بخصوص موضوع العلاقات الرضائية …رسالة مفتوحة إلى السيد محمد الساسي القيادي في حزب الاشتراكي الموحد
رسالة مفتوحة إلى السيد محمد الساسي
القيادي في حزب الاشتراكي الموحد
بقلم : عبد المجيد التجدادي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بسم الله الرحمان الرحيم .
تحية طيبة
أما بعد ، فإنه قد جاء في كلمة السيد محمد الساسي ، القيادي في حزب الاشتراكي الموحد ، في معرض حديثه ضمن ندوة نظمها « الاتحاد النسائي الحر » في موضوع « الحريات الفردية بين التشريع و التطبيق » يوم 18 فبراير 2020 ، ما يلي :
<< … « القانون الجنائي لا ينبغي أن يتدخل إلا إذا كان هناك اضطراب اجتماعي و ضرر بقدر ملموس ؛ لكن المحافظين يعجزون عن التعيين الواقعي لضرر العلاقات الرضائية على المجتمع » […] « إن العلاقات الجنسية الرضائية المحمية ، في مكان مغلق ، على سبيل المثال ، عواقبها أقل من عواقب التدخين » […] « إنهم لا يملكون إجابات واقعية و منطقية و أدلة مقنعة حول قولهم بأن العلاقات الجنسية الرضائية لها ضرر على المجتمع » […] « هم يعتبرون الجنس بعقد مع أربع نساء و الجنس بعقد مع فتاة قاصر أو الزواج بالفاتحة فعلا أخلاقيا ، بينما نحن المدافعون عن الحريات الفردية نربط الجنس بالحب » >> (1) .
و إذ نكتب في هذا الأمر (بعد تردد دام لأكثر من شهر خشية أن تكون الرسالة كصيحة في واد) نخاطب الرجل و التيار الفكري و السياسي الذي يمثله ، فإن ما يدفعنا حسن الظن به اعتمادا على شهادة صاحب « رواء مكة » الذي قال في حقه << مناضل معروف بنزاهته و ثباته و قوة شكيمته >> (2) ، وزاد على ذلك بتأكيد « صدق » الرجل . الصدق في هذا الزمن الصعب عملة نادرة و باهظة الثمن ، و الصدق يهدي إلى البر ، فنرجو من الله عز و جل أن يوفقنا و إياه إلى البر و يهدينا و إياه سبل السلام . و نحن إذ نوجه هذا الخطاب ، فإننا نفعل ذلك حبا و كرامة ، و حاشا لله أن يكون تطاولا : فالرجل فارس في ميدانه ، و أنّى لنا أن نضاهيه و نجاريه في فروسيته !.. غير أننا نراه هذه المرة قد أخطأ الرمي و أخطأ الهدف ، و نرجو أن يتسع صدره لهذه الرسالة التي لا تهدف إلا إلى تصويب الرمي و تصحيح الهدف .
و للتاريخ ، فإن الكثير من رموز اليسار ما هم في الحقيقة (بحسب ما نعتقده) إلا نتاج واقع هذا المجتمع الذي نتشاركه جميعا. واقع تمخض روادًا في فكر النهضة و ما يزال يتمخض تلاميذ ساروا على أثرهم نحسب السيد محمد الساسي و الكثير من أمثاله منهم .
و حيث إن الواقع المرير كان هو المنطلق : فقد ذهبت طائفة إلى رسم معالم تغييره من خلال البناء على الأسس المتينة لتاريخ مجيد مفقود و الأخذ بأسباب قوة الغرب بما لا يتنافى مع تلك الأسس ؛ و ذهبت طائفة أخرى إلى رسم معالم التغيير من خلال الهدم الشامل لأسس ذلك التاريخ المشوب بنواقص و إعادة البناء من جديد بأسس الغرب و أسباب قوته . و بين هذه الطائفة و تلك طوائف أخرى تتقارب و تتباعد في أطروحاتها بحسب هذا الموقف من الذات « الذليلة » و الآخر « العزيز » . و نرى أن الجميع ينهلون من هذه الثنائية ، فنحسن الظن بهم جميعا على أساس أن ما يقع من انحراف و تيه (من وجهة نظرنا) لدى البعض لا يجب أن يحجب عنا تلك النية الحسنة و الرغبة الأكيدة لكل هؤلاء في نشدان واقع مشترك أفضل .
على هذا الأساس نخاطب السيد محمد الساسي بمناقشة هذه الأسئلة :
ــ ما هو الاضطراب الاجتماعي و الضرر الملموس للعلاقات الجنسية الرضائية ؟
ــ ألا يملك المحافظون حقا إجابات واقعية و منطقية و أدلة مقنعة حول ضرر العلاقات الجنسية الرضائية ؟
ــ ما الفرق بين ربط ممارسة الجنس بـ « عقد » و ممارسته بمجرد « حب » ؟
نقول أولا :
لقد سبق لفقهائنا رحمهم الله في معرض حديثهم عن سُنّة الزواج أن فصلوا في الحكمة منه و مقاصده الشرعية ، فكان منها : بقاء النوع البشري ، و تكوين الأسر بصفتها الخلايا الطبيعية لتشكيل المجتمعات ؛ و حفظ الأنساب ؛ و تنظيم العلاقة بين الرجل و المرأة و الاستجابة لحاجاتهما العاطفية فيما بينهما بصفتهما زوجين (ذكر و أنثى) ، و تجاه أطفالهما بصفتهما أبوين (أب و أم) في إطار مسؤول محصن من العبث يحفظ المصالح ؛ ثم كذلك تنظيم تصريف الغريزة الجنسية .
تكوين خلايا الأسر في حد ذاته يقتضي قدرا من المسؤولية و الالتزام ، و تتفرع عنه روابط نسب و مصاهرة متشابكة تزداد تشابكا مع استمرارية هذه السُّنة . هذه الشبكة هي بمثابة اللحمة و النسيج الضام الذي يعزز تشكيل المجتمع و يجمع و يوحد أفراده . و مما يتبين من خلال دراسة تاريخ الأمم : فإن حصون المجتمعات قد تتهاوى تباعا الواحدة تلو الأخرى ، حتى لا يجد الفرد غير حصن ذوي الأرحام يحتمي به . و كذلك : فإن الفرد منا لن يجد من هو أحن عليه في حالات الوهن و الضعف كالمرض و الهرم غير من تربطهم به صلة الرحم .
و إنه من خلال الإطلاع على مؤلفات الفقهاء قديما و حديثا في تبيان مقاصد الزواج و الحكمة منه ، تتبين لكل عاقل راشد متجرد من الهوى مخاطرُ تسفيه « الميثاق الغليظ » ، مع ما يستتبع ذلك من مخاطر تهز أركان بنيان مؤسسة الأسرة ؛ كما تتبين للعاقل مخاطر تشريع أبواب الزنا و إشاعة الفاحشة بين الناس من خلال ما يسميه السيد محمد الساسي و من معه ممن نصّبوا أنفسهم وكلاء لإشاعة « القيم الكونية » : العلاقات الجنسية الرضائية !
فلا ندري ، و قبل أن يصدر السيد محمد الساسي حكمه القائل بأن « المحافظين » << لا يملكون إجابات … >> ، هل اطلع على ما ألفه « المحافظون » في هذا الشأن أم لا ؟ هل سبق له أن قرأ عن مقاصد الزواج أم لا ؟
نحسن الظن بالرجل ، و نواصل الحديث .
و نقول ثانيا :
ما هو الاضطراب الاجتماعي و الضرر الملموس للعلاقات الرضائية ؟
ما هي بعض الإجابات الواقعية و المنطقية و الأدلة المقنعة حول ضرر العلاقات الجنسية الرضائية ؟
(1) ــ إن العلاقات التي يقول عنها السيد محمد الساسي « محمية » (يقصد طبعا استعمال موانع الحمل و خاصة « العازل الطبي ») لا توفر لأصحابها حماية مطلقة بنسبة 100 % بشهادة مصنعي أدوات الحماية أنفسهم ؛ حيث إنهم يتركون هامشا من الخطأ بسبب سوء الاستعمال . فإذا كان بعض من الذين يتحدث السيد محمد الساسي عنهم يحسنون استعمال العازل الطبي ، فإن آخرين قد يسيؤون استعماله فيكونون نهبا للأمراض الجنسية و يصبحون بؤرا متنقلة لنشرها مع كل من ارتضى مشاركتهم « متعتهم » العابرة . و هكذا يكون هذا الزنا سببا من أسباب تفشي الأمرض الفتاكة بين شباب المجتمع ، فتكون تلك العلاقات الجنسية الرضائية بمثابة الخرق الذي يستنزف موارده المادية و البشرية !..
(2) ــ … و حتى لو أفلت هؤلاء من قبضة الأمراض الجنسية (على مستوى البدن على الأقل) ، فما مصير من سيتولد عن تلك الشهوة التي قُضيت عبثا ؟ هل يُعدم في إطار مطلب « حرية الإجهاض » فنكون حينها أمام سيل من جرائم القتل التي ترتكب في حق الأطفال من قبل الذين يفترض أن يكونوا « آباءهم » و « أمهاتهم » ؟ و هل هناك من جرم أبشع من إقدام الأم و الأب كلاهما معا على قتل أطفالهما ؟!… ثقافة الوأد ثقافة جاهلية « رجعية » عفّ عليها الزمن ، فمن يريد إحياءها ؟!…
(3) ــ … و حتى لو لم يتم ارتكاب جريمة القتل ، و تُرك المولود لمواجهة قدره ، فما المصير الذي ينتظر مولودا من زنا ؟ إلى من ينتسب ؟ من يتحمل مسؤولية رعايته و تربيته ؟ أي بيت يؤويه و أي سقف يظله ؟ بل الحقيقة التي يشهد بها واقع الكثير من هؤلاء الضحايا المساكين هي مصير التشرد و الاستغلال بأبشع صوره ؛ و قد يتطور الأمر عند بعضهم إلى مستوى إضمار الحقد و الكراهية تجاه المجتمع الذي لم يرحمهم حين ضعفهم و هوانهم ، فينتقمون منه شر انتقام حين تسنح لهم الفرصة !…
(4) ــ … هؤلاء الأطفال الذين يخرجون إلى عالم الوجود بهذه الطريقة التي يرتضيها السيد محمد الساسي و من معه ، إن نجوا من مصير التشرد فنسبهم مقطوع . يعيشون في أسر تعيلها الأم غالبا (فيما يعرف بالأمهات العازبات) ما دام أن « الأب » في هذه العلاقة مُعفى من جانب المسؤولية قانونيا و اجتماعيا إلا أن يتطوع و يتحملها (هذا واقع الحال حتى في المجتمعات الغربية نفسها ـ أنظر ما يلي)) . هذه الأسر المقطوعة من النسب تكون شبه مفصولة عن النسيج الضام للمجتمع ، و كلما زاد عددها يتهتك النسيج و تتقطع العرى و يتفتت المجتمع !…
(5) ــ في ظل « العلاقات الجنسية الرضائية التي يطالب بها السيد محمد الساسي و من معه ، هذه بعض المعطيات الرسمية (3) بإحدى محاضن « القيم الكونية » :
ــ في فرنسا انخفضت نسبة المواليد في إطار مؤسسة الزواج من 94 % سنة 1960 إلى 39 % سنة 2019 . و بالمقابل ارتفعت نسبة المواليد خارج إطار الزواج من 6 % سنة 1960 إلى 61 % سنة 2019 . فهل هذا الوضع « المتطور » هو ما يُتطلع إلى تنزيل مثيل له في بلدنا ؟!… و من منا يرضى لنفسه أن يولد خارج إطار الزواج ؟!…
تلك النسبة الناتجة عن علاقات جنسية رضائية ، هل كانت نتيجة حمل مرغوب فيه ؟ سيكون الجواب غالبا بالنفي : فهؤلاء المواليد الجدد خارج إطار الزواج كانوا في الغالب نتيجة خطأ في استعمال « وسائل الحماية » . و حتى مع إمكانية حل الإجهاض فإن أحد الشريكين (الأم غالبا) قد يرفضه ، هذا مع العلم أن إجراء عملية الإجهاض نفسها لا تخلو من مخاطر و تبعات سلبية على صحة الأم البدنية و النفسية . فإذا كانت نسبة المواليد خارج إطار الزواج قد بلغت 61 % في مجتمع تقل فيه نسبة الأمية إلى 1 % ، فما هي النسبة التي يتوقع السيد محمد الساسي بلوغها في مجتمع ترتفع فيه نسبة الأمية إلى أكثر 30 % ؟!…
ــ في فرنسا دائما ، نجد في « تنظيم » علاقات الجنسين أنواع مختلفة ، منها : الزواج المدني بشكله التقليدي المعروف ، ثم ما يعرف بميثاق التضامن المدني (Pacs)(4) ، ثم ما يمكن وصفه بعلاقة المضاجعة (Le concubinage) أو علاقة حرة (Union Libre) عابرة لكل الحدود . في الزواج التقليدي تتحدد المسؤوليات بشكل واضح و متكامل ، ثم تتلاشى تدريجيا حتى تنتفي في النوع الأخير المفعم بـ »الحرية » المشتهاة .
اُستحدث ميثاق التضامن المدني سنة 1999 (بعد اقتراحه سنة 1991) بصفته حلا وسطا يعفي من تبعات الزواج و يتجاوز بعض مشاكل علاقة المضاجعة الحرة بين الفرنسيين و الفرنسيات . يلتزم الشريكان في ميثاق التضامن المدني بتنظيم كل شيء إلا مسألة النسب ، فإنه يعفيهما من أية التزامات بشأنها . أو بالأحرى : يعفي الرجل في المقام الأول ؛ فالواقع يشهد بأن المرأة هي أول المغبونين في هذا النوع من المواثيق ما دام أن نسبها بالطفل يثبت بمجرد ما تلده ، في حين أن الوالد حر في نسْبه إليه من عدمه ، و لا يمكن إلزامه بذلك بأية وسيلة كانت إلا برضاه (5) !… و مما يزيد من غرابة هذا النوع كذلك يُسر فسخ عقده بمجرد إعلام من أحد الطرفين أو « زواجه » ؛ مما يبين أن الأصل المعول عليه هو « الزواج » في صورته التقليدية ، و أن هذا النوع المستحدث ما هو إلا إجراء ترقيعي توفيقي .
ــ … و هكذا ، في إطار هذا الميثاق المستحدث الذي يضر بمصلحة المرأة و الطفل ، هما معا ، و يخلي مسؤولية الرجل (كأنه فُصل خصيصا على مقاسه لإرضاء نزواته) ، فقد شهد عدد الزيجات التقليدية انخفاضا من 286 ألف سنة 2002 إلى 228 ألف سنة 2018 ، و بالمقابل : قفز عدد العلاقات بين الرجال و النساء في إطار « ميثاق التضامن المدني » من 22 ألف سنة 2002 إلى 200 ألف سنة 2018 . و يبدو من خلال هذا التطور : أن هذا الأسلوب الجديد (و المغري) لجمع الجنسين تحت سقف واحد ، الذي يوصف بأنه « مرن » على خلاف الزواج ، يسير نحو التعميم في البلاد ليضاهي الزواج التقليدي أو ربما يتجاوزه . و إذا أضفنا إليه واقع وجود عدد من علاقات المضاجعة الحرة التي يتعذر إحصاؤها ، فإن نسبة الزواج التقليدي قد تنخفض أكثر فأكثر !…
ــ … هذا المنحى التصاعدي الذي تسير عليه علاقات الجنسين في فرنسا (مع مزاحمة و « تهميش » مؤسسة الزواج) يقابله منحى آخر يتمثل في تناقص نسبة الولادات من 20.6 ‰ سنة 1950 إلى 11 ‰ سنة 2019 ، على الرغم من التحفيزات التي سنتها الدولة لصالح الأسر و الأمهات للنفخ في هذه النسبة . غير أنه و على كل حال ، فإن وضع فرنسا يبدو مريحا إلى حد ما مقارنة بالكثير من دول الاتحاد الأوربي ، ففي إسبانيا مثلا انخفضت نسبة الولادات إلى 7.9 ‰ سنة 2018 . هذا الوضع تسبب في تحقيق أغلب دول الإتحاد لأرقام سلبية في معدلات التكاثر الطبيعي تصل في بعض دوله إلى 5 ــ ‰ . أرقام تهدد بتناقص عدد السكان ، و انخفاض نسبة الشباب مقابل ارتفاع نسبة الشيوخ ، إلى الحد الذي دفع بقناة ألمانية إلى التعبير عن هذا الخطر في مقالة لها بعنوان : « قلق أوربي من تقلص المجتمعات الأوربية بسبب تراجع الولادات » (6) .
ــ و تبقى هذه المعطيات مجرد أمثلة عن » الاضطراب الاجتماعي و الضرر الملموس للعلاقات الرضائية ، و بعض الإجابات الواقعية و المنطقية و الأدلة المقنعة حول ضررها » التي يسأل عنها السيد محمد الساسي .
ثم نواصل بالقول ثالثا :
إن التمييز بين ربط ممارسة الجنس بـ « عقد » و ممارسته بمجرد « حب » ، هو تمييز ما بين قضاء و تصريف غريزة الجنس في إطار من المسؤولية و النظام ، مقابل قضائها في إطار من التسيب و الفوضى و اللامسؤولية ، تماما كالفرق ما بين من يأكل من عمل يده و من يأكل مما تسرقه يده .
(1) ــ لا يمكن إنكار أهمية « الحب » في نسج أية علاقة و أية شراكة و خاصة ما بين رجل و امرأة ؛ غير أن ربطه و إحكامه برسم « عقد » هو كأثر ينقش على صفحة حجر يدوم و يبقى كيفما تقلب الدهر ..، أما ربطه بمجرد رسم « قلب » على صفحة رمال شاطئ فسرعان ما تمحوه أمواج البحر فلا تبقي له أي أثر !..
(2) ــ في ظل سنة الزواج تتحدد المسؤوليات و تحفظ الحقوق ، و انتهى الأمر .
(3) ــ أما في ظل العلاقات الجنسية الرضائية فتنتفي المسؤوليات ، و تضيع الحقوق : و أول الحقوق التي تضيع هي حقوق المرأة و الطفل ، ناهيك عن حقوق المجتمع الذي ستشيع فيه الفاحشة و مواليد الفاحشة ، و تتقطع عراه ، و يتهتك نسيجه الاجتماعي ، بل و يُهدد حتى في وجوده !..
فلم هذه الدعوة لتشريع باب الزنا بما تسمونه العلاقات الجنسية الرضائية ؟
هل تساءلتم عن الإشكاليات التي يمكن أن تطرح في ظل « مجتمع » قائم على أساس تلك العلاقات ؟
نتساءل نحن على سبيل المثال ، بل نستنكر :
ــ ما مصير مواليد امرأة ربطت علاقات رضائية مع عدة رجال ؟!… إلى من سينسبون ؟!… و حتى لو فرضنا أنكم فكرتم في إجبارية إجراء فحص الحمض النووي (ADN) على جميع الآباء المفترضين ، فما نوع العلاقة التي يمكن أن تنشأ بين أفراد وُصلوا « كَرها » بهذه الطريقة ؟ هل هذه هي الطريقة « الحداثية و التقدمية الموعودة » التي سيتم بها من الآن فصاعدا تشكيل محاضن الأسر في المستقبل المنشود لدى السيد محمد الساسي ؟!… أي شكل هذا من الأبوة و الأمومة و البنوة يتبلور في أذهانكم ؟!…
لعمري إنه لتصور مقرف مستقبح يبعث على الغثيان في نفوس الطيبات و الطيبين يا ابن زوجين من هؤلاء الطيبات و الطيبين !…
و لتقريب الصورة أكثر ، نحيلكم على قصة « سيدة الدولة » (قياسا على « رجل دولة ») الفرنسية ، الوزيرة التي تُدُوول عنها أنها ضاجعت في عام واحد أكثر من شريك جنسي واحد في إطار « الحب » و ليس « العقد » ؛ ثم هي (ربما) تخطئ مع أحد شركائها في استعمال « أدوات الحماية » ؛ ثم تحمل من السفاح فتلد طفلة ، و تبحث لها عن نسب مفترض من قائمة الشركاء الجنسيين !… مشهد يذكر بأحد الأشكال المقيتة للنكاح التي كانت معروفة في الجاهلية فهدمها الإسلام !..
ــ ثم ، إذا كان هذا شأن « سيدة الدولة » الوزيرة بما يقتضيه منصبها من مستوى تعليمي و مؤهلات ، فما بالك بعامة النساء و عامة الرجال الذين يريد السيد محمد الساسي أن يشرع لهم أبواب العلاقات الجنسية الرضائية ، « المحمية » بزعمه !…
ــ و أي رجل هذا يستطيع (حتى و لو أراد) أن ينسب إليه مولودا من امرأة تعاقب على مضاجعتها آخرون غيره !…
ــ بل أية إهانة هذه تضعون فيها المرأة أيها المناضل المعروف بنزاهته و صدقه ؟!…
ثم نختم بالقول ربعا :
(1) ــ إن تشريع العلاقات الجنسية الرضائية ، دعوة يمكن وصفها بأنها رجعية لاتقدمية . بل هي دعوة جاهلية تريد إحياء ما تعارف عليه الناس في جاهليتهم من أنكحة : مثل الخدن (7) ، و البدل (8) ، و الاستبضاع (9) ، و البغاء (10) . و هي كلها أنحكة هدمها الإسلام ، و لم يقر و يرتضي للناس غير الزواج الشرعي المعروف بقواعده .
(2) ــ كما أن تشريع العلاقات الجنسية الرضائية ، دعوة يمكن وصفها بأنها ذات « نزعة ذكورية » ، لا تلقي بالا لا للمرأة و لا للطفل . فإذا كان الرجل في هذه الحالة يقضي شهوته ، ثم يتمدد على الفراش مسترخيا منتشيا بسكرته إلى أن يصبح اليوم الموالي لينطلق حرا طليقا لا يلوي على شيء ؛ فإن المرأة ، و على العكس من ذلك تماما ، بمجرد ما تستيقظ من سكرتها ، تنتابها الهواجس و ينهش قلبها الخوف و القلق من مصير ما قذف أو تسرب إلى رحمها ، و لن يهدأ لها بال حتى تطمئن بعودة دورتها الشهرية ؛ و هكذا يستمر حالها بعد كل مضاجعة . و إلا : فإن لحظة المتعة التي قضيت تقلب حياتها همّا و حزنا و ندما أبديا .
(3) ــ كما أن تشريع العلاقات الجنسية الرضائية ، يفتح على المجتمع بابا من أبواب جهنم عنوانه : إشاعة الفاحشة . و لعل النظر إلى المجتمع الغربي نفسه يكشف هذه الحقيقة : فبعدما رُفع الحرج و تنكر الناس للعفة و الحياء (11) ، أصبحت ممارسة الجنس خارج إطار الزواج ديدن جميع الفئات ، حتى أصبح الأمر بمثابة العرف الذي يجيزه الجميع ، حتى الآباء و الأمهات لأبنائهم و بناتهم من فئة المراهقين . و لا يخفى أحد هناك انتشار ظاهرة ممارسة الجنس بين طلبة الجامعة و تلاميذ الثانوي و الإعدادي ، بل و حتى الابتدائي في مستوياته النهائية إلى الحد الذي يدفع مؤسسات تعليمية إلى توزيع حبوب منع الحمل على التلميذات للحد من الهدر المدرسي لـ « التلميذات الحوامل » . و الكل يتذكر الخبر الذي تواترت وسائل الإعلام على نقله سنة 2009 عن طفل ابريطاني يبلغ من العمر 13 سنة يولد له طفل من صديقته التي تبلغ من العمر 15 سنة بعدما نسيت يوما تناول حبوب منع الحمل !…
فإذا كان السيد محمد الساسي يستنكر زواج القاصرات برسم « عقد » ، فإنه هناك في ظل العلاقات الجنسية الرضائية يمارس الجنس برسم « الحب » حتى بين القاصرين و يولد لهم أطفال هكذا عبثا لا عقد و لا أي شيء يمكن به حفظ الحقوق !… و أي حق يرجى من ثقافة العبث ؟!…
(4) ــ كما أن تشريع العلاقات الجنسية الرضائية ، يفتح الباب أمام تعدد الشركاء الجنسيين إلى ما لا نهاية . فإذا كان السيد محمد الساسي يستنكر على أهله زواج المثنى و الثلاث و الرباع برسم « عقد » و وفق قواعد شرعية مضبوطة تحفظ الحقوق ، فإنه هناك في ظل العلاقات الجنسية الرضائية يمكن أن يكون لكل طرف في إطار رسم « الحب » ما يزيد بكثير عن الأربع شركاء جنسيين ، في علاقات عابرة للزمان و المكان ، و يبقى العدد مرشحا للارتفاع بلا سقف !… فإذا أنتجت هذه العلاقات مواليد ، فإلى من ينسبون ؟!… و هل سيرتضي هؤلاء المواليد بهكذا نسب ؟!…
(5) ــ إن تشريع العلاقات الجنسية الرضائية دعوة ذات نزعة عبثية فوضوية ، تعكس قصورا في نضج أصحابها . و لعل من أسباب هذا القصور « العزوبة » مع فورة الشباب و غلبة الشهوة ، و الخلو من أية مسؤوليات أسرية . فاللهم اغفر ذنوبهم ، و طهر قلوبهم ، و حصن فروجهم .
(6) ــ … و إن الطيبين للطيبات ، و الطيبات للطيبين ؛
(7) ــ ..، و إن الخبيثين للخبيثات ، و الخبيثات للخبيثين ؛
(8) ــ ..، و إن الزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك ، و الزاني لا ينكح إلى زانية أو مشركة ، و حرم ذلك على المؤمنين ؛
(9) ــ و الأولاد هبة من الله عز و جل ، لا تقبل العبث …
ثم نجدد بالدعاء :
اللهم اغفر لنا ؛
و طهر قلوبنا ؛
و حصن فروجنا .
آمين
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
عبد المجيد التجدادي
الجنوب الشرقي
المملكة المغربية
28 مارس 2020
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ــ نقلا عن هسبريس في مقالة لها بعنوان « الساسي : عواقب العلاقات الجنسية الرضائية أقل من أضرار التدخين » ، نشرت بتاريخ 19 فبراير 2020
https://www.hespress.com/societe/460180.html (تاريخ التصفح : 26 مارس 2020) .
(2) ــ حسن أوريد ، رواء مكة ، ص 209 ، المركز الثقافي العربي ، 2019 .
(3) ــ يمكن الإطلاع في هذا الشأن على معطيات أكثر في مواقع الإحصاء الأوربية و الفرنسية ، مثل : https://www.insee.fr/ .
كما نقترح الاطلاع على كتيبنا « نحو مجتمعات لقيطة » على الرابط التالي :
https://drive.google.com/open?id=0B6-sT9mXPy8_MHdBWjc1d2dEN0E
(4) ــ Pacte civil de solidarité .
(5) ــ يقضي القانون الفرنسي بشأن إجراء اختبار الحمض النووي (ADN) في هذه الحالة بوجوب موافقة الأب المفترض الخضوع للفحص :
<< Le consentement du père présumé est obligatoire. Procéder à un test de paternité en dehors de ce cadre est illégal >>
(نقلا عن موقع https://www.service-public.fr/particuliers/vosdroits . تاريخ التصفح 27 مارس 2020) .
(6) ــ أنظر المقالة في موقع قناة DW : https://www.dw.com/ar (تاريخ التصفح 27 مارس 2020) .
(7) ــ نكاح الخِدن : أشبه ما يكون بقول السيد محمد الساسي << العلاقات الجنسية الرضائية […] في مكان مغلق >> .
(8) ــ نكاح البدل : أشبه ما يكون بما هو متعارف عليه في دول غربية بأندية تبادل الأزواج .
(9) ــ نكاح الاستبضاع : أشبه ما يكون بتفكير البعض اليوم في إطار تطور الإخصاب الاصطناعي إخصاب أنثاه بالحيوان المنوي لمن اشتهر بنبوغه أو جماله لكي يولد له ولد نابغة أو جميل .
(10) ــ البغاء : حيث إن المرأة البغي لا تمتنع على كل من يأتيها ، فيتعاقب عليها الكثيرون . حتى إذا ما حملت و وضعت ، تستدعي من وقعوا عليها لكي تختار منهم أبا لولدها تلصقه به .
(11) ــ يمكن التنويه هنا إلى الحملة التي شهدتها الولايات المتحدة الأمريكية في ظل حكم الجمهوريين في عهد الرئيس جورج بوش و بتشجيع خاص منه لإحياء مبدأ « العفة » في النفس الأمريكية .
Aucun commentaire