جرادة : هيآت المجتمع المدني بين الصمت المغرض والانتهازية
كريم وداي
جرادة : هيآت المجتمع المدني بين الصمت المغرض والانتهازية
الدول الديمقراطية التي تحترم شعوبها تعتبر الجمعيات والنقابات من الآليات التي تخلق التوازن في المجتمع ،وتعترف بها كسلطة مضادة يمارس المجتمع من خلالها مهامه ، في الدفاع عن المصالح المادية والمعنوية للطبقات الكادحة والمحرومة ، وفي الحد من سلطة الطبقات السائدة التي تملك وسائل الإنتاج والإكراه .
وتمارس هذه الوسائط أيضا مهام المساءلة والرقابة والتقييم وتعبر متى كانت تطيع واجبها وتؤدي الدور المنوط بها على أحسن وجه ، عن نبض الشارع وتعكس همومه وانشغالاته وأولوياته .
وهي من وسائل المساهمة قي التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، ومراقبة توزيع ثمارها . هذا بالإضافة إلى وقوفها ضد الفساد والاستبداد والشطط .
وقد تزايد الاهتمام بالجمعيات الغير حكومية مند المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان في فيينا يونيو 1993 والذي لعبت فيه دورا هاما .
وبلادنا تسبح ضد التيار ، بحيت تسعى السلطات إلى تحريف دور الجمعيات والنقابات ، رغم أن هذا في غير صالحها بما له من انعكاسات خطيرة على التوازن في المجتمع ، وتستعمل لأجل ذلك مختلف الوسائل كالترغيب والترهيب والمساومة والاختراق والقمع ، من أجل تأبيد السيطرة والضبط المبالغ فيه والمهووس بتغليب الهاجس الأمني ، متجاهلة أن استقلالية هذه الوسائط هي القاعدة وليست استثناء ، وبدونها لا يستقيم البناء المجتمعي والبنيان .
في مدينتنا جرادة لا أبالغ إن قلت أن العمل الجمعوي والنقابي عموما عرفا كسادا ونكوصا كبيرين ، ولم تعد هذه الإطارات سوى وسائل للضغط على المسؤولين محليا من أجل تحقيق مطالب انتهازية ومحدودة ، وآلية من آليات المساومة الرخيصة على حساب الصالح العام الذي تكمن فيه مصالح المدينة والغالبية الساحقة من ساكنتها ، مما سهل احتكار تمار المجهود الجماعي لأبناء جرادة ، وموارد المدينة المنتجة للدخل من طرف حفنة من المضاربين .
ولم تعد مبادئ وأهداف الجمعيات والنقابات وقيمها النبيلة التي هي من القيم الإنسانية ، والقواعد التنظيمية هي الموجهة لعمل مكاتبها ، نظرا لتفشي الانتهازية والوصولية والبيروقراطية ، واختزل نشاطها في أحسن الأحوال في بعض البيانات على قلتها توزع محليا فقط ، وأصبح بعض سماسرة العمل الجمعوي والنقابي المستثيرين والمندسين في هذه التنظيمات ، والذين حققوا مأربهم ومآرب زوجاتهم وذويهم بطرق ملتوية ،أصبحوا هم المرجع لأشباه المناضلين الذين تناسلوا كالفطر ، يتحلقون حولهم كمسترقي الهمس ، في المقاهي ويسرون لبعضهم البعض ما يتقاسمونه من الصفقات أو فتات الصفقات المشبوهة والتي تتخللها أحيانا الدسائس والمكائد ، وتقاسموا فضاء بعض المقاهي ، فأصبحنا نجد كل مقهى بمرجعها أو شيخها ، كمجكوعة مقهى الداخلا ، ومجموعة مقهى النسيم وشيخها ومرجعها …………
وأصدق دليل على ما أقول هو الصمت المطبق الذي فرضته هذه المجموعات وزعماء حلقياتها على الجمعيات والنقابات بالمدينة ، وعدم لجوئها للإعلام كسلطة رابعة للفضح والتعريف بقضايا المدينة وملفاتها التي تعج بها الساحة .
ولم نعد نرى على صفحات الأعلام إلا مبادرات فردية بأسماء أشخاصها على عكس مجموعة من مدن الجهة الشرقية ، باستثناء حركة 20 فبراير .
أليس هذا الصمت المريب الذي عمر طويلا هو جزء من المقابل الذي يدفع نظير ومقابل الأخذ والعطاء(هاك ، ورا) الذي تمارسه الفئات الانتهازية مع السلطة في المدينة في صمت، الله أمر بالستر!!! .، وأصبحت نتيجة ذلك مكتسبات المدينة لا تتعدى سقف ما تجود به التوافقات في الدهاليز ، أما الملفات الكبرى والخروقات التي تتطلب نضالات مريرة فتبقى طي الكتمات والإهمال واللا مبالاة ، وتشكل قاعدة للمساومات . وأصدق دليل على ما أقول هو ماكانت تعج به نيابة التعليم بجرادة من خروقات بقيت في مرحلة كمون ولم تتناولها إعلاميا إلا مبادرات متفرقة شخصية ،وبشكل محتشم، ولم تتكلم عنها النقابات بالشكل المطلوب .
والمشاكل والخروقات والعبث والاعتداءات على الملك العام المتكررة التي عرفتها بلدية جرادة مند سنوات ، ولم تخرج حاليا إلى العموم والإعلام إلا بشكل محتشم و تحت تأثير نزاعات ذات بعد انتخابوي حركها بعض الأشخاص انحيازا إلى جهات معينة ، وفي إطار التعصب لهذا الطرف أو ذاك ، رغم معانات المدينة منها ، وغير هذا كثير ويثقب الأعين كما يقول المثل .
ومن مفارقات هذه الانتهازية العجيبة والتي نسجت خيوطها ، أن رؤس حلقياتها وأذنابهم يحضرون كل احتجاجات المدينة ويتظاهرون بتأطيرها ، شعارات وممارسة ، وهم في الحقيقة حراس يحددون سقفها ، ونجد بعضهم يصورون الاحتجاجات من البداية إلى النهاية ولا نرى أبدا أثر ماصوروه في الإعلام ، ولا يتقاسمونه مع أحد ، إنها أوامر المخزن بالستر والتستر مقابل الأخذ والعطاء من تحت الطاولة .
والغريب في الأمر أن جمعيات حقوقية آلياتها ومواقفها جريئة ويعتبر فضح الخروقات مهما كانت جسيمة ومواجهتها ومآزره ضحاياها من صميم اختصاصاتها ، إلا أن عقدة لسانها لا تفك إلا نادرا ، وعينها لا ترى خروقات المال العام في المجلس البلدي وغيره .
وتعرف بعض الجمعيات الحقوفية أيضا الطريق إلى العمالة والمصالح الإدارية والحوارات والتوافقات ، أكثر من معرفتها لمسلكيات أخرى كالنضال والفضح عبر الإعلام ، والوقفات والحملات ومآزرة الضحايا ولم نعد نرى أثرا للخروقات التي تتعرض لها الساكنة في تقاريرالجمعيا ت وطنيا كسابق عهدها ، والسؤال المطروح هو:
هل مخزن جرادة أصبح لطيفا وظريفا ووديعا كالحمل وتربطه ببعض المناضلين علاقات تجعل الجمعيات الحقوقية محليا لا تقدر المسافة بينها وبين السلطة .
وأخيرا تحياتي لمناضلي ومناضلات جرادة الصامدة ، ولبعض هيآت المجتمع المدني المناضلة بالمدينة ، وأتمنى أن يتعامل مع موضوعي هذا كنقد ذاتي نتدبره جميعا ونتقبله ، كمتواجدين في عمق التجربة وننتقد من داخلها لا من خارجها ، ومن أجل البناء لا الهدم .
كريم وداي
Aucun commentaire