التلفزيون المغربي ليس وطنيا بما يكفي. عزيزباكوش
رياح الشركي المغرقة في البرودة ،والتي جثمت مدة طويلة على جسد مدينة فاس الدافئ، أخذت في التقلص تدريجيا . فبدت سماء ها دكناء، لكن من غيرمطر . لحظات عصبية مرت ، كانت المقهى مملوءة ، وزبناؤها من كل العيارات والأصناف، سماسرة، دجالون ، بياعو الحشيش ، عيون السلطة التي تنام بجانبهم ،تجار طابا بالتقسيط ، أطفال جوالون و انشوطات جنوب شرق آسيا المتدفقة على أرصفة المغرب ، تتدلى على أكتافهم الصغيرة ،و تتراقص بين أصابعهم ،التي لم تلبس القلم ، متسولات أنيقات متحجبات وفق آخر طراز عولمي ، يعبرن ، في اتزان ، فيما تضع أناملهن الرشيقات بطاقات زيارة ،تسرد أوضاعا صعبة ، تطلب المساعدة العاجلة . لحظات ، كان فيها الجدل على أشده, كنا ثلاثة ، وكان الموضوع هو فكاهة رمضان من المسائلة الى الاتهام ، لينزاح النقاش بعد ذلك ، الى محور الإعلام الحزبي ذلك الغائب" والمستقل ذلك العائد بقوة". لحظات ، كنت اعتقد أنني لن اقو على الكلام قط ،من فرط التشفي والنكاية في جرائد الأحزاب و التلفزيون المغربي، والاستخفاف الرائق بقنواته المتناسلة لأب واحد ، توغلت عميقا ،
وقلت : إن سوء الطالع ، والنحس الذي طبع منتوج هذا الأخير ، حوله الى خواء . نعم خواء ورهان مفلس .هاهي أسباب النزول ؟ ما قدم على التلفزيون بخصوص الصحراء و سبتة ومليلية المحتلتين والثغور عبارة عن تهريج وخزعبلات وهذيان مرضي لا يرقى بذهن المشاهد الى المأمول من زرع الوطنية والتشبث بالهوية ، كما تنص على ذلك ثوابت الإعلام في كل البلدان. فسواء تعلق الأمر بالحدث السياسي 7 شتنبر وتداعياته ، والملف الأمني الإرهاب وتمظهراته ،أو الشأن الاقتصادي ، الزيادات المهولة في الأسعار فور إعلان نتائج الاقتراع لسابع شتنبر ، الدخول الاجتماعي المدرسي في تزامن مع الشهر الفضيل .الذي يصرف فيه الناس وكان نعمة الأكل والشرب ستنتهي بانتهائه. وأخيرا، زيارة خوان كارلوس للمدينتين السليبتين سبتة ومليلية ،التي أفاضت الكأس. ثمة ما يسمى تجاوزا ، بمنتوج او بدراما تقدم للكبار، وهي في مستوى عقول الصغار ، وأخرى تقدم للصغار، فلا تفي بالغرض سوى التغزل في ذاكرة الكبار. والنتيجة ، بؤس مفصلي ، وقبح مزمن ، وخواء فاضح . ذلك، أنه ، للحقيقة والتاريخ، الصدق أقول, إن التلفزيون المغربي ليس وطنيا بما يكفي، ليس لان كلمة الصحراء لم يسبق ترويجها كمفهوم فحسب ، ولكن لانعدام الصدق والتهاب المشاعر في الإدراج ، حتى يكاد المرء يجزم انه لا توجد سياسة رسمية جادة بهذا الخصوص ، كل ما هنا لك ، ملفات مصيرية ، ليس من اختصاص احد ،ولا يمكن أن تسند إرادة الشأن فيها الى احد في المستقبل المنظور. لهذه الأسباب فالمنتوج الدرامي على مستوى ترمومتر الهوية ، ليس وطنيا بما يكفي.
اما بخصوص الصحافة الحزبية ، وما جرى لجريدة وطنية ، كان شراؤها يفضي الى السجن ذات مرحلة ، واستنفذ مخزونها ليعاد طبعه ذات مساء بنفس الكمية القاسية ، فقد كنت قلقا , غير راض, متمردا , مستاء غير مقتنع , ولا مستسلم، غير منصاع،ولا منقاد . وعلى نحومن الوضوح , كنت وقحا غاضبا، متقززا، فاتر الهمة، إزاء وضعية إعلامية حزبية استثنائية في ظرف سياسي دقيق ..تجمع كافة الأطياف على نعته بالعهد الجديد ..وهو كذلك.. ما تزال جيوب المقاومة ترغمه على التشبث بتلابيب الاستثناء . الأمر إذن , صاعقة…… لاجدال. سددت إلى زميلي نظرة غاضبة، وقلت بصياح : أعطيني اسم مسلسل مغربي او أي عمل درامي موضوعه سبتة ومليلية ، أتحداك، وأتحداك ، وأتحداك. وتابعت بحماس: نقوم بجرد عام ، ولتكن السنوات العشر الأخيرة مجال بحثنا والتنقيب، لن نترك جنسا ،ولا دراما ، لن نعبث بها ،من السيتيكوم ، الى المسلسلات الى السلسلة ، والكاميرا الخفية ….. فكر مليا علامة على ارتباكه ، وفي لحظة همس : لحظة من فضلك …..الأمر يحتاج الى …تمحيص هززت راسي علامة على عدم الموافقة ومضى يقول: الذين شاهدوا التلفزيون على امتداد التسعينيات وبداية الألفية، لابد أنهم سيصعقون، ، سيضعون أيديهم على قلوبهم خوفا على مستقبل الهوية التاريخية بحق. لكن هل تسمح بطرح سؤال : ثم اوما بعينيه الى مقال بجريدة : هل قرأت ما كتبه صحافي أمس حول مورويس وكريستينوس أمس لا .. لم اقرأه.لم يتسن لي ذلك . الإبداع الرفيع ، يا زميلي ،لا يظهر مطلقا في مناخ تنعدم فيه الحرية. وتابع جادا مستلهما ما دونه احد الزملاء في مقاله اليومي : حتى تلك الأحزاب التي نحكي انتفاخا صولة الأسد، وتصنف نفسها معارضة ، وتقول إنها جاءت في المقدمة ، فيجب أن تخجل.. –تخجل وهي في مقدمة من اختار الشعب "قال وما علاقة الشعب بالأحزاب وبالإعلام ؟ أنها تعكسه ، او يعكسها سيان . الى هنا الأمر ممكن لكن… تأمل الحكمة الآتية ، " الأحجار التي نلقي بها في بئر سحيق دفعة واحدة ، هل تصل خط النهاية دفعة واحدة، وفي زمن واحد؟ خمن، فكر لحظة ثم أجاب : –في بئر سحيق ، –نعم –لا بد أنها تسقط وتصل حجرا بعد الآخر. –جيد والآن هل يحق لحجرة أن تفتخر بأنها وصلت الأولى ، وهي في بئر سحيق وبالتالي ،هل ذلك مدعاة فخر… –أبدا..أبدا مادام الكل في الهاوية.. –افهم من كلامك انك وضعت الكل في سلة واحدة، بما في ذلك أحزاب الأغلبية والمعارضة ….والمقاطعة –شوف تشوف… والتلفزيون أيضا … –معك حق لقد أصبت كبد الحقيقية يارجل.. –أعوذ بالله… "الفرد منا يقول كلمته في حق إعلامنا العمومي الغائب , ويمضي على درب المستقل ، يجتهد، يرسم علامات،يزرع بذورا،وقد تمر فتوات طويلة قبل اختمارها ،لذلك علينا وعليكم الانتظار. حتى لا نجني فاكهتنا حامضة.. -الحلاوة في الحموضة الآن.. – الحامض ..مادة مطلوبة، وغالية في السوق. هذا كلام…. إعلامنا العمومي مريض بالكساح ، ويحتاج الى طبيب نفسي وعناية سريرية مركزة. وصحافته الحزبية بئيسة ، وصحافيوه مارقين ومتخاذلين ، ومؤسساته مغشوشة و تفتقد المصداقية ،ومستقبله حاضر ملتبس ، وانتخاباته مخدومة وعلى قد المقاس ، وحكومته فجة ومهجنة، ومناخه جفاف قاحل ،واقتصاده رهان فاسد ،وقانونه المالي لسنة2008هزيل ،ومناضلوه الذين قضوا ، من اجل الوطن ،تتقاذفهم تجار وكتبة أقلامهم مسمومة ، وحدها الصحافة المستقلة من ينقد ماء الوجه….؟؟؟ ظل الترقب يضنيني، الى حد الانتهاء من حديثه ، حتى أنني قفزت، واقفا ومتسائلا "لماذا أنت جاحد ، وغير متزن ، وقليل الصبر الى هذا الحد ؟ قال بعنفوان: الى ترى كيف أن صحافتنا المكتوبة "اقصد الجرائد المستقلة " تشكل ترمومترا أمينا لهذه الحالة الكئيبة والمزرية ؟ أليست عيون الصحفيين ترصد كل شاذة وفادة، وتنشرها في الحين و اللحظة .؟ شوف تشوف؟؟؟؟؟؟؟ لا.لا. ليس ذاك ما اقصد أنا اقصد .. –ماذا تقصد؟؟ –في تاريخ الصحافة الوطنية كتاب أعمدة وكتاب مميزون — لم اقل العكس. الناس لا يقرؤون الأخبار، إنها موجودة في قنوات أخرى، القراء في العالم كله يرتبطون بكتاب وصحافيين متألقين ، قالها رشيد يوما . — شوف تشوف مثلا أليس كاتبه مميز، انقض على الكلام مثل وحش كاسر : مميز وأكثر …وتابع في حماس ملفت : فالعمود لا يكتبه الأشخاص العاديون، برأي البعض ، بل الكتاب والصحافيون المميزون ذويي التجارب الإنسانية الغنية ، وليس الكتبة المنعدمي التجارب والموهبة، والذين كل موهبتهم هي انتهاز الفرص تحقيق مشاريع في سياق غير مشروع ولا قانوني البتة .. كنت وما أزال أميل الى الاعتقاد، أن انحدار منبر إعلامي سببه خطه التحريري النزق ، وان ارتفاع مبيعات جريدة مستقلة، ونجاح خطها التحريري له ارتباط بكاتب محدد . –افهم من كلامك أن الجريدة يبيعها عمود ليس إلا..والتلفزيون يوجهه نظام ليس إلا.. والجريدة شخص ليس إلا .. — نعم بغير قليل تحفظ.. الم يقل كاتبك المتألق ذات استجواب ، أن الناس لا تهمهم الأخبار ، لأنها في متناول الجميع ، القراء والناس يا زميلي " يرتبطون بصحافي جدير بطموحهم."..هم يقتنون النسخة على وجه كاتبهم المدلل ذاك..وليس لأجل عيون الأخبار التي تقطر من السماء مذرارا كل دقيقة. يتبع عزيز باكوش
Aucun commentaire