقاب البدني في المدرسة المغربية قديما
الصديق كبوري
في إطار النبش في الذاكرة ، سأطرح موضوعا شائكا للنقاش، وهو موضوع العقاب البدني كأسلوب من الأساليب التي كانت معتمدة في مجال التربية، سواء التربية النظامية أو غير النظامية . على اعتبار أن هذا الأسلوب كان معتمدا على نطاق واسع ، وأغلب الأسر تباركه وتزكيه ، من منطلق الثقافة الشعبية التي تعتبر أن » لعصا ما تخلي من يعصى » .
تاريخيا كان العقاب البدني يبدأ من مرحلة ما قبل المدرسة : « المسيد « / « الخربيش « / « الجامع » … ( اختلاف التسميات حسب كل منطقة ) مع العلم أن المرور ب « المسيد » أصبح ضروريا وإلزاميا لمدة سنتين في نهاية الستينيات من القرن الماضي ( يمكن العودة بهذا الصدد لخطاب الملك الراحل الحسن الثاني الذي يؤكد على إلزامية التسجيل ب »المسيد » وقضاء سنتين كشرط للتسجيل بالمدرسة وهو موجود على مستوى اليوتوب ) .
أولا : العقاب البدني ب » المسيد «
كان أغلب الفقهاء ب « المسيد » يستعملون العصا للتأديب ، فالفقيه أو » سيدي » كما كنا نفضل أو نرغم على مناداته ـ كانت مهمته تنحصر في تحفيظ القرءان الكريم وتلقين المبادئ الأولية في المعاملات والعبادات ـ كان يستعمل عصي من شجرة الزيتون مختلفة الأطوال ، يستعمل العصي القصيرة للأطفال في الصفوف الأمامية ، والعصي الطويلة للأطفال الجالسين في الصفوف الخلفية ، كان الجميع يجلسون على حصائر من » الحلفاء » أو » جريد » النخل، أما أدوات الدراسة فكانت : « اللوحة » من الخشب و « الصمغ » سائل مذهب وهو مداد يصنع بعد حرق وبر الجمال ومزج رماده بالماء ويستعمل للكتابة، و »الصلصال » وهو حجر رمادي اللون لمسح اللوحة ، و »القلم » وهو مصنوع من القصب يستعمل للكتل بعد جرح مقدمته، » و »الدواية » وهي القنينة التي يوضع فيها » الصمغ « . وكان تحريك الشفتين هو الدليل على مشاركة الطفل في القراءة الجماعية ، ويتعرض للعقاب كل من يتهاون أو يسهو أو لا ينخرط في القراءة بصوت جهوري.
ثانيا : العقاب البدني بالمدرسة
تجدر الإشارة، إلى أن أعدادا هائلة من الأطفال المغاربة التحقت في بداية الاستقلال بالمدارس العصرية ، لأن الأسر المغربية آنذاك كانت تنظر للتعليم كوسيلة من وسائل الترقي الاجتماعي ، وقد كان العقاب البدني أسلوبا شائعا و » مشرعنا » من لدن أغلب الأسر المغربية، كان التلميذ حين يعاقب لا يخبر الوالدين خوفا من تعرضه للعقاب ثانية، وكان الآباء حينما يزورون المدرسة يوصون المعلم / الساهر على تربية أبنائهم بالعصا ، وغالبا ما يطمئنوه ويعطونه الضمانات : (أنت تذبح واحنا نسلخو و أنت تقتل واحنا ندفنو …)
ثالثا : وسائل وطرق العقاب البدني
كان معلم اللغة العربية يستعمل للعقاب كرباجا ( كروا الدراجة النارية ) ، أما معلم اللغة الفرنسية فكان يستعمل مسطرة حديدية ، أما طرق العقاب فكانت بالضرب على الأيدي أو الأرجل ( الفلقة) بالنسبة لمعلم اللغة العربية ، حسب نوعية وجسامة الخطأ . وكان يساعد المعلم في وصلة » الفلقة » تلاميذ ( غلاظ شداد ) ، وبالنسبة لمعلم العربية كان الضرب الضرب يتم على رؤوس الأصابع بالمسطرة الحديدية على رؤوس الأصابع مرفقا بعبارة : (fais comme ca ) (جمع الأصابع )، وكانت هذه الطرق مؤذية وأكثر إيلاما بالنسبة لأطفال صغار لازالت أجسامهم غضة وطرية، والغريب في الأمر أن المجتمع ككل كان ينظر إلى العقاب البدني كأسلوب لا غنى عنه للتربية من منطلق » لعصا ما تخلي من يعصى » . كما كان الأطفال يلجأون إلى أساليب مضادة لتخفيف آلام الضرب .
والويل ثم الويل ، لمن شاهده المعلم يلعب الكرة أو يجري في الشارع ـ حتى ولو كان أثناء العطلة ـ فالعقاب سيكون في اليوم الموالي أو بعد العطلة عسيرا ، إذ يعمد المعلم إلى المناداة على التلميذ ( على الريق ـ يصبح على التلميذ ) لاختبار مدى حفظه واستيعابه للدروس ، وتكون مواد الاختبار الشفوي ( وهو اختبار بخلفيات مبيتة وعن سبق إصرار وترصد ) عبارة عن سور من القرءان الكريم ( الرحمن ـ الواقعة ـ الحديد ) بالنسبة للعربية أو جدول الضرب والصرف والنحو بالنسبة للفرنسية .
رابعا : أساليب أصبحت في حكم التاريخ
يجب القول في الختام، أن هذه الأساليب أصبحت متجاوزة ، وتمت الاستعاضة عنها بما يسمى بالعقوبات البديلة أو المواطنة : غرس الأشجار وسقي الحديقة وإصلاح الملعب وتنظيف قاعة الدرس …، وقد صدرت مذكرات وزارية تمنع العقاب البدني منعا مطلقا ، وتتوعد كل ممارس للعقاب البدني أو المعنوي بالعقوبات الإدارية والقضائية ، وقد ازداد منسوب المذكرات المانعة للعقاب البدني خاصة بعد مصادقة الدولة المغربية على اتفاقية مناهضة جميع أشكال التعذيب والمعاملات المسيئة والمهينة والحاطة بالكرامة الإنسانية سنة 1993 .
على سبيل الختم :
إن الأفكار الواردة في المقال هي نوع من النوستالجيا / الحنين إلى الماضي ، تحاول مقاربة مسألة التعليم بين الأمس واليوم ، هذا هو القصد الأول والأخير، وهي لا تحمل أي ضغينة أو حقد أو دعوة للكراهية لكل من علمونا وأناروا طريقنا في الماضي ف » من علمني حرفا صرت له عبدا » .
الصديق كبوري / وجدة في 24 يونيو 2020
1 Comment
إن القوانين الجنائية الحالية تصنف هؤلاء المعلمين و فقهاء الكتاتيب القرآنية آنذاك في خانة المجرمين لأنهم كانوا يتفننون في تعذيب المتعلم و ترهيبه و إلحاق الضرر الجسدي و النفسي و العقلي به. كم من طفل انقطع عن الدراسة و غادر المدرسة إلى الأبد في سن مبكرة بسبب جبروت و همجية هؤلاء الذي يصنفهم علم النفس الحديث ضمن المرضى النفسانيين الساذيين، الذين يتلذذون بتعذيب الآخر. لقد كان معلمو الزمن الأسود يترجمون أمراضهم النفسية و مشاكلهم الاجتماعية و العائلية، خاصة مع نسائهم، إلى غضب و عنف و ضرب و ترهيب يمارسونه على أطفال صغار، جاءوا من أحياء الهامش، دون حماية و بترخيص و مباركة من الأسر الأمية الفقيرة و الدولة القمعية آنذاك، كما كان من هؤلاء الجلادين من كان يبحث عن الشهرة عن طريق تعنيف التلاميذ، حيث كان المعلم المشهور هو الذي يتحدث عنه الجميع، داخل المدرسة بين المعلمين و التلاميذ و أسرهم، هو الذي يتفنن في تعذيب تلامذته و ليس هو المعلم الكفء. الحمد لله أن ذلك؛ الزمن الأسود عفوا الجميل قد ولى. و الحمد لله على سلامة الذين خرجوا من تلك المرحلة الرهيبة بسلام و عافية، و الله يكون في عون الذين غادروا مدارسهم و هم لا زالوا أطفالا في بداية تمدرسهم. و تمنيت لو كنت غنيا لبنيت لهم مدارس خاصة بهم، تعلمهم من جديد حتى ينهون كل مراحل التعليم و يحصلون على شواهد تعوضهم عن حرمانهم من أسمى شيء في الوجود: العلم.