نافذة على المدرسة الوطنية : المجموعة القصصية « الاستبداد الناعم « للقاص المغربي علي عبدوس مقاربة ميكروسردية مدارات مشتركة
3-مستوى المدارات المشتركة:
أ-الصورة البلاغية.
حسب غريماس وبريمون كل حدث يحكى بحوامل مختلفة (4).
لذلك عمد القاص علي عبدوس إلى تلوين نواة الصورة البلاغية، التي اتخذت من أيقونة المرأة « أمينة « ، ذات الحسن والسحر والجاذبية العاطفية ، التي لم يعف زمن الفراق رسمها بطيف من الألوان ، تحيل على شكلها وسماتها ونمطها وظلالها وقبوليتها، مما حدا به إلى رصد واقعة الصورة البلاغية برمتها -كما يرى ميشيل بانيوكولا- وضبط انتقالات الحدث المتجلي على مستوى المتن الحكائي، وتناسل الوقائع ،أوعلى مستوى الحبكة القصصية ،والتركيز على ربط النوع القصصي باستبطان دواخل البطل/ الراوي، وتحليل حالاته النفسية المتميزة بالرهافة والميل إلى الوصال، ونبذ الهجر والوحشة ونشدان الالتئام ،من منظور علم النفس الروائي. ومتابعة وضعيات الشخوص التي تحكمها ثنائيات ضدية: الكرامة والدياثة، الحقيقة والسراب ،الوعي الوعي الزائف، الألفة الغرائبية، الإقبال الإدبار… واتجاهات القوة وخفض التوتر،من زاوية علم الاجتماع القصصي، مع المحافظة على التلاؤم بين الانتماء الاجتماعي والنزوع النفسي والتعبيرات اللسانية عن داخل الشخصية وخارجها، كالمخزن والمايسترو… في أفق رسم معيارية شعرية تستجلي مكونات الصورة الكلية، من خلال الصورة الأجزاء.فالصورة الكلية للمرأة المقدمة في قصة » الاستبداد « ،هي مجرد ذكرى تستعاد في أي وقت من زمن الوصل، تابعة لهوى الرجل، منقادة لعواطفه وعواطفها، وهي صورة نمطية تعكس نظرة المجتمع للمرأة المرتبطة بعدة سمات نوعية ،مميزة من قبيل الأنثى الجسد، الأنثى الرغبة، الأنثى الغواية ،الأنثى الإشباع… أما الصورة الأجزاء فتحيكها باقي عناوين المجموعة القصصية، ففي قصة « طيف » : المرأة وجدان وذكرى وعقل، وفي قصة « سيدة الظلام « : المرأة سيدة ثرية، ذات كبرياء وأريحية، ساحرة بلمسات آسرة تومئ بتحضرها. وفي قصة « عبير الرغبة »: فهي مجرد نزوة ،لذة جسد ،مشموم أثير.بينما في قصة « زكية »: فالمرأة رمز للكدح والقهر، في عالم قروي يستغل طاقتها.أما في قصة » وهج الفتنة الأولى »: فالمرأة بجاذبيتها وسحرها ملهمة للرجل، ومصدر سعادته وشقائه.في حين تعتبرها قصة « نص »: أيقونة فنية تتشكل في عدة صيغ إبداعية ،فهي تارة قصيدة موحية، وتارة أخرى قطعة موسيقية مؤثرة، وهي أيضا لوحة تشكيلية أخاذة.وتحيط قصة » بثينة » المرأة بغلالة معتمة من الأسرار والتكتم كسحرالليل ، تكتنفها وشاحات من الغواية والإغراء .وهكذا تتنوع صورة المرأة في باقي المجموعة متوازنة تعكس الاتجاه الإيجابي ومختلة تمثل أوضاعا سيئة أو مأساوية تعاني منها المرأة ولكن في المجمل الصورة مكتنزة بالإيحاءات ومكثفة بالدلالات الرمزية.
ب-التشكلات الدلالية:
تروم أضمومة » الاستبداد الناعم » كتابة الحكاية من داخل سرد ذاتي، مفرز لأبعاد دلالية ،وقيم جمالية حسب تصنيف عبد الفتاح لحجمري، تكشف عنها المقاربة النصية المفردة ،المنفتحة على المدارات المشتركة في إطار من التناغم، بين الذاتي والموضوعي المشبع للحاجات الإنسانية ،والملبي للمتع المختلفة، والصانع للجمالية، والمبشر بتحولات الواقع، في شكل سيرة رجالية مثالية تبنى على التناظر والاختلاف، تكشف عن تطلعات النوع ،وتعبر عن تمثلات الراوي ورؤاه، تجاه نفسه ووسطه الطبيعي والبشري.
في حين صورة الرجل في قصة « الاستبداد الناعم » يرمز إلى الفحولة، فهو فارس الأحلام، يتمتع بقوة كبيرة للإخضاع ونيل المبتغى، مهما كان الثمن.
وتفصل باقي نصوص المجموعة هذه الصورة الكلية ، بتدقيقات في باقي قصص الأجزاء. فهو رجل ذكي يستعمل ثقافته في التواصل مع المرأة في قصة « طيف »، ومالك لوعي ودراية ، وخبرة في التعامل بالجنس اللطيف .ورجل قلق وجودي ،جريئ يؤرقه هاجس الموت والبعث، في قصة « الرجل الأجوف » ومقاوم شرس للاستبداد باللامبالاة ،والضرب في أرجاء الأرض ،للتحرر من قيود القوانين ،في قصة « كل ما على الأرض هواء ». ونموذج رجالي يمثل عصر السرعة والقلق والهباء بطبعه الخاص في قصة » عالم خاص ». والرجال في قصة « سم الخياط » ، أصناف كبار العقول ،وصغار العقول. وفي قصة » المايسترو » هو مجرد آلة للتلبية، وجسد بدون روح ..بينما هو في قصة » بقايا خمسة نجوم » خطاب مزيف يعكس نزوع المخزن نحو خطاب السلطة المعلنة، وإرادة الرغبة المضمرة.في حين هي رجولة ومغامرة أسطورية تخترق عوالم المألوف، في قصة « الآمر بصرف البحر ». على حين هي عملة نفيسة، تقدر بالمال والذهب، في قصة عيد ميلاد « .وخير سند للمرأة، ومساند لها ،ومواس في القهر الاجتماعي، في قصة « زكية ». وقوة خيالية خارقة لعنف المعيش اليومي، لإحداث منافذ التنفيس، في قصة « بيضة اللقلاق ».
وعلى النقيض من ذلك، فهو قانص لذة، ومتحين سعادة ،في قصة « عبير الرغبة ». وكائن مأخوذ ومنبهر بسحر حواء ،في قصة » سيدة الظلام » …
ويفضي هذا البناء التناظري للصورة الكلية والجزئية، للرجل والمرأة داخل المجموعة القصصية، إلى طرح موضوعي ذي أبعاد نفسية واجتماعية ،كمناولة قضية الهشاشة والإقصاء والنبذ ،وما يستتبعها من فرض إرادة الكرامة، و الوجود بالحب ،في تعارضه أو تناغمه مع دال التدين، باعتباره « طابوا » معيقا للاستمتاع بالحب ،الذي لاانتماء طبقي له .فهو عملية تقارب بين جنسين من أوساط اجتماعية متوافقة أو متعارضة ،تعكس تفاوتات طبقية تعبرعن إديولوجيا الفقر المدقع والغنى الفاحش ،التي لم تزيف رغم سقوط جدار برلين . والحب محكوم بجزر الهجر،بسبب عوامل لاإرادية ،كالقدر وتشابك الظروف، وبمد الوصل المتحرك بعوامل إرادية ،تروم التسرية والتوازن والإشباع ، ثم تعرية واقع المرأة المغربية في المدينة أو البادية ،من خلال ضبط صورة المجتمع لها. هل هي مجرد جسد مثير للنزوة ينتمي إلى العالم السفلي، أم هي كائن بشري متكامل :من جسد ونفس وعقل وروح، من صميم العالم العلوي، الذي يتماهى مع بعض الصور المسوقة عربيا، لشخصية المرأة ،كنموذج شهرزاد ودنيا زاد، في مجال قوة الشخصية، والذكاء والنبوغ. كما تصورالأضمومة خاصة ،في قصة » لعبة الصغار » وضعية الطفولة المغربية في أبعادها الاجتماعية والنفسية، المتسمة بالضياع والمعاناة من القهر والحرمان، ممايؤثرسلبا على تنشئتها بشكل سوي، واندماجها بشكل فعال ،للمساهمة في تحسين أوضاعها ، وحل أزمة الواقع بطموح مشروع متجاوز.
Aucun commentaire