من ثمرات المنابرـ الخطبة 1 ـ : محمد رسول الله إمام الأمة في دينها ودنياها…كان يرأس دولة مؤسسات، بكل معايير، ومفاهيم الدولة الحديثة
مقدمة السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته أما بعد فهذه سلسلة خطب تحت عنوان: محمد رسول الله إمام الأمة في دينها ودنياها، تقصد في عمومها إلى تذكير الخامل، وتنبيه الغافل، وتنوير السائل، ورد جحد الصائل بأن رسول الله قد أنشأ، وكان يرأس دولة مؤسسات، بكل معايير، ومفاهيم الدولة الحديثة، ولم يكن مجرد واعظ أو مصلح لا علاقة له بالنظم الإدارية، والهياكل المؤسساتية لتدبير شؤون الحياة في كل جوانبها السياسية، والتربوية والاجتماعية، والتعليمية، والبيئية، والدينية… فأقول، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب:
الخطبة الأولى: الحمد لله والصلاة والسلم على رسول الله… أما بعد أيها المؤمنون، تذهب بعض الكتابات المشبوهة، إلى أن الإسلام لم يكن يوما دينا ودولة. فهو لا يعدو أن يكون مجموعة من المواعظ الأخلاقية والتوجيهات التربوية الداعية إلى التحلي بالفضائل، والمكارم، لكنه ليس نظاما متكاملا من الناحية السياسية، والإدارية والحقوقية، والقضائية والاقتصادية، والاجتماعية… وتزعم هذه الكتابات أنه لا يوجد فيه مؤسسات الدولة وهياكلها بالمفهوم المعاصر: حاكم ومحكوم، ونظام أو دستور حكم، ومؤسسات أو وزارات مختلفة، على نحو ما يعرفه الناس اليوم. وبالتالي فإن الإسلام أو التدين به يجب أن يظل شأنا فرديا، وأن يعتزل حياة المجتمع ولا يتدخل في قيادة شيء منها، إلا على سبيل الوعظ والإرشاد في أحسن الأحوال، وأن يدع شأن ذلك كله للعقل وحده، كما هو الشأن بالنسبة للمسيحية في الدول الغربية.. فإلى أي مدى يصح هذا الكلام من الناحية العلمية والموضوعية ؟ ذلك ما سنتناوله مفرقا في مجموعة من الخطب وبالله التوفيق.
أيها المؤمنون، إن استقراءا سريعا للوقائع العملية التطبيقية لحياة رسول الله – لمن كان منصفا – يبين أنه قد باشر مهمة الإمامة أو رئاسة الدولة بجميع لوازمها ومقتضياتها. يتبين ذلك من خلال ما يلي:
أولا: – فقد دعا إلى البيعة له قبل الهجرة إلى المدينة، كما أمر أصحابه الأولين بالهجرة إلى المدينة ليجتمعوا في موطن يمكن فيه مشاركة الجميع في بناء المجتمع المسلم المنشود..
– ثم مباشرة بعد حلوله بالمدينة أمر بكتابة وثيقة المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، وسن ميثاقا للتحالف مع جميع مكونات مجتمع المدينة – من اليهود وبقية المشركين كـأول دستور للدولة الإسلامية الجديدة: أليس هذا ما يعدل عندنا اليوم المؤسسة الدستورية والتشريعية للدولة ؟
ثانيا – ، كما كان له وزراء من أكابر أصحابه من النابهين ومن أهل الفطنة والخبرة، يشاورهم ويأخد بآراءهم: أليس هذا ما يعرف باصطلاح اليوم المجلس الاستشاري ؟
ثالثا– وكان له حاشية يرافقونه، ويحرسونه في البيت وخارجه، وكان له كتاب، وخاتم، ومراسيم في استقبال الوفود والمستفتين والمتقاضين: أليس هذا بلغة اليوم ما يعرف بالديوان الرئاسي، أو الملكي ؟
رابعا– وكان له نواب، وأمراء، وولاة يسوسون الجهات البعيدة عن المدينة مركز الدولة: أليس هذا ما يسمى اليوم بوزارة الداخلية ؟
خامسا– وكان يمارس عقد المعاهدات الأمنية ( السلمية) واتفاقيات التحالف الحربية والاتصالات الخارجية، كما كان يراسل الملوك ويبعث بالكتب على الممالك والدول المجاورة:أليس هذا بلغة اليوم وزارة الخارجية.
سادسا– وكان له حراس، وسرايا وجنود مدربة على القتال: أليس هذا ما يعرف بوزارة الدفاع
سابعا– وكان يعين القضاة على الجهات المختلفة، ويرشدهم، ويحاسبهم: وهذه ليست إلا وزارة العدل ؟
ثامنا – وقام ببناء مجموعة من المساجد التي كانت بمثابة المؤسسات التعليمية والتربوية والتعبدية، كما كان له بعد ذلك مدرسون ومعلمون بالأجرة: وهذا ما ينطبق عليه بلغة اليوم وزارة التربية والتعليم؟
تاسعا– كما كان له أئمة ومؤذنون بالأجرة: وهذه ليست إلا وزارة الشؤون الدينية ؟
عاشرا – وكان يهتم بالأعياد والأفراح عند المناسبات، ويستحسن كل جميل: وما هذه إلا وزارة الثقافة ؟
تلكم أيها المؤمنون مؤسسات الدولة الإسلامية التي وطد لها رسول الله أركانها، وأتم بناءها على هدى تلك الأركان من جاء بعده من الخلفاء والأمراء حسب ما اقتضته الظروف والأحداث التي توالت بها الأيام والسنون. وسيأتي الكلام عن هذا الإنجازات النبوية مفصلا بأدلته ووقائعه في الخطب القادمة إن شاء الله تعالى. وإذا لم تكن هذه هي الدولة التي ترعى شؤون الدنيا والدين، فما ندري ما الدولة حينئذ في رأي هذه الكتابات ؟ إلا أن يكون الغرض إقصاء الإسلام عن قيادة الحياة، وفصل الدين عن الدولة – بإسقاطات تاريخية حصلت في الغرب على دين الإسلام – بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير، إن لم يكن عن سبق تعمد وإصرار.. والله غالب على أمره، والحمد لله رب العالمين…
Aucun commentaire