هل تعود حليمة الى عاداتها القديمة
تساءل المثل الشعبي عن حليمة التي تعود دوما الى عاداتها القديمة، ونحن نتساءل هل تشبه حليمة كريمة ام سليمة ام عقيمة؟ام كل ابناء عبد الواحد واحد؟ اي لا فرق بين رئيس الحكومة هذا و ذاك الذي سيأتي؟ فدار لقمان لا زالت على حالها…فليس في القنافذ من هو أملس؟ وان كان قنفوذ اليوم أكثر وقاحة وجرأةو شجاعة على الكلام السليط و الفعل السليط من سابقيه…
و عادات حليمة التي تشتم من المثل العربي الشعبي هي عادات قبيحة و مستهجنة و سليطة و غير مقبولة.و قد لا يكون الامر متعلقا بتساؤل بل باثبات حقيقة و توكيد عليها ،واخبار بحدث جلل وهو العودة الى الصفحات المطوية من ماضي حليمة.فالماضي لا يدفن كما اعتقد الروائي عبد الكريم غلاب في روايته(دفنا الماضي).فحليمة وكريمة و نميمة دائما تعدن الى عاداتهن القديمة(الماضي لا يموت عند أطباء التحليل النفسي بل هو سبب الكوارث النفسية كلها)…
الأربع سنوات التي قضاها البرلمانيون على الكراسي الوثيرة بربطات العنق من كل الألوان، و الألبسة المنتقاة من أسواق ايطاليا و باريس،و المبيت بالمجان gratuit بفندق خارج التصنيف ،وبدون دفع فلس واحد من جيوبهم ،و الأكل في المطاعم الفاخرة و بالمجان، و الهواتف المحمولة الرفيعة و السيارات الفارهة التي تنقلهم من اقامتهم الى قبة البرلمان او من المطار الى…و بالمجان… حتى يتميزوا عن باقي الخلق من مستعملي الطريق.مع العلم أن تعويضات تنقل برلماني واحد تساوي أجرة موظف من السلم التاسع بأقدمية عشر سنوات من العمل الفعلي،و تقاعد مريح 5000 درهم عن كل سنة لكل واحد منهم أطال الله في عمرهم… وهم يطالبون الآن بتحويله الى أبنائهم بعد مماتهم و الا لن يوافقوا على قرارات رئيس الحكومة المجحفة في حق الشعب.و أجرة تفوق بكثير ما يتقاضاه أستاذ جامعي في كلية العلوم برتبة أستاذ باحث… كل هذا المال يدفع لهم من عرق الشعب و من الضرائب التي يدفعها بمناسبة و بدون مناسبة . رغم أن الشعب المسكين تعرض و يتعرض للجلد من طرف الحكومات المتعاقبة السابقة و الحالية و اللاحقة ،و كأن قدرنا أن نكون في هذا الوطن معرضين للسلخ و الجلد والفلقة و الصفعات و اللكمات و الركلات الترجيحية من كل حكومة تمر من هنا…
و كل البرلمانيين الناطقين و الساكتين عن الكلام المباح يمولون من طرف الشعب من أجل ان يوجه أي واحد منهم، يريد أن يظهر على الشاشة، سؤالا واحدا من الأسئلة الكتابية( تكون عادة من تحتها الأنهار لا تثير نقعا و لا حرثا، ولا ضجيجا و لا تظهر على شاشة التلفزة في النقل المباشر، و هي عادة تتعلق بأمور محلية أو خاصة و ليس لها طابع وطني) أما الاسئلة الشفوية فيطبل لها تطبيلا، و هي التي يتم النقل المباشر لها عبر شاشة التلفزة،و لها علاقة بالطابع الوطني و عليه تكون صاخبة و ناحبة.
البرلمانيون على اختلاف مشاربهم يتنافسون و يتصارعون من أجل أن يمروا في أوقات التغطية،و بعضهم يطالب أبناءه بتسجيل اللحظة التي يمر فيها و يخبر الجيران و الأصحاب و الأحباب و المعارف و القبيلة بتوقيت مشاهدته، وهو يلوك الكلام ،و يمد يده نحو بطنه، و ربطة عنقه، في اشارة الى النعيم المخلد، وأنه الآن أصبح من الرجال المهمين الذين يطبعون السياسة الوطنية و الدولية،و يتكلمون مع ساسة القوم و كبرائهم،و يستمع اليه الحاضرون باهتمام ، أو يحاصرونه بالصخب.
و يقول له السيد الوزير : »السيد النائب المحترم، نشكرك على السؤال… » .
و لكن السيد النائب لا يقتنع بأجوبة الوزير فيثير الزوبعة و اللغط و يرفع صوته عاليا و يدق على الحطب و الخشب و يبدي نرفزة و غيظا شديدا أنه غير راض عن تصرفات الحكومة المشين ،و كان عليها أن تفعل كذا و كذا..
.و سرعان ما يعلو الضجيج و الصراخ و العويل و التصفيق و الصفير( في لغة المظفر النواب يقال:بال الحمار فاستبالت الحمير… شرف الله قدركم) …و يبدو من هناك رئيس الجلسة يمنع الكلام عن المتدخلين و يضرب بالعصا الامريكية كما يفعل كبراؤهم على المكتب الوثير مطالبا بالصمت و الهدوء حتى تستمر المساءلة…
و لكن في غالب الأحيان تكون المحاولة مآلها الفشل لأن الديكة لا تتوقف عن الصياح …
و عندما يفشل الرئيس المحترم في وضع النقط على الحروف واسكات الديكة التي تصيح…يطالب برفع الجلسة مؤقتا أو نهائيا.
الضجيج و الصخب و الصراخ و العويل و الصفير ليس من شيم البرلمانيين وحدهم ،وهم نواب الأمة المحترمون،بل يأتي من الجهة الأخرى المحترمة أي من رئيس الحكومة(بقهقهاته العالية التي تصل السماء الدنيا) وأما وزراؤه المحترمون فلا حق لهم في القهقهات لأنها ماركة مسجلة غير قابلة للتقليد ،و لا يحق لهم التقليد. فحذار من التقليد… فكل تقليد عليه ذعيرة.ما أدراك ان كان التقليد مغشوشا…
فالاحترام هو العملة التي يتصرف بها هؤلاء في سوق البرلمان المحترم… ونحن المواطنون شبعنا من احترام الوزراء و البرلمانيين في كل مناسبة و بدون مناسبة…و الحمد لله على الاحترام…سيدي الاحترام المحترم…
جلالة الملك في خطابه الأخير( الجمعة الثانية من شهر(9) أكتوبر 2015 وهي السنة الاخيرة من عمر النواب و الحكومة) نبه الى التصدعات في جدران البرلمان نتيجة الصراخ و الكلام الفارغ و تبادل السب و القذف والقهقهات العالية و القفشات و التهكم و السخرية من الآخر و..و..
من الأمور التي تحتاج الى دراسة من الباحثين ،رصد المصطلحات و المفاهيم و اللغة السوقية التي تأتي على لسان (صفوة القوم و خبرائها المحترمين) في قبة البرلمان االمحترم.
ويخيل الي و أنا واحد من المواطنين المتابعين في بعض المرات لهذه الجلسات البرلمانية المحترمة ،أن الامر يتعلق بأناس يتواجدون في السوق العمومي الأسبوعي أو في الحمام الشعبي ،أو في حافلة النقل الحضري التي تنقل الطلبة من الجامعة الى وسط المدينة في ساعة الذروة…
ناقش بعض الأساتذة في قناة البحر الأبيض المتوسط قبيل الخطاب الملكي، هذا الموضوع. ومن الخلاصات التي سجلها هؤلاء أن البرلمانيين هم من البشر الصم البكم العمي الذين لايسمعون و لايبصرون بل يتكلمون و يثرثرون كالسفسطائيين الذين يبيعون الكلام. قد لا يفقهون دلالة الخطاب الملكي الان و كل الخطب الملكية السابقة التي تنبه و تحذرهم بما هو مطلوب منهم ان يقوموا به عوض اضاعة الوقت في الخزعبلات المحترمة…
فهل سيظلون على هذه الحالة كما تظل حليمة تعود دائما ودوما الى عاداتها القديمة.؟؟
و نختم الجلسة بالدعاء المستجاب ان شاء الله :فاللهم أبصرنا بعيوبنا و افتح عقولنا لتعي و عيوننا لتبصر و آذاننا لتسمع و ألسنتنا لتخرس الا عن الحق،حتى نسمع من الأقوال و نتبع أحسنها. وأعنا يا ربنا على أن نصلح عيوبنا ما ظهر منها و ما بطن، ما نعرفه و ما نجهله، وأعنا على على غلبة أنفسنا …آمين يا رب العالمين…
و كل عام وانتم مع الاحترام محترمين سالمين غانمين…
انجاز: صايم نورالدين
Aucun commentaire