رسالة مفتوحة إلى مندوبية الشؤون الإسلامية بمدينة وجدة
المختار أعويدي
لعل من مفاخر مدينة وجدة ومصادر تميزها، على الصعيد الوطني، لا بل والعالمي أيضا، هو كونها ثاني مدينة على الصعيد العالمي بعد مدينة إستانبول، تتوفر على أكبر عدد من المساجد وبيوت الله. لا بل قد تناقلت الأخبار خلال الأيام القليلة الماضية، انتقالها إلى المرتبة الأولى، متجاوزة العاصمة التركية في هذا المجال. وهذا لعمري إن دل على شيء، فإنما يدل والحمد لله، على عمق الإلتزام الديني لساكنة المدينة، وحرصهم على الإرتباط ببيوت الله في كل أمور دينهم، وخاصة ما يتعلق منها بأداء عبادة الصلاة بشكل جماعي. وعليه، فيكاد لا يخلو زقاق أو حي أو حومة أو تجمع سكاني داخل المدينة أو في محيطها من وجود مسجد، وأحيانا مساجد، يأتيها المصلون من كل الأعمار والأجناس والفئات والطبقات الإجتماعية..
ولا يخفى أن بين المصلين القاصدين لبيوت الله، يوجد الصغير والكبير، الشاب والهرم، الصحيح والعليل، القادر والعاجز، السوي وذو الإحتياجات الخاصة، والمقيم وعابر السبيل. وهم ليسوا كلهم على نفس القدر والدرجة من الصحة والسلامة البدنية، وبالتالي من القدرة على أداء الصلوات بشكل عادي. وبما أن ديننا الحنيف هو دين يسر لا دين عسر، فإن الكثير من المصلين ممن تعوزهم القدرة البدنية، يؤدون صلواتهم جلوسا باستعمال الكراسي التي تحتويها المساجد. وهذا لا يقلل أبدا من قيمة عبادتهم، ولا يحرمهم من أجر صلاة الجماعة.
لكن ما لوحظ خلال الشهور الماضية، هو أن أغلب مساجد المدينة، وخاصة منها الكبرى والحديثة، قد أفرغت تماما من الكراسي التي يستعملها العجزة والمرضى وذوي الأعذار الصحية المختلفة، في أداء صلواتهم بشكل طبيعي. وهو ما يعني إقصاء هذه الفئة من العجزة والمعاقين وكبار السن وذوي الحاجة، من أداء صلاة الجماعة بهذه المساجد. حتى أن أكثرهم قد أصبح يقصد المسجد حاملا لكرسيه الذي يلازمه جيئة وذهابا، خلال كل أوقات الصلاة. ومنهم من يستعير من الدكاكين والمنازل المجاورة للمساجد كراسي لأجل أداء صلاة من الصلوات، وخاصة منهم عابري السبيل. وهو ما يمثل عبئا ثقيلا على المصلين. حتى أن منهم من قد يدخل المسجد بنية أداء صلاته، فيضطر إلى مغادرته خاوي الوفاض، من دون أن يتمكن من ذلك، بسبب وضعه الصحي المانع وانعدام وجود كراسي بالمسجد. وهو ما يمثل قمة الاستهتار، من جهة، بوظيفة المسجد الدينية كمكان للعبادة وليس مكانا للمنع والإقصاء. ومن جهة اخرى، بحق المصلين كيفما كان وضعهم الصحي في أداء صلواتهم في المساجد، بإستثناء ذوي الأمراض المعدية منهم. (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) ( التوبة 18﴾
ولا يخفى ما تصرفه الوزارة، وخاصة ما يتصدق به المحسنون ويصرفونه، من أجل توفير الشروط اللازمة لأداء المصلين لصلواتهم، بكل طمأنينة وسكينة وسلام في ضيافة بيوت الله.
والحقيقة أنني شخصيا، كلما واجهت هذا المشكل في مسجد من المساجد التي يلزمني وقت الصلاة بولوجها، أقوم باستطلاع الأمر بشأن اختفاء الكراسي من المساجد، لدى القائمين على هذه المؤسسات الدينية. وفي كل مرة أفاجأ بتأكيدهم بما يشبه الإجماع أنهم تلقوا ملاحظات، بل منهم من تحدث عن أوامر من مندوبية الشؤون الإسلامية بالمدينة، من أجل سحب الكراسي من المساجد، وعدم تمكين المصلين منها. من دون أن يعرف أحد سببا لذلك، سوى ما همس به بعض القائمين على خدمة هذه المؤسسات.
والحقيقة أنني في كل مرة، أحاول التماس الأعذار للمندوبية باتخاذها لهذا القرار، من قبيل العمل على تصريف إجراءات مواجهة الجائحة على سبيل المثال لا الحصر. لكنني مع ذلك، لا أجد لها من عذر سوى إمعانها في حرمان فئة العجزة والمرضى والمعطوبين من المصلين، من أداء صلواتهم في المساجد، من خلال حرمانهم من استعمال كراسي المساجد. من جهة، لأن سحب الكراسي من المساجد لا يندرج ضمن إجراءات مواجهة الجائحة، التي أقرتها الوزارة بتوصية من اللجنة العلمية. ومن جهة أخرى، رغبة من المندوبية في الحفاظ على الجانب الجمالي للمساجد، الذي ربما يُفسده في اعتقادها انتشار الكراسي بها. ما يجعلها تشبه في منظرها منظر المقاهي، كما ذكر أحد القائمين على خدمة أحد المساجد. كما لو أن الأمر يتعلق بموقع سياحي مخصص للزيارة، وليس مؤسسة دينية خاصة بالعبادة. وهو ما لا يرقى أبدا إلى مبرر منطقي وموضوعي، لحرمان الفئة المذكورة من المصلين من استعمال كراسي المسجد في صلواتهم، (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) ﴿114 البقرة﴾.
فالمساجد وجدت للعبادة وأداء الصلوات، وليس للزينة أو العرض كما هو ربما حال الكنائس أحيانا. فبيوت الله لا تستوجب سوى شرط النظافة والطهارة، كأساس ينبغي الحفاظ عليه، حتى تكون مؤهلة لأداء الصلوات، ولا شأن لها بجانب الزينة والزخرفة والجانب الجمالي، الذي يعتبره جمهور العلماء في الواقع أمرا مكروها، بل منهم من اعتبر ذلك محرما. فالمساجد تستمد أهميتها ووجودها وقيمتها من إقبال المصلين عليها، كل المصلين من دون استثناء، وليس من أناقتها وزخرفتها وزينتها وجاذبيتها..! وعليه، فالكراسي المخصصة لذوي الأعذار الصحية، تمثل مكونا أساسيا من تجهيزات المساجد، وليست عبئا أو ترفاً أو عنصر تشويه لجمالية المساجد كما قد يعتقد، حتى يتم سحبها بمثل هذه القرارات المتسرعة، دون إدراك تأثيراتها الكارثية على الفئة المذكورة من المصلين. !
فهل تريد المندوبية بقرارها هذا، أن تؤدي هذه الفئة من المصلين من ذوي الأعذار الصحية، صلواتها « عن بُعد »، كما فرض ذلك انتشار الجائحة في عدد من الميادين (التعليم، العمل..)..!
بناء على ما سبق، هذه دعوة صادقة إلى المندوبية كي تعيد النظر في قرارها هذا، وتمكن جميع المصلين من دون استثناء، من أداء صلواتهم ببيوت الله، بكل أريحية وطمأنينة وسكينة، وتخفف عنهم عبء التنقل بكراسيهم المزعجة جيئة وذهابا إلى المساجد عند كل آذان، علما أن أكثرهم لا يستطيعون حتى السير العادي إلى المساجد، وأحرى أن يلتزموا بحمل عبء ثقيل إضافي عند الذهاب لأداء كل صلاة.
والله الموفق، والسلام.
2 Comments
ربما قد أدرك المسؤولون على تدين المواطنين بأن صحة الأبدان أولى من صحة الأديان. و أن الأعمال بالنيات و لكل امرء ما نوى.
مقال في المستوى وملاحظة في الصميم لان بيوت العبادة لا تستدعي اؤامر صارمة لتنظيمها.فالكراسي جد محدوة ومستعمليها محسوبين على رؤوس الاصابع.لماذا هذه العراقيل التي لا تفيد في شيء