Home»International»حوادث السير في المغرب إلى أين ؟؟

حوادث السير في المغرب إلى أين ؟؟

1
Shares
PinterestGoogle+

ذ. بنعيسى احسينات – المغرب

في كل مناسبة، ومع كل تجديد لمدونة
السير في بلادنا، نسمع نفس الكلام،
وتوظف نفس البرامج ونفس الاستراتيجيات
دون أن تتغير الأحوال، بل تبقى حليمة
محافظة على عادتها القديمة، وحرب الطرق
لا تعرف تراجعا أو انخفاضا، بل في تزايد
مطرد، ينبئ بكارثة تطال جميع فئات
المجتمع بدون استثناء. إنها حرب الطرقات
تحصد الأرواح، وتخلف المعطوبين
والمعوقين، وتكلف الملايير.. إنها خسارة
ما بعدها خسارة. تبقى حوادث السير في
المغرب إلى أين؟؟
لقد كشف تقرير المنظمة العالمية للصحة
أن حوادث السير بالمغرب تكلف الدولة
أكثر من 11،5 مليار درهم. وبهذا يأتي
المغرب في مقدمة دول العالم ذات الطرق
الأكثر خطورة. فرغم أن أسطول السيارات
لا يتعدى 3 ملايين عربة، إلا أن حوادث
السير لا زالت تخلف حوادث مميتة بشكل
تصاعدي. فالطرق المغربية على سبيل
المثال، تقتل 14 مرة أكثر من نظيراتها
بفرنسا، وحوالي 12 مرة أكثر مما تقتل
الطرق بأمريكا.. وحمل التقرير هذا،
الدولة المغربية المسؤولية لاستمرار
العجز التشريعي وغياب التدخل الإيجابي
المعقلن. لذا يصنف المغرب في المرتبة
الأولى عربيا في حوادث السير، التي تسفر
عن خسائر بشرية ومادية جد كبيرة. ويختلف
الكثيرون حول أسباب كثيرة لهذه الحوادث
من حيث الأولوية والصدارة.. ولم تنجح
الحملات التحسيسية المتكررة والمملة في
بعض الأحيان من أخطار الطريق، ولم يفلح
إصدار مدونة السير الجديدة في الحد من
هذه الآفة القاتلة.
فمن المسئول عن هذه الوضعية؟ وما هي
الحلول الناجع للحد من هذه الآفة؟
ليس هناك جهة ما غير مسئول عن هذه
الكارثة. الكل مسئول، لكن بدرجات
متباينة ومختلفة حسب الأهمية: هناك
أسباب كثيرة تغذي حوادث السير بالمغرب؛
منها البنية التحتية للطرق والشوارع
ونقص في علامات التشوير، ومنها الوضعية
الميكانيكية للعربات بمختلف أنواعها،
ومنها بالأساس ما هو بشري بالدرجة
الأولى بشكل مباشر أو غير مباشر؛ منهم
السائقين في المرتبة الأولى، ومنهم
الساهرين على تسليم رخص السياقة في
المرتبة الثانية، ومنهم أصحاب الفحص
التقني في الرتبة الثالثة، ومنهم
المراقبين من درك وأمن ومراقبي وزارة
النقل والتجهيز في المرتبة الرابعة،
ومنهم أصحاب الدراجات الهوائية
والنارية والراجلين في المرتبة
الخامسة.. وهؤلاء جميعا لهم اليد
الطولى، إلى جانب مسئولية السائقين
الأساسية في المقدمة في وقوع الحوادث
وتفاقمها.
فمن أين نبدأ لمعالجة هذه الآفة؟
المسألة ثقافية سلوكية بالدرجة الأولى،
خصوصا بالنسبة للسائقين. فإلى حدود الآن
نعتمد على التحسيس والإشهار والبرامج
التلفزية المحتشمة، والأسابيع الوطنية
للسلامة الطرقية وما تساهم به
مناسباتيا بعض الجمعيات المدعومة من
طرف الجنة الوطنية للوقاية من حوادث
السير التابعة لوزارة التجهيز والنقل،
من أنشطة تحسيسية جد محدودة في المدارس
وغيرها، من أجل الاستفادة من الدعم
المادي فقط. هذه الأمور جد ناقصة وغير
مجدية بالأساس، فهي في الواقع مضيعة
للوقت وضياع للمال العام بدون فائدة
تذكر.
وخلال استعراض أسباب حوادث السير في
المغرب، ذكر وزير التجهيز والنقل، بأن
نسبة مخالفي إشارات المرور تصل إلى 95
بالمائة، مضيفا أن أكثر من 90 بالمائة من
المغاربة لا يحترمون علامة قف. ومن
الأسباب التي تطرق لها أيضا، ضعف شبكة
الطرقات الوطنية وعدم صيانتها، فضلا عن
أسباب أخرى، أسهمت في مضاعفة أرقام
الخسائر، كالزيادة الحاصلة في عدد
العربات المستعملة للطرق في العقدين
الأخيرين بسبب الزيادة السكانية التي
شهدها المغرب، والسماح لعربات مهترئة
بالسير على الطريق. كما ذكر أن الدولة
المغربية تعمل جاهدة في محاولة منها
للحد من نزيف حوادث السير، كإصدارها
مدونة جديدة للسير تشددت في العقوبات،
لكن رغم دخول هذه المدونة عامها الثاني،
فإنها لم تغير من الواقع شيئا، هذا فضلا
عن الحملات التحسيسية حول السلامة
الطرقية بشكل مباشر وعبر الوسائل
السمعية البصرية إلا أن العقليات لم
تتغير.
هكذا شهادة شاهد من أهلها في تشريح
الأسباب والاعتراف بتفاقم نتائجها، لكن
الحلول تبقى شبه غائبة، تعتمد على
الترقيع والتسويف وإلهاء الناس
بالتحسيس والإشهار المملين التي لم يعد
ينتبه إليها أحد، في غياب الدراسات
الجادة والحلول العملية المعقولة.
فتطوير بنية المراقبة وحده غير كاف
للحد من حوادث السير، إذ يبقى الأمر
رهين بتوعية وغرس ثقافة السير وحسن
استعمال الطرقات ، حيث أن السلامة
الطرقية في المغرب لا تتحقق إلا إذا
راقب السائق نفسه بنفسه كدركي أو شرطي.
فلا يمكن تحقيق هدف الردع بصورة نهائية
بالزيادة في الغرامات وتطبيق عقوبات
زجرية بصورة عشوائية،  مما يفتح أشكال
أخرى لاستعمال الرشوة والتحايل على
القانون، وهو ما نراه في الواقع حيث نجد
معظم السائقين يلتزمون بقانون السير
أمام الحواجز ورجال الشرطة والدرك،
وبمجرد الابتعاد يدوس عليه مثل ما يحدث
بالالتزام بحزام الأمن والسلامة.
لكن من الصعب تغيير ما بعقول الناس من
مواقف وسلوكات، إذ أن الأغلبية الساحقة
من السائقين، خصوصا المهنيين والسائقين
المأجورين منهم، نظرا لمستواهم
التعليمي والثقافي من جهة، والضغوطات
والإكراهات الداخلية والخارجية
المتمثلة في ابتزاز أرباب العربات
بمختلف أشكالها وأنواعها من جهة أخرى،
إذ يرجع المختصون الأسباب الرئيسية
المؤدية إلى وقوع الحوادث، إلى عدم تحكم
السائقين في القيادة وكذا نقص الانتباه
والتركيز من السائق، الأمر الذي لا
يستثنى منه المشاة أيضاً. إضافة إلى عدم
احترام حق الأسبقية والسرعة المفرطة٬
وتغيير الاتجاه غير المسموح به٬ وتغيير
الاتجاه بدون إشارة٬ وكذا السير في يسار
الطريق، والتجاوز المعيب٬ وعدم احترام
الوقوف المفروض عند الإشارة الحمراء،
بالإضافة إلى السير في الاتجاه
الممنوع، وعدم احترام الوقوف المفروض
بعلامة  » قف » .
كفانا من الدراسات الأفقية المضللة
التي لا يمكن أن نبني عليها استراتيجيات
عملية واضحة للحد من حوادث السير التي
تهدد باستمرار طرقنا وشوارعنا، رغم
مصادر المعرفة الكثيرة المتوفرة،
المتمثلة في تقارير وزارة النقل
والمراقبة الطرقية، وتقارير
المستعجلات والدرك والأمن، وتقارير
وزارة العدل ومؤسسات التأمين المختلفة،
وتقارير اللجنة الوطنية للوقاية من
حوادث السير التي هي المسئولة على
القيام بدراسات حقيقية، تسمح بوضع
استراتيجيات عملية للحد من حوادث السير
التي ترهق كاهل مالية الدولة.. كل هذه
التقارير لا تقدم لنا دراسة موحدة واضحة
المعالم، بقدر ما تقدم لنا معلومات
شحيحة متناقضة في غالب الأحيان.  إننا في
حاجة إلى دراسات عمودية معمقة للظاهرة،
تنطلق من فرضيات علمية دقيقة تتعلق
بالإنسان ووضعية الطرق والشوارع ومسألة
التشوير والحالة الميكانيكية للعربات
وأساليب فحصها، والمراقبة الطرقية وطرق
استلام رخص السياقة وغيرها.. فهذه
الدراسات تحدد لنا بدقة ووضوح الفئة من
السائقين الأكثر تعرضا للحوادث خاصة
المميتة منها، مع تحديد الأسباب
والملابسات..  حتى نضع لها برنامج خاص
وصارم للحد منها، وكذا مسئولية الحالات
الميكانيكية للعربات، خصوصا الحافلات
والشاحنات الكبيرة والمتوسطة
والصغيرة، وسيارات الأجرة الصغيرة منها
والكبيرة وعربات النقل المزدوج. وكذا
مسئولية مؤسسات الفحص الميكانيكي وحالة
الطرق والشوارع والوضعية المزرية
للتشوير..
فإذا سلمنا افتراضا، في انتظار نتائج
الدراسات المعمقة في الموضوع المشار
إليها أعلاه، أنه من البديهي أن
الموظفين والأساتذة والمحامين
والأطباء والصيادلة والأطر العليا في
البلاد وجل النساء والذين يتمتعون بقدر
كبير من التعليم والمعرفة على وجه
العموم، لا يقعون في حوادث السير إلا
ناذرا جدا. يبقى المهنيون وغيرهم ممن
لهم مستوى تعليمي منعدم أو جد متدني
والشباب المتهور الطائش، هم الفئة
المستهدفة التي يجب أن تخضع لبرنامج خاص
وصارم، يعتمد على التحسيس المستمر
وإعادة التكوين والتكوين المستمر
والعقوبة والزجر القانونيين، كالحرمان
مثلا من ممارسة السياقة لمدة محددة مع
الخضوع لتكوين مستمر تمنح في نهايته
شهادة تأهيلية خاصة، أو سحب رخصة
السياقة بشكل نهائي عندما يتعلق الأمر
بتكرار الحوادث وعدم احترام قانون
السير، ومطالبته بعد مدة محددة إعادة كل
الإجراءات التعليمية والقانونية
للحصول على الرخصة من جديد.
هذا إذا أضفنا العقليات السائدة عند
هؤلاء ضمن الثقافة المخزنية التي لا
تزال سارية المفعول في صفوف عامة الشعب
الذي يئن تحت وطأة الجهل والأمية
بأشكالها المختلفة، والتي تعتبر أن
الشعب في خدمة المخزن، وليس المخزن في
خدمة الشعب كما ينبغي أن يكون في
الحقيقة. هذه العقليات الناتجة عن
التنشئة الاجتماعية السائدة التي تؤمن
بأن الماء والنار والمخزن شر يجب تجنبه،
والتي تعتقد أن أساس التربية عندنا
تتمثل في  » احشومة، احرام، الزروطة « ؛ أي
التخجيل، التحريم، العقاب البدني،
والتي لا تعترف بالخطأ باعتبار أن الخطأ
آت من الآخر أو مصدره الآخر والأشياء
المحيطة بنا، كما تضع كل المسئوليات على
الآخر ومن ضمنه المخزن وكذا الأشياء
الجامدة منها والمتحركة، والأمثلة على
ذلك كثيرة:  » امشا علي الوقت، ضربتني
السيارة، ضربني الحيط، اسكني الجن،
جاتني الدوخة وما إلى ذلك « ..  لذا نجد أن
الناس لا يتمتعون بالنفس اللوامة ووخز
الضمير بالمرة، المهم أن تمارس ما تشاء
المرتبط بالتخجيل والحرام والتعرض
للجزر والعقاب، شريطة ألا يراك أحد..
وإذا ما ثبت الخطأ وحددت المسئولية فهو
يرد ذلك إلى القدر و » المكتاب « ، المهم لا
مسئولية له في ذلك. وعلى هذا الأساس
يتمرد الناس على القانون ويعملون دائما
على خرقه كلما أتاحت الفرصة لذلك،
باعتباره قانون المخزن مسلط عليهم لا
يخدم مصالحهم، وهو في صالح المخزن
وزبانيته لا غير. فلو جئنا بقانون السير
من سويسرا أو غيرها من الدول الناجحة في
هذا المجال، لما قضينا على تنامي حوادث
السير ببلادنا، لأن الإشكال يتمثل في
العقلية والسلوك والثقافة. فتجاوز
القانون وعدم الامتثال إليه واحترامه،
هو التعبير عن الرجولة والزعامة
والشجاعة، لا يقوم بها إلا الراسخين في
اختراق القانون عندما تتاح لهم الفرصة
لذلك، لإثبات الذات والقدرة على التمرد
على المخزن وقانونه، لأن هذا الفعل هو
الرد اللاشعوري الفردي والجمعي على
سلوكات المخزن القهرية، القابعة في
مخيال الناس لسنين خلت، تعود إلى ما قبل
الاستعمار. وإذا وقع ونزل في غالب
الأحيان واحترم هذا القانون بشكل من
الأشكال، فهو فقط نتيجة الخوف من العقاب
لا غير  » تيخاف ما كيحشم  » كما يقال. وهنا
تكمن الخطورة، إذ لا ينفع معه التحسيس
والإشهار وبرامج الجمعيات الموسمية
المدعمة من طرف اللجنة الوطنية للوقاية
من حوادث السير التابعة لوزارة النقل
والتجهيز. الأمر يحتاج إلى إستراتيجية
وطنية، بعيدة عن السياسوية الضيقة،
ينخرط فيها الجميع، تقوم على دراسة
دقيقة واضحة واستراتيجيه فعالة وبرامج
قابلة للتطبيق والتنفيذ، مواكبة
للتغيرات الحداثية الإيجابية في جميع
مجالات الحياة..
لقد حذر الخبراء والمختصين من استمرار
الوضع الحالي الذي سيؤدي لا محال إلى
ارتفاع أعداد الوفيات والإصابات، مما
يتطلب تكاثف الجهود للحد من حوادث السير
ووضع إطار شمولي يعتمد على إستراتيجية
متجددة متكاملة تقوم على مجهودات
الدولة مع مبادرات المجتمع المدني، على
أن يتسم بالاستدامة والواقعية والوضوح
في الأهداف والوسائل والإمكانيات، بهدف
التأسيس لسلوك حضاري جديد في استخدام
السيارات في تفاعل متناسق ومتكامل مع
أنظمة السير الموضوعية الدقيقة
والبرامج الوقائية الملائمة.
ويبقى الحل الوحيد الكفيل بتخفيض
حوادث السير هو التركيز على التكوين
المستمر للفئات المستهدفة، والمراقبة
الجادة في مراكز الفحص التقني وعلى
الطرقات، والحد من الرشوة والزابونية
والمحسوبية، وكذا التوعية والتحسيس
وإقناع المواطن بغرس فيه ثقافة السير
واحترام قوانينها في إطار منظومة
القانون العام الذي هو فوق الجميع وفي
خدمة الجميع كما ينص الدستور الجديد على
ذلك، تجعله  يتحمل المسؤولية في الحفاظ
على حياته وحياة الآخرين، بالإضافة إلى
تفعيل دور الإعلام بتلاوينه، والمجتمع
المدني بمختلف أطيافه، والمساجد
والمؤسسات التعليمية وغيرها، في معالجة
الظاهرة والعمل على تغيير السلوكات
السلبية للسائقين ومستعملي الطريق.
—————————–
ذ. بنعيسى احسينات – المغرب

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *