حديث الصباح… « ولد فلانة » أو الحفر في بعض تجليات الهوية الأميسية!..
محمد امباركي
ولد فاطمة، ولد برنية، ولد منانة، ولد ربيعة، ولد حادة، ولد شافية…هكذا كنا ننعت بالدوار. القروي نحن الذكور، ونفس النعت ينطبق على الإناث، بنت مغنية، بنت حلومة، بنت زينب، بنت الصحراوية، بنت الخامسة…الخ…وكذلك باللغة الأمازيغية نصادف ألقاب من قبيل » ميس ميلودة » بالنسبة للذكر، « يليس الربيعة » بالنسبة للأنثى…
وفي حالات قليلة ما تصادف لقب من قبيل : ولد حماد، ولد البكاي، ولد البشير…الخ…ما الذي يفسر هذه الواقعة التواصلية ذات الأبعاد الاجتماعية والثقافية والتي كانت تميز بشكل خاص الأوساط الشعبية او الطبقات الفقيرة في البوادي وداخل الأحياء الشعبية للحواضر حيث أواصر الجوار قوية وممتدة؟، هل هي دليل على المكانة المهمة للمرأة في شخص الأم أم أنها تجد لها تفسيرا في أسباب أخرى؟…بل إنه حتى الأسر التي يتشكل أبنائها كلهم من الذكور ينعنتون من خلال اسم الأم وليس الأب، وكذلك الأسرة الأنثوية بكاملها تنعت البنات من خلال اسم أمهن…هذا دون الحديث عن ألقاب غير رسمية تتوزع بين الوصم من قبيل « ولد مو »..
ومن الجدير بالانتباه إلى ان لقب أو وصف « ولد مو » يختلف عن نعت ولد فلانة من حيث الأبعاد والدلالات…ولد مو في التمثل الجماعي فيه نوع من الوصم الاجتماعي الذي يعني أن الشخص المعني غير قادر على الاستقلالية عن أمه أو حماية نفسه في غيابها، وهو وصف على كل حال قد يشكل إحراجا للشخص لما يكون طفلا، لكن لما يكبر وينضج يتحول هذا النعت إلى مصدر مفخرة واعتزاز له…
حقيقة، إن مناسبة هذا النص هو حديث تلقائي مع مجموعة من الأصدقاء متعددي الأصول السوسيومجالية(السن، المهنة، المستوى التعليمي والانتماء الجغرافي…)، وهو حديث تداخلت فيه تحليلات وآراء متقاربة حول دواعي هذا التوصيف » ولد او بنت فلانة »،ومن أهم ما التقطته من مضامين هذا الحديث التلقائي الفرضيات التالية:
صديقنا الذي يشتغل حاليا مقاولا في البناء بعد أن خبر الخدمة العسكرية لمدة طويلة قال : المرأة في ذلك الزمن كانت « كباب » يعني (Capable)..ويقصد بالزمن الفترة الممتدة بين الستينات ونهاية الثمانينات…
صديقنا الثاني الذي كان يدير شركة، قال : المسألة تعود إلى طبيعة المجال القروي حيث الرجل يظل خارج المنزل في العمل، والأم بالبيت تتكفل بتربية أبنائها وبناتها ويظلون قريبين منها في الدوار…بمعنى أن الحضور القوي في تدبير الزمن الأسري هو الذي يهيكل هذه الهوية الأميسية ويمنح لها المعنى…
عموما وكما قال الباحث السوسيولوجي عبد الله زارو، إن « النساء،المغربيات التقليديات المنتميات للشرائح الاجتماعية الوسطى والدنيا سيدات حقيقيات في بيوتهن وفي مدار أحيائهن الشعبية. قد لا تتحرج الواحدة منهن من أن تطلب من بعلها القيام ب »دورة » خارج البيت ريثما تنهي أشغالها المنزلية، وقد تردعه ردعا لطيفا ما أن يحشر أنفه فيما تراه موقوفا على شؤون النسوة فيمتثل ويتفهم! » (كتاب « وقائع مغربية بعيون سوسيولوجية ». ص : 82).
والملاحظ أنه داخل الأحياء البورجوازية ربما قد لا تختلف التوصيفات، لكن في حدود معرفتي الانطباعية بأبناء وبنات طبقة الوجهاء والفلاحين الكبار بمدينة بركان، كنت أسمع فقط الألقاب التالية : ولد أو بنت بلحاج، ولد او بنت القراط، ولد او بنت لهبيل، ولد او بنت بوراس…كيف يمكن تفسير هذا المعطى الذي يحيل على هيمنة ذكورية معينة؟
من الصعب أن تبلور إجابة شافية لما لا تجاور أسرة بورجوازية في السكن وتحتك بها، لكن من الممكن الافتراض أن القوة الاقتصادية للأسرة كانت هي التي تمنح السلطة الفعلية للأب في ظل حضور « خفي » للأم، لكن هذا لا يعني أن هذا الحضور « الخفي » هو إلغاء لدورها الحيوي، بل ربما غرفة العمليات الاقتصادية والاجتماعية من قبيل الصفقات ومشاريع المصاهرة كانت تدار من طرف الأمهات، بينما قوة الحضور الرمزي للأم في الأوساط الفقيرة القروية والحضرية، يترجم سلطة أقوى للأب تجد تجلياتها من خلال انقلاب الأوضاع بالمنزل بين لحظة حضوره ولحظة غيابه، غيابه الممدد زمنيا يجعل من الأم الفاعل المركزي، لكن حضوره القصير زمنيا يلغي كل الفاعلين بالبيت حيث يصبح الجميع في خدمته تقديرا لمجهوداته المضنية خارج البيت مما يستوجب توفير بعض أسباب الراحة داخله…
تحولات عديدة طالت هذه الوقائع، لكن هذه بعض المقدمات التي قد تفتح شهية النقاش، لعل وعسى يكشف أبناء وبنات « أمهاتهم » عن أنفسهم وتجاربهم الخاصة….هههههه….فهل من قراءات أخرى صديقاتي أصدقائي بالفضاء الأزرق؟
صباح الخير والورد لأجمل الأمهات ولنساء بلادي…
محمد امباركي ولد منانة
Aucun commentaire