قطع الاعناق ولاقطع الارزاق
بلقاضي محمد
كثيرا ماأتساءل وانا انظر الى بعض الوجوه الشاحبة التي اضناها الفقر وأرهقتها سنوات من النضال المرير بحثا عن لقمة العيش الكريم وقد رُسِمت على جباهها اثار معارك طويلة بين الفقر وكرامة الفقراء ، ماذنب هؤلاء لكي يُمْنعون عن العمل ؟ وما الاثم الكبير الذي اقترفه رب الاسرة هذا ليتم وَأد رزق ابناءه واغتيال حلم بناه لمستقبله ؟ تساؤلات كثيرة اطرحها دون ان اجد لها اجابات مقنعة ، مالذي يدفع البعض لمعاقبة ليلى وترك الذئب ومحاسبة الضحية وترك الجلاد ؟ مالذي يدفع البعض لقطع اللقمة عن أفواه أطفال جياع بدم بارد مثل سفاح محترف يمد يده ليطعن بها برئ دون ان يأبه بصراخه اويتأثر بدموعه وهي تنهال على وجنتيه ؟؟
ان اساتذة سد الخصاص لمثال حي للانسان المكافح المناضل من اجل لقمة العيش الكريم ، بحيث لم يكتفي هؤلاء الشباب بالتمني ورسم المستقبل المزهر في مخيلتهم فقط ، بل شمروا على سواعدهم واخذوا بالاسباب وأقبلوا على خوض معركة الكرامة من اجل الخروج من عتمة القهر والهروب من لسعات الجوع والفقر ، فقبلوا بالعمل في قطاع التعليم الذي كان في امس الحاجة لخدماتهم آنذاك نظرا للخصاص المهول الحاصل في اطر هيئة التدريس ، وذلك بعد اجتيازهم لمباراة نظمتها النيابات الاقليمية تحت اشراف لجان مختصة ، اثبت من خلالها هؤلاء الشباب أحقيتهم وجدارتهم بحمل لقب استاذ واستعدادهم لتحمل مسؤولية التعليم الجسيمة .
كان يعلم هؤلاء الاساتذة كل العلم بأن المهمة التي تنتظرهم ليست بالمهمة السهلة ، وان طريقهم لن يكون مفروشا بالورود لكن عزيمتهم كانت اقوى وطموحهم كان اكبر، فأقبلوا على العمل في مناطق جد نائية بحيث لايوجد ماء ولاكهرباء ولا وسائل نقل ، فدرِس البعض في الخيام والبعض الاخر في براريك هشة آيلة للسقوط كانت بمثابة القسم والمأوى معا ، زاولوا مهامهم دون الاستفادة من الحد الادنى للقوانين المعمول بها في المغرب ( بدون تغطية صحية ولاتأمين وبتعويضات جد هزيلة .. ) ،عانى الكثير من قساوة المناخ وصعوبة التضاريس وانعدام الماء الصالح للشرب ، لكن كل هذا لم ينل من عزيمة هؤلاء الاساتذة شيئا بحيث تحدوا كل الظروف وعملوا بكل تفان واخلاص وفق جداول زمنية تامة مثلهم مثل جميع الاساتذة الرسميين عكس مايدعيه البعض بأنهم أساتذة ساعات اضافية فقط ، ليؤدي هؤلاء الاساتذة مهامهم على أكمل وجه ولديهم تقارير من هيئة التفتيش تثبت كفاءتهم وعطاءهم في هذا الميدان .
لكن وللأسف وبعد كل هذه المعانات والتضحيات الجسام لم يلقى هؤلاء الاساتذة سوى الجحود والنكران ليكون جزاءهم جزاء سنمار، فبجرة قلم وبشكل تعسفي تم الاستغناء عنهم وحرمانهم من عملهم الذي يعتبر مصدر رزقهم الوحيد ، ليجدوا انفسهم مشردين في الشارع هم وعائلاتهم ، تطاردهم نظرات اطفالهم الجوعى الباحثة عن رغيف خبز يسدون به رمقهم ، فكما يقال » الجوع كافر » ومن لم يخبر الجوع يوما أكيد لن يحس بشعور هؤلاء الاساتذة المرير الذين كان ذنبهم الوحيد انهم حلموا كما يحلم الجميع بعمل شريف وعيش هانئ كريم ، فلقد قيل قديما بأن الله يرزق السمك في البحر .. والطير في السماء.. والدود في الصخر الجلمود ، لكن وللأسف هناك من يحاول التدخل ليمنع رحمة الله من ان تنزل على البشر ، فعجبا كيف ينام ويهنأ بال قاطعي الارزاق ؟؟
Aucun commentaire