نافذة على المدرسة العمومية : المجموعة القصصية الاستبداد الناعم للقاص المغربي علي عبدوس مقاربة ميكروسردية سجلات التعبير وسمات الأسلوب.
4-سجلات التعبير وسمات الأسلوب:
لقد وفق القاص علي عبدوس في اختياره الفني لسجل تعبيري شعري ، ممتشق لمعول التناص المندمج داخل العرض القصصي، للحفرفي مركز ذاكرة الحدث القصصي، والكشف في الهوامش عن سياقه ،والنبش في الأطراف عن أبعاده، مستعينا بملحظ الاستشهاد بنصوص من تجارب شعرية متنوعة، محققة بؤرة مستوعبة لإشعاعات نصية كما يرى بارث، عربية تراثية وحديثة وأخرى إنسانية، من قبيل فن الموشحات « لم يكن وصلك إلا حلما …في الكرى أو خلسة المختلس » ص26 من قصة ميتافيزيقا الحضور، وقوله: « عيناك غابتا نخيل ساعة السحر، أو شرفتان راح ينأى عنهما القمر. » للسياب ص25 ، وقوله : » أعيني جودا ولاتجمدا …ألاتبكيان لصخر الندى ؟ للخنساء ص27 عن قصة وهج الفتنة الأولى، وقوله : » فالموت لن يأخذ منك شيئا » للشاعر اليوناني يانيس ريتسوس. ص29 عن قصة » نص » ،وقوله : » أعلن العشق وموت التعبير » لأحلام امستغانمي .ص30 ،وقوله : « بعد الآلام المريرة بالقرب من الصخور الحجرية … « لتوماس إليوت ص32 عن قصة » الرجل الأجوف ».
وعضد القاص سمة التناص بملحظ الاقتباس المطابق من القرآن الكريم، في سورة الحجر الآية 47 عند قوله : على سرر متقابلين ص 26 ، وملمح التضمين ، أي الإشارة بشكل معلن أو خفي، لمعنى بيت شعري مستشهد به ، للسان الدين بن الخطيب، في قوله : »لن يكون في عرسنا ظالم ،ولا مختلس، ولامظلوم . » ص 26 . ليحيل النص على فسيفساء سردي متنوع التكوينات ، يتشكل من الحكاية، مثل: » اسمها أمينة …اشتقت إلى ابتسامة عينيها بصدق وحرارة …أرقني هاجس رؤيتها …ملكتني الرغبة ، ولكن المسار غامض ». ص 3 وقوله : » ذابت في المجهول …بحثت في حي القصدير، في ضواحي المدينة آنذاك ، سألت بعض جيرانها ، نظروا إلي شزرا وكدت أسقط في الوحل … »عن قصة الاستبداد الناعم ص3 ،والوصف الخارجي من قبيل : » عيناها حالمتان أرهقهما الحزن والألم ، تبتسم وتنقر بأناملها السماء وهي تتواصل مع الكون… » عن قصة طيف ص 5 ، والوصف الداخلي مثل : الحياة جحيم وسقر ، ربما تكون الأخرى أرحم وأهون.يصيبها الأرق …نومها أرق…تجيد الحنين إلى البراءة الأولى الناعمة . هذه نجوى المتعبة ، العليلة بالشجن. »عن قصة طيف ص5 ، والحوار المعزز بإرشادات مسرحية ،مثل: » أمرني بصلف : اخرج أنت مطرود . »عن قصة « كل ما على الأرض هواء » ص 34 و » قلنا : يمكن أن الناس قد جمعوا بين العشاءين لرداءة الطقس » ص 19 عن قصة » ورق التوت » ، والحجاج المؤسس على منطق الاستدلال، مثل استشهاده في معرض وصف سياق الصفاء والود والسعادة : » ونزعنا مافي صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين » الحجر :47 لخلق الترابط المنطقي بين عناصر الحدث القصصي، على شاكلة ما نلمس في قصة الاستبداد الناعم، حيث يتحكم منطق التسلسل التراتبي :
1- الشوق محرك للخروج للبحث عن المحبوبة أمينة .
2- مواجهة معيقات العثور : كالأمكنة المتعددة ، و الأثر المجهول، ورقيب القيم ،وأعراف الساكنة …
3- العثور بالصدفة على المحبوبة، واقتناص برهة سعادة يسيرة من لقاء عابر.
4- الفراق دون إشباع الوصل، وتجدد الحاجة إلى لقاء قريب.
هذا وقد نجح العمل القصصي، في تجسيد أغلب مستويات التناص حسب باختين: من تطابق وتفاعل وتداخل بين التناص والمناص، أو تجاور أو تباعد بين النص الأصلي وإحالاته وهوامشه، التي ترمم تشظيات المعنى.
وسجل تعبيري خبري، يتساوق مع الملفوظ السردي في دائرة حكي المغامرات العاطفية ،ونقل تجارب خاصة من الوجد العذري أو المكشوف، مؤثث بإنسانيات حاملة لنماذج بشرية نسائية أورجالية .لذلك كان التنويع في الجملة الخبرية الفعلية أو الاسمية، كالخبرية الابتدائية دون توكيد مثل : » تسمر الجميع في أماكنهم … و » تسرب الأمطار الغريزة إلى المركبة حال دون متابعة المسير، و الخبرية الطلبية بمؤكد واحد مثل : » تبينت أن يدها اليمنى تتحرك تحته ببطء عن قصة سيدة الظلام ص 7 و » لقد دفع ثمنه بسخاء زبون قديم » ص47 عيد ميلاد. وكان كذلك تعداد أنماط متممات الجملة البسيطة ذات المحمول الواحد أو المركبة ذات المحمولين : من الجار والمجرور لإظهار التعلق مثل : تحول ألم الانتظار إلى واقع لا دخل للمسافرين فيه »، والنعتية والحالية لتدقيق الوصف، وسبر أغوار الأمكنة والأزمنة والشخوص، مثل : تابعت تأوهاتها الحالمة المتقطعة وعيناها المغلقتان لاتكفان عن الحركة يمينا وشمالا وكأنها تعاني من كابوس »، والإضافة لنسبة الأفعال السردية إلى صانعها مثل : » سأبتاع لك قارورة ، هدية تذكرك بوجودي على الأرض حين تنساني. لن تكوني أبدا ذكرى ، أنت دائما في وجداني ،وأشهى عطرفي كياني » و »أمسكت براحتها الطرية ، نخستها في باطنها ص 9 عن قصة » عبير الرغبة » ، والظروف لتأطير الملفوظ السردي مثل : « حين تنسحب يتبعها الضياء وتزهر الكروم في السحر.حين تشكو من الغربة تتألم في هدوء، وتؤلم. ص5 عن قصة « طيف ».
أو سجل تعبيري إنشائي طلبي ،يتوخى التواصل مع الحدث والشخوص التي تسند لها الوقائع مثل الاستفهام » مااسم العطر الذي تستعمله ؟
– اسمه عبير.
هل تيم البان فؤاد الحمام؟ ص9 عن قصة « عبير الرغبة
وذلك لإشباع الفضول، وإطفاء جذوة الاستطلاع ، أو التحاور مع الذات والتفاعل مع نفسية الشخوص ، لاستجلاء الأحوال ،ورصد الأوضاع والأوجاع والمسرات، كالتعجب : » ما أروع أن تتأمل جميلة نائمة أو شبه نائمة .ص7 سيدة الظلام ،و النداء في صيغة خبرية يفيد الدعاء « يالطيف تلطف بي ص 12عن قصة » لطيفة ».ثم أسلوب الأمر والنهي للتعبير عن الاستبداد والتسلط والقهر مثل : اخبري من تشائين ص 13 قصة » لطيفة » ، و » فجروا رائحته « . ص45 « الآمر بصرف البحر » مثل : » لاتلومني إذا تألمت ، لاتحاسبوني إذا أعربت عن ذكراي وسبب وجودي » ص27 عن قصة وهج الفتنة الأولى » ،والإثبات والنفي لتجسيد التمزقات النفسية ،والتناقضات المجتمعية مثل : » أدركنا بأن الزمن عندهم ن وليس عندنا ، بين العشاءين » عن قصة ورق التوت ص19 ومثل: « لم يكن الزمن ليلا ولانهارا.ص18 عن قصة ورق التوت.
إن أضمومة » الاستبداد الناعم » ، تعمد إلى تأسيس الصورة البلاغية النوعية على قاعدة الانزياح، باعتباره أداة لتشكيل الخطاب جماليا، و تبليغه من خلال دال الانحراف اللغوي، المرتكز على العدول أو التحويل، كما يرى جون كوهن. فالقاص علي عبدوس انتهك الصيغ اللغوية المعتادة أثناء بناء الصور، اعتمادا على الانزياح الإسنادي ،المبني على خلق التنافر داخل العلاقات النحوية ،بين المبتدأ والخبر، والمضاف والمضاف إليه…نظرا لما في هذا التنافر من استجلاء لمعاني جديدة مثل : » اشتقت إلى ابتسامة عينيها » ،حيث أضاف الابتسامة للعينين عوض الشفتين. عن قصة الاستبداد الناعم ص 3 ، وقوله : » لو علمت ما أعلم لغزلت لها كثيرا من العجائبي من شعر بودلير، في غابة الأمازون ،في أدب الملاحم الإغريقية، فوق صخرة سيزيف …تملأني سديما ورعدا وبرقا. » ص5 فاستبدل الصوف أو القطن بالعجائب والآجمات والحبكات لنسج الرؤى والأحلام فوق صخرة المحال وقوله : » حفريات وجودي ص27 قصة « وهج الفتنة الأولى » فأضاف علامات الآثار والفناء لعلامات الوجود والبقاء. وعلى قاعدة الانزياح التركيبي، المتحقق بواسطة التقديم والتأخير، لتوليد الطاقة التأثيرية، مثل: » تتسابق مع الريح وجيش التترص 5 قصة طيف. فالأولى تقديم الجيش على الريح ،نظرا لقربها من المشبه، باعتباره كائنا بشريا يقارن مع نده ، أو الحذف لتنشيط الخيال وتسهيل الاستدراج أوإحالة الضمير على مرجع غير معين لغياب قرينة لتقوية الإيحاءات الدلالية مثل : الأرض بيضاوية ، سأسافر بشكل دائري إلى المكان الذي عرفتها فيه . » عرفتها الأرض أم أمينة ؟ فالسياق يحتمل الأمرين. و » عيناها حالمتان ، أرهقهما الحزن والألم … حين تنسحب يتبعها الضياء وتزهر الكروم …… الحياة جحيم وسقر ،ربما تكون الأخرى أرحم وأهون ص5 عن قصة طيف من تكون ؟ ألف احتمال واحتمال هل هي حورية البحر أم نجوى … أوهما معا .أو عن طريق الانزياح الدلالي المولد للرمز، المساعد على اكتشاف التشابهات بشكل فردي، ومن دون عرف ،مثل رمز غاندي الزعيم الهندي، الذي قهر الاستعمار الإنجليزي بالمقاومة السلمية ،والحياد الإيجابي، ويتوارى الرمز ليجلي في واقع البطل، معنى الاحتجاج على كل أشكال القهر والاستبداد ، من خلال حراك الشارع العربي ، أو حب فبراير ضد استبداد الحاكم ،وتواطئه مع القوى العظمى ،المتمثلة في الإمبريالية الأمريكية و الصهيونية ،لزعزعة الاستقرار وتشتيت الوحدة ،والارتكاس بالمدنية ومجد العروبة في مزالق جنون الحضارة .مثل قوله : ( تدوسني أقدام غليظة في أحذية أمريكية) عن قصة كل ما على الأرض هواء ص34 وقوله : » كان ( الرئيس) مستريحا في عرينه البلوري الفخم…القانون لايسمح ب…حرية الاجتهاد محددة …أنا …؟ وأنت…؟ …أمرني بصلف :اخرج أنت مطرود ص34 و » امتزج الوجود بالعدم وانفلت من قهر المراسيم والقواعد والأعراف » يجب الذي يجب » كل ما على الأرض هواء ص35. أما الآمر بالصرف فتتداخل إحالات دلالاته وهوامش مرجعيته فهل يرمز للقوى المهيمنة في العالم ؟
أم للاستبداد والقهر والمنع داخل المجتمع ؟ أو لقدرة القدر وصناعته للمصيرو تحكمه في حياة البشر؟ أم لعدوانية الإنسان على النقاء والصفاء في البيئة داخل الكوكب الأرضي. عن قصة الآمر بصرف البحرص44
Aucun commentaire