درس في القضاء
كان من نتائج الحرب السورية أن تشرد الملايين من أبناء هذا القطر الفخور بعروبته،والأمر أن يكون بين هؤلاء الهائمين على وجوههم أطر عالية تركت وراءها فراغا ونقصا هائلين في العديد من القطاعات.
ليس تشرد معظم الساكنة هو قمة المعاناة، وإنما بعض الأحداث التي تواكب هذا التشرد الذي لن يتوقف ما دام هناك جشع ومظالم،إلى درجة أن القوى الامبريالية قد وجدت في تدمير الآخر مصدرا هاما لإرضاء جشعها.
ولعل من بين أهم القصص التي نسجت خيوطها مع رحلة الهجرة،تلك التي عاشتها عائلة دمشقية.
كان رب الأسرة مقاولا صغيرا ينعم بالحياة في عاصمة الأمويين،إلى أن أرغمته طبول الحرب على ترك،،جنة الدنيا،، بحثا عن ملاذ آمن .
توجهت الأسرة نحو أروبا،وقبل أن يستقر بها المقام،فقد الأب رجله في حادث عرضي لتنتهي الرحلة المضنية بالدانمارك.
سمح للعائلة الدمشقية بالإقامة لمدة سنة كاملة،ثم بعد ذلك يطبق القانون في حقها.
انتهت السنة المسموح بها قبل بضعة أيام،فأخبرت الأسرت بأنها ملزمة بالعودة إلى مدينتها الأصلية(دمشق)التي صارت الحياة فيها بعيدة عن المخاطر.
لم يكن من السهل على العائلة الدمشقية أن تتقبل هذا القرار الذي اتخذ بناء على قوانين البلد،لذلك قررت أن تتوجه إلى القضاء.
مثلت الأسرت أمام القاضي الذي اطلع على وضعيتها،ثم أعلن بأن مدة الإقامة القانونية قد انتهت،لكنه افسح المجال أمام الماثلين ليبدوا آراءهم.
في النهاية ،اختار القاضي فتاة في عمر الزهور ليعرف رأيها،فسألها:
اتحبين العودة إلى مسقط رأسك بسوريا،أم تفضلين البقاء هنا، ولماذا؟
أجابت البريئة:
لقد أصبحت أحب الحياة هنا لأنني صرت أنام جيدا ،ولم اعد أرى أنواع السلاح المخيفة ودوي القصف الذي يرافقها ليل نهار !
اكتفي القاضي بمرافعة الطفلة البريئة ،ثم انتفض قائلا:
أخجل أن أكون دانماركيا إذا حرمت هذه الطفلة من نعيم الحياة الذي شعرت به في بلدي، وعليه فإنني أقضي بأن تحظى الأسرة الدمشقية بالإقامة الدائمة بالدانمارك وتتمع بكافة حقوق المواطنة.
هذه قصة حديثة من قصص التشرد القسري،لكن ،،الكفار،، لازالوا يستأثرون بالمواقف الإنسانية النبيلة رغم أنهم لا يحجون ولا يمتحون من مراجعنا التي لم نفلح حتى في توحيدها بدعوى أهمية الاختلاف،فاختلفوا ما طاب لكم !
أما ما يحز في النفس والمرء يقرأ مثل هذه القصة،فهو وجود دول عربية مسلمة محيطة بالبقاع المقدسة، لكنها لازالت تصنف المواطنين إلى مواطنين من الدرجة الأولى وأخرين من الدرجة الثانية ،ثم الى البدون !
كنا نسمع عن هذه التصنيفات عند قدماء الإغريق،فإذا،، حراس الإسلام،، يحتكمون لسلطة الدولار في تحديد أصول الناس ومكانتهم الاجتماعية،لكن الأحداث المتسارعة ستصيب العربان بأرق قد يطول أمده.
Aucun commentaire