صلاة الجنازة على الوظيفة العمومية. يرحمكم الله.
لا أحد ينكر الوضعية المزرية للمدرسة العمومية التي وصلت إلى أوضاع كارثية بسبب الإهمال الممنهج،و لن تسلم المدرسة الخاصة من هذا الوضع الكارثة ،مادام الأمر مرتبطا بسياسة تعليمية تمس المدرسة التي تشرف عليها الدولة- باستثناء مدارس البعثات الأجنبية التي لا تخضع لوصاية وزارة التعليم- فالتلميذ هو التلميذ هنا و هناك ،الفارق البسيط أن تلميذ التعليم الخاص له قدرات مالية على شراء الأدوات ،و أداء فاتورة تعليمه و فاتورة دروس الدعم الخارجي،و خاضع لمراقبة الآباء المباشرة،و المدرسون في المدارس الخاصة رغم عدم تكوينهم التربوي و البيداغوجي، و رغم أجورهم الهزيلة و خضوعهم لضغوط الآباء و شكاياتهم المتعددة و استغلال المالكين ،فإنهم بدافع الخوف من الطرد في أية لحظة، يحضرون الدروس، و يحضرون يوميا ،و عليهم بالنفخ في النقط و المعدلات.فتلك بضاعة يجب الاعتناء بها ما دامت تجلب الزبناء من نوع خاص(أهل المال).و إذا تبين للإدارة الخاصة، أن التلميذ غير قادر على المسايرة، يطرد من المدرسة الخاصة ليلتحق بالمدرسة العمومية.
كثير من المدارس الخاصة تلقي بالتلاميذ الذين لا يتفوقون خارج أسوارها،حتى تحافظ على سمعة التفوق الذي ليست هي من تخلقه، هي بل التلميذ بقراءاته الخارجية و ذكائه، و مساعدة آبائه المتعلمين في الغالب، ودروس الدعم الخصوصية التي يقوم بها أساتذة لهم سمعة في هذا الميدان(وكلهم ينتمون إلى المدرسة العمومية).
صرح رئيس الحكومة :كل المتخرجين من المدرسة « أن عليهم عدم انتظار الوظيفة العمومية و العمل على إنشاء مشاريع خاصة »ذلك ما صرح به رئيس الحكومة،كما صرح وزير التربية الوطنية قبله أنه « يجب الفصل بين التكوين و التوظيف » و ردد هذه الأقوال والتصريحات العلنية ، كل الوزراء بما فيهم وزير العلاقات مع البرلمان و وزير الوظيفة العمومية…
فنسبة الموظفين في نظرهم « تبقى جد مرتفعة، ففي الوقت الذي يجب أن تكون نسبتهم في حدود 6و8 % من الناتج الداخلي الخام لدينا 13%،لذا علينا أن نقلص الوظيفة العمومية عوض أن نرفع نسبتها ».و » الوظيفة العمومية تعتبر ثقلا على الدولة،لأنها تنظم الإنتاج،و غير منتجة،في حين أن العمل في القطاع الخاص يعتبر عملا منتجا،إذ يصبح الفرد يوفر دخلا للدولة عوض أن يكون ثقلا عليها »و « لا يمكن ربط التكوين بالحصول على شغل » »أي توظيف يجب أن يكون حسب مباراة انتقاء »…(من أقوال رئيس الحكومة، رضي الله عنه ….)
يسأل برلمان الشعب الحقيقي القوم من الوزراء :ما هي المشاريع التي يستطيع أبناء المواطنين ، من هم تحت سقف الفقر و من هم فقراء و مساكين وطبقة متوسطة (التي استنفذت كل إمكانياتها المالية في سبيل تعليم أبنائها) و تدحرجت إلى طبقة الفقراء؟ ما هي المشاريع التي تقترحونها سيادة الوزير-إن كان لكم اقتراح جزؤكم عند الله وكل الخير لكم على النصيحة- و تدر على أبنائنا وعليكم دخلا؟
ما ذا يستطيع من لا يملك مالا أن ينشئ من مشاريع؟و ما هي المشاريع المناسبة لهذه الوضعية(وضعية اسر أرهقها الغلاء في التغذية و العلاج و التعليم و الضرائب)؟
هل بيع الخضر بالتقسيط أو البيض أو الدجاج الرومي أو النعناع أو الفصة أو الذرة المشوية أو السجائر، أو تربية الطيور و الأرانب و الدجاج و الماعز الاسباني… ؟ودائما يخضع لمطاردات القوات المساعدة؟
أم الارتماء في أحضان التطرف الديني و إنشاء جماعات إرهابية تقتل الأبرياء، و لهم الحق في ذلك الاتجاه، مادام الفقر يؤدي إلى الكفر؟
أم الارتماء في أحضان المخدرات ليقتل الفرد نفسه فقط و بالسم البطيء؟
و في كلتا الحالتين، إما قاتل لأبرياء و مقتول في نفس الوقت،أو قاتل لنفسه فقط و لكن ببطء؟فماذا تختار يا رئيس الحكومة؟
مادام أبناء المغاربة ليسوا أبناءكم فليشربوا من البحر بل ليغرقوا فيه؟أما سيادة الرئيس لا يهمه إلا ما يدخله المواطن إلى الخزينة من دراهم كما صرح بذلك علنا، وليتمتع السارقون و الفاسدون و المارقون بما سرقوا و نهبوا و بذروا…
إن الدخول في المشاريع المنتجة أولا يتطلب رأسمال،و ثانيا دراسة السوق و متطلباته،و أظن الحيتان الكبيرة التي تستحوذ على إمكانيات التسوق لم تترك للصغار من اسماك السردين أية إمكانية للنجاح،أو حتى الحصول على الخبز الحافي بدون مرق؟
و لينظر سيادته إلى أصحاب المشاريع الصغيرة المفلسة المهددين بالسجن لعدم قدرتهم على رد المال المقترض إلى البنوك، كيف يعرضون أعضاء من أجسامهم للبيع (كلية،جزء من كبد،جزء من شبكية العين،جزء من المعدة او أي عضو آخر تحت الطلب…كل عضو بثمن قابل للتفاوض، من أجل رد أموال البنوك المقرضة و النجاة من المتابعة القضائية ومن الحبس؟
و الحلول أمامكم: لماذا لا تحاسبون و لا تتكلمون عن العدد الهائل من البرلمانيين في الغرفتين و أجورهم و اللوازم المالية لأجل الحضور أو الغياب (لا يهم)للقيام و تقاعدهم و امتيازاتهم بما فيها التقاعد عن سنوات تعد على رؤوس أصابع اليد الواحدة؟
لماذا لا تتكلمون عن العدد المبالغ فيه من الوزراء،وأجورهم و امتيازاتهم و تقاعدهم المريح و منحة يسيل لها اللعاب جزاء انتهاء المهمة، ونحن نعيش مرحلة تقشف ؟
و البلاد في حالة تقشف و ضيق مالي كما تعلنون و تصرحون :فلماذا تصرف الملايير (و بالهبل) على مهراجانات الغناء و الرقص:(موازين للأغنية العصرية و العالمية،مهرجان الغناء الصوفي،و الراي و كناوة و الضحك و السينما و الفروسية و الكلف و كرة المضرب…الخ اللائحة)و كلها مناسبات لتبذير و هدر المال العام بصورة مرضية،و بلا حسيب أو رقيب أو حتى ملاحظة محتشمة من أي وزير كان (كأن على رؤوسهم الطير) و في بلد يقال عنه أنه يعاني من (ضيق مالي) و ………
فهل التقشف والإفقار و التقتير و البخل من الواجبات و الفروض الدينية على أبناء الشعب البسطاء وحدهم؟أليس لهم كل الحق في وظيفة يحسون بها بكرامتهم انهم بشر، و يسترون بها عوراتهم المتعددة من لباس و أكل، و سكن ، و نظافة وتطبيب، وتعلم، و تكوين أسرة كبقية البشر المحترمين ،و استقلال مالي عن الوالدين المنهكين من ضرورات الحياة و غلائها الصاروخي و ليس من كمالياتها؟
لماذا لا نحاسب إهدار المال العام في استغلال سيارات الدولة في أغراض خاصة و خارج أوقات العمل،و لنقل الأبناء و الزوجة وأيام العطل العادية…؟
و الكميات الهائلة من الكهرباء التي تضيع في النهار،وتوزع فاتورتها على المواطنين؟لماذا لا نحاسب أصحاب المهن الحرة و المقاولات الكبيرة على مداخيلهم الكبيرة و الأرباح الهائلة السرية غير المعلنة،بينما الموظف يرهق بالضرائب على الدخل لأن أجرته تحت مجهركم الالكتروني؟
هذا ما نعرفه كمواطنين بسطاء،و خارج المطبخ الحكومي،أما الغيب فلا يعلمه إلا الله سبحانه و أنتم الذين توجدون في المطبخ و الساهرين على المال العام(البقرة الحلوب).
ما نعلمه و نعاينه ، أن دواليب الدولة والإدارة العمومية تشكو من الخصاصة في الموارد البشرية في التعليم و الأمن والصحة و القضاء والإدارة المحلية والموارد البشرية في التمريض….و كل القطاعات الحكومية التي لها ارتباط بالمواطن تشكو من خصاصة مريعة…
عندما يعلن بفصل التعليم عن التوظيف، فهو إعلان عن موت المدرسة و التعليم و التعلم،ما دام الأمل مفقود و الأفق مسدود و الإحباط و اليأس موجود .و يكفي أن نقرا في نظريات التعلم كلها منذ القدم إلى الآن و من الغرب بكامله (أوروبا و أمريكا الشمالية والجنوبية و حتى الشرق من الاتحاد السوفيتي سابقا) كلها تركز على الحافز المادي لمتابعة الجهد في التعلم.فإذا حذفت الحافز الخارجي و الداخلي من عقل المتعلم فلن يكون مجهود في التعلم و لو أتيت بمدرسين من الفضاء الخارجي للمجموعة الشمسية.
الوظيفة هي الحافز على التعلم،و لا وجود لتعلم من اجل التعلم،و خاصة أن
التعلم أصبح استثمارا يتطلب إمكانيات مالية على الأسرة التوفر عليها.
و مادام التعليم لا يوصل إلى هدف: الوظيفة=المكانة الاجتماعية و الكرامة الإنسانية و الإحساس بالقيمة الاجتماعية، بل إلى بطالة دائمة ، ومنها سريعا إلى انحراف فكري أو عقائدي أو أخلاقي…فأغلقوا أبواب المدارس من الآن فصاعدا و أعلنوا جهارا و بشجاعة عن موت المدرسة بعد العجز عن إصلاح أعطابها و أمراضها المتعددة و المزمنة، وصلوا عليها صلاة الجنازة يرحمكم الله وهكذا ترتاحون من مصاريفها (الباهظة) إلى الأبد،و تريحونا من هذا الوجع(التعليم قطاع غير منتج ليس له مداخيل إلى الخزينة) الذي أسكن في قلوبنا و عقولنا اليأس و الإحباط و القنوط، و الذي لا تستريحون من التذكير به في كل مناسبة…
فلتعلنوا بشجاعة الفرسان، أن الاقتصاد المغربي دخل مرحلة الاحتضار والموت بلغتنا، والركود و الإفلاس بلغتكم، و لكم أجر التبليغ….
انجاز:صايم نورالدين
Aucun commentaire