بادرة وزارية طيبة.. ولكن!
اسماعيل الحلوتي
عدا تلك الالتفاتات الكريمة التي ما فتئ عاهل البلاد محمد السادس ينعم بها من حين لآخر على أبناء شعبه داخل المغرب وخارجه منذ اعتلاء عرش والده الراحل الحسن الثاني طيب الله ثراه، حيث أنه طالما تدخل لإنصافهم أو تذليل الصعاب أمامهم، إدخال البهجة على قلوبهم وإعادة البسمة إلى شفاههم، فإنهم لم يعرفوا معنى للفرح في ظل الحكومات المتعاقبة، التي تظل شحيحة في تعاملها معهم وتأخذ منهم أكثر مما تعطيهم، حتى أن بعضها لم يتردد في الإجهاز على مكتسباتهم التي قدموا أجل تحقيقها تضحيات كبرى.
بيد أنه وفي سابقة تعد هي الأولى من نوعها في تاريخ المغرب المعاصر، أبت حكومة عزيز أخنوش في شخص وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، إلا أن تشذ عن القاعدة المعهودة منذ عقود، من خلال إقدام الوزير الوصي شكيب بنموسى على الإعلان عن بادرة طيبة، ونحن نتأهب إلى إحياء شعيرة عيد الأضحى المبارك، الذي يصادف هذه السنة يوم الخميس 29 يونيو 2023، في ظل التهاب أسعار الأضاحي ومعها جميع المواد الأساسية والواسعة الاستهلاك.
وتتمثل هذه البادرة الحسنة التي خلفت ارتياحا كبيرا لدى آلاف الأسر المغربية، وستظل راسخة في أذهان نساء ورجال التعليم عامة وأطر الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين من الأساتذة المتعاقدين بشكل خاص، في تراجع الوزارة عن الاقتطاع من أجور المنخرطين في الإضراب عن العمل خلال فترات سابقة، مراعاة للظرفية الصعبة التي يمر منها الموظفون أمام الغلاء الفاحش. حيث أعلنت النقابة الوطنية للتعليم المنضوية تحت لواء الكونفدرالية الديمقراطية للشغل عن القرار التاريخي الجريء للوزارة، والقاضي بإرجاع المبالغ المقتطعة من أجرة شهر يونيو في حوالة استثنائية ابتداء من يوم الإثنين 26 يونيو 2023 فضلا عن أنه تضمن كذلك توقيف جميع الاقتطاعات التي تخص شهري يوليوز وغشت…
فالباعث هنا على الارتياح والانشراح في هذه البادرة الطيبة، هو أنها من الفرص النادرة جدا التي تتوصل فيها إحدى النقابات مع مسؤولي وزارة التربية الوطنية إلى حل يرضي نوعا ما الطرفين. حيث أن عددا من الأساتذة وخاصة المتعاقدين منهم تلقوا رواتبهم الخاصة بشهر يونيو 2023 يوم الجمعة 23 يونيو بدل الجمعة 30 يونيو، كما بشر بذلك في وقت سابق رئيس الحكومة عزيز أخنوش جميع الموظفين في القطاع العمومي، غير أن بعض هذه الأجور طالته اقتطاعات بلغت في بعض الحالات إلى 2500 درهم بسبب مشاركة أصحابها في الإضراب عن العمل، مما خلف لحظتها استياء عميقا في أوساط آلاف الأساتذة، لذلك ارتأت الوزارة إعادة تلك المبالغ المقتطعة فورا قبل حلول يوم العيد، فاسحة المجال أمام المتضررين من اقتناء أضحية العيد دون الحاجة إلى « مقصلة » الاقتراض…
وجدير بالذكر أنه إلى جانب قيام المكاتب الإقليمية للتنسيقية الوطنية للأساتذة وأطر الدعم الذين فرض عليهم التعاقد في مختلف المدن المغربية بإدانة الاقتطاعات التي عرفتها أجور الكثيرين منهم قبل حلول العيد بأيام قليلة، أضاف الكاتب العام الوطني للجامعة الوطنية للتعليم في معرض تصريحه الإعلامي إلى ما سبق أن أدلى به، بأن « هذه الاقتطاعات غير قانونية وغير مقبولة، وإذا ما جرت في شهر شتنبر المقبل، فإنها ستكون متزامنة مع الدخول المدرسي » داعيا في الوقت ذاته إلى ضرورة « إعادة النظر في التعامل مع حق الإضراب، خاصة أنه حتى مسطرة الاقتطاع لا يتم احترامها ».
فقد أضحت الاقتطاعات من رواتب الأساتذة المضربين عن العمل بمثابة سيف مسلط على رقابهم من أجل ترهيبهم وتكميم أفواههم، مما يثير في عديد المناسبات سجالا واسعا حول مدى شرعية هذه الاقتطاعات التي تشهرها الوزارة في وجوههم، ولاسيما أن بعضها يأتي أحيانا متزامنا مع الأعياد والشهر الفضيل رمضان الذي يتطلب تكاليف إضافية، وفي ظل ظرفية اقتصادية واجتماعية تتميز بالغلاء الفاحش إثر الارتفاع المتواصل في أسعار المحروقات التي أرخت بظلالها على باقي أسعار المواد الغذائية، مما انعكس سلبا على القدرة الشرائية للطبقات الفقيرة والمتوسطة.
إننا نثمن عاليا مثل هذه الخطوة الطيبة التي من شأنها التخفيف عن عدد من الأساتذة في مثل هذه المناسبات الدينية، التي تتطلب مصاريف إضافية أمام هزالة أجورهم ومحدوديتها، لكننا نرفض تلك القاعدة التي تقول « الأجرة مقابل العمل » أو أن تتحول « البادرة » إلى شبه قروض مؤجلة بدون فوائد. ولاسيما أن جميع دساتير المملكة المغربية بما فيها دستور 2011 أقرت جميعها الحق في الإضراب ضمن الحقوق والحريات الأساسية للأفراد بناء على الفصل 29 من الدستور، الذي يضمن: « حريات الاجتماع والتجمهر والتظاهر السلمي، وتأسيس الجمعيات، والانتماء النقابي والسياسي مضمونة. ويحدد القانون شروط ممارسة هذه الحريات. حق الإضراب مضمون. ويحدد قانون تنظيمي شروط وكيفيات ممارسته ». فلم التمادي في الهجوم على أجور الموظفين، إذا كانت الحكومات المتعاقبة تتلكأ في إخراج « قانون تنظيمي للإضراب » كما ينص على ذلك الدستور المغربي؟
Aucun commentaire