احتجاج مسافر …

مطار وجدة أنكاد نموذجا

إشعار يشير الى توصلي ببريد إلكتروني من شركة الطيران، مفاده ضرورة الحضور مبكرا الى مطار مدينة وجدة أنكاد الدولي يوم 23.10.2016 حوالي 3 ساعات قبل موعد إقلاع الطائرة، وذلك للإجراءات الأمنية المشددة المتبعة في المطار وحتى يتم تفادي التأخير…، بعد إلقاء نظرة على تذكرة الحجز اتضح لي أني سأغير ترتيباتي بصحبة العائلة المرافقة وذلك حتى نتمكن من التواجد في المطار في حدود الساعة 6:30 صباحا، وذلك ما تم بفضل الله حيث كنا في الموعد المحدد بالمطار لأصطف برفقة أولادي في طابور العبور حاملين غصة مفارقة الأهل والوطن …

في ظل هذا الإجراء الطبيعي تنهال علي أسئلة أبنائي الذين يحاولون الفهم والإستفسار وفي نفس الوقت يدافعون آثار النوم العالقة بمحياهم الملائكي … ولا أبخل عليهم بما توفر لدي من إجابات لا أبغي من خلالها سوى امتصاص تعبهم ووقوفهم في الطوابير المتعددة الإختصاصات. وبعد التفتيش الأولي بباب المطار والطابور المخصص لعملية تأكيد الحجز، يأتي دور طابورتفتيش آخر يكاد يجردك من ثيابك وحذائك، ليقذفك التيار في طابور شرطة الحدود.

مضى من الوقت ما يناهز الساعتين وآثار التعب من كثرة الوقوف « في مطار لا كراسي فيه ويقال عنه « دولي » تنهك الصغير والكبير. وتحت إيقاع قرع الأختام المتجاوز، يشد انتباهك شكل الموظفين القابعين خلف الشبابيك … وكأنهم اختيروا بعناية فائقة، لا أثر للبشارة في وجوههم وكأنك قادم على جهنم وبئس المصير …  صورة سيئة لبلد مضياف.

بقيت أرقب تعاملهم وتصرفاتهم مع الناس … كل ذلك الجفاء تجاه مواطنيهم لم يثر حفيظتي، لكني كنت أتأسف ألما حينما يقف على الشباك مسافر أجنبي ويدلي بوثائقه ليستلمها الموظف دون إلقاء التحية أو أن يبسط محياه في وجه ضيف أتانا نحرص كل الحرص على استمتاعه بتواجده في بلدنا، أو يسأله في لطف عن إقامته، مع العلم أن ذلك لن يعطل مهامه، لأنه بكل بساطة سيكون خير دعاية للسياحة في وطني …
في تلك الأثناء استحضرت تدمر جلالة الملك من السلوكيات المشينة للإدارة كما استحضرت لقاء عامله على مدينة وجدة السيد محمد مهيدية بعدد من الأطر والمسؤولين من مختلف المصالح لتفعيل الخطاب الملكي الأخير للارتقاء بالخدمات الادارية وعلاج هذا الأمر، وخاصة حينما تحدث عن هاته الظاهرة … لأتساءل لمصلحة من يشتغل هؤلاء … أم أنهم غير معنيين بالخطاب الملكي الذي يعتبره المغاربة خطا تشريعيا وتوجيهيا … أم أنهم يمثلون خطا ارتداديا يصد كل محاولات النهوض التي تسعى الإرادة السياسية في البلاد لترسيخها.

أسئلة منهكة في طابور منهك … وعلى صدى أنات الأطفال الذين أنهكهم التعب وقلة النوم والأداء الخانق لأولئك القابعين خلف الشبابيك … يزداد ضغط الدم عندك ويستفزك سلوك ذلك الشبح الذي ما فتئت تحمد الله على مجيء دورك ليقوم من على كرسيه  وينسحب من مقصورته دون أي اعتبار للواقفين أمامه مديرا لك ظهره … ليلتحق بكوكبة من الزملاء تحلقوا في زاوية من مطار يعتبر التدخين فيه ممنوعا … ليناوله أحدهم سيجارة يسترجع بها بعض أنفاسه التي ضاقت بنا.

لم أتمالك نفسي أمام قلة الأدب هاته … فصرخت خلفه محتجا على هذا السلوك المشين ليعود إلي ويطلب مني الإلتحاق بشباك آخر … الأمر الذي حاولت ابتلاعه ابتداءا … ولأن الشباك الآخر لم يكن به سوى عائلة واحدة، مما جعلني أغض الطرف …وأصف مع أبنائي من جديد أمام الشباك الثاني، تلكون المفاجأة ضعفين … حيث انسحب الشبح الآخر ليتركني معلقا أمام شباك فارغ.

لم أحتمل هاته الإهانة المضاعفة، فصرخت خلفه طالبا منه العودة ومحتجا على هاته السلوكيات المنفرة واللامسؤولة … ليكثر الضجيج في القاعة ويضطر الشبح للعودة الى شباكه وعلى وجهه علامات السخط مبررا سلوكه بأنه اضطر للإنصراف بحجة تلقيه مكالمة هاتفية سائلا: « واش منردوش على التلفون؟ » لأجيبه بأدب من حقك أن تجيب لكن بعد أخذ إذني وخاصة إذا تعلق الأمر بمكالمة شخصية لا علاقة لها بالمهام المسندة إليه … تلك أبسط قواعد اللباقة الإدارية … لأشرح له بعد ذلك سر امتعاظي أمام الشباك الأول … لأفاجأ بموقف التبرير والدفاع عن زميله بحجة أن دوامه قد انتهى، وأنه اشتغل لأ كثر من 24 ساعة ليدخل في مهاترات كلامية لا معنى لها، ويتوجها بحكمة بالغة قائلا: » منين كتغوت راك اعترفت بلي راك منهزم » لأتساءل في قرارة نفسي عن أي معركة  وأي هزيمة يتجدث هذا، أنا لم أقم سوى بالإحتجاج على سلوك مستفز من موظف غير مسؤول، لأخلص إلى نتيجة مرعبة: وهي أني انهزمت فعلا في معركة الهوية والوطن مع أبنائي الذين لايعرفون منه إلا ما ننقله نحن إليهم، وأدركت أن هؤلاء القوم وأمثالهم هم العصى التي تعرقل سير عجلة التطور والنماء في وطني … والمثال السيء الذي يصد أبناءنا عن وطنهم.

بعد أن تأكد من هوياتنا وانتهى من إجراءات العبور، سلمني جوازات السفر وتوكلت على الله لألتحق بقاعة الركاب، لأفاجأ بصوت لا يعرف للمحادثة مقدمات، « أرا داك الباسبور وزيد معايا اسيدي » لأعطيه جوازي وألتحق به تاركا أبنائي خلفي في حالة نفسية تدين كل القائمين على المطار.

أخبرني ذلك المحقق الذي لم أتبين هويته، لأنه لم يضع بطاقة تشير إلى اسمه، بأن كامرات المراقبة قد رصدت الحادث وعليه أن يتبين ما حدث معي أمام الشباك، لكن النكتة، أنه بعدما استطلع بياناتي من بنك المعلومات المخزن لديهم … اكتفي بالتأكد من اسمي بالكامل ولم يسألني عن الحدث قط خاتما كلامه بعبارة لفظها بوعيد وسطرها على الحاسوب   Passager Perturbateur. بلعت لساني لأعود إلى أبنائي الذين أخذوا في البكاء مستحضرين في أذهانهم كل حكايات الإضطهاد والإستخفاف بالمواطنين في حين تسعى الإرادة الملكية والسياسية والشعبية إلى تغيير هذا النمط البائد الجاثم على صدور المواطنين وخاصة في مثل هذه النقاط التي تعد وجه المملكة الشريفة.

أتوجه من هذا المنبر إلى كل الشرفاء والغيورين على هذا الوطن أن يستشعروا مسؤوليتهم والأمانات المناطة بأعناقهم … وأن هذا الوطن مسؤولية الجميع ولا مكان فيه للأشباح والمرتدين عن ركب الإصلاح والتحديث.

عبدالرحيم الجرودي

« المسافر المشاغب«