بريد متعثر
مر التواصل بين الناس بمراحل عديدة ،كان القلق يطبع جلها بسبب التراخي الذي تحكم في وصول الرسائل، والذي فرضته الظروف السائدة.
كان على المجتمعات البشرية أن تنتظر ميلاد المنظمة العالمية للبريد لينتظم هذا المرفق بين شعوب الأرض مقابل رسوم تختلف باختلاف حجم الإرساليات.
لقد تحول ساعي البريد في وقت من الأوقات إلى شخص محبوب،لأن كل جديد كان يصل على يديه،فكيف إذا تعلق الأمر بالرسائل العاطفية التي تعززت بمؤلفات تيسر أبجديات المناجاة؟
لم يكن بوسع أحد أن يتخيل مأساة البريد الذي تلقى في أيامنا ضربة موجعة بعدما اندلعت ثورة تكنولوجيا الاتصال، وأصبحت مهمة ساعي البريد ،أن يوزع مظروفات لا يتشوق لوصولها أحد.
لقد وفرت وسائل التواصل الهائلة على الناس كثيرا من الجهد والوقت،وأصبح،،اللايف،، هو الذي ينوب عن كل ماسواه!
صحيح أن حلاوة تدبيج الرسائل ولهفة الانتظار ،والوصول قد اختفت،وأصبح الشيخ،،غوغل،،يضع خدماته رهن الإشارة لاختيار ما يناسب كل مقام،حتى شلت العقول عن الإبداع،ودفع الكسل كثيرا من الناس إلى استنساخ أفكار وعواطف لا تعكس بالضرورة حقيقة ما يعتمل في الأعماق !
لعل أقصى جهد يبذله الناس اليوم،هو الذي تترجمه هذه اللغة/الكارثة التي يتواصلون بها في الفضاء الأزرق،الشيء الذي يبني حواجز إضافية دون أي محاولة في الإبداع.
لقد كانت الرسائل المتبادلة بين معظم الأدباء ،تحفا حقيقية وجدنا فيها متعة حقيقية ،ووقودا لنحلق بعقولنا ومشاعرنا في آفاق أكثر رحابة.
هل يندم من قرأ الرسائل التي تبادلها المرحوم جبران خليل جبران مع مواطنته المتألقة مي زيادة؟
لقد كان هذا الثنائي يؤسس لحياة حالمة تبدأ مشروع الزواج،لكن هذا الزواج المأمول، لم يحصل بعدما وقفت في طريقه ظروف قاهرة.
إن النماذج كثيرة في الشرق كما في الغرب، وستظل رسائل الأدباء وثائق تصونها الشعوب المتحضرة لما فيها من سمو في المشاعر وأدوات للتعبير.
لنترك مجال البريد المنظم عبر الاتفاقيات الدولية ، والبريد المعاصر الذي يخترق كل الحواجز بدون استئذان ليصل إلى وجهته رغم أنف الساسة وأجهزة الحراسة،لنعرج على بريد تقليدي لم ينل التطور من حضوره ،لأن زبناءه يأبون الاندثار مثلهم في ذلك مثل بعض صور القبح التي تعذر علاجها!
إن شريحة عريضة من المجتمع قد دأبت على إرسال رسائلها القصيرة -في الغالب-مقرونة بنوع من الإذاية.
وهكذا،فقد وجدنا مقاعد الدراسة محفورة على يد من سبقونا،حيث أهدر هؤلاء كثيرا من الزمن المدرسي في نحت أسماء أنثوية موجودة أو مفترضة ان لم يتعلق الأمر في الغالب بمجرد رموز لا يفهمها غيرهم.
غير أن بعض هؤلاء يتسلحون بشيء من الجرأة أحيانا فينحتون جملة إعجاب في حق مجهولة!
لقد تواترت هذه الثقافة حتى خرجت المئات من الطاولات عن الخدمة بسبب تعاقب الخدوش وتزاحم عبارات الإعجاب.
وبما أن أصحاب المشاعر الجياشة لا يتحكمون في استيهاماتهم،فإنهم يستبيحون جدران المؤسسات العمومية ليبثوا شكواهم من خلال سهم يخترق قلبا لا يعلم بحاله إلا صاحبه!
لقد فرضت على الجهات المسؤولة نفقات إضافية ،حيث تضطر لطلاء الجدران التي يقذفها المهووسون المجهولون بساقط الكلام وأسماء فتيات بريئات.
إن التعمق فيما يسجله صغار المتعلمين، يقدم الانطباع بأن معظم الصغار ،إنما هم مشاريع مجرمين ينتظرون الوقت المناسب للكشف عن عدوانية دفينة، وإلا كيف نفسر سلوكا من هذا القبيل بطله طفل لم يبلغ الحلم بعد؟
لقد أصبحت،الجداريات،، هوسا يشترك فيه أبناء الأسرة الغنية والفقيرة،بل الأمية منها والمثقفة ،حتى لا نعيد التهم الجاهزة للمعوزين وحدهم.
إن محترفي الكتابة،،الأحفورية،،قد وسعوا مجالات إبداعهم،حيث جربوا المحفظة،ثم الجدران قبل أن تمتد أياديهم إلى مقاعد وسائل النقل العمومي ،ومقاعد الحدائق، وكل مايصلح لنفث قبحهم.
أتذكر كيف كان بعض الطلبة المناضلين أيام الجامعة يملأون الدنيا صراخا وشتما لكل ما يمت للدولة بصلة لأنهم ماويون أو ماركسيون أو غيفاريون… لكن معظم هؤلاء ينهون نضالهم في المراحيض حين يكتبون شعاراتهم بما فضل من غائطهم!
إن السؤال الذي لا يطرحه محبو الرسائل الجدارية،هو :
أما آن لهذه الرسائل أن تصل؟
هل ينتظر العاشق الذي يكتب اسم معشوقته على مقعد حافلة استقلها ذات زمان، أن يقودها القدر يوما ما لتحتل الكرسي ذاته ،ثم تجوب كل الوطن بحثا عن مغرم لم يكشف عن هويته؟ أم تراها تتجرأ على دخول مراحيض الذكور لتفاجأ برسالة موجهة لها؟
إن قطار الحياة يمضي بسرعة فائقة،لكن ثقافة الكبت والتخلف ما زالت تكبل العديد من عقول أبنائنا ليكون دورهم محصورا في التخريب، والإساءة إلى الغير.
كنا نعتقد بأن تطور وسائل التواصل ستضع حدا للمارسات ملطخي الجدران،لكن هذا النوع من الثقافة يأبى إلا أن يظل جزءا من كيان مخلوقات بشرية لعلها منذورة للإذاية وكفى!
2 Comments
يتفاجئ الأصدقاء والأحباب عندما أقول لهم اني متجه صوب المكتبة لشراء الطابع البريدي، ويطرحون علي السؤال التالي : هل مازلت تكتب الرسائل و ترسلها عبر البريد أمام هذا التقدم الهائل في التكنولوجية والمخاطبة الفورية وجه لوجه دون حواجز عبر الهواتف الذكية ؟؟؟ .
.فأجيبهم ألا تعلمون أني أب محروم من معانقة فلذة كبده بسبب المنع من صلة الرحم، رغم وجود حكم يحدد يوم ووقت الزيارة نهيك عن الاعياد الدينية والعطل المدرسية . وكل مناسبة أو عيد أرسل لابنتي الرسائل عبر إدارة المؤسسة التي تدرس بها واكتب بخط أحمر طويل وعريض أمــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــانة ،
و لا أدري هل تتوصل ابنتي برسائلي أم لا ؟؟؟ ولو كنت تتوصل لارسلت الي الرد ….
على أي أشكر ساعي البريد الذي يوصل الرسائل الى ابنتي وتحية لجنود الخفاء داخل هذه المؤسسة المتسمة بالصدق والأمانة.
شكرا والسلام عليكم .
– أبو حفصــــــــ*عكاشة*ــــــــــــــــــــــــــــــــة .
استغرب تحديد وزن الظرف البريدي في 20 غرام بثمن 7.75 درهم كإرسال عادي . احيانا اكون مضطرا لاضافة طابع ثاني حتى لا تضيع الرسالة أو يكون الطرف المرسل إليه مضطرا للدفع حالا او الاتصال باقرب مركز بريدي . حبذا لو تم الرفع من الوزن لاستعمال البطائق المرتفعة الوزن ن مع العلم ان الرسائل قد تراجعت بين الناس نظرا للتطور التقني ، واصبح الامر يقتصر على رسائل البنوك والمدارس المتعلقة بالنتائج الدراسية و بعض الهيئات الاخرى…
السلام عليكم .
– أبو حفصــــ* عكاشة*ــــــــــــــــــــــــــة .