Home»Régional»صور من الزمن الممسوخ

صور من الزمن الممسوخ

0
Shares
PinterestGoogle+

آه منك يا زمن التفاهات ، وتغير المناخات ،فيك العجب وأنت السبب في ابتلاء الإنسان بداء الكلب ،غض الطرف عن الأدب وانساق لاهثا وراء النقد والذهب

المثقف في المقاهي يجتمع بزملائه يشكلون حلقات ،مرافقهم على الطاولات ،عليها قهوات سوداوات ،يملؤون الشبكات ،زاجين بوقتهم الغالي في المتاهات ،التي لا تجديهم بمنفعات ،وهم ينفقون دريهمات في أندية الأنترنيت محاولين خلق علاقات وهمية مع عاهرات أجنبيات ، يراودهم الحلم في مدينتهم الفاضلة متمنين الزواج من غربيات مسيحيات ليشتروا السيارات الرفيعات ،ويسكنون الفيـلات على مستوى الأوهام والتصورات

آه منك يا زمن الاختراعات ،وفكاك المعضلات ،فيك سقطت الإمبراطوريات ،وانهارت القيم والمبادئ والأخلاقيات ،فهيمنت الماديات على الروحيات المرأة أصلا أرض الحياة والحياء ، انساقت وراء الملذات فسلبتها المغريات ،تجري وراء تجدد الموضات ،وتنويع أشكال الحلاقات ،وطلي المرهمات متلهفة لحضور الأمسيات والمناسبات والحفلات لتهـز خـاصرتها ،وتظهر نهدها ،ناشرة خيوطها ومترقبة وقوع غريمها في أحابيلها ،وإن فشلت في مهمتها فالويل ثم الويل لها لأن مصيرها أخذ المكان في الطوابير المخصصة ـ للعانسات ـ

آه يا زمن السرعة والوباء ،غاضت السحابة في السماء ،وأصبحت قطرة الماء في شدة وخفاء ،انكسر الزرع وعجز عن النماء ،وانقلبت الأشياء واختلطت الأنواء والأزياء :هجر الفلاح أرضه ،وفارق أصله وأحبته وأهله ،وجفا كنهه وصلبه توقا في إصلاح الحال والتمدن ،ولبس الحرير والقطن والتزين ،فاحترف السوق السوداء ،وعطل كل نماء فساهم في خلق أزمة البناء والبنــاء وتكالب على تجارة الحشيش والقرص المسكر ، سعيا وراء الربح الوفير في وقت قصير ، يتعاطى للنبيذ والكأس ،ويدوس رقاب الناس ،فهيمن عليه الوسواس الخناس .تراه يتسابق مع أقرانه من أبناء قبيلته على امتلاك العمارات الضخمة ،والسيارات الفخمة ،واكتساب السلطة والجاه والعظمة ،فبئس مصير هذه الشرذمة ،التي أوعدها الله تعالى بالخلود في النار الحطمة.

آه منك يا زمن العبث والسيبة ،والتظاهر بالهندام والحقيبة ،لا حياء ولا ريبة ولا هيبة : الشاب يعشق الهجرة ،أملا في العيش في ديار الغربة ،تنقله قوارب الهجرة نحو النهاية المنتظرة ،تحايلا منه على رفض السلطة تسليمه الجواز والتأشيرة ،بحكم وسخ السيرة ،فاحترف بيع السجائر في ركن من أركان الحارة الذي يؤمة المارة ،مآربهم مختلفة وسماتهم متمايزة : صنف يبحث عن قوت يومه وستر شرفه وعرضه ،وضمان مستقبل أولاده ، وصنف يلهث وراء النشوة والشهوة،سماه على محياه: ما تعلم من الغرب إلا حلاقة الشعر ،وارتداء البنطلون المقصر ،والحذاء الأنثوي المقعـر , يضع في عنقه سلسلة من ذهب أو من عجب ا وفي أذنيه سماعة يابانية الصنع ،تضر بالدماغ وبالسمع ، استهوته الأغنية الغربية بإيقاعاتها الغريبة المبهمة والصاخبة المدوية ، فنسي أنه يسير إلى الهاوية. والطفل في الشوارع ،نبذ المدرسة وعشق كل أنواع الصنائع ،لا توقفه قوانين أو موانع ، في المقاهي يبيع السجائر ،وفي سوق الخضر أو الملابس ينتشل الجيوب والمحافظ ،وقد يعرض على المارة والمشترين بعض "الشكاير" أملا في تجميع بعض الفرينكات والدراهم، وقد يحمل صندوقا من خشب ،يعبر به كل شارع ودرب ، ويجري في كل حدب وصوب ، يجد زبناءه في المقاهي ، من عشاق الكراسي ،يطلب منهم مسح الحذاء بدرهم ، فمنهم من يرفض الرد عليه أو يتمتم ، ومنهم من يسب ويشتم ، وقليل منهم من يقبل طلبه ويتفهم .

آه منك يا زمن الرذائل ،استفحلت فيك المصائب والمسائل ، وكثرت فيك الأسواق والمزابل ، وانكمش فيك الرجال الفطاحل ، الذين إن رأوا منكرا حاربوه ، وإن سألهم سائل أعطوه وساعدوه ما حرموه ، .

آه لو توقفت عجلتك يا زمن الأعاجيب ،وقلبنا صفحات التاريخ القريب ،لألفينا كل عنصر في الطبيعة عــاد وعجيب ، فيه رونق ودبيب ، تستلذ منه حلاوة الزبيب وصفاء الحليب . الطبيعة بساتين وحقول ،تزهو بتعاقب وتناغم الفصول ، الرجال تصول وتجول ،تزأر كالأسد وتصول ،وتناضل باستماتة لأجل طرد مستعمر غاشم غير مقبول

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

4 Comments

  1. عبد العزيز قريش
    15/01/2008 at 00:38

    أخي وزميلي وأستاذي الفاضل عبد المجيد بناحمد وصفك يجلي حقيقة إنسان لا زمان، فالزمن هنا كناية لإنسان لا حقيقة لزمان، ومن تم فعشقي لهذه الكلمة الشمعة عشق وعي بالرذائل في إنسان موجود بلا وجود.تحية مشفوعة بالدعاء لكم بالصحة والعافية. والسلام

  2. اقباش /س.أ.غ
    16/01/2008 at 00:12

    أشكر الأستاذ على توصيفه الواقعي لأوضاع الإنسان في هذا الزمن الرديء،ولكنني أجدني مضطرا
    لإبداء ملاحظتين اثنتين:
    الأولى شكلية تتعلق بالقفز في مقامات السجع التي طاوعت مخيلتكم ،بحيث يرتبك القارئ كائنا ما كان في مسايرة الحبكة النصية في نطاق مضمونها
    الثانية:اذا كانت الأمور بهذه القتامة من ادانة قاسية للحاضر وتمجيد احتفالي للماضي وتجاهل صريح للمستقبل فالاجدر بنا ان نستعجل رحيلنا عن هذه الدنيا ونطلبها مغادرة طوعية كتلك المعتمدة في الوظيفة العمومية

  3. زيد
    16/01/2008 at 00:12

    نعيب زماننا والعيب فينا//////////وما لزماننا عيب سوانا

  4. معلم
    19/01/2008 at 18:41

    انشر التعليق ياسيد قدوري فهو دراسة نقدية في مقدمة الموضوع . نقد لغوي ومعرفي ومنهجي ويظهر مستوى صاحب المقال الذي انتقد المعلمين . عندما اهانهم نشرت له وعندما كتبت نقدا لما كتب مارست عليه سلطة الحجز والتي تجاوزناها منذ سنوات .

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *