كان على المجلس الأعلى للتربية أن يدق ناقوس الخطر بشأن اختلال القيم بالمدرسة المغربية منذ زمن بعيد
كان على المجلس الأعلى للتربية أن يدق ناقوس الخطر بشأن اختلال القيم بالمدرسة المغربية منذ زمن بعيد
محمد شركي
ذكرت بعض وسائل الإعلام المغربية أن المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي قد كشف صباح يوم أمس في تقرير له عن اختلالات كبيرة في مجال التربية على القيم من خلال ملاحظة التفاوت الكبير بين أهداف البرامج الدراسية وواقع الممارسة التربوية . وسجل هذا المجلس أن الوثائق المرجعية المقدمة للتلاميذ لا تتلاءم مع التشريعات والمستجدات المؤسساتية والمعرفية في المغرب وعلى الصعيد الدولي . وانتقد المجلس مراجعة المقررات والمضامين الدراسية التي لا تكون إلا موسمية في الغالب . ولاحظ المجلس أيضا أن تلك المقررات والمضامين متناقضة ،الشيء الذي يؤثر سلبا على تمثلات وسلوك المتعلمين . وسجل المجلس بعض السلوكات اللامدنية الصادرة عن المتعلمين في المؤسسات التربوية من قبيل عدم احترام الآخر خصوصا المربين ، والعنف ، والتحرش ،و الغش ،والإضرار بالملك العام وبالبيئة … واقترح المجلس وهو قوة اقتراحية لإصلاح المنظومة التربوية نشر القيم الفضلى، وترسخ منظومتها التي وضعها دستور 2011 ، وذلك من خلال اضطلاع المدرسة بتنشئة الناشئة على القيم الدينية ، وقيم المواطنة ، وفضائل السلوك المدني لتكوين المواطن المتشبث بهويته المتعددة الروافد ، ووطنه ، وتاريخه وحضارته ، والمحترم لحق الاختلاف ، والمنفتح على قيم العصر ، والقادر على الموازنة بين حقوقه وواجباته . وأعلنت لجنة المجلس الدائمة للبرامج والمناهج أنها قد خصصت حيزا مهما من برنامج عملها للتربية على القيم من خلال البحث والإنصات إلى خبراء ، وفتح نقاش ، وصرحت أنها أنجزت دراسات في الموضوع استنادا إلى دراسات وطنية ودولية سابقة في الموضوع .
والملاحظ أن قرع المجلس الأعلى للتربية ناقوس الخطر بخصوص اختلال القيم في المدرسة المغربية جاء متأخرا جدا ، وكان عليه أن يقرع هذا الناقوس منذ تأسيسه ، وقبل أن تتردى أوضاع تلك القيم عندنا بشكل غير مسبوق . وكان على لجنته الدائمة للبرامج والمناهج أن تتنبه إلى ما سجله المجلس من تضارب بين المقررات والمضامين الدراسية ، وما سجله من عدم ملاءمة الوثائق المرجعية المقدمة للمتعلمين مع التشريعات والمستجدات المؤسساتية والمعرفية الحاصلة في البلاد وفي العالم … إلى غير ذلك مما جاء في تقرير المجلس الأعلى للتربية الذي ينتقد التناقض بين مضامين المواد الدراسية ويحملها مسؤولية اختلال منظومة القيم إلا أنه يكرس هذا التناقض من خلال محاولة الجمع بين قيم قد تتقاطع ولكنها لا يمكن أن تجتمع ،ذلك أن ما سماه تقرير المجلس انفتاحا على قيم العصر قد يكون ناقضا لقيمنا الدينية ، ذلك أن قيم العصر عبارة عن متغيرات بينما القيم الدينية ثوابت . ولنضرب مثالا على قيم العصر التي لا يمكن أن توافق قيمنا الدينية ،ويتعلق الأمر على سبيل المثال بقيمة الحرية التي جعلها العصر تمس الأخلاق في الصميم فتوظف الحرية للانحرافات الجنسية والمثلية ، فكيف يمكن انفتاح الناشئة على مثل هذه القيم ؟ والملاحظ أن تقرير المجلس الأعلى للتربية يتحدث عن المدرسة بمعزل عن المجتمع ، ويحملها وحدها مسؤولية اختلال منظومة القيم، علما بأن مسؤولية التنشئة الاجتماعية تقع على عدة جهات وعدة أطراف تعتبر المدرسة طرفا فيها يؤثر وفي نفس الوقت يتأثر بغيره من الأطراف.
وكان على المجلس الأعلى للتربية أن ينطلق من النواة الأولى للمجتمع وهي الأسرة الحاضنة الأولى للناشئة التي تستقبلها المدرسة بقيم تمت تنشئتها عليها ، وهي خليط من التنشئة الصحيحة والتنشئة المنحرفة حسب طبيعة الأسر ومستوياتها المعرفية والثقافية وظروفها الاجتماعية والاقتصادية … وإن ما رصده تقرير المجلس من اختلالات القيم كشيوع العنف والتحرش وعدم احترام الغير بما في ذلك المربين والغش ، والاعتداء على البيئة والممتلكات وغير ذلك من السلوكات أمر شائع في المجتمع ولا يقتصر على المؤسسات التربوية ،ذلك أن الناشئة تتشبع بتلك السلوكات من المجتمع من الشارع ومن الأسر وتنقلها إلى المؤسسات التربوية، الشيء الذي يجعل مهمة تلك المؤسسات في تعديل تلك السلوكات أمرا عسيرالمنال . وما يحدث في المؤسسات التربوية على وجه الدقة هو تلاقح تلك السلوكات المنحرفة التي تشبه الأوبئة المعدية ، ذلك أنه قد يلتحق بتلك المؤسسات نوع من الناشئة تربى على قيم فضلى في أسرته إلا أنه بفعل العدوى داخل المؤسسات التربوية ينحرف عنها . ومعلوم أن الذي يتحكم في سلوك الناشئة هو المجتمع أو بتعبير أدق الشارع الخارج عن سيطرة القيم ، وهو شارع يعج بالسلوكات المنحرفة التي تتلقفها الناشئة البريئة على أساس أنها سلوكات سوية . فالعنف والتحرش وعدم احترام الغير ، والغش ، وتدمير البيئة والملك العام … وغير ذلك كله مصدره الشارع ، ولهذا يجب أن يبدأ إصلاح منظومة القيم من الأسر ومن الشارع الذي يمثل المجتمع . فإذا كانت الناشئة تفتح عينها على قيم مختلة في أسرها وفي الشارع أو المجتمع ،فكيف يمكنها أن تنضبط لقيم المؤسسات التربوية التي لا توجد إلا نظريا من خلال مضامين دراسية يناقضها واقع الشارع ، وهي موضوع سخرية الناشئة المتشبعة بقيم الشارع المنحرفة ، والتي ترى قيم المؤسسات التربوية ضربا من المثالية . وإن الناشئة ترى الشارع يمارس الغش على جميع الأصعدة ، فتتكون لديها قناعة بأن الغش هو السلوك المطلوب حتى تكون ناشئة شاطرة وغير مغفلة . فكيف يمكن للناشئة على سبيل المثال لا الحصر حين تكلفها أسرها باقتناء بضاعة أن ترى الباعة يغشون فيخفون الرداءة تحت الجودة ، ولا تتأثر بهم في سلوكها . وكيف يمكنها معاينة صورا من الارتشاء العلني ولا تتأثر بذلك ؟ وكيف يمكنها أن ترى التحرش مباحا في الشارع وهي نفسها تتعرض له ولا تمارسه خلف أسوار المؤسسات التربوية وفي الفصول الدراسية ؟ وكيف يمكنها أن ترى ممارسة الاعتداء على البيئة وعلى الممتلكات العامة والخاصة رأي العين كل لحظة ، ولا تساهم بدورها في ذلك داخل مؤسساتها وفي محيطها وهي ترى ذلك بطولة .؟
إن احتكاك الناشئة بالقيم الدينية الإسلامية داخل المؤسسات لا يتجاوز حصتين نظريتين في الأسبوع قد تتحول إلى فترة تفكه لأن المنظومة التربوية تضع هذه المادة في مؤخرة المواد الدراسية حصصا وتنقيطا ومعاملا، الشيء الذي يغري الناشئة باحتقارها والتقليل من أهميتها والانصراف عنها أكثر من الانصراف عن غيرها بل يطالها ما يطال غيرها من غش أو أكثر حين تمتحن الناشئة فيها. ولا يوجد داخل المؤسسات التربوية شيء من الممارسة الدينية إذ يفتقر معظمها إلى مساجد أو قاعات لأداء فريضة الصلاة علما بأن الصلاة الوحيدة التي يمكن أن تؤدى فيها هي صلاة العصر وربما صلاة المغرب في بعض الأوقات ، فكيف يمكن والحالة هذه تنشئة الناشئة على القيم الدينية ؟ وحتى صلاة الجمعة الأسبوعية لا تمكن الناشئة منها وهي فرصة مهمة لربط الصلة بينها وبين دينها وقيمه .
ولقد بحت أصوات كثيرة ومنذ زمن طويل، وهي تطالب بتحويل العطلة الأسبوعية من يوم الأحد إلى يوم الجمعة لتمكين الناشئة ومن يسهر على تربيتها من عبادة الصلاة يوم الجمعة إلا أن الانفتاح على قيم الغير الذي يطالب به المجلس الأعلى للتربية جعلنا ندوس على قيمنا ، وجعل ناشئتنا تنظر بازدراء إليها . ففي ساعة الجمعة تنشغل الناشئة بتناول وجبة الغذاء لتعود للتو إلى الفصول الدراسية وربما سمعت مدرس مادة التربية الإسلامية يردد على مسامعها الحديث الشريف : » من ترك ثلاث جمع تهاونا بها طبع الله على قلبه » فيسخرون منه ، لأن الواقع من حولهم يشهد على انصراف الناس عن الجمعة إلى شؤون دنياهم وبيعهم وشرائهم وجلوسهم في المقاهي وارتيادهم كل الأماكن إلا بيوت الله عز وجل . إن قضية اختلال القيم في المؤسسات التربوية أكبر وأعمق وأعقد مما يتصوره المجلس الأعلى للتربية . وإن رد هذا الاختلال إلى مضامين المقررات والبرامج الدراسية بعد واضح عن الإلمام بالقضية أو تجاهل متعمد لها . وإن العلاج الذي تقترحه الوزارة الوصية لبعض الاختلالات في القيم إنما يكرس تلك الاختلالات ولا يعالجها ، ولنأخذ كمثال آخر الإجراءات الانضباطية التي تبنتها الوزارة الوصية على التربية حيث عالجت انحرافات المتعلمين من قبيل ما سجله المجلس الأعلى للتعليم من عنف وتحرش وتخريب …بإجراءات عمقت تلك الانحرافات، وذلك عوض أن يؤدب المتعلمون بإجراءات زجرية فعالة يطلب منهم تقديم خدمات للمؤسسات التربوية بشرط عدم تعريضهم للأخطار وللإهانة ، وقد شجعهم ذلك على التمادي في انحرافاتهم في الوقت الذي تدور أحاديث عن عودة دول متقدمة إلى إجراءات زجرية كانت سارية المفعول في السابق . وإن الناشئة عندنا لم تعد تفرق بين حقوقها وواجباتها بل هي لا تعرف الواجبات التي هي في الحقيقة حقوق الغير . ومما زاد في انحراف سلوكات هذه الناشئة إلقاء وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الحبل على الغارب بالنسبة للقيم في غياب من يراقبها ، فصارت تلك الوسائل هي المسؤولة عن التنشئة الاجتماعية للناشئة ، وقد صادرتها من الأسرة ومن المدرسة ومن المسجد ومن جمعيات المجامع المدني . ولقد صارت تلك الوسائل مصدر الإجهاز على القيم في عالم صار بسببها عبارة عن قرية صغيرة اختلط حابل القيم بنابلها ودارعها بحاسرها كما يقال .
وفي هذا الظرف وأمام هذه الحقيقة الصادمة يتحدث تقرير المجلس الأعلى عن الانفتاح على قيم العصر مع غياب من يتنخل تلك القيم ويميز بين صالحها وطالحها وقد استباحتها وسائل التواصل بشكل غير مسبوق. وفي هذا الظرف بالذات والذي ينادي فيه المجلس الأعلى للتربية بتنشئة الناشئة على القيم الدينية تتعالى أصوات المعارضين لهذه التنشئة ، وتكيد لمضامين مقرراتها وبرامجها ، وهي تنادي بتغييب النصوص الدينية ، وتتجرأ على تصنيفها إلى نصوص مقبولة وأخرى مرفوضة بل تتهم بعضها بالتحريض على الكراهية والعنف والإرهاب وعدم التسامح ، ويفرغ المعارضون لها كل ما في باطنهم من تحامل على الدين باسم حرية التعبير . ومقابل توجيه النقد لمضامين المقررات والبرامج الخاصة بالتنشئة على القيم الدينية يرسل العنان لمضامين وبرامج تعارض صراحة وجهارا تلك التنشئة تحت شعار الانفتاح على قيم العصر . وما يخشى حقيقة هو أن يكون المجلس الأعلى للتربية يدفع في اتجاه الإجهاز على القيم الدينية خضوعا للتيارات الفكرية والإيديولوجية المناوئة لها ، ويكون ذلك عن طريق التمويه عن الغرض الحقيقي من اشتغال لجنته الدائمة على موضوع القيم من خلال اعتماد دراسات دولية في حاجة إلى من يتنخلها أيضا ويميز بين غثها وسمينها ، وبين ما يناسب هويتنا الدينية والوطنية وبين ما لا يناسبها من الوافد الذي أصبح يقتحم حمانا دون استئذان عن طريق وسائل التواصل الحديثة التي تجمع بين تصدير الصالح والطالح على حد سواء . ولا بد أن يضم المجلس الأعلى للتربية بين أعضائه علماء دين كما كان الشأن بالنسبة لإعداد مدونة الأسرة حتى لا تقتحم الخطوط الحمراء للهوية الدينية في عملية التنشئة على القيم الدينية . وإذا كانت اللجنة الدائمة للبرامج والمناهج تستشير الخبراء وتشجع على النقاش فعليها أن تعرف أية أبواب عليها أن تطرق لتصيب المحز؟
1 Comment
شكرا للاستاذ الكريم على الرد الذي اعتبره ملائما .
اضيف ان اطفالنا و مراهقينا و شبابنا من تلاميذ و طلاب و موظفي الدولة و كل فئات المجتمع تعلمت التمادي في الانحراف و اقتراف الاخطاء و ارتكاب شتى الجرائم لانهم واثقون ان لا عقاب مادي و لا معنوي ,لانهم بكل بساطة يرون في الشارع يقرؤون في الصحف و يشاهدون في القنوات المفسدون و المجرمون القتلةو المرتشون و ناهبي المال العام و المستفيدون بدون حق من خيرات البلاد و ناهبي الثروات ,يستمتعون و لا يعاقبون ولا يتابعون .
في هذه البلاد لايعاقب المجرمون و المنحرفون ,و كل السلطات تتربص جيوب المواطنين لاغناء جيوبهم لا يمهم المجرمون الذين يجوبون الشوارع و لا الذين يتجمهرون امام المؤسسات التعليمية و يبيعون التلاميذ كل انواع المخدرات و السخار و المهلوسات , لا يهمهم مراهقون يعثون الفساد في البلاد . لا يهمهم عصابات الليل في كل الاحياء تشيع الرعب و الخوف . فمن يا ترى يتحمل مسؤولية هذه الحالة التي وصلناها . اصبح البلد لا يطاق الله يلطف بنا اوصافي .
بكل صدق هدا لا يطاق .