Home»Enseignement»محاضرة الدكتور محمد قاسمي في ثانوية السلام التأهيلية بوجدة

محاضرة الدكتور محمد قاسمي في ثانوية السلام التأهيلية بوجدة

0
Shares
PinterestGoogle+

في إطار انفتاح الثانوية التاهيلية السلام بمدينة وجدة على جامعة محمد الأول نظمت لجنة الأنشطة الثقافية محاضرة يوم 17 يناير2008 على الساعة الثانية بعد الزوال ألقها الدكتور محمد قاسمي أستاذ اللغة العربية المتخصص في الببليوغرافيا لفائدة تلاميذ السنة الثانية باكلوريا الشعبة الأدبية ؛ ويندرج هذا النشاط ضمن الأنشطة الموازية الداعمة في مكون دراسة المؤلفات ويتعلق الأمر بقراءة في مؤلف : ظاهرة الشعر الحديث لأحمد المعداوي المجاطي.
افتتح النشاط الأستاذ بنيونس بوشعيب أستاذ اللغة العربية بالمؤسسة مقدما الدكتور محمد قاسمي للحاضرين من خلال ورقة تعريف علمية ومرحبا به. وتولى الأستاذ فريد فاروق أستاذ اللغة العربية بالمؤسسة أيضا تقديم كتاب ظاهرة الشعر الحديث على شاشة إلكترونية من خلال قراءات شعرية؛ وعرض مكثف لمضامينه. وتولى بعد ذلك الدكتور محمد قاسمي تقديم العرض التالي:
القضايا العروضية في كتاب ظاهرة الشعر الحديث لأحمد المعداوي
إضاءات تاريخية لا بد منها :

ـ الإضاة الأولى : أحمد المعداوي / أحمد المجاطي / كبور المطاعي ثلاثة أسماء لمبدع واحد خلف ثلاثة أعمال أدبية لا غير هي :
1

ـ ديوان الفروسية 1987 / 2 ـ أزمة الحداثة في الشعر العربي الحديث 1993 (أطروحة دكتوراه )/ 3 ـ ظاهرة الشعر الحديث 1971 ( رسالة جامعية لنيل دبلوم الدراسات العليا) والعنوان الأصلي للكتاب : ( حركة الشعر الحديث بين النكبة والنكسة (1947/1967) . والكتاب صدر سنة 2002 بعد مرور سبع سنوات على وفاة صاحبه 1996؛ وبعد مرور إحدى وثلاثين سنة علة مناقشته 1971.

ـ الإضاءة الثانية : إضافة إلى أعماله الأدبية السابقة خلف المعداوي جملة مقالات بمجلات محلية وعربية كان يوقعها أحيانا باسمه الصريح ؛ و باسم مستعار هو كبور المطاعي حينا آخر.

ـ الإضاءة الثالثة : كتاب ظاهرة الشعر الحديث متقدم تاريخيا على كتاب أزمة الحداثة في الشعر العربي الحديث رغم صدور هذا الأخير في سنة سابقة عن صدور الكتاب الأول ؛ ومعناه أن الكتاب الثاني تكملة لمشروع المعداوي ؛ وكثير من الآراء لا يمكن الإلمام بها إلا بالرجوع إلى الكتاب الثاني .

ـ الإضاءة الرابعة : استيعاب القضايا العروضية في كتاب ظاهرة الشعر الحديث مشروطة بأمور منها : ( ـ الدراية الكافية بعلم العروض / ـ استحضار المؤلفين معا/ استحضار ثلاثة مؤلفات مهمة هي عمدة المعداوي وهي : قضايا الشعر المعاصر لنازك الملائكة ؛ الشعر العربي المعاصر لعز الدين إسماعيل ؛ قضية الشعر الجديد لمحمد النويهي.)

ـ الإضاءة الخامسة : القضايا العروضية في كتاب المعداوي لا تشكل سوى نصف الفصل الرابع والأخير من الكتاب وهذا الحيز يغطي 24 صفحة تبدأ من الصفحة176 إلى غاية الصفحة 200 ؛ ولكنه حيز كثيف ومتشعب يستدعي توافر الشروط المذكورة لاستيعابه بشكل جيد وكامل. ويتضمن هذا الحيز محورين هما:

أ ) مقدمة يمهد فيها لأسس الشعر العربي الحديث من ناحية الإيقاع ؛ ويلاحظ أنه بالرغم من الأشكال المتطورة التي عرفها الشعر العربي على مستوى اللغة والصورة والأسطورة والرمز ما يزال بعض الشعراء لم يطوروا أشكالهم الموسيقية ويتمسكون بالنظام الخليلي القديم مما جعله يؤكد أن الشعر الحديث ليس ظاهرة عروضية (كما تقول نازك الملائكة) .

ب ) أما الأسس الموسيقية للشعر الجديد فيفرعها إلى قضايا مهمة هي:
ـ القضية الأولى : الأوزان
من المعلوم أن نازك الملائكة بنت تنظيرها للشعر المعاصر على ما يسمى بالبحور الصافية ؛ وهي البحور التي تتشكل من تفعيلة واحدة ؛ ويقابله مصطلح البحور المركبة؛ وقد حددت هذه الأوزان في ثمانية هي : ( الهزج = ( مفاعيلن) / الرجز= ( مستفعلن)/ الرمل = ( فاعلاتن)/ الكامل =( متفاعلن) / الوافر = (مفاعلتن ) / المتقارب = (فعولن ) / المتدارك = ( فاعلن ) .
وقد أضافت إلى هذه الأوزان السبعة وزن السريع = ( مستفعلن مستفعلن مفعولات) قياسا على الوافر ؛ فأصبح عدد الأوزان المسموح بها ثمانية.
أما المعداوي فإنه يقلص العدد إلى ستة بحور في كتابه ظاهرة الشعر الحديث ؛ وإلى سبعة في كتابه أزمة الحداثة . وهو يقول في كتابه الأول : ( نلاحظ أن عدد البحور الشعرية المستخدمة في الشعر الحديث أقل كثيرا مما هو معروف في العروض الخليلي ؛ ذلك أن جل ما كتب من شعر حديث لا يخرج عن ستة بحور يجري كل بحر منها في واحدة من التفعيلات التالية : ( مفاعيلن الهزج /فاعلاتن الرمل/ مستفعلن الرجز/ متفاعلن الكامل / فعولن المتقارب/ فاعلن المتدارك ) . ويقول في كتابه الثاني: ( إن الشاعر الحديث قد تخلى عن الكتابة بجملة هامة من بحور الشعر؛ وحبس نفسه في سبعة أبحر بعد ستة عشر بحرا كانت متاحة للشاعر التقليدي ).

ولا نفهم كيف تجاوز المعداوي في كتابه الأول وزنين هما الوافر والسريع ؛ وتجاوز وزنا ثامنا لم يكشف عنه لعله السريع كما سنبين لاحقا.
والفرق بين رأي نازك والمعداوي إضافة إلى اختلاف العدد المسموح به في الأوزان هو أن هذه الأخيرة منعت بشكل قطعي أن ينظم الشاعر المعاصر على الأوزان المركبة . أما المعداوي وإن كان لا يحظر هذه الإمكانية مباشرة أي إمكانية النظم على البحور المركبة فإنه يشير إلى انسداد أفق من حاولوا تجربة الأوزان المركبة في الشعر المعاصر كما فعل بدر شاكر السياب حين جرب وزني الطويل والبسيط على بعض قصائد ديوان ( شناشيل ابنة الجلبي) لذلك ترى المعداوي يقوم التجربة قائلا : ( فقد سبق أن أشرنا في مطلع هذا الموضوع إلى أن من الشعراء من دأبوا على تطعيم قصائدهم الطويلة خاصة بمقاطع كاملة يجرونها على أحد الأبحر التقليدية دون أن يمنعهم ذلك من أن يوفروا لهذه المقاطع سائر عناصر الحداثة الأخرى ؛ بل لقد انصرف بعضهم إلى الأبحر المختلطة في محاولة لتفتيت وحدة البيت فبدا واضحا أن حرية الشاعر وقدرته على الحركة محدودتان ؛ وأن التجربة لم تبتعد كثيرا عن الإطار الموسيقي التقليدي للبحرين الطويل والبسيط.

وإذا كان السياب يمثل نموذج الشاعر الذي لم يوفق في تشكيل شعر معاصر على الأوزان المركبة فإن أدونيس في نظر المعداوي استطاع أن يمارس حريته في كسر وحدة الشطر ووحدة البيت ذي التفعيلتين المختلفتين ( فاعلاتن + مستفعلن) وأن يتصرف فيها كما لو أنهما تفعيلة واحدة.
ونجاح أدونيس في تجربة الأوزان المركبة جعلت المعداوي يناقض رأي عز الدين إسماعيل الذي لم يرفض خذه التجربة صراحة ولكنه علق : ( الشاعر المعاصر يستطيع أن يستخدم الأوزان القديمة المتنوعة التفعيلة كاستخدامه الأوزان الموحدة التفعيلات ؛ ولكنه في الحالة الأولى لا يمارس حريته كاملة كما يمارسها في الحالة الثانية .

وإذا استطاع الشاعر أن يطوع الوزن المركب كما فعل أدونيس فإن ذلك لا يكفي ليحقق لشعره تنغيما يبعده عن الملل ؛ بل لا بد له من تقنيات عروضية أخرى منها:
ـ القضية الثانية : التنويع في الزحافات
لاحظ المعداوي أن الشعراء قديما كانوا يتمسكون بالقوانين الصارمة للزحافات ولا يكثرون منها ؛ فانتبه الشعراء المعاصرون إلى أن تكرار التفعيلة بشكل متواتر يؤدي إلى الرتابة والملل ؛ فحاولوا أن يكسروا هذه الرتابة بتنويع الزحافات . يقول المعداوي : ( هكذا استطاع الشاعر أن يستخدم ايقاعين اثنين دون أن يلجأ إلى البحور ذات التفعيلات المختلطة ؛ ولا شك في أنه فتن بهذا النوع من التلوين الإيقاعي فأكثر من الزحاف إلى حد أن معظم الدارسين لعروض الشعر الحديث قد التفتوا إلى هذه الظاهرة وخصوها بعنايتهم غير أن أحدا منهم لم ينتبه إلى العلاقة القائمة بين إكثار الشعراء المحدثين من الزحاف وبين اقتصار حركة الشعر الحديث على الأبحر الصافية التي تعتمد على التفعيلة الواحدة ).
ـ القضية الثالثة : وحدة الضرب / تنويع الأضرب

مصطلحان مرتبطان بالتفعيلة الأخيرة من السطر الشعري ؛ وقد بنى المعداوي رأيه على طرفي نقيض لرأي نازك التي ألزمت الشاعر المعاصر بوحدة الضرب؛ كما كان الشاعر القديم ملزما بوحدة العروض ؛ وعد تنويع الأعاريض عيبا سمي التحريد. يقول المعداوي : ( غير أن الشاعر الحديث لم يقم وزنا لهذا الذي عدوه عيبا ؛ بل لقد استأنس بما يوفره لأبياته من تنويع في الإيقاع وتلوين في النغم ).
ـ القضية الرابعة : ( مستفعلان ) / فاعلن في ضرب الرجز

يشير المعداوي إلى مسألتين عروضيتين أقحمهما إقحاما في المحور الخاص بتنويع الأضرب أو وحدتها هي الإتيان بتفعيلة ( مستفعلان ) في ضرب الرجز ؛ وكذا تفعيلة ( فاعلن) في ضري الرجز أيضا. والأصل في ضرب الرجز أن يصيبه القطع فقط فتصبح التفعيلة ( مفعولن) ؛ ولكن النويهي ونازك وجدا أن كثيرا من الشعراء وهم يحاولون التنويع من الزحافات لتحقيق ذلك التناغم الذي تحدث عنه المعداوي خرجوا عن القواعد المسموح بها في العروض العربي ومنه(مستفعلان ) في ضرب الرجز ؛ فقبله النويهي واستثقلته نازك قائلة : ( يقع بعض الذين ينظمون قصائد من بحر الرجز في خطأ شنيع هو أنهم يوردون التفعيلة ( مستفعلان ) في ضربه ولا يقع هذا في الشعر العربي قط لأن الأذن تمجه). وتفسر نازك سبب وقوع الشعراء المعاصرين في خذا الخطأ الشنيع قائلة : ( لعل التعليل الوحيد له هو أن الشاعر الناشىء سمع أن في الشعر الحر حرية فظن أن معنى تلك الحرية أن يخرج على العروض وقواعده ).
أما المعداوي فإنه ينتصر لرأي النويهي رغم أنه يعلن عدم خوضه في مثل هذه المناقشة فيقول : ( إن إقدام الشاعر على مخالفة العروضيين باستخدام (مستفعلان) في ضرب الرجز يدخل في إطار رغبته في تنويع الإيقاع في البحور الصافية حتى لا تتوارد كل تفعيلاتها على وتيرة واحدة ).
أما تغيير ( مستفعلن ) لتصبح ( فاعلن ) في ضرب الرجز فإنها تؤدي بالشاعر إلى المزج بين وزنين هما الرجز والسريع الذي لم يدرجه المعداوي ضمن الأوزان الصافية. ونفهم الآن ذلك الإقصاء بأنه دعوة إلى إدماجهما واعتبارهما وزنا واحدا ؛ ويتأكد هذا الفهم حين يعلن صراحة بهذا قائلا : ( وحتى مزجه بين البحر الرجز والبحر السريع يمكن اعتباره التفاتة ذكية تضع حدا لما نستشعره جميعا من تعسف العروضيين في الفصل بين هذين البحرين اللذين رأينا مبلغ ما

بينهما من شبه ).
ـ القضية الخامسة: فاعل في حشو الخبب:

المعروف أن تفعيلة الخبب ( فعلن ) ليست إلا زحافا يعتري تفعيلة المتدارك الأصلية ( فاعلن ) وبتكرار ( فعلن ) هذه ينشأ وزن الخبب أو ركض الخيل كما يسمونه أحيانا. ثم جاء العصر الحديث فإذا نحن تقول نازك نحدث تنويعا جديدا لم يقع فيه أسلافنا ذلك أننا نحول ( فعلن ) إلى ( فاعل) . وليس في الشعراء فيما أعلم من يرتكب هذا سواي ؛ بدأت فيه منذ أو ل قصيدة حرة كتبتها سنة 1947 ومضيت فيه حتى الآن . هذا مثلا مطلع قصيدتي ( لعنة الزمن) من الخبب.
وتقر نازك بأنها وقعت في الخروج عن القاعدة العروضية من غير تعمد. تقول: (إن فاعل قد تسربت على تفعيلاتي الخببية وأنا غافلة .والحق أن قليلا من التأمل في التفعيلتين فعلن وفاعل لا بد أن يقودنا إلى أنهما متساويان من ناحية الزمن تساويا تاما لأن طولهما واحد. ورأيي أن إقرار ذلك في بحر الخبب يضيف سعة وليونة إلى هذا البحر. والرأي الأخير لأغلبية العروضيين والشعراء المتمكنين في الوطن العربي.
يستجيب عز الدين إسماعيل لنداء نازك مجوزا ما ابتدعته من تفعيلة جديدة : ( إن العروض القديم لا يمكن أن يسعفنا بما يبرر استخدام ( فاعل ) في حشو الخبب ؛ ولكن هذا لا يمكن أن يكون سيفا مسلطا على تجارب الشعراء الجديدة ؛ فقد أعلن الرأي العام تقبله لهذه التفعيلة الطارئة على وزن الخبب بعد أن تفشت في قصائد كثيرة من الشعر المعاصر الجديد.)

ويقول النويهي مجيزا وملبيا نداء نازك : ( نبادر فنؤكد للشاعرة إذا جاز لنا أن نجز بأنفسنا بين من تسميهم العروضيين المحدثين أننا لا نعترض على ما فعلت بل نقبله قبولا تاما ).
وأما المعداوي فإن له تفسيرا آخر يتماشى مع المرونة التي يمنحها للشاعر المعاصر ؛ وهي أن هذه الابتكارات جاءت نتيجة رغبة الشاعر في تكسير حدة التفعيلة في البحور الصافية وتنويع إيقاعها بالقدر الذي يغنيه عن الرجوع إلى البحور المركبة . وإذا كان رأي المعداوي يبدو مهادنا من خلال رأيه السابق ؛ فإنه يعود في كتابه الثاني ليناقش المسألة من عدة وجوه وبشكل تطبعه الصرامة والحدة:

ـ أولا القول إن الأذن العربية المدربة هي التي هدت نازك إلى ابتكار فاعل في حشو الخبب مردود أن التسليم بذلك يعني أن الأذن العربية للسيدة نازك هي أذن مثالية لم يتقدم لها نظير من الجاهلية حتى الآن.

ـ ثانيا: صحة هذه الدعوى ( الأذن العربية المدربة ) تضع نازك أمام مسؤولية قومية كبرى تتمثل في واجب استخدام هذه الأذن السحرية من أجل تطوير جميع البحور لا أن تقف بالتطوير عند بحر واحد هو الخبب.

ـ ثالثا : الحجة التي تقدمها نازك بكون ( فاعل) تساوي = ( فعلن ) لأن كلا منهما هي عكس الأخرى مردود عليها لأن ثمة كثيرا من التفاعيل يصدق عليها ما يصدق على تفعيلتي فاعل وفعلن.

ـ رابعا : لا صحة لما زعمته نازك من أن استخدام فاعل في حشو الخبب يزيد إيقاع البحر سعة وليونة.
إحالة المسألة على جمهور الشعراء والنقاد لقبول هذه المسألة أو رفضها خاصة أنها موجودة في شعر أدونيس لا يمنع من إقرار المعداوي بأن أدونيس ليس حجة في الموضوع لأنه لم يترك بابا من أبواب الخرق العروضي إلا طرقه في سنوات التجريب الأولى.

ـ القضية السادسة : التفاعيل الخماسية والتساعية :
تعتبر نازك أن الشاعر حر في اختيار عدد تفاعيله باستثناء عددي خمسة وتسعة ؛ تقول : عن الرقم الأول : ( ننبه أولا إلى أن الشعر العربي في مختلف عصوره لم يعرف التفعيلات الخمس ؛ وإنما كان الشطر يتألف إما من تفعيلتين كما في الهزج والمجتث والمضارع ؛ أو من ثلاث كما في الرجز والرمل والكامل ؛ أو من أربع كما في الطويل والبسيط والمتقارب والخبب ؛ وعند هذا وقف الشاعر فلم نقرأ له أشطر ذات خمس تفعيلات إطلاقا ).
وأما استثناء رقم تسعة من حرية الشاعر في اختيار عدد تفاعيله فرده في نظرها إلى أمرين أولهما أن العرب لم يكتبوا شطرا مدورا أطول من ثماني تفعيلات؛ وثانيهما أن الرقم تسعة هو نفسه ثقيل الوقع في السمع كالرقم خمسة تماما.

لا يرد في كتاب المعداوي عنوان خاص يشير إلى هذه القضية التي ناقشها كثير من الدارسين أمثال عز الدين إسماعيل ومحمد النويهي اللذين رفضا هذا الحظر. وترد بعض الإشارات في عنوان آخر اختار له المعداوي مسألة التدوير التي لاعلاقة لها بالتفاعيل الخماسية والتساعية كما سنرى.
ـ الإشارة الأولى تعلن حملة نازك على الشعراء وردود الجمهور على هذه الحملة:
ولقد حملت نازك على الشعراء المحدثين لتمسكهم بالتفعيلة الخماسية والتساعية بحجة أنهما لم تردا في الشعر العربي وأن الرقم خمسة في حد ذاته شنيع كالرقم تسعة تماما ولكن جمهور النقاد قد أنكروا عليها هذا الرأي ؛ وأكدوا حق الشاعر في التعبير عن مشاعره وأفكاره بالقدر الذي يراه مناسبا من التفعيلات.

ـ الإشارة الثانية تعلن انتصاره للجمهور قائلا: ( ولا ريب في أن الحق مع الجمهور لأنه أدخل في حسابه أن المتحكم في طول البيت الشعري وقصره هو طول الدفقة الشعورية أو قصرها دون التفات إلى علاقتهم العاطفية مع الرقمين خمسة وتسعة )

ـ الإشارة الثالثة موقفه من قضية التفاعيل الخماسية والتساعية دون الدخول في التفاصيل قائلا : ( سبق أن أشرنا إلى أن عدد التفعيلات في البيت الشعري الواحد غير محدود ولا ضابط له سوى النسق الشعوري والفكري والخيالي الذي يختلف من قصيدة إلى أخرى ).

ـ الإشارة الرابعة تشير إلى التناقض الصارخ الذي وقعت فيه نازك وهي تستعمل في شعرها تفاعيل خماسية . يقول المعداوي عن أبيات من قصيدة ( طريق العودة) : ( لاحظ أنها استعملت خمس تفعيلات في البيت الذي استشهدنا به منذ قليل ).

والذي لم يطالع كتاب ظاهرة الشعر المعاصر لنازك الملائكة يخال أن المعداوي راح ينقب في أشعارها ليقف عند تناقضها الصارخ بين ما تبدعه وما تحظره على الشعراء؛ ولكن الحقيقة أن نازك تعترف في كتابها ومن تلقاء نفسها بهذا التناقض قائلة : ( نبه أكثر من أديب إلى أنني أنا نفسي أستعمل التشكيلات الخماسية في شعري ؛ وقد أدهشني هذا فرجعت إلى قصائدي فإذا الأمر صحيح ؛ ومن ثم فإن الظاهر أنني مجزأة إلى جانبين : جانب مني ذهني يرفض كل تشكيلة خماسية رفضا كاملا ؛ وجانب مني سمعي يتقبلها ولا يرى فيها ضيرا ؛ أو لنقل أن الناقدة في ترفض ؛ والشاعرة تتقبل ).
ـ القضية السابعة: التدوير

التدوير في الشعر القديم هو اشتراك شطرين في كلمة واحدة؛ أما التدوير في الشعر المعاصر فهو اشتراك سطرين في تفعيلة واحدة. وانسجاما مع تحقيق وحدة الضرب الذي نادت به نازك واعتبرته لازما حظرت على الشعراء اللجوء إلى التدوير أي إلى تقسيم التفعيلة لأن هذه العملية تخل بوحدة الضرب الضرورية؛ كما أن الشاعر ليس مضطرا إلى التدوير ما دامت له الحرية في اختيار عدد تفاعيله.

ويقف المعداوي إلى جانب نازك بخصوص هذه القضية ضدا على رأي النويهي الذي اعتبر التدوير في الشعر الحديث أقرب إلى التضمين مع اختلاف طفيف معها. يقول المعداوي : ( يكون ما ذهبت إليه نازك من امتناع التدوير في الشعر الحديث تاما أمرا صحيحا بالنسبة للبيت ؛ أما بالنسبة للجملة الموسيقية فهو غير صحيح ؛ لأن الجملة قد تمتد أحيانا حتى تتجاوز الخمس عشرة تفعيلة ولا يعقل أن تمتد جملة موسيقية حتى تضم هذا القدر من التفعيلات دون أن يقع فيها تدوير).
ولتفسير هذا المعنى لا بد من فهم بعض المصطلحات مثل البيت الشعري ؛ والجملة الشعرية وهي تحضر في كتابه ( أزمة الحداثة في الشعر العربي الحديث) حيث يقول : ( وانطلاقا مما تقدمت الإشارة إليه من أن السطر الشعري قد يصل إلى اثنتي عشرة تفعيلة ؛ فإن الجملة الشعرية القصيرة تبدأ من ثلاث عشرة تفعيلة إلى حدود الست عشرة تفعيلة ؛ وما زاد على ذلك يعتبر جملة شعرية طويلة ).
ـ القضية الثامنة: القافية

تفتيت نظام البيت واعتماد نظام التفاعيل اللامتناهية جعل الشعر المعاصر يتميز من ناحية القوافي بخصائص تختلف عن الشعر القديم الذي كان أساس قافيته حروف الروي. ومن أبرز هذه الخصائص أن الشاعر المعاصر أصبح ينظر إلى القافية بصفتها نظاما إيقاعيا يعتمد على عدة أحرف وليس على حرف واحد وهو الروي الذي كان يعتبر ضوءا أحمر ينبغي الوقوف عنده. لجوء الشعراء إلى قافية ذات نبر بارز يعوض القافية المعهودة في آخر كل بيت. ضرورة الإشارة إلى أماكن الوقف بعلامات الترقيم . ولعل الدعوة إلى قافية ذات نبر بارز مع الإشارة إلى علامات الترقيم تشير إلى خاصيتي الشعر الخطية والإلقاء. تصحيح بعض المفاهيم التي تخطيء الشعراء من ناحية القافية؛ وابرز مثال على ذلك قول فدوى طوقان: كانت سرابا في سراب
مستفعلن مستفعلان
كانت بلا لون بلا مذاق
مستفعلن مستفعلن فعول

وخطأت نازك فدوى واعتبرت بأن سطريها يتضمنان خطأ في القافية قائلة : ( إن ضرب الشطر الأول ليس هي كلمة ( سراب) كما تتوهم فدوى؛ وإنما هو كونها (با في سراب) التي تساوي التفعيلة ( مستفعلان ) ؛ وأما ضرب الشطر الثاني فهي كلمة ( مذاق ) وحدها لأنها تفعيلة كاملة ).
ويتمسك المعداوي بمفهومه التقليدي للقافية التي تجعلها من آخر ساكن إلى أول ساكن يليه مع الحرف الذي قبله ؛ فيعترض على نازك ولا يجد في شعر فدوى خطأ لأن قافية السطر الأول حسب القاعدة هي كلمة ( راب)وكلمة ( ذاق ) في السطر الثاني وهما متساويتان. ويعزو المعداوي وقوع نازك في هذا الخطأ إلى خلطها بين مفهوم القافية ومفهوم الضرب. ويكرر المعداوي الفكرة نفسها في كتابه أزمة الحداثة بشيء من التدقيق معتبرا أن اختلاف الأضرب مسألة مرتبطة بالقافية ليقول إن الأصل في أضرب القصيدة الواحدة هو الثبات ؛ أي أن يلتزم الشاعر بأحد تحولات التفعيلة من أول القصيدة إلى آخرها ؛ وقد لاحظت نازك أن الشعراء المحدثين لم يتقيدوا بهذه القاعدة فعابت عليهم ذلك بما يفيد أنهم أول من خرج على سنة الثبات في هذا الشأن ؛ والحقيقة هي أن الشاعر عندما تخلص من وحدة حرف الروي باستخدام القافية المرسلة ؛ أي الخالية من الروي لم يعد بإمكانه أن يتقيد بشيء فيما يخص السطر الشعري.
تقويم عام:

يعتبر الكتاب من الناحية التاريخية عملا رائدا في مجال الدراسة الإيقاعية في المغرب؛ لذلك ألفينا نجيب العوفي مقدم الكتاب يقول : ( كانت أول دراسة مغربية تقارب الشعر العربي الحديث وتضعه على محك البحث والدرس).
كتاب ينبغي أن يوضع في إطاره التاريخي الذي بيناه سلفا حتى نتبين قيمته الفعلية.فقد مرت على إنجازه أربعة عقود كاملة ؛ ولم تكن حينها الدراسات العربية المهتمة بإيقاع الشعر العربي تتعدى أصابع اليد الواحدة ؛ لذلك لا ينبغي تقويمه بالمعايير الآنية ؛ وإلا اعتبر كتابا متجاوزا نظرا لتقادم قضاياه.
تستدعي قراءة الكتاب ضرورة استحضار مرجعياته النقدية المتامثلة في ثلاثة مؤلفات نقدية هي : ظاهرة الشعر المعاصر لنازك الملائكة / الشعر العربي المعاصر لعز الدين إسماعيل / قضية الشعر الجديد لمحمد النويهي . يمثل الأول واجهة المناقشة باعتباره كتابا تنظيريا ؛ ويمثل الآخران سند المعداوي وعمدته ومتكأه في هذه المناقشة.

تستدعي قراءة الكتاب استحضار مؤلف المعداوي الثاني أزمة الحداثة في الشعر العربي الحديث لفهم بعض القضايا لأن الكتاب الثاني يكمل الأول ؛ وهو الأمر الذي يجعلنا أمام باحث كان له مشروعه النقدي.مشروع نقدي أنجز من خلاله مؤلفين هما في الأصل بحثان جامعيان ؛ الأول رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا ؛ والثاني أطروحة لنيل دكتوراه الدولة ؛ الأمر الذي يعطي لمؤلفيه طابع الأبحاث العلمية الأكاديمية.
يفتقر الكتاب في طبعته إلى مقدمة المؤلف التي من المفترض أن تشكل عناصرها مفاتيح للبحث؛ وقد عوض هذا الغياب بمقدمة غيرية دبجتها أنامل نجيب العوفي صديق المرحوم المعداوي؛ قدم للقارىء من خلالها كل ما يمكن أن يساعد على فهم ظروف نشر الكتاب أو زمن كتابته.
قد نجد لغياب مقدمة المؤلف عن الكتاب في طبعته الأولى وتعويضها بمقدمة غيرية تفسيرا موضوعيا هو غياب المؤلف المتوفى إذ نشر الكتاب بعد وفاته ؛ وقد لا تكون المقدمة التي وضعها المرحوم المعداوي لرسالته مناسبة لمؤلف قرر لتلاميذ التعليم الثانوي التأهيلي نظرا لخصوصية مقدمات الرسائل والأطاريح الجامعية التي تكون في الغالب طويلة ومفصلة وصارمة.
لا نجد تفسيرا لغياب المقدمة الغيرية التي وضعها الناقد نجيب العوفي عن الطبعة الثانية ؛ وهي الطبعة المتداولة لدى التلاميذ والأساتذة على حد سواء إلا إذا كان حضورها في الكتاب زيادة في تكلفته.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

5 Comments

  1. استاذ
    24/01/2008 at 21:55

    لعلم السيد الشركي فان الاستاذ بوشعيب بنيونس لم يبق مدرسا بثانوية السلام التاهيلية بل انه يدرس بالمركز التربوي الجهوي بوجدة وشكرا على تغطيتكم

  2. nada
    24/01/2008 at 21:55

    ana isstafat bazaf min mohadarat dr med 9aiisimi li 9adamhana f lycce salam w ana tilmidat tilka lmoassassa li naftakhar biha w b bosstadna l fadel farouq w osstad boush3ayab w nabri nashkorhom 3la had nadwa li kanat fal motanawal talamid w shokran

  3. محمد
    29/01/2008 at 14:30

    كنت أتمنى من أول تعليق على النشاط الثقافي الذي نظمته ثانوية السلام التأهيلية أن يتناول جوهر الموضوع ، ولكن يتبين أن هواية هذا الأستاذ هي تتبع أية هفوة يمكن أن يقع فيها الأستاذ شركي
    لذا فليكن في علم صاحب التعليق أن الأستاذ الفاضل بوشعيب كلف السنة الماضية بالتدريس بالمركز التربوي ، ولقد عاد إلى مزاولة عمله بثانوية السلام خلال الموسم الدراسي الحالي …لذا أطلب من هذا الأستاذ الفاضل – صاحب التعليق الأول – أن يفيدنا بشيئ يغني هذا الموضوع الذي تناوله الدكتور قاسمي وأن يريحنا من هذا النوع من التعاليق. ولا يفوتني أن أشكر الأستاذ شركي الذي قام بهاته التغطية حتى يستفيد تلاميذ المؤسسات التأهيلية الأخرى من هذا الموضوع، خصوصا وهو مرتبط بمقرر السنة الثانية آداب وعلوم إنسانية …

  4. محمد شركي
    29/01/2008 at 14:30

    لعلم الأستاذ الفاضل أن الأستاذ بوشعيب بنيونس قد عاد من جديد إلى الثانوية التأهيلية السلام ولم يبق بالمركز كما أخبرني هو نفسه يوم ألقيت هذه المحاضرة وشكرا على التعليق

  5. متتبع
    29/01/2008 at 14:30

    الأستاذ محمد الاشركي غير مخطئ حين قال إن الأستاذ بنيونس بوشعيب يعمل بثانوية السلام التأهيلية ، والأجدر بك يا أستاذ أن تتدخل في موضوع المحاضرة بإبداء ملاحظاتك بهدف إغنائها والمساهمة في تنوير عقول ناشئتنا .

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *