الاستقالة بين الاستحالة و الإقالة
في كل مرة تثير و سائل الاتصال و الإعلام المرئية و المكتوبة فضيحة مدوية من الفضائح التي تتعلق بهذا المسئول أو ذاك و في جميع القطاعات الرسمية من عمودية المدن إلى المدراء إلى الوزراء من الوظيفة العمومية إلى النقل و التجهيز إلى الصحة إلى التكوين المهني الاقتصاد و المالية إلى الشباب و الرياضة و غيرها من الوزارات الحالية و السابقة…و في كل مرة يطالب بعض المواطنين- خاصة بعد منح المواطن هامشا من الحرية لم يكن متوفرا في السابق-على شبكات التواصل الاجتماعي و عبر الوقفات و الاحتجاجات و رفع للافتات و شعارات تطالب هذا المسئول أو ذاك بالاستقالة.
و نسي الناس أو تناسوا أن الوظائف تكليف و ليست تشريفا (من الشرف و العزة و الكرامة).إن أي واحد من المواطنين الذين يملكون ذرة من الكرامة و الحياء و المروءة و عزة النفس ،عندما تلطخ سمعته في الوحل،و تلوك فضيحته الألسن و الأقلام و الأخبار أن يقدم استقالته بمحض إرادته حفاظا على ماء الوجه و انتقاما لشخصه الذي أهين و لشرفه الذي نزل إلى الحضيض، كما يفعل المسئولون في دول الديمقراطيات العريقة الذين يجدون كل الحرج، في مزاولة مهامهم إذا ما لطخت سمعتهم بالوحل.
لماذا لا يحدث نفس الشيء في الدول المتخلفة؟
لسبب بسيط إنها متخلفة في كل شيء بما في ذلك ، الفكر و الأفكار المتجددة و النظر إلى المنصب انه بقرة حلوب لا تتوقف عن منح الحليب المركز .
لا يحدث نفس الشيء في الدول المتخلفة لأن المسئولين لا يحاسبون عن الفشل و لا يجازون عن النجاح. و يتنعمون في مزايا المنصب و امتيازاته المختلفة و المتعددة. لهم حرية التصرف بدون حسيب و لا رقيب في الميزانيات.وليس هناك مكان للمحاسبة و لا المساءلة و لا المعاقبة. إذن ليس عند المتخلفين من الأمم ارتباط بين المسؤولية و المحاسبة و المعاقبة في حالة إهدار المال العام أو تبذيره أو سرقته أو إهداره، أو الفشل في مشروعات معروفة عواقبها(مثلا التصرف في ميزانية الصندوق المغربي للتقاعد و صندوق الضمان الاجتماعي…)؟؟…
الاستقالة لم و لن تحدث في بلدان العالم الثالث عامة و البلدان العربية خاصة،التي يجثم فيها الرؤساء بلا كلل أو ملل أو عياء أو مرض ، على رقاب العباد و صدورهم العشرات من السنين حتى يتوفاهم الله أو يبعدوا بانقلابات عسكرية أو ثورات شعبية…بل إن بعضهم رغم الثورات لا يتزحزح من مكانه،و بعضهم رغم شلله و تنقله عبر كرسي متحرك،و رغم دخوله في شرود و عدم قدرة على الكلام وقتا غير معلوم، لم يترنح و لم يتزحزح، قيد أنملة عن السلطة و الحكم…و بعضهم امتد به العمر حتى و صل إلى نسيان اسمه،و مع ذلك حب الكرسي لم يغب عن ذاكرته ..
صحيح ما يقال « ومن العشق ما قتل »،لقد مات قيس بن الملوح مدحورا بعشق ليلى العامرية.و في كثير من البلدان التي لا تحترم القانون وتزور الانتخابات هناك يتمسك الرؤساء بالكرسي بالسلاسل و الأقفال،التي لا تكسر إلا بالثورات الشعبية و الانتفاضات العارمة.
تقديم الاستقالة استحالة عندنا،حتى تنزل عليهم الإقالة– فهي الطرد و الاستغناء عن الفرد وعن خدماته– كالصاعقة أو الزلزلة يوم الحساب…ما يربط المسئول بالكرسي هو رباط مقدس كالزواج التقليدي في الكنيسة الكاثوليكية ( زواج حتى تفرقهم الموت.Mariage pour le bien et le pire jusqu’ a la mort vous sépare)
لن يكره أي مسئول في العالم الثالث أن يدفن كرسيه معه في قبره،حتى إذا سافر إلى المولى عز و جل طالب بوظيفة يحكم لناس هناك و يتسلط هليهم.و لكن هيهات هيهات… إن لله في خلقه شؤون… والحمد لله رب العالمين أن لم يجعل علينا حكاما في الآخرة من السلاطين و الفراعنة و النماريد(النمرود الذي حكم العراق في عهد النبي إبراهيم عليه السلام) و القياصرة…بل هناك… يستوي الوزير و الغفير… الأعمى و البصير…الغني و الفقير…والحمد لله أخيرا ان ليس في الآخرة تملق أو زبونية أو حزبية أو قرابة عائلية أو جاه أو مال أو شرف أو جمال أو قوة من أجل اتقاء جهنم…بل الإيمان وأعمال الخير والعبادات و أتى الله بقلب سليم…هي مصاريف الاخرة؟….
انجاز : صايم نورالدين
Aucun commentaire