نافذة على المدرسة العمومية :المجموعة القصصية « الاستبداد الناعم » للقاص المغربي علي عبدوس: مقاربة ميكروسردية:مكونات نصية.
د-المكونات النصية:
نسج القاص علي عبدوس أحداث أقصوصته » الاستبداد الناعم « ، بتلحيم خيوط سماتها النصية بسدى تنويعات التكوين النصي المتميز ب:
-التكثيف:
فالحدث القصصي مكتنز بوقائع رحلة البحث العاطفية ، بإحاءاتها وتداعياتها وأبعادها النفسية والاجتماعية والفنية ،مما اضطر القاص إلى التقليص من الملفوظ السردي في صفحتين رغم طول مدة البحث، وتكثيف المعنى بالوقفة الوصفية وحذف الاستطرادات والتفاصيل واللجوء إلى المجمل السردي ورسم المشاهد كما يرى جيرار جونيت خطاب الحكاية ص109-112 -117-11.119*، للزيادة في زخم الحدث القصصي.
-الإيقاع:
تنوع التوقيع في الجملة السردية بين الترددات، والتركيز على صيغ المشتق العامل، والتنويع في التقفية، وطول وقصر الجمل، ليخلق النغمية الداخلية التي تتماهى مع معمار الكتابة المحاذي لنظام الشطر، في اتجاه توليف عناصر حكاية السرد المنفتح على الكتابة الشعرية الحديثة.
-الدينامية:
يتميز الانتقال من الحالات إلى التحولات بالسلاسة وتأمين الانتقال، ليصنع الدينامية داخل شبكة تطور عناصر حدث رحلة البحث عن المحبوبة، عبر مراحل متسلسلة ومشوقة ومتسارعة، بفعل الاقتصاص والحوار، لايتدخل في إبطاء وتيرتها إلا الوصف الحسي أو النفسي، لينقل للمتلقي آثارها البعيدة، ووقعها القريب.
– التوتر:
هوالسمة الغالبة على البطل والشخوص المشاركة في صنع حدث الرحلة ،فمن خلال رصد حالته النفسية في وضعية الانطلاق، يبدو البطل مشتاقا لوصل حبيبته ،متلهفا على لقائها، متوترا نظرا لتعجله بلوغ مرامه…ويستمر التوتر مرافقا له خلال تحولات الحدث ،وتشبيك الظروف والأزمات، بسبب تغيير مكان الإقامة ،ورفض المجتمع المساعدة على العثور على مدينة أمينة ،وبسبب الصراعات الداخلية في نفس البطل، التي تكشف عن تمزق نفسي يتحكم فيه اتجاه القوة نحو القيم الإيجابية، المرتهن باكتفاء البطل بحظوة النظرإلى الحبيبة واللقاء العابربها ،دون التدخل في إعادة ترتيب حياتها ،وظروف معيشتها، ومنظومة علاقاتها الجديدة مع الرجل القوي. واتجاه الضعف لخفض التوتر، بإزالة الشوق ولم شمل خارج سياق القدرالذي رتب كل شيء. وتناغمت لغة السرد مع إحساس البطل بالتوتر ،من خلال سردها للقصر والحذف والمحتمل، مما يزيد من بؤر التوتر داخل مسارات الحدث، التي تبدو للمتلقي بسيطة وعادية ،لكنها لا تخلو من تعقيدات نفسية، وصراعات قيمية ،وغرابة تصرفية.
ه- مكونات الحكي
يتكون بناء الحكي لأقصوصة » الاستبداد الناعم »من مجموعة من العناصر أهمها :
-الشخوص:
1- البطل:
يبدو البطل متماهيا مع الراوي في أقصوصة « الاستبداد الناعم » ،ممتلكا لمصائر الشخوص المشاركة ولمساراتها ،وللفضاءات المتحرك داخلها .وقد غلب نقط قوته على نقط ضعفه ليتسيد على الرؤية من الخلف، ويصنع الحدث الرئيسي : »البحث عن محبوبته أمينة »،واسترجاع ذكريات الشباب معها،وخلق الامتداد في الحاضر ، ولو على حساب القيم ،وتوضيب القدر لظروفها من جديد ». وتقود البطولة الراوي إلى خوض معارك كبرى ضد الطابوهات، والأعراف والقيم المجتمعية ، فيشهر حربه ضد الاستبداد بمختلف أشكاله وصوره، بسلاح الاستبداد الناعم الميال إلى الاستئثار النفسي، لتتحول المرأة إلى أيقونة ،وتمثال للأنثى الأصل ، مصدر السعادة والولع إلى درجة شغل كل مراكز الاهتمام، والتعبير عن القدرة على الاختيار لامتلاكها، وإرضاء رغبته التي لاتقاوم، وميله الجامح نحو السيطرة عليها بذكائه الرجولي.
2- الحبيبة أمينة:
شخصية جريئة وجميلة، ترمز للمرأة الواثقة من نفسها ومن تصرفاتها، تنحرف عن أصول علاقة الزواج في حضور شريكها، ويحولها سحرها إلى رقيب على علاقتها الغرامية السابقة.
3-السكان:
يكشف موقفهم من إخبار البطل على مكان أمينة، أو سؤالهم عنه، على تشبعهم بالأعراف المجتمعية ،وتمسكهم بقيم المحافظة على الأسرة.
4- الرجل القوي:
يكتنف مراقبته للقاء أمينة بالبطل غموض حول حقيقته ،هل هو زوجها أو رفيقها أو قريبها؟؟؟ لكن المؤكد أنه يملك جسم البغال وعقل العصافير،ولايتحلى بالأريحية ،وهو رمز للرجل الديوث إنتاج الحضارة المادية الغربية،والوعي الشقي المزيف بالثقافة الحقوقية الكونية.
-المشاهد:
تحرص أقصوصة « الاستبداد الناعم »، على اختزال حدث رحلة البحث عن الحبيبة لإحياء ذكريات الماضي » ،في أربعة مشاهد :
1-استرجاع :حيث الضرب في أرض ذكريات الماضي، بحثا عن أمينة لأن الحب للحبيب الأول.
2-مشقة : إذ تعذر العثور على المحبوب الأول، بسبب الانتقال من مقر إقامة لآخر ،وتشبع المجتمع بصغاره وكباره، بقيم الحشمة والغيرة على العرض.
3- التئام :إذ تم العثور على أمينة بعد رحلة شاقة في المكان، وعناق الحبيبين بعد غياب.
4- سعادة : إذ ظفرالبطل بلقاء عابر، وخلوة قصيرة تحت عين الرقيب ،سرعان ماحركت أحلام الماضي، لكنها لم تطفئ شوق الغياب.
-الوقائع:
يسرد الراوي بصيغة السرد الخالص لا بالمحاكاة وقائع ،هي أقرب من التطابق مع الواقع من التخلق بالخيال، وارتداء ثوب الحكمة، مما يسوغ تصنيف العمل القصصي، في جنس السيرة القصصية، بناء على الاختيار السردي المؤرخ لتجربة الذات، العليم بكل تفاصيل المغامرة ، المتحكم في وعي الشخوص ،والمستعمل لضمير المتكلم، لسرد أربع وقائع :
1-البحث عن المحبوب بعد طول الغياب، وازدياد الشوق.
2-معاناة البطل أثناء رحلة البحث، لمحافظة المجتمع على القيم.
3- العثور على أمينة والظفر بلقاء وجيز.
4- تفرق الحبيبين كدوائر الماء، يثير علامات استفهام عن المستقبل.
-الفضاء:
تتحرك الشخوص التي تصنع الحدث في أقصوصة « الاستبداد والناعم » داخل فضاءات لازالت تحتفظ بذكرى اللقاء الأول، كحي القصدير، والعاصمة، ومدينة أمينة ،حيث تقيم في بيتها الجديد ،وتصل إلى الحديقة العمومية، التي تشهد على تجدد العلاقة بين البطل وأمينة.وهي أمكنة لم يتغير شكلها كثيرا، بسبب الفقر وكدح أهلها، لكنها تعني الشيء الكثير بالنسبة للبطل، فهي جزء من إنية نفسه وكيانه الداخلي، لتستحيل إلى طلل نفسي يشهد على الوجود الأنطولوجي للبطل.
-التشويق والحوافز:
يشهد الحدث النامي تطورا تصاعديا، بفضل خطية زمن الرحلة : بحث ،معاناة، عثور، لقاء، و انفتاح المكان /حي القصدير نحو أمكنة جديدة العاصمة، مدينة أمينة، بحثا عن التوازن والاستقرار النفسي ، الذي يساهم في بلوغ ذروة التشويق، وانفراج أزمة البحث عن المحبوب الأول ،و تنوير لحظة الختم، التي زادت من شحنة الشوق بالنسبة للبطل ،بسبب الرقيب، والمنع، لتتحول إلى سراب يتلاشى مع تبدد الحلم.هذا وقد لحم القاص البناء السردي بحوافز مشتركة على شكل جمل سردية نواة وتفصيلية تعد أساسية في استكمال صورة الحدث النهائية وبأخرى دينامية مدعمة بمؤشرات زمانية ومكانية تدل على التتابع والتطور والنمو حسب الشكلاني توماشوفسكي4.
و- الصورة البلاغية :
اختار القاص علي عبدوس أسلوب التصوير النوعي ،لتصريف الوقائع القصصية، وتأمين انتقال الصورة من اللغوية إلى الحدثية ، للرفع من نسبة الزخمية من خلال الاحتفاء بالفعل واعتباره مركز نظام العلاقات العاملية في صورته كحدث وصورته كحالة كما يرى تسنيير5 في كتاب المرجعية المعرفية للسيميائيات السردية جريماس نموذجا لسعيد بوعطية ص52 وهكذا تتعدد الأفعال وتتناسل:
-كفعل البحث في صورة الموضوع : »رحلة التقصي عن المحبوب الأول، وإحياء ذكريات الماضي ».
-وفعل الشوق في صورة اللغة ،التي تنحت مفردات رومانسيتها، المدفقة لمشاعر الشوق والوصل:اشتقت –أرقني- ملكتني الرغبة –طافحة بالود- الأنس- التصوف أعيشها بالقلب -شجيا سيفرق بيننا- توأم روحي-ابتسامتها في خيالي- شدني الحنين-حرارة الشوق- إحساس خدر روحي- الفراق الطويل …ص3 و4 .
-ثم فعل اللقاء في صورة الفضاء: الذي يتحول إلى شاهد على مسرح الذكريات، أو إلى مكان يحتضن موعد اللقاء.
– ففعل التمزق في صورة الأضداد:بين الهجر والوصل ،والإقبال والإدبار، لسبر أغوار نفسية البطل المنكسر، بسبب استبداد الظروف والتقاليد، وكشف التناقض بين المرغوب والممنوع، بين الكائن وما يبنبغي أن يكون، بين المقدس والمدنس.
-وفعل الغرابة والحيرة في صورة التوتر: بسبب مسارات الحدث ،ومآلات الشخوص، وأفق انتظار التلقي.
-وكفعل التوحد والامتلاء، في صورة الشخصية:
حيث يحس البطل بالاكتمال بعد النقص وبالالتئام بعد الهجر،والرضى بعد الحرمان.
-ثم فعل الاقتصاص والتسريد، في صورة الراوي: الذي يتسيد على الرؤية من الخلف، ويتحكم في مسارات الشخوص ومصائرهم، ليمد من عمر السرد ويقصر ،حسب مقتضيات التواصل الفني.
– وأخيرافعل الانتشاء في صورة الإيقاع:التي تخلق النغمية الداخلية، والتماهي مع المعمار الشعري بواسطة توقيع التقفية ،والترددات، والتركيز على صيغ وأوزان معينة، والتوازن بين الجمل.
1-اللغة والتخييل:
يجنح السرد في الاستبداد الناعم ، نحو الوصف الواقعي الحسي والنفسي، الذي لايتخلص من آثار التعبيرات الصريحة ،لكنه يوارب في العملية الوصفية بمجازات لغوية تخلق التباعد بين الدلالة الذاتية والدلالة الحافة (1)، واستعارات فنية منتهكة لقوانين التركيب اللغوي لاستثمار ممكناته الدلالية ومورطة للسرد في لامعقولية التعبير(2)،تشكل أساس بناء الصورة البلاغية النوعية ،التي تشتط بالسرد بواسطة بساط التغريب والتخييل، في عوالم الأحلام الوردية ، وداخل سماءات الشعرية الرومانسية ،في أبعادها الإنسانية ،المتمثلة في الاحتفاء
بالعلاقات العاطفية، وتقاسم الكائنات الحية مع الشخوص، مشاعر الهجر والوصل، وفي أبعادها الجمالية، حيث تتخذ من الجوهر النفسي نموذجا للإحساس البشري، ومن المرأة والطبيعة الخارجية نموذجا للجمال، ثم في أبعادها الإبداعية، المنزاحة بالتجربة العاطفية عن كنه العلاقة الاجتماعية إلى آفاق القيم الوجودية.
Aucun commentaire