نسيت أن نفسي ألد أعدائي (2)
وهو في تقديري العقل المشار إليه في (قد أفلح من زكاها ،وقد خاب من دساها ). إن النفس الفاسدة، الأمارة بالسوء تأمر صاحبها بالمنكر، والمعاصي، والقبائح، وتنهاه عن الطاعات،والمكرمات،وتميل به إلى الضلال، وتخرجه من النور إلى الظلمات ، وتستجيب لنزغات الشيطان وإغراءاته، وللهوى وإملاءاته ، ولقرناء السوء و فسادهم وضلالهم ،وللجهل ،والكبر ،والظلم ، والكفر ،والعلو في الأرض بغير حق ، والتسلط على الآخرين ،والتحكم في رقابهم، ولكل العوامل التي من شأنها أن تزين للنفس الأعمال الشريرة ، وتبغض لها الأعمال الخيرة، وتكره لها الإيمان، وتحبب لها الكفر، والفسوق ،والعصيان…فتجدها تتفانى في طلب الشهوات ،والملذات الدنيوية، خاضعة لإغراءات الشيطان، مستمعة لوسوسته ،عاملة بنصائحه ،مصدقة لوعوده … {يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا}( سورة النساء آية120) غير آبهة، لا بحلال ولا بحرام .همها هو إرضاء طلبات الهو الغريزية ، والرغبات الحسية و محاولة إشباعها.فتجر صاحبها إلى الخزي والعار،والويل والثبور في الدنيا ،والندم والحسرة في الآخرة، وتقذف به في نار جهنم. إن معظم الذنوب التي يقع فيها الإنسان، إذا نحن تفحصناها نجدها من النفس الأمارة بالسوء ،لا من الشيطان، باعتبارها عاملا داخليا، أساسيا. أما الشيطان، والعوامل الأخرى، التي سبق ذكرها، ما هي إلا عوامل مساعدة، ثانوية، خارجية، تحفز على فعل الشر عن طريق تزيينه، وتدعوا إليه بواسطة الوسوسة، والإيحاء، وزخرفة القول…. { وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون } ( الأنعام آية 112) .لأن كيد الشيطان كان ضعيفا كما أشار إلى ذلك القرآن الكريم . { الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا } (سورة النساء آية76) . وضعفه بالأساس يكمن في أن الله سبحانه وتعالى جرده، من أي سلطة على الذين آمنوا وهذا باعتراف إبليس لعنه الله ،كما يبدو ذلك جليا و، واضحا في خطبته المسجلة في قوله تعالى { وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتموني من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم }(سورة إبراهيم ىية22){ قال رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين .قال هذا صراط علي مستقيم . إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين.وإن جهنم لموعدهم أجمعين لها سبعة أبواب لكل باب جزء مقسوم } (سورة الحجر آية 28- 44). إن أكبر سلطة يمكن أن تؤثر في بني آدم في تصوري على الأقل. هي السلطة المادية ، والحجة العقلية. وهذه بحمد الله، ولطفه بنا، ومنته علينا. لا يملكها الشيطان اللعين، فهو مجرد من أي سلاح مادي، أو برهان عقلي، أو سلطان حجة. يمكن استعماله لإخضاع الإنسان لوسوسته، وإجباره على طاعته.ولو كان له ذلك لما عبد الله في هذه الدنيا على الإطلاق ،ولدعا اللعين الندية لله سبحانه وتعالى . فالشيطان لا يملك موتا، ولا حياة،ولا بعثا, ولا نشورا. ولا يملك أن يرزق الإنسان المال، ولا البنين ،ولا الطعام ،ولا الشراب ،ولا المرض، ولا الشفاء…كما لا يملك أن يمنعه من ذلك .– بل لا يملك حتى رزقه الخاص به –{ إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه } سورة فاطر 2) . فالله سبحانه وتعالى هو الذي تكفل بتدبير حياة الإنسان المادية ،وقدر في الأرض أقواتها .{وفي السماء رزقكم وما توعدون فورب السماء والأرض إنه لحق مثلما أنكم تنطقون }(الذاريات آية 22 -23 ). { وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين} (هود آية6) .{ والذي هو يطعمني ويسقيني وإذا مرضت فهو يشفيني والذي يميتني ثم يحيين }( الشعراء 79-81) .
بالإضافة إلى افتقاد الشيطان للقوة المادية، والحجة الدامغة، والبرهان القوي، فعلاجه سهل، والقضاء عليه بسيء ومحاربته مضمونة النصر. لأن الله سبحانه وتعالى مكننا من السلاح الذي يفتك به في زمن قياسي ، والمتمثل في قوله تعالى { وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم } (الأعراف 200) وقوله إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون } ( الأعراف 201) وقوله { وقل ربي أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك أن يحضرون } (المؤمنون 97) …
1 Comment
بسم الله الرحمان الرحيم
أشكرك كثيرا يا أستاذ على هذه المقالة الرائعة