الهدر المدرسي وبنية التسيير اللاعقلاني
الهدر المدرسي وبنية التسيير اللاعقلاني أية كفاءة داخلية للمدرسة العمومية؟ يشكل الهدر المدرسي نزيفا قاتلا للكفاءة الداخلية للمؤسسة التعليمية، وشلا لأدوار المدرسة العمومية تجاه تأهيل الموارد البشرية لرفع تحدي العولمة والمحافظة على الهوية الوطنية وتطوير المشترك الثقافي والحضاري، و تعزيز المناعة الداخلية ضد أشكال الجنوح والضياع والفقد وهدر الطاقة، والاستجابة لحاجيات السوق ومقتضيات قانون العرض والطلب. والمعطيات الإحصائية على ندرتها وصعوبة الحصول عليها تنطق بتواضع المنجز وتعدد المعيقات المثقلة لكاهل النظام التعليمي وكثرة المنتظرات المزمع تحقيقها على أرض الواقع لإخراج المنظومة من عنق الزجاجة. فرغم التقدم الزمني في رزنامة ورش الإصلاح الكبير، ورغم النسب المشجعة في تعميم التمدرس 94 في المائة، ورغم انطلاق ورش المراهنة على الجودة..
.لازالت معدلات التسرب المدرسي عالية في مداخل النظام التعليمي إذ بلغت في المدخل الأول نسبة 11.36 في المائة حسب إحصائية نيابية لسنة2004 ، ووصلت في مرحلة الانتقال من المرحلة الابتدائية إلى الإعدادية نسبة 10 في المائة في طور تعليمي يتعامل مع عينات من الأحداث مرشحة إلى التمهين غير المقنن أو إلى الجنوح والتسول أو إلى الهجرة السرية وفي هذا مس بالأهداف الكبرى لمدونة التعليم وضرب في الصميم لتوجه التعليم الأساسي الذي كان بالأمس خيارا استراتيجيا. والمدخل الثاني لا يقل خطورة إذ ناهزت نسبة الهدر11.03 في المائة وبلغت في مرحلة الانتقال إلى التعليم الثانوي ألتأهيلي 4.45 في المائة في طور تعليمي يستقطب شريحة هامة في النسيج المجتمعي المغربي تشكل حلقة الدفق و الأفق في سلسلة المنظومة التعليمية وموسم باكورة القطف ومرحلة بداية استكمال تأهيل الموارد البشرية الشابة لصناعة أطر المستقبل. وهي مؤشرات سلبية على عدم نجاعة عملية الإصلاح ، وعلى ارتباك مخل بأمن المورد البشري.أما نسبة 9.34 في مرحلة العمليات ودال التحول بين الأطوار فتمثل عقبة كؤود في سبيل التوليف بين أهداف الأسلاك التعليمية على طريق تحقيق التناغم بين بنى النظام التعليمي
. إذا كان الهدر المدرسي يتمظهر في عدة تمظهرات من عيار: الانقطاع عن الدراسة في مرحلة معينة من المسار الدراسي ، التعثر وعدم استكمال التكوين، الفشل الدراسي… فان نقطة التقاطع بين هذه التجليات هي رفع درجة التوتر والزيادة في محرار التنافر بين المتمدرس والمدرسة في ظل منهاج مكتنز يراهن على الكم ويعيد إنتاج نفسه على طريق تحويل التلميذ إلى وعاء للاستقبال بغية تشكيل وعيه حسب مقاس محدد سلفا وانتفاء معظم شروط الترقي الذاتي من طور التحكم في الفعل الديداكتيكي إلى طور تشغيل الفعل البيداغوجي في فضاءات موازية للفضاء المحوري/ القسم مما ينقص من حصص جاذبية المدرسة ويحيلها إلى أداة لإنتاج القهر والعنف الرمزي وفي غياب أي تدبير رشيد لحكامه التواصل الديداكتيكي المتعدد الأبعاد يستبدل استراتيجيات التعليم التفريدي وتشغيل القدرات بالنموذج الديداكتيكي المتمركز حول المتوسط. والمسؤول عن هذا البياض في خطاب التواصل المتداول هي بنية التسيير التي لم تعد قادرة بفعل الترهل على مواكبة المستجدات والانخراط بكفاءة في دال التحول من المركزية إلى اللامركزية واللا تمركز بسبب نقص التأهيل وضعف إرادة الانتقال من إدارة الشأن التعليمي على مستوى الوطني والجهوي إلى صعيد المؤسسة وفق منظور فلسفي يؤمن عملية التحول من العقلانية التي تستند على العقل البشري كإطار مرجعي للمعرفة المطلقة إلى الوضعية التجريبية التي ترد الاعتبار إلى الواقع بمكوناته والى التجربة باعتبارهما مصادر للمعرفة. وبعبارة أكثر وضوحا الاشتغال بآلية التدبير التشاركي المجند لكل الموارد البشرية ، المستثمر لكل الطاقات بعد تأهيلها المعبئ للعقل الجماعي التفاعلي، المفعل للمجالس التقنية ، المتبني لمقاربة التدبير بواسطة النتائج ولمناولةالتوقع والفكر الاستباقي والتخطيط والتقويم
. إن بنية التسيير هي المسؤولة عن ارتفاع معدلات الهدر المدرسي وتنامي ظاهرة الانقطاع والتخلي للاعتبارات التالية: – الصرامة المفرطة وتعقيد المساطر القانونية. – التقاعس عن تحويل المؤسسة التعليمية إلى نقطة جذب واستقطاب من خلال تجميل وتأثيث فضاءاتها بكل ما يحقق التوازن بين إبدال التكوين وإبدال تشغيل الكفايات المكتسبة. – التخلي عن رافعة الدعم المؤسسي بدعوى نضوب المورد المالي والمادي والبشري مما يشوش على عملية التواصل والتلقي لدى شرائح عريضة من الممدرسين فيولد النفور، ويلغي حظوظ الترقي الذاتي في درجات سلم الجودة. – اتخاذ قرارات فردية مصيرية في شؤون تربوية حيوية بمعزل عن إجراء قراءات مسحية ودراسات ميدانية وتقويمات تنبؤية و تشخيصية وتكوينية وإجمالية.
Aucun commentaire