المنحة وحدها لا ترفع محنة الطالب الجامعي
في كل بقاع الأرض، يعتبر الشباب الرهان الأكبر للأمم، ومبعث أملها في صناعة المستقبل، وتحقيق نمائها وازدهارها. وتشكل فئة طلاب الجامعات أغلى ثرواتها البشرية ومصدر قوتها، بالنظر إلى ما تمتلكه من طاقات فكرية وإبداعية، تؤهلها إلى بناء حضاراتها، متى قامت الدول بواجباتها تجاه طلبتها، بحسن الإنصات لمشاكلهم وتفهم انشغالاتهم، ومساعدتهم في إيجاد الحلول الملائمة، ومدهم بالتوجيهات اللازمة. العناية بإعدادهم العلمي الجيد، تنمية معارفهم وتطوير إمكاناتهم الذاتية، وإيلائهم الرعاية الكافية دون بهرجة، ليكونوا في مستوى تحمل المسؤولية…
وتندرج مساهمتي المتواضعة هذه، في إطار الضجة الإعلامية المرافقة لموضوع المنحة، التي تعد حقا مشروعا وليست هبة حكومية. فالرفع من قيمتها وتعميمها على ذوي الاستحقاق الاجتماعي، من الطلبة المعبرين عن رغبتهم في الاستفادة منها، كانا من أبرز مطالب الحركة الطلابية بمختلف فصائلها منذ أزيد من ثلاثة عقود، وجاء تحقيقهما اليوم استجابة لنضالاتها المستمرة وكفاحها المتواصل. فلا يحق للسيد بنكيران، اتخاذها مطية للمزايدة على خصومه، وإشهارها كورقة رابحة في حشد الدعم لإنقاذ حكومته، والقيام بحملة مبكرة لفائدة حزبه. ولا غرو في أن يستغلها بدوره، السيد لحسن الداودي وزير التعليم العالي والبحث العلمي، في خرجاته مدعيا أن الإجراء تجسيد لما يصبو إليه، من فسح مجال التعلم أمام أبناء الشعب دون تمييز، فضلا عن كونه يدخل في صميم البرنامج الحكومي، الهادف إلى النهوض بأوضاع الفقراء وتحقيق العدالة الاجتماعية، دون أدنى خلفيات سياسية أو حسابات انتخابوية… وإذا كان الأمر كذلك، فما سر انتقال رئيس الحكومة بطائرة خاصة بمعيته ووزراء آخرين من حزبه إلى مدينة الرشيدية، لحضور جنازة الطالب: عبد الرحيم الحسناوي من منظمة التجديد، الذي ذهب ضحية العنف الجامعي بمدينة فاس، وتواريه عن الأنظار في فواجع أخرى، من قبيل كارثة الدار البيضاء بحي بوركون، التي خلفت وراءها 23 قتيلا وأزيد من 50 جريحا، إثر انهيار مباغت لثلاث عمارات ؟
فما قامت به الحكومة من التفاتة حيال الطلبة يستحق رفع القبعة، امتنانا لما أدخله من بهجة على قلوب أسر مسحوقة، ولمساهمته في التخفيف عما تنوء به كواهلها من أعباء العيش المر. وكم كان حجم الابتهاج سيتعاظم وتغدو المسألة ذات حس وطني صرف، لو أن رئيس الحكومة وصحبه اعتمدوا ابتكار أساليب أخرى، في توفير ميزانية خاصة بالزيادة في قيمة المنحة وتعميمها، ك: تشجيع الاستثمار وخلق الثروة، محاربة اقتصاد الريع، بسحب مأذونيات النقل ومقالع الرمال من غير مستحقيها، استرجاع الأموال المنهوبة، فرض ضريبة على الثروة، التراجع عن إعفاء كبار الفلاحين من أداء الضرائب، مراجعة معاشات الوزراء والبرلمانيين، والتقليص من تعويضاتهم الشهرية…. دون المساس بالقدرة الشرائية للمستضعفين، عبر الرفع المتتالي لأسعار المواد الأساسية وفواتير الماء والكهرباء… ألم يخجل السيد الداودي من نفسه بزعمه أن الإقدام على تحرير أثمان المحروقات، أملته الضرورة لمساندة الطلبة بالقول: » لفلوس اللي تهزات من المازوت وليصانص، دعمنا بها أولاد الشعب »؟
بالله عليكم سيدي رئيس الحكومة، ارحمونا من مغالطاتكم، لقد بلغ السكين العظم، وفقد المواطن ثقته في خياراتكم اللاشعبية، وإخلالكم بالتزاماتكم. ألا تخشون الله وأنتم ترهنون مستقبل الأجيال للمؤسسات المالية الدولية، والرضوخ لإملاءاتها وتحكماتها في التوجهات الاقتصادية، عوض وضع مقاربة تنموية وإستراتيجية شمولية لتحسين نسبة النمو، واعتماد إجراءات تشاركية تتوافق والتوجيهات الملكية في إصلاح المنظومة التعليمية وإعادة توزيع الثروة؟ كفى تباكيا وإثارة الغبار في جلسات البرلمان، بعد تنازلكم المذل عن متابعة المشتبه في ارتكابهم جرائم نهب المال العام، ضاربين عرض الحائط بالضابط الدستوري حول ربط المسؤولية بالمحاسبة.
فالمنحة، ليست وحدها ما ينقص طلبتنا، بل هناك عوائق أخرى تستدعي تدخلات عاجلة لتذليلها، وتعيد للجامعة إشعاعها وهيبتها. ولا داعي أن يستمر الناطق الرسمي باسم الحكومة ووزير الاتصال السيد: مصطفى الخلفي، في التطبيل والتزمير لحجم كلفتها المادية وأعداد المستفيدين منها. فقد استطاع العديد من أبناء الشعب بلوغ أعلى المستويات، وتقلد أرقى مناصب المسؤولية بدونها، في وقت كانت الكلية مصدرا للارتقاء الاجتماعي، ولا تعرف مشاكل بنيوية بهذا الزخم. حيث تفاقمت أوضاعها بشكل رهيب، وطفت على السطح نقائص متمثلة في: اكتظاظ بالمدرجات، أزمة سكن في الحي الجامعي، محسوبية، تدني مستوى التحصيل وانعدام التواصل… وفي ضوء الغلاء الفاحش وتعدد تكاليف الدراسات العليا، صار الطالب الجامعي المقهور يواجه عدة إكراهات مادية، لن تستطيع منحة دورية هزيلة رفعها. علاوة على أن الإشكالية الحقيقية، تتجلى في كون تعليمنا أمسى متجاوزا وغير منتج، لافتقاره إلى شروط الابتكار والمواءمة مع متطلبات سوق الشغل. لذا يلزم الطالب تكوين أكاديمي ملائم، يقوده إلى اكتساب مهارات عصرية، ومؤهلات تساعده على امتلاك مقومات التنافس وروح المبادرة، الإلمام بالمستجدات ومواكبة التحولات العلمية والمعرفية، لاستيعاب التكنولوجيات الحديثة، إتقان اللغات الحية وبالأخص الإنجليزية. ومن تم يسهل اندماجه في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، والمساهمة في التنمية الوطنية. فأين نحن من حسن تأطير الطلبة والدفع بهم نحو بلورة مشاريعهم المهنية، وإعدادهم لولوج عالم الشغل؟ وما جدوى تخصيص ميزانيات ضخمة لمنح دراسية، نعلم مسبقا أن نسبة عريضة من الطلبة المستفيدين، سيتحولون إلى أرقام في سجلات إحصاء العاطلين؟
التعليم الجامعي يعيش أزمة خانقة، ويتطلب إصلاحا جذريا مستعجلا، قبل أي توسع كمي لا يستند إلى رؤى واضحة، تنهض بجودة منتوج الجامعة المغربية وتكرس دورها كقوة أساسية في بناء المجتمع وتطويره. من هنا، يحتاج الطالب إلى تعليم متطور ومجاني، يضمن له فرص عمل مواتية لمؤهلاته. ومن غير المنصف تحول الجامعة إلى مصنع لتفريخ « المعطوبين »، ومرتع لإشاعة الفوضى وترويج العنف، في وقت يفترض فيه أن تكون ساحة للتعايش والتزود بمختلف العلوم الكونية. ويريد التمتع بالحرية في فضاء تربوي يسمح بممارسة أنشطته العلمية والترفيهية، وليس أسيرا داخل أسوار « ثكنة » تحصي أنفاسه. كما يريد تخطي محنته اليومية عبر نقل جامعي خاص، يراعي إمكانياته المادية المحدودة ويحفظ كرامته. وأن ينعم بمكتبات جامعية وبلدية مجهزة بأحدث الوسائل التقنية والمراجع الضرورية، تعينه في تعميق أبحاثه وتكوينه المعرفي…
جامعاتنا العمومية تمر بأحلك الظروف، جراء ما يعتريها من اختلالات بنيوية وهيكلية، تنعكس آثارها سلبا على الطالب، وإلا ما كانت لتأتي خارج التصنيف في الترتيب العالمي المنظم مؤخرا حول أفضل 100 جامعة. وبدل الانكباب الجدي على الإصلاح الفعلي، نرى حكومة بنكيران تتنصل من مسؤولياتها التاريخية، وتتجه صوب فتح معاهد وكليات خصوصية ذات مخرجات راقية. ألا يؤدي مثل هذا الاتجاه إلى ضرب مبدأ مجانية التعليم، وخلق المزيد من الفوارق الطبقية، وإشعال الفتن؟ إن الواقع المزري لجامعاتنا، يدعو الدولة بإلحاح إلى ضرورة إيجاد الحلول الناجعة، ويقتضي توفر إرادة سياسية قوية لمعالجته، فالمنحة وحدها لا تخلق مواطنا في مستوى التطلعات ورفع التحديات…
اسماعيل الحلوتي
Aucun commentaire