Home»International»السينما المغربية وحقوق الإنسان قهر الإنسان والمجال في السينما – منطقتا الريف والشرق – نموذجا

السينما المغربية وحقوق الإنسان قهر الإنسان والمجال في السينما – منطقتا الريف والشرق – نموذجا

0
Shares
PinterestGoogle+

السينما المغربية  وحقوق الإنسان
قهر الإنسان والمجال في السينما – منطقتا الريف والشرق – نموذجا

ميلود بوعمامة (*)
السينما هي إمتداد لواقع ونبض المجتمع بمختلف تمظهراته وتجلياته، والروائيون وكتاب السيناريو يسهمون على نحو بارز في خلق أعمال سينمائية بمحتوى  فكري ومعرفي  وجمالي، يمكنها، بشكل أو بآخر أن يتماشى وحركية المجتمع وتنهض بقيمه في مختلف التمظهرات الحياتية. والأعمال السينمائية المغربية التي ساءلت، من وجهة فنية قضايا الاعتقال السياسي وانتهاكات حقوق الإنسان في الماضي، كان لها دور كبير في تعريف الجمهور »المتلقي » الواسع بحقبة مهمة من تاريخ المغرب المعاصر، موازاة مع التطور الذي عرفته العدالة الانتقالية في المغرب.
والحديث عن السينما وحقوق الإنسان يحيلنا بديهيا على مجموعة من الإرهاصات الأولية التي سبقت الخوض في مناقشة وإثارة مرحلة حالكة من تاريخ المغرب الحديث، أطق عليها « سنوات الرصاص »، وتناولتها السينما المغربية بنوع من الاحتشام، ولا يكفي إذا لم تتوفر ناصية الكتابة السينمائية الكافية لذلك مقارنة مع بعض الدول الأوروبية الجارة، لأن محاكاة الموضوع الشائك لا تضمن بالضرورة جودة وقوة العمل دائما، وهذا يجرنا بالتأكيد إلى موضوع تغيب الإنسان والمجال بشكل متعمد في ملامسة قضايا وإشكالات سينمائية تهم مناطق وساكنة عايشت المرحلة بأبعادها السياسية والأمنية والاقتصادية والثقافية واللغوية، وفي هذا الإطار جاءت هذه المقاربة، من باب النبش في ذاكرة الساكنة والأمكنة لهذا الموضوع الحساس والشائك المرتبط بمنطقتي الشمال الشرقي والجنوب الشرقي للمملكة كنموذج، نخوض فيه تجربة البحث، ونغوص من خلاله في أعماق ذاكرة أناس وأمكنة، وعبر مسارات ودروب التغييب الممنهج لاستغلال الفضاء المجالي والبشري في الإبداع السينمائي المغربي، وتكون بالتالي تلك الحركية السينمائية المرجوة غائبة في جل الأعمال الإبداعية، وإذا ما استغلت هذه المناطق الأمازيغية والحدودية بامتياز سينمائيا كبلاطوهات، في أوانها وفضاءات للتصوير التلفزيوني والسينمائي الذي سيحاكي لا محالة هذه الإنتاجات والأحداث الحقيقية التي عاشتها الساكنة ومجالها، تكون بالتالي القصة السينمائية قريبة من الواقع، وتكون الحبكة الفلمية في الشريط الوثائقي أو الروائي على حد سواء متوازية الأضلاع، وتستوفي جميع شروط الفرجة السينمائية المبتغاة، بحكم تسليط بعضا من الضوء على هذه المناطق المعزولة من لدن مخرجين مغاربة يحاولون اكتشاف مدنهم وقراهم على نطاق واسع، وذلك بعيون وعدسات أبناء « البلد » الذين همشوا مناطقهم في أعمالهم السينمائية  أو مقاربة المواضيع  المطروحة حقوقيا بحكم المعايشة القريبة للساكنة المحلية والدراية المسبقة لقضايا حقوقية مرتبطة بأناس إكتوا بنيران العقاب الجماعي (منطقة تاويمة  بالناظور جهة الريف الشرقي، وفكيك ونواحيها جهة الجنوب الشرقي) نموذجا في هذه المساهمة المقتضبة.
والأعمال السينمائية المغربية التي لا مست قضايا حقوق الإنسان، حسب ذوي الإختصاص، مثلت  سبيلا لاكتساب ثقافة  حقوق الإنسان وتكريسها في المجتمع، بالرغم من إنتاج عدد من الأفلام السينمائية التي يصب محتواها في هذا الاتجاه، إذ لا يحسم في جودتها إلا إذا مارس مبدعوها حريتهم وتمكنوا من آلياتهم التقنية والفنية في مقاربة موضوع حقوق الإنسان، سواء في المغرب أو في بعض دول الجوار، رغم أن بعضها كـ ( إسبانيا واليونان) قطع أشواطا ومراحل نوعية مهمة، يجب ألا تستمر سجينة مستويات التشخيص والتنديد أو كشف الانتهاكات فقط، وإنما عليها الرقي إلى مستوى أعمق، يعنى بالتحسيس وتغيير الصور النمطية والتمثلات الذهنية التي من شأنها خلق سلوكات تتبنى حقوق الإنسان على مستوى التفكير والممارسة أيضا.
وجاء اختيار هذا الموضوع المرتبط بأقصى المنطقة الجنوبية الشرقية والمنطقة الشمالية الشرقية، لما له من أهمية قصوى على مستوى التفكير العميق في إخراج عدد كبير من القضايا الحقوقية الشائكة التي لم تناقش بعد على مستوى الإبداعات السينمائية والتلفزيونية والسمعية البصرية عموما، مناطق شملها جبر الضرر الجماعي، بعد الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، منها « المقابر الجماعية » بمنطقة تاويمة ناحية الناظور 6 كلم عن سلوان على الطريق الساحلي قرب الثكنة العسكرية، والاختطافات والتعذيب الذي طال نساء ورجال فكيك نواحيها، هذا بالإضافة لتوفرها على معتقلات ومخابئ سرية، شكلت وصمة عار على المنطقة، وكذا تهميش ساكنتها عبر تاريخ طويل لازالت تبعاته تسري في الزمان والمكان من خلال الحصار الاقتصادي والثقافي وغيرها، بالرغم من بعض المبادرات الشجاعة للدولة المغربية التي جعلت الساكنة تخرج من قوقعة (الهامش)، خاصة في العشرية الأخيرة.
الاستغلال السينمائي لهذه المجالات المغربية التي عاشت سنوات « الظل والهامش »، كانت ضئيلة ونادرة أحيانا، حيث غابت هذه المناطق التي تتحدث الأمازيغية أساسا من خريطة الأفلام السينمائية المغربية، كانت وثائقية أو روائية، والذي صور منها لفائدة السينما أو التلفزيون شيء نزر، وذلك منذ سنوات السبعينيات والثمانينات من القرن الماضي إلى يومنا هذا، وإن وجدت واعتبرت بمثابة « كارط بوسطال » للتسويق السياحي لا غير، وظلت هذه المناطق بما فيها الإنسان والمجال مغيبا من ناحية الصورة السينمائية، بالرغم من التمثيلية الواسعة للمخرجين المغاربة المنتمين لهذه المناطق السالفة الذكر، لكن تبقى مساهماتهم وتجاربهم نحو مناطقهم عبارة عن مقاربات مجحفة ومحتشمة، ولن تشفي الغليل السينمائي وحتى الإعلامي.
إجمالا، تبقى هذه المناطق المغربية الشاسعة والمتنوعة طبيعيا، فضاءا خصبا غير مستغلا من لدن السينمائيين المغاربة من غير بعض الإنتاجات الوثائقية الأجنبية، وتبقى  الذاكرة والأرشيف لمنطقتي الجنوب والريف الشرقيين منقوشة في أذهان الساكنة، خاصة تلك التي طالتها الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، بالرغم من البرنامج الوطني لجبر الضرر الجماعي الذي أرست قواعده هيئة الإنصاف والمصالحة، الهيأة التي أنشأت بناء على القرار الملكي بالموافقة على توصية صادرة عن المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، وعلى الظهير الشريف المتضمن للنظام الأساسي للهيئة الصادر بـ 12 أبريل 2004، ذات اختصاصات غير قضائية في مجال تسوية ملف ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، والتي من مهامها البحث والتحري والتقييم والاقتراح، خاصة اتجاه المناطق التي تستجيب على الأقل لأحد المعيارين التاليين: وجود مركز اعتقال سري في هذه المناطق مما عرضها ضمنيا للتهميش والحصار على كل الأصعدة، بما فيهما الإبداع والاستغلال السينمائيين لفضائهما، نموذج تاويمة ناحية الناظور في الحالة الأولى، أو وجود قرينة ودلائل تدل على تعرض هذه المناطق للعقاب الجماعي المرتبط بوقوع بعض الأحداث العنيفة المعروفة والموثقة، نموذج فكيك والنواحي في الحالة الثانية.
من هذا  كله، نستشف ضمنيا أن معطيات مهمة يجب التطرق إليها انطلاقا من الحفظ الإيجابي للذاكرة، من خلال ما أوصت به هيئة الإنصاف والمصالحة غي عملها الجبار، في حفظ جميع الأرشيفات الوطنية، وتنسيق تنظيمها بين كل الدوائر المعنية، بالإضافة إلى سن قانون ينظم شروط حفظها وآجال فتحها للعموم، وشروط الاطلاع عليها والجزاءات المترتبة عن إتلافها، وكذا عمل المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان (التسمية القديمة)، المناط به متابعة تنفيذ توصيات الهيئة، على مواكبة هذا المسار على امتداد إعداد قانون الأرشيف 69/99.
ومن جهة أخرى، قام المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان بتوقيع اتفاقية شراكة مع المركز السينمائي المغربي، تهم النهوض بثقافة حقوق الإنسان وتشجيع الإنتاجات السينمائية المتعلقة بحفظ الذاكرة وبماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ونصت هذه الاتفاقية على:
–    اعتماد قيم ومبادئ حقوق الإنسان كأحد المعايير لانتقاء الأفلام المرشحة للاستفادة من صندوق دعم الإنتاج السينمائي.
–    دعم الأفلام الوثائقية والقصيرة المتعلقة بحقوق الإنسان وبالتاريخ الراهن للمغرب وبالذاكرة المتعلقة بماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
–    إدراج الأفلام الوثائقية المتعلقة بالمحاور المذكورة أعلاه ضمن الأعمال المرشحة للاستفادة من صندوق دعم الإنتاج.
–    دعم الملتقى: (المهرجان المتوسطي) حول سينما حقوق الإنسان المنظم من طرف المجلس (بالناظور كشكل فني يعنى بحفظ الذاكرة).
–    تحسيس المبدعين في المجال السينمائي للمساهمة في النهوض بثقافة حقوق الإنسان.
–    وضع الأرشيف السينمائي للمركز رهن إشارة الباحثين والمبدعين والعمل بتنسيق مع المجلس على تمكينهم من الإطلاع على الأرشيف واستعماله وفق شروط يحددها الطرفان.
في الأخير، تبقى الإشارة أن الدولة المغربية في تصالحها مع ذاتها فكرت مليا عبر آليات ومكنزمات وهيآت حقوقية، في رد الاعتبار للإنسان والمجال في 11 منطقة بالمملكة، عن طريق مجموعة من الإجراءات… بما فيها الحفظ الإيجابي للذاكرة، الذي شمل أيضا المناطق التي ذكرتها في هذه المساهمة المتعلقة بالسينما وحقوق الإنسان – الإنسان والمجال نموذجا، وما تحقق في فترة نهاية ولاية هيئة الإنصاف والمصالحة، واستخلاص الدروس الأساسية من هذه التجربة، التي نعتبرها جميعا كغاربة مرحلة متميزة وأساسية في ميدان العدالة الانتقالية، وجاء في هذا الإطار « إنشاء مركز بقاسم الوزاني » بفكيك، في الجنوب الشرقي للمغرب، ومن بين مهامه حفظ الذاكرة والقدرة المغربية على حفظ الأرشيف وما تحقق في هذا الاتجاه  من خلال إنشاء أرشيف المغرب، ومرصد لدراسة حقوق الإنسان المعاصر، وبناء متاحف جهوية بكل من الحسيمة وأكدز والداخلة، ويعد مركز بلقاسم الوزان بفكيك الذي يهدف أساسا إلى إذكاء الشعور بالإنصاف لساكنة فكيك ويكون تعويضات معنويا لعائلاتها ومجالها الوحاتي، بينما منطقة الناظور بالشمال الشرقي للمغرب كانت هناك مبادرات شجاعة ومماثلة لمنطقة فكيك، حيث أنشأ المهرجان المتوسطي لسينما حقوق الإنسان والذاكرة المشتركة من أجل الديمقراطية والسلم الذي أنيط به التعريف بالإبداعات السينمائية التي تقوم على التحسيس بقيم حقوق الإنسان وتوعية المواطن والنهوض بأوضاعه، وكذا فضح السلوكات السلبية التي من شأنها التأثير سلبا على تقدمه، وكذا عرض أفلام سينمائية جادة وهادفة من مختلف دول المتوسط، والتي تلعب أدوارها كاملة في مسائلة القضايا ذات الصلة بحقوق الإنسان، وبعيدة كل البعد من إخفاء الحقيقة عنوة عن المتلقي، وتصبح السينما أداة للدعاية السياسية وتكريس الواقع القائم لا غير.
وتبقى إذن، السينما وحدها لها الدور الريادي في تكريس ثقافة حقوق الإنسان، لكونها قادرة على الوصول إلى أكبر عدد من الجمهور (المتلقي).
* صحافي ومهتم بالسينما.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *