أسرى الريف..هل سيكون « ديكارت » مغربيا؟
رمضان مصباح الادريسي
ألغام تحت الطاولة:
لماذا لا يغضب الريف ،حيث تأكد رسميا ،وعلى أعلى مستوى في البلاد،وفي مجلس وزاري ،بأن المشاريع الملكية ،ذات العنوان الواعد بمشاريع أخرى في المستقبل – الحسيمة منارة المتوسط –تعرضت لقرصنة رسمية من نوع غريب وجسور؛وفي منتهى الخطورة،اعتبارا لسمو مكانة الجهة المتضررة؛واعتبارا لوأدها(القرصنة) ، في المهد،لطموح ملكي ودولتي يشتعل للحسيمة وللريف ،وللوطن طُرا،لكن ببعد متوسطي ،لا يمكن أن يتحقق إلا عبر مراحل عدة ،واستثمارات ضخمة؛ شريطة تكاتف كل الارادات الموقعة على مخططات المشروع،وتفعيل كل جينات الاخلاص والنزاهة،المطلوبين في كل الأداء الحكومي،ومن باب أولى حينما تكون الضمانة ملكية.
لماذا لا يغضب الريف و ألغام الغدر بالمشروع الملكي ما انفكت تنفجر،و تشنف أسماعه ،منذ غادر جلالة الملك قاعة التوقيعات ،بتطوان،مطمئنا الى اخلاص وكفاءة ونزاهة الفريق الحكومي المكلف بالتنزيل.
شباب ملكي في السجون:
بعد قرصنة مشاريع الملك ،ومستقبل الحسيمة،أو المحمدية الجديدة،منارة لكل الدول المحيطة بالمتوسط،وغيرها ،تمت قرصنة الغضب الريفي – أو الحراك- الذي فضح القراصنة ،وبرهن على أن شباب الريف – في هذه – هم الشباب الملكي الحقيقي ،الذي لم يجنده أحد ليتلعثم بكلام وبشعارات لا يفهمها.
احتد الغضب الريفي وهو يرى البَكم والعمى أصابا كل الأحزاب والنقابات ؛ومن لا يغضب هنا لا وطنية له: قطار المشاريع لم ينطلق بعد،رغم تواجد الركاب بالمحطة،منذ2015.
بدل حضور الكفاءات الهندسية ،والتئام الأوراش ؛حضر القراصنة وفي ركابهم سياسيون ،بكل أسلحتهم الثقيلة لتدمير الحسيمة ،والسير فوق جماجم الريفيين صوب البرلمان .
حق للزفزافي أن يُزري بالأحزاب ،وهو يراها لا غيرة لها ،ليس على الحسيمة فقط،بل على بيضة الملك ،ونخوة المغاربة ؛وهما يسامان الاعراض والازدراء.
حق ل »سيليا » أن تصرخ بها صريحة نجلاء: « عاش الشعب » ؛وكيف يغيب عنا أن المواطنين ،بدون أحزاب، شعب لا ملك له غير الملك.
عاش الشعب ،لم تلعلع إلا لتستنهض همم شباب الريف للدفاع عن مشاريع الملك ،وكل مستقبل الحسيمة والريف.
عاش الشعب؛وهل تتقوى روابطه ،وتشتعل جذوته،اذ تمكن القراصنة من الملك في الحسيمة،لينتقلوا بعدها الى سائر الوطن ،وكل تفاصيل البناء؟
« صاحب الجلالة الشعب » وهل بقي من يُجِل الريفيون في الحسيمة ؛وقد أطبقت عليهم الذئاب السياسية ، والغربان والثعالب ؛عقابا لهم على صلح ملكي تاريخي ،جاد به الزمان بعد طول انتظار؟
لماذا لا نرى في سيليا غير الانفصالية المتهورة؛ولا نرى فيها « جاندارك » الريف التي هبت للدفاع عن مشاريع بناء الوطن كله،وهي تراها مقرصنة وملغمة؟
أنعم بهم من شباب ،حقت لهم المرابطة على الثغر ،كما رابط أسلافهم ؛ولم يفكروا في الانفصال حتى حينما انفصل ،فعلا،تاريخهم عن تاريخ الوطن؛زمن معاناة السلاطين من الضعف والقهر ،كما الشعب المغربي كله.
ليترك هؤلاء السجن للقراصنة:
لقد حلت « الحَرْكة » السلطانية بالحسيمة ،وفي ركابها المحققات والمحققون الملكيون ،الذين سيفتحون ملفات لكبار القراصنة ،بعد أن أخطأت النيابة العامة الطريق ،فألقت القبض على الشباب الملكي؛لتكتمل آخر فصول القرصنة ،وينجوا القراصنة بمليارات الدراهم ؛ ولا يهم بعدها أن تسيل الدماء في الريف ،وتُجرجر النساء .
لِيخرجْ الشباب الأسير ،والمضرب عن الطعام حزنا وكمدا،لنحتفل جميعا بصيف الحسيمة الخلاب.
ولنحتفل باستعادة الملكية لزمام الأمر ؛وللمبتدأ والخبر ،في ما يتعلق بهذه المنارة التي ننتظر جميعا تألقها في زرقة المتوسط الشاسعة.
لا يهم ألا يستعطفوا ؛بل لقنونا درسا مهما :ألا نستعطف أحدا حينما نكون مظلوميين،لأن الله معنا؛وألا نضعف ونحن نواجه القراصنة ،الهاربين بالسفينة الى مجاهل بحر مضطرب.
مدرسة الريف:
هي مدرسة في الوطنية؛لكن بالمفهوم الحداثي للكلمة،الذي يلغي المخزن العتيق- وقد رأيناه أخيرا وهو يغوص بقدميه في البحر ،مطاردا فتية الحسيمة المراهقين ،والضاحكين،في البحر – ولا يقر بالولاء إلا لدولة المؤسسات ،وللاختيار الديمقراطي ،الذي يحقق العدالة الاجتماعية ،والمساواة في الحقوق والواجبات، والتوزيع العادل للثروة – وللتاريخ أيضا – بين جميع جهات المملكة.
لم يحدث ،في المغرب المستقل،أن انتفضت جهة كاملة ،لتؤكد على وطنيتها ؛ردا على زلة حكومية، من درجة فضيحة،تتهمها فيها بالرغبة في الانفصال.
وهي مدرسة وطنية حداثية،تمكنت من استقطاب كل الدياسبورا الريفية ،بدون مؤسسات ولا سفارات. وهنا أيضا حازت قصب السبق لأنها أتت بأمر جليل غير مسبوق.
وهي مدرسة في الانتصار للملكية ،حينما تراها منصفة ،ومهددة في مشاريعها التنموية للوطن.
وهي مدرسة في استنهاض همم الأحزاب ،لأن الديمقراطية لا تقوم بدونها ؛لكن ليس كما اتفق؛بل من خلال البرهنة ميدانيا على جدارتها وإخلاصها.
ان الوطن كله لا يريد الدكاكين السياسية،وليس الريف فقط.
وهي مدرسة في تدريب الشعب المغربي ،على حراسة وتتبع كل المشاريع التي تنجز من المال العام ؛سواء كانت ملكية او حكومية.
حتى الملكية تضررت من انهيار الأحزاب في الريف ؛اذ وجدت نفسها ،وحدها فقط،محط أنظار الوطن والعالم ،وكأننا صرفنا ستين سنة في غير بناء دولة المؤسسات.
لولا فتية الريف لما تحقق هذا المكسب الديمقراطي اللامادي المهم.
ان ما حصل من تجاوزات ،الى حد الساعة ،من هنا وهناك، لا يفسد للود قضية.
لم يبق ،اذ رسَّم الملك الغضب ،وشرعن الحراك،وأدان التعذيب ،إلا اطلاق سراح جميع معتقلي الريف الحراكيين.
وألا فسيهدر دم المنطق الانساني كله.
ولا فان « ديكارت » لن يكون مغربيا أبدا.
Sidizekri.blogvie.com
Aucun commentaire