وَاااوۡ! هادۡ شي بزَّاااف! آ السيد الوزير…!
من أُريدَ به شرا، و أُدخِلَ إلى ما يسمى عند العامة ب » دار الضريبة « ، بمدينة وجدة، يصاب بصدمة كبرى، خاصة بعد أن يلاحظ أربعة أشياء غير عادية؛ تطرح عدة تساؤلات، و تثير الإشمئزاز و السخط و الغضب و الحزن و التذمر في آن واحد.
أولا، إن أغلب المواطنين الذين يتوافدون، يوميا، على هذه المؤسسة، إن لم نقل 99 أو 99،99% منهم، هم من الخارجين على القانون، الذين لم يحترموا قانون السير، – حسب محاضر أعوان مراقبة المرور- ، جاءوا ليؤدوا الغرامات، خاصة إذا أضفنا إليهم الضحايا الآخرين الذين أدوا هذه الإتاوات في مكان ارتكاب المخالفة.
ثانيا، إن نصف هؤلاء الضحايا، تقريبا، إناث، مواطنات شابات، استبشرن خيرا عندما حصلن على رخصة السياقة واشترين سيارات كي يتفاذين مشاكل وسائل النقل العمومي من ازدحام و سرقة و تحرش و تأخر…، و يتمتعن بأيامهن، إلا أن » بروصيات » مدونة السير المشؤومة كانت لهن بالمرصاد وعكرت صفو حياتهن؛ علما أن الإناث يقدن سياراتهن بتأن و تركيز و انتباه كبير، و يحترمن قانون السير أحسن من الذكور، و نادرا ما يتسببن في حادثة سير.
ثالثا، لا يوجد بين هؤلاء » المساكين » وزيرا أو برلمانيا أو رجل سلطة أو أحد أفراد عائلاتهم، مع العلم أن منهم من يخرق، باستمرار، قانون السير، و كأن هذا القانون صودق عليه خصيصا ليطبق على » اولاد الشعب » دون سواهم.
رابعا، إن متوسط قيمة الغرامات المؤدات هنا تتراوح بين 300 و 500 درهم.
أما الملاحظة العامة و الانطباع السائد هنا هو تذمر هؤلاء الضحايا و استياؤهم من التمييز الذي يُمارَس عليهم بسبب الشطط في استعمال بنود مدونۃ السير المشؤومة، حيث يبدو ذلك جليا في ردود أفعالهم التي يطبعها الإنفعال و » النرڤزة « ، كرجل تعليم » كاعي » جدا، كان هناك يغلي كالبركان، بسبب الحيف الذي لحق به، صبيحة يوم إثنين، و هو في الطريق إلى مقر عمله بإحدى الثانويات بمدينة وجدة، قادما من مدينة السعيدية التي قضى بها عطلة بينية يحضر الدروس و التمارين لتلامذته المقبلين على اجتياز امتحان الباكالوريا، إلا أن رادارا رصده قرب مطار انگاد، بحيث لم ينتبه إلى علامة تحديد السرعة، لأنه لم يكن يفكر إلا في شيء واحد و هو أن لا يصل إلى تلامذته متأخرا. و عندما اقترب من الشباك « الملعون » لأداء غرامة 500 درهم قال بغضب و حسرة: » يَعطيوۡنا جُوجۡ دورو مَنَّا ويۡحَيۡدوهانا مَنَّا بالبروصيات. » قبل أن يواصل: » آش مَنۡ مورال غادي نۡخَدۡمو بيه دَرۡوكۡ مع التلامَذ؟ » ، و إحدى الموظفات تواسيه من وراء الشباك.
لقد فرضت حكوماتنا « الموقرة » و برلمانييها على « صغار » المواطنين « الكاسك » و ربط حزام السلامة و التزام أقصى اليمين و عدم السياقة بسرعة و الوقوف عند الضو الأحمر و علامة قف و احترام حق الاسبقية و ….، حفاظا على حياتهم و سلامتهم، و كذلك فعل المواطنون: ربطوا أحزمة السلامة و احترموا علامات قف و تحديد السرعة و حق الأسبقية و كل ما جاءت به مدونة السير المشؤومة، و أدوا ضريبة السير عبر الطرقات و أمَّنوا سياراتهم و فحصوها تقنيا و ميكانيكيا و إليكترونيا… إلا أنهم مازالوا يُهانون و يُقتلون أو يُصابون بجروح خطيرة على الطريق، في المدن و القرى؛ و ما زالوا، فوق هذا و ذاك، يؤدون الغرامات و الإتاوات للدولة ولغير الدولة.
فإذا كان الهدف من سن قانون مدونة السير المشؤومة هو الحد من حوادث السير و حرب الطرق، فالحرب مازالت قائمة. و إذا كان الهدف من ذلك تخويف و ترهيب مستعملي الطريق، فقد خافوا بما فيه الكفاية؛ إلى درجة أن المواطن يصلي ركعتين، قبل أن يمتطي سيارته أو شاحنته، و يدعو الله أن يبعد عنه الرادارات و أن لا يُسۡقِطَه بين يدي أعوان مراقبة المرور و الطرق. أما إذا كانت الحكومة » الموقرة » تسعى إلى حل أزمتها المالية و ملء الصناديق التي أفلست بسبب النهب و الاختلاسات، على حساب جيوب الناس البسطاء من مستعملي الطريق، فيكفي أن الطبقة البورجوازية و الطبقة السياسية الحاكمة قد مصت دماء مواطني الطبقة الصغيرة و المتوسطة، عن طريق شركات التأمين و السلف و المصحات الخاصة و مافيا العقار و مؤسسات التعليم الخصوصي و تجار المخذرات…
و ليكن في علم الحكومة » الموقرة » أنه من السهل بمكان فرض الغرامات و الإتاوات على « صغار » المواطنين، و إرغامهم على أدائها أو الزج بهم في السجن، و لكن من الصعب بمكان حمايتهم من الشطط في استعمال قانون السير، الذي جاء لتأجيج الأوضاع عوض استقرارها، مثل ما يحدث بين وزارة النقل و نقابات مهنيي النقل الطرقي الممثِّلة لسائقي حافلات النقل العمومي للمسافرين و أرباب الشاحنات و سيارات الأجرة.
كما أن بعض أفراد الجالية المغربية في أوروبا أصبحوا يفضلون قضاء عطلتهم السنوية في البرتغال أو اليونان أو تركيا مثلا، عوض المغرب، ليس فقط بسبب غلاء و رذاءة الخدمات السياحية و الترفيهية التي تقدم لهم في وطنهم، و لكن كذالك بسبب البطش و الابتزاز و الشطط الذي يمارس عليهم باسم قانون السير، وهم يتجولون بسياراتهم بين المدن، داخل بلدهم الأصلي؛ مثل ما وقع للشابة التطوانية التي احتُجِزت منها رخصة السياقة، بين طنجة و تطوان، مقابل التحرش الجنسي.
لا أحد ضد القوانين التي تنظم السير و تحمي المواطن من مخاطر الطريق، ولكن يجب اعتماد مقاربة علمية، عملية و فعالة لمعالجة الظاهرة، يُراعی فيها المستوی التعليمي و الثقافي و الاجتماعي للشعب المغربي و خصوصياته، عوض الإستمرار في العمل اعتباطيا بمدونة السير المشؤومة التي ساهمت في استنزاف جيوب المواطنين دون فائدة.
و في انتظار إيجاد حلول تنصف مستعملي الطريق و تحميهم من شطط هذا القانون الجائر، نتمنى من حكومتنا « الموقرة » أن تُجَهِّز الطرق و الشوارع برادارات و كاميرات متطورة، مبرمجة، قارة و مستقلة، تشرف عليها لجنة مركزية، كما هو الشأن بالنسبة لكاميرات مراقبة الحدود الشرقية التي وضعت حدا لتهريب المخذرات و البنزين و الأسلحة و البشر.
كما يتمنى الجميع أن يُوظَّفَ القمران الصناعيان محمد السادس « أ » و « ب » في مراقبۃ و تنظيم السير و المرور.
وإذا كانت الحكومة « الموقرة » تريد، فعلا، الخير للشعب المغربي، فعليها أن تعيد النظر في هذه الغرامات المجحفة التي أصبحت تُفرَض بطريقة اعتباطية و مزاجية، و ذلك إما بإلغائها نهائيا أو بتقليص قيمتها إلى 5 أو 10 دراهم فقط. أما غير ذلك، تكون هذه الحكومة الوحيدة في العالم التي تحكم على مواطنيها عوض الحكم لصالحهم، عكس حكومات الدول الديمقراطية التي تحترم مواطنيها و تتسابق و تتنافس من أجلهم.
يحي طربي
Aucun commentaire