جنرالات الجزائري متخوفون من مطالبة المغرب بصحرائه الشرقية
إدريس ولد القابلة
بعد رفض الجزائر فتح الحدود مع المغرب
تعتبر إشكالية الحدود الشرقية بين المغرب والجزائر من القضايا التي ظلت قائمة منذ اندلاع مشكل الصحراء، إلا أنها، بالرغم من كل شيء، لا تمثل إلا الشجرة التي تخفي الغابة، وذلك باعتبار أن إشكالية تحديد وترسيم الحدود الشرقية، أراد من أراد وكره من كره، قضية لا يمكن أن يطالها التقادم مهما حَدَث.
يقول الكثيرون، جميل أن يطالب المغرب بإعادة فتح الحدود البرية بين الجارين، لكن الأجمل من ذلك، هو: متى سيحرك القائمون على أمورنا مسألة المطالبة بالصحراء الشرقية التي كانت السلطات الفرنسينة قد سلمتها للجزائر وأقحمتها في ترابها؟
لقد سبق للمغرب أن طالب أكثر من مرة بإعادة فتح الحدود البرية بين المغرب والجزائر، إلا أن هذه الأخيرة مازالت لم تُوَلِّ الأمر نفس الأهمية التي يُوَلّيها لها القائمون على الأمور ببلادنا.
وقد سبق لمراد مدلسي، وزير الخارجية الجزائري، وأن أكد أن بلاده لا ترفض إعادة فتح الحدود البرية المغلقة منذ أكثر من 14 سنة، وإنما تحاول قدر الإمكان بناء علاقات سلام مع مختلف جيرانها، اعتبارا لكون بلده لا يرغب في إلغاء اتحاد المغرب العربي أو عرقلته.
في حين صرح اليزيد زرهوني، وزير الداخلية الجزائري قائلا: « إن أمر إعادة فتح الحدود بين الجزائر والمغرب، لا يشكل أولوية بالنسبة للجزائر، والمغاربة مطالبون بإظهار حسن نية في معالجة ملفات مهمة مشتركة بين البلدين قبل الوصول إلى موضوع الحدود »، وهو ما يعني بالأساس، تصفية قضية الحدود الشرقية بصفة نهائية.
وبالرجوع إلى التاريخ، من السهل بمكان أن يستشف المرء أن سبب كل مشاكلنا تعود بالأساس إلى عدم الحسم في الوقت المناسب في قضية الحدود الشرقية والتفريط في موعد مع التاريخ لازلنا نؤدي عواقبه إلى حد الآن، وهذا أمر قد لا يختلف عليه إثنان بالمغرب.
كيف كانت البداية؟
كما أن « جورج سالفي » سبق وأن وضّح، في إحدى مقالاته بجريدة « لوموند » الفرنسية، أن مدينة كلومب بشار، إضافة إلى مدينة تندوف هما مدينتان مغربيتان تاريخيا، مؤكدا أنه إلى حدود سنة 1960، كانت أجور الجيش بتندوف تؤدى بالعملة المغربية
لقد لعبت فرنسا الاستعمارية لعبتها القذرة عندما اضطرت إلى الاعتراف باستقلال المغرب.
سلمت فرنسا الاستعمارية جزءا من المغرب إلى الجزائريين سنة 1962 قبل انسحابها من الجزائر، وذلك رغم أن كل الوثائق التاريخية، التي كانت بحوزتها، والموجودة حاليا ضمن الأرشيف الفرنسي، تأكد بما لا يترك أدنى شك أن ملوك المغرب ظلوا يتحكمون في تلك المنطقة، المسلمة للجزائر، بدون منازع، وهذا منذ عهد السلطان الحسن الأول.كما أن « جورج سالفي » سبق وأن وضّح، في إحدى مقالاته بجريدة « لوموند » الفرنسية، أن مدينة كلومب بشار، إضافة إلى مدينة تندوف هما مدينتان مغربيتان تاريخيا، مؤكدا أنه إلى حدود سنة 1960، كانت أجور الجيش بتندوف تؤدى بالعملة المغربية.
عندما اضطرت فرنسا الاستعمارية مغادرة الجزائر بفضل ثورة مليون شهيد الجزائرية المدعمة والمساندة من طرف المغرب، شعبا وحكومة وملكا، لم تسع إلى إرجاع الأراضي المغربية التي ألحقتها بالجزائر عندما كان الاستعماريون الفرنسينون يراهنون على « استدامة » احتلالهم للجزائر « الفرنسية » كجزء لا يتجزأ من التراب الفرنسي.
ومنذ استقلال شعب الجزائر ظل الملك الراحل الحسن الثاني يحمل هما واحدا، لا ثاني له، وهو المتمثل في مشكلة الحدود المترتبة على ما أقدمت عليه فرنسا الاستعمارية المنهزمة.
ويتعلق الأمر بالصحراء الشرقية، والمقصود بها الشريط الممتد جنوب الجزائر إلى حدود ليبيا والنيجر شرقا، وتشكل ما يضاهي ثلث مساحة المغرب.
سبق في غضون شهر أبريل من عام 1957 أن استقبل الملك الراحل محمد الخامس وفدا يمثل سكان الصحراء الشرقية، ترأسه آنذاك محمد الطاهر شيخ الزاوية القندوسية، الذي كان مرفوقا بزعيم حزب الاستقلال، علال الفاسي، وبعد عرض القضية على الملك (المطالبة باسترجاع الصحراء الشرقية المغربية)، طلب منهم هذا الأخير أن لا يهتم سكان المنطقة بالأمر، وسوف يتولى هو بنفسه القضية، أي تحرير الصحراء الشرقية من قبضة الاستعمار الفرنسي آنذاك، إلا أنه توفى قبل أن يتحقق المراد. وبعد مرور 5 سنوات زار نفس الوفد الملك الراحل الحسن الثاني بمدينة فاس، وأكد لهم، هو كذلك حرصه على استرجاع الصحراء الشرقية إلى حظيرة الوطن.
سكان الصحراء الشرقية يلجؤون إلى المحكمة الدولية
ولازالت الهيأة الوطنية، بخصوص المناطق الشرقية المغربية المغتصبة، حتى الآن تلتمس من الدولة المغربية الدعم والمساندة وتعبئة واحتضان كل المطالبين بإرجاع الصحراء الشرقية لحظيرة المغرب
منذ أن قامت السلطات الاستعمارية الفرنسية بضم الصحراء الشرقية إلى النفوذ الترابي للإدارة الجزائرية الفرنسية، ظهر استياء سكان المنطقة، ومباشرة بعد الإعلان عن استقلال الجزائر بادروا إلى إنشاء الهيأة الوطنية للمناطق الشرقية المغربية المغتصبة في منتصف ستينات القرن الماضي، وظلت منذئذ تطالب القائمين على الأمور بالمغرب تحمل مسؤولياتهم بهذا الخصوص، تحرير الصحراء الشرقية، وصاغ أعضاؤها عرائض وضعوها بين يدي السلطات العليا، كما كاتبوا الأمناء العامين للأمم المتحدة في الموضوع وكذلك رؤساء الجمهورية الفرنسية.
ولازالت الهيأة الوطنية، بخصوص المناطق الشرقية المغربية المغتصبة، حتى الآن تلتمس من الدولة المغربية الدعم والمساندة وتعبئة واحتضان كل المطالبين بإرجاع الصحراء الشرقية لحظيرة المغرب.
كما سبقت للهيأة أن طالبت بإحداث إذاعة وإشراك شخصيات من الصحراء الشرقية في هياكل الدولة وضم بعضهم إلى وفد المفاوضات الخاصة بالصحراء المغربية (الغربية).
إلا أنه لم يسبق لأية حكومة مغربية أن حركت ساكنا بهذا الخصوص، بما فيها حكومة عباس الفاسي، رئيس حزب الاستقلال، الذي ظل منفردا عن باقي الأحزاب السياسية باستمرار مطالبته باسترجاع الصحراء الشرقية إلى حظيرة الوطن.
وقد سبق لـ « بن بريك القندوسي »، رئيس الهيأة الوطنية للمناطق الشرقية المغربية المغتصبة، أن طرح الموضوع على أنظار محكمة العدل الدولية، إلا أنها رفضت الطلب استنادا إلى قانونها الداخلي.
إذ أكد مدير القسم القانوني بمنظمة الأمم المتحدة، « سيرجي تراسينكو »، جوابا على طلب الهيأة الوطنية للمناطق الشرقية المغربية المغتصبة، أن الفصل 34 من ذلك القانون الداخلي ينص على أن الدول هي وحدها المخول لها رفع قضايا من هذا القبيل أمام محكمة العدل الدولية. لكن والحالة هذه، لماذا لم تضطلع الدولة بهذه المسؤولية وهي صاحبة هذا الحق؟ وهو السؤال الذي مازال ينتظر الجواب في عيون الكثيرين.
الموقف الأصلي لأهالي تندوف
لقد حسم أهالي تندوف موقفهم منذ ستينات القرن الماضي.
جاء في إحدى التقارير التي أعدها الكولونيل الفرنسي، « شوفاليي شانتيي »، رئيس مركز استغلال المعلومات، سنة 1962، أنه بخصوص تندوف حسمت قبائل الرقيبات وتادجا موقفها على الإقرار بمغربيتهم، وبعد ذلك هاجمت الصحافة الجزائرية الملك الحسن الثاني منذ بداية أكتوبر من سنة 1962، وبدأت القوات الجزائرية تشن هجوما على الجنود المغاربة بالحدود، وبذلك انطلقت أول حرب بين الجارين (حرب الرمال) التي انتصر فيها المغرب في نهاية المطاف، لكن دون أن يسترجع تندوف، وتم طي الملف بإبرام اتفاقية الأخوة وحسن الجوار والتعاون يوم 15 يناير 1969، مع إبقاء الحالة على ماهي عليه.
لم يرد المغرب إحراج الجزائر في فجر ستينات القرن الماضي بخصوص الحدود الشرقية، حيث فضل انتظار حصولها على استقلالها النهائي، لحل القضية، وفي هذا الصدد حصل اتفاق بين المغرب والحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، مفاده أن مقتضيات الاتفاق الفرنسي الجزائري بخصوص الحدود لن يكون ملزما بالنسبة للمغرب، وجاء في مذكرات الملك الحسن الثاني أن أحمد بن بلا طلب منه في مارس 1963 إرجاء التباحث بخصوص الحدود إلى حين بناء المؤسسات الجزائرية، ووعده بالشروع في نقاش قضية الحدود ابتداءا من شتنبر أو أكتوبر من نفس السنة (1963)، لكن بعد وصوله إلى سدة الحكم تنكر أحمد بن بلا لفحوى الاتفاق الذي أبرمه مع الملك، وقام بعد ذلك بطرد المغاربة المقيمين بالديار الجزائرية بطرق غير إنسانية تحط من الكرامة، حيث تم إبعاد الوالد عن ابنه والأم عن رضيعها.
هزيمة في الميدان واستمرار اغتصاب أرض المنتصر
مر الملك الحسن الثاني بتوقيف التوغل وطالبهم بالتراجع، وهذا ما قبله الجيش المغربي على مضض، إذ لم يستسغ قاداته منطق التراجع بعد تحقيق الانتصار، إذ كان من الأولى في نظرهم البقاء حيث كانوا إلى حين تسوية مشكلة الحدود بصفة نهائية، إلا أن الملك الحسن الثاني ارتأى التراجع لعدم قطع الطريق على إقامة المغرب العربي الذي كان اختيارا استراتيجيا بالنسبة للمغرب آنذاك.
انهزم جيش الجزائر في ميدان حرب الرمال لكن الجزائر ظلت مغتصبة للصحراء الشرقية. وهذه الحرب هي التي جعلت من المغرب والجزائر عدوين حتى الآن.
كانت أول هذه الحرب مجرد كلام، لقد كان حديث الرئيس الجزائري، أحمد بن بلا، واضحا لا غبار عليه، غير أن حواره مع مبعوثي الملك الحسن الثاني جاء عقيما، وبدل أن يعتبر علاقات الود والمساندة والدعم والتضحيات من طرف الشعب المغربي لمناصرة الثورة الجزائرية، ذهب إلى القيام بمقارنة بين النظام السياسي المغربي ونظيره الجزائري، وبذلك كان لا مناص من نشوب حرب الرمال.
استمرت المواجهات ثلاثة أيام، استرجع خلالها المغرب بقوة السلاح ما استولت عليه الجزائر بالعدوان، وتوغل الجيش المغربي بقيادة العقيد (الكولونيل) إدريس بن عمر إلى حدود ضواحي مدينة تندوف على بعد 26 كيلو متر منها فقط.
أمر الملك الحسن الثاني بتوقيف التوغل وطالبهم بالتراجع، وهذا ما قبله الجيش المغربي على مضض، إذ لم يستسغ قاداته منطق التراجع بعد تحقيق الانتصار، إذ كان من الأولى في نظرهم البقاء حيث كانوا إلى حين تسوية مشكلة الحدود بصفة نهائية، إلا أن الملك الحسن الثاني ارتأى التراجع لعدم قطع الطريق على إقامة المغرب العربي الذي كان اختيارا استراتيجيا بالنسبة للمغرب آنذاك.
وبذلك ظلت قضية الحدود عالقة إلى حد الآن، ولربما يعتبر هذا المشكل من العوامل التي منعت الجزائر، حتى الساعة، من تراجعها عن موقفها بخصوص الصحراء المغربية (الغربية) خوفا من قدوم المغرب على المطالبة بصحرائه الشرقية التي تم التفريط فيها سنة 1963 عندما كان الجيش المغربي على وشك ضمها، حيث كانت الفرصة متاحة له ما دامت الجزائر هي التي بدأت الحرب وأجبرت المغرب على الرد والدفاع، وبذلك تكون قد قدمت فرصة تاريخية للمغرب على طبق من ذهب، لكن الملك الحسن الثاني اختار التفريط في موعده مع التاريخ حسب المطالبين باسترجاع الصحراء الشرقية، وهو الموعد الذي لم يتكرر، وهكذا خسر صحراءه الشرقية حينما كانت صحراؤه الغربية مازالت تحت الاحتلال الإسباني آنذاك.
إن حديث الرئيس أحمد بن بلا مع مبعوثي الحسن الثاني، يشبه الحديث الهاتفي الذي دار بين الملك والرئيس الجزائري الهواري بومدين سنة 1976 في أوج حرب الصحراء.
فيوم 28 فبراير 1976، صباح حدوث مدبحة « أمغالا »، تسللت وحدات جزائرية إلى المنطقة وقضت على وحدة عسكرية مغربية باستخدام السلاح الأبيض وأسرت الباقي، وكان ذلك ردا على هزيمة عناصر جزائرية بنفس المكان (أمغالا)، حيث لم ينج منهم أحد.
في زوال 28 فبراير اتصل الملك الحسن الثاني بالرئيس الجزائري هواري بومدين وقال له: « لماذا لا تعلن عليّ الحرب مباشرة، بدون لف ولا دوران ما دامت هذه هي رغبتك؟ »
فرد علين الرئيس الجزائري » واحد في كل شبكة ».
آنذاك فهم الحسن الثاني أن بومدين لا يريد الحرب، وإنما رغب في الثأر لرجاله الذين لقوا حتفهم في معركة « أمغالا 1 » الشهيرة، وقبل ختم الحديث الهاتفي قال الملك الحسن الثاني: « إذن ليكون التعادل »، هكذا انتهت المكالمة التي دامت 3 دقائق، تجنب خلالها قائدا البلدين الجارين الدخول في حرب لكن لم يتفقا في حلّ المشكل الذي عمر أكثر من 33 سنة حتى الآن.
غير خاف أنه لم تتوقف مساندة المغرب للشعب الجزائري في كفاحه المرير من أجل الاستقلال ولم تنقطع الامدادات المغربية للثورة الجزائرية منذ انطلاقتها سنة 1954 إلى أن تمكنت الجزائر من انتزاع استقلالها سنة 1962، آنذاك كان لا يزال الإيمان بالوحدة المغاربية قويا وحيا. فالمغرب كان يقتطع من ميزانيته، المحدودة وقتئذ، لاقتناء السلاح ونقله إلى الثوار الجزائريين، وكانت المنطقة الشرقية بالمغرب خلفية آمنة لهم (الولاية الجزائرية الرابعة).
آنذاك كان المغاربة يعتقدون أن استقلال الجزائر سيكمل استقلال بلدهم المغرب ويُرسي قواعد الأمن والاطمئنان والاستقرار للانصراف إلى البناء والتنمية، غير أنه تبين عكس ذلك تماما.
قشة قصمت ظهر البعير
رغم مساعي الملك الحسن الثاني إلى الحوار والتفاوض لم يقدم الرئيس الجزائري أي حل للتفاهم، لقد تمادى في تعنته، إذ قال إن مشكلة الحدود مشكلة وهمية ويجب السكوت عنها في الوقت الحاضر لتجاوزها في المستقبل، وعلى النظام الملكي المغربي أن يواجه، مشاكله الداخلية وأن يعلم بأن النظام الجزائري حصين منيع لا يملك النظام الملكي المغربي النيل منه.
إن هذا الكلام يبين بجلاء الحقد والعداء الدفينين للمغرب.
لم يكد يمر إلا يوم واحد على صدور بلاغ الوفاق بعد لقاء وزيري خارجية المغرب والجزائر بمدينة وجدة، حتى قام الجيش الجزائري بهجوم مباغث على مركز « إيش » العسكري الواقع على مسافة خمسين (50) كيلومتر شمال شرق مدينة فكيك، وهنا لا يتعلق الأمر بمجرد حادثة عابرة، وإنما كان مخططا له، إذ قامت به قوات نظامية مجهزة بالأسلحة الثقيلة، كما أن الطيران الجزائري شارك بدوره في الهجوم على منطقة تيندرارة، علما أن منطقتي « إيش » وتيندرارة لم تكونا موضوع خلاف بين البلدين، حيث كانتا واقعتين داخل النفوذ الترابي المغربي إلى حين الإعلان عن الاستقلال ولم تكونتا ضمن الجزء الذي اقتطعته فرنسا من المغرب. إن ما قام به الجيش الجزائري ذلك اليوم، كان في واقع الأمر مجرد استعراض لعضلاته ومحاولة للرهبة والتخويف، إنه مجرد عدوان جزائري سافر، بكل ما تحمل كلمة عدوان من معنى.
وكان أول ما قام به الملك الحسن الثاني، بعث برقية إلى الرئيس الجزائري أحمد بن بلا، مما جاء فيها: « […] بوصفكم المسؤول الأول عن مصير الجزائر ومستقبل شعبها، لا يمكنكم أن لا تقدروا حجم العدوان المرتكب، وأن لا تحسبوا عواقبه. إن الاتجاه الذي يبدو أن الجزائر تسير في وجهته والذي تجلى في أعمال عدوانية على التراب المغربي لن يساعد بكل تأكيد على خلق جو ملائم للبحث عن حل لمشاكلنا عن طريق التفاوض والحوار المباشر، لذا أناشد مرة أخرى المسؤولين الجزائريين أن يترفعوا عن الاعتبارات العاطفية، ويتحكموا في انفعالاتهم، وأن يأخذوا بعين الاعتبار أن الأجيال الحاضرة والمقبلة محكوم عليها، ليس فقط بالارتباط بعلاقة يطبعها السلم، ولكن أيضا بالارتباط بعلاقات التعاون الأخوي لتشييد مستقبلنا المشترك. ذلك أن قرننا (القرن العشرين) يقوم على علاقات المجاملة، ويلتزم بمقتضيات الأوقاف والمواثيق الدولية التي تفرض على جميع الدول المحترمة أن تستبعد اللجوء إلى العنف. نقول هذا ونضيف أن المغرب على استعداد لمواجهة جميع الاحتمالات وجميع الأوضاع بجميع الوسائل الملائمة ».
لم يعبأ الرئيس أحمد بن بلا بكتاب الملك واستمر في تجاهله، وبالرغم من ذلك، بعث الحسن الثاني وفدا إلى الجزائر ضم أحمد بلا فريج وعبد الهادي بوطالب اللذان لاحظا أن الرئيس الجزائري لم يكن مستعدا لأي نوع من الحوار. وبعد ذلك أرسل الملك عبد الهادي بوطالب رفقة مدير ديوانه الكومندار محمد المذبوح إلى الجزائر لتوضيح خطورة الموقف.
ظل الملك الحسن الثاني دبلوماسيا في محاولة إقناع الرئيس أحمد بن بلا، إذ حاول أن يبلغه أنه لا يتصور، ولو لحظة واحدة، أن يكون قد أعطى الأمر بمهاجمة المغرب، ويعتقد أن العدوان هو من تدبير عناصر تقع خارج دائرة مراقبة الحكومة الجزائرية، وأن أحمد بن بلا وضع أمام الأمر الواقع.
وخلال مختلف اللقاءات مع الرئيس الجزائري، ظل مبعوثو الملك يشيرون بوضوح إلى مطالبة المغرب وتشبثه بترابه المدمج من طرف فرنسا الاستعمارية في التراب الجزائري وبالمطالبة بإرجاعه طبقا للحجج والبراهين المؤيدة له، عن طريق التفاوض لا المواجهة والحرب.
كانت أول زيارة ملكية للجزائر يوم 13 مارس 1963، وكان الملك الحسن الثاني آنذاك يحمل همّ مشكلة الحدود المغربية الجزائرية. وكل الدلائل تبين مغربية أراضي الصحراء الشرقية التي ألحقتها فرنسا الاستعمارية بالجزائر « الفرنسية »، ومنها اعتراف فرنسا وحكومة الجزائر المؤقتة بمغربية تلك الأراضي بدون جدال.
إذ حمل الملك معه نص الاتفاقية التي أمضاها الرئيس عباس فرحات مع الملك يوم 6 يوليوز 1961، والتي نصت على أن الجزائر تعترف بأن مشكلة الحدود قائمة نظرا لفرضها من طرف فرنسا بشكل متعسف، كما أشارت إلى تعهد الحكومة الجزائرية المستقلة بإجراء مفاوضات مع المغرب لتسوية المشكل، معلنة أن ما أبرم من وفاق بين الجزائر وفرنسا، في هذا المضمار لا يمكن استخدامه كحجة على المغرب.
ومن المعلوم أن فرنسا قبل اضطرارها لمغادرة الجزائر عرضت على المغرب الدخول في مفاوضات بخصوص الحدود الشرقية أثناء حرب التحرير الجزائرية، إلا أن الملك محمد الخامس رفض المفاوضات المباشرة مع فرنسا باعتبارها خيانة للثورة الجزائرية وطعنا لها من الخلف.
خلال هذه الزيارة عقد الملك الحسن الثاني اجتماعا خاصا مع الرئيس أحمد بن بلا على انفراد لمناقشة إشكالية الحدود، إلا أن الرئيس الجزائري طلب إرجاء الموضوع إلى حين بناء الدولة الجزائرية، وقد قبل الملك ذلك تجنبا لعرقلة المسار نحو المغرب العربي، لكن الأمل ذهب سدى.
ظل المغرب العربي سرابا
مهما يكن من أمر، سيظل الاتحاد المغاربي تجمعا مرتبطا بالأساس بتوازن المصالح، والحالة هذه، فإن تقدمه أو تأخره، رهين بالأساس بما يحقق من مصالح لكل بلد مغاربي، وهنا يكمن ضعفه.
علما أن الميدان الوحيد الذي اتحدت فيه الدولة المغاربية، هو مجال مكافحة الإرهاب، وهو اتحاد لا ينطلق من اقتناع وحدوي مغاربي، وإنما كان مفروضا من طرف « العم سام ». ما تم تحقيقه بهذا الخصوص جاء بإملاء من واشنطن، لا أقل ولا أكثر، لذلك لم يسبق أن كان ضروريا عقد أية قمة مغاربية للتباحث بخصوص مسائل أمنية، وبالتالي ليست بحاجة لعقد قمة من أجل التنسيق لمحاربة الإرهاب، ما دامت املاءات الولايات المتحدة بهذا الخصوص واضحة بالنسبة لكل بلد على حدة، وما دام القائمون على أمور البلدان المغاربية يتنافسون على ربح ود البيت الأبيض.
وللإشارة أضحت دول المغرب العربي تولي أهمية الاتحاد المتوسط أكثر من تلك التي توليها لاتحاد منطقتها.
محمد البوهالي يكاتب « بان كي مون »
وجه البوهالي، فنان تشكيلي مقيم بأكادير، كتابا في موضوع حدود الصحراء الشرقية المغربية إلى الأمين العام للأمم المتحدة « بان كي مون ».
لاحظ البوهالي وجود خريطة للمغرب بموقع منظمة الأمم المتحدة على شبكة الانترنيت، وأثار انتباهه أن الحدود الشرقية مثبتة بطريقة واضحة، ومقصية تندوف والصحراء الشرقية من التراب المغربي، لذلك بعث برسالة في الموضوع إلى الأمين العام، موضحا أن تلك الخريطة تتضمن مغالطة تاريخية، إذ تمت إضافة الحدود المنصوص عليها في اتفاقية 1972 غير المصادق عليها بعد من طرف البرلمان في خريطة أنجزت سنة 1945، وهذا أمر يخل بصدقية ومصداقية وعدم إنحياز منظمة الأمم المتحدة، وفعلا أعطت الرسالة أكلها وتم سحب تلك الخريطة من الموقع.
+++
وماذا بعد..
++
طالب المغرب أكثر من مرة بإعادة فتح الحدود البرية، وفي كل مرة كانت الجزائر تتهرب باعتبارها ظلت تخشى دائما إثارة إشكالية الحدود المرتبطة بالصحراء الشرقية المغربية أصلا،، والآن وقد استرجع المغرب الصحراء الغربية، يتساءل البعض، أليس من الممكن حاليا إثارة إشكالية الصحراء الشرقية من جهة، ومن جهة أخرى، ما دامت الجزائر قد طلبت من الرئيس الفرنسي تقديم اعتذار رسمي لشعب الجزائر لما اقترفه الاستعمار الفرنسي في حقها، فلماذا لا نطالب نحن باعتراف فرنسا رسميا بإلحاق الصحراء الشرقية للجزائر، ويمكن القيام بذلك خصوصا لأن اتفاقية 1972 المرتبطة بالحدود غير مصادق عليها من طرف نواب الأمة إلى حد الآن.
الجزائر تفضل الهروب إلى الأمام كعادتها
كان الرد الرسمي الجزائري على إعادة فتح الحدود البرية بالتركيز على كون هذه المسألة مشروطة بقضايا أخرى أكبر منها، والمقصود الذي لم يقو المسؤولون الجزائريون على كشفه بكل شجاعة ووضوح، هو سعيهم الحثيث إلى تجميع الشروط لفرض رغبة لم تفارقهم منذ فجر ستينات القرن الماضي، وهي دفع البرلمان المغربي إلى المصادقة على الحدود الشرقية كما تركتها فرنسا الاستعمارية، لأن جنرالات الجزائر على علم بأنه إذا لم يتم حل إشكالية الحدود الشرقية بصفة نهائية ستظل تشكل مبعث خوف دائم بخصوص قدوم المغاربة على طرح إشكالية الصحراء الشرقية المغربية التي أُلْحِقَتْ بشكل تعسفي سافر بالتراب الجزائري، وهذا أمر، إذا برز من جديد، سيظهر بجلاء الدوافع العميقة للجنرالات الجزائريين لاحتضانهم ورعايتهم لانفصاليي البوليساريو.
وباعتبار أن قضية الصحراء المغربية (الغربية) تثار كلما حضر الحديث عن المغرب العربي، فإن جنرالات الجزائر حاولوا إيجاد حل، ولو مؤقت، لإعادة تفعيل ورش المغرب العربي، بنية إقصاء المغرب، وهذا ما توضحه فكرة « الجزائر تبني الفضاء المغاربي بشراكتها مع تونس وليبيا وموريتانيا »، إذ أكد مؤخرا، عبد القادر مساهل، الوزير الجزائري المنتدب للشؤون الإفريقية والمغاربية، أن بلاده تجعل من علاقاتها الثنائية مع دول المغرب العربي منطلقا لبناء الفضاء المغاربي، علما أنه يعني العلاقات مع ليبيا وتونس وموريتانيا فقط.
ولقد تأكد بوضوح ما يذهب إليه عبد القادر مساهل، عندما قال إن الجزائر تفضل العمل الثنائي كآلية لتفعيل بناء لاتحاد المغرب العربي بدل انتظار قمة مغاربية لا يبدو أنها ستعقد في القريب. علما أن اجتماع تونس سنة 1994 هو آخر قمة مغاربية عقدت منذ التأسيس، كما أن الرئاسة الدورية الليبية انتهت منذ 2005، حيث كان من المقرر عقد قمة مغاربية جديدة، وكان من المفروض أن يضطلع المغرب بالرئاسة بعد ليبيا عملا بقاعدة ترتيب الحروف الأبجدية، لكن الأمر لم يتم حتى الآن.
رسالة محمد البوهالي إلى الأمين العام للأمم المتحدة
إن تخلص المغرب من الاستعمار تم عبر مسلسل طويل قبل حلول عام 1955، ولم يقتصر رفض اسبانيا على التخلي عن مدينتين سبتة ومليلية (المحتلتين سنتي 1497 و 1645)، وإنما احتفظت كذلك بالجزر الجعفرية وجزيرات الشمال (المحتلة في نهاية القرن 19 وبداية القرن 20)، وبالجنوب، سيدي إفني والأقاليم الصحراوية التي اعتبرتها مناطق سيادة آنذاك.
كما أن فرنسا لم تعد إلى المغرب مدينة تندوف في أقصى الجنوب الشرقي للمغرب، حيث رغبت في إعادة استعمار الصحراء الشرقية بإدراج بنود غامضة وفضفاضة ضمن اتفاقية « إيكس ليبان » التي ندد بها حزب الاستقلال في وقت لاحق.
إن انتفاضة قبائل الجنوب سنة 1957، وعمليات حرب العصابات تحت إمرة جيش التحرير، مكنت عام 1958، بعد فشل عملية » إيكوفيون » من جهة، من سحب اسبانيا لقواتها والانسحاب من شمال الصحراء وإرجاع مدينة طرفاية (كاب جوبي) إلى المغرب، ومن جهة أخرى، انسحاب فرنسا وسحب قواتها من الصحراء الشرقية، لكن دون إرجاع مدينة تندوف إلى المغرب، واقتصرت على الاعتراف على وقوعها تحت السيادة المغربية واستمرار استخدام الطابع البريدي المغربي بخصوص المراسلات، علما أن فرنسا كانت على وشك الحرب الأهلية بالجزائر وفي طور الإعداد للانسحاب من مستعمراتها الإفريقية.
والآن كل المستندات تفيد أنه لم يسبق أن تم تحديد الحدود وقبولها من طرف البلدين المجاورين، إذ لحد الآن، الوثيقة الوحيدة التي يمكن الاعتداد بها في هذا الشأن هي اتفاقية الجزيرة الخضراء المبرمة سنة 1906 والمعترف بها من طرف الأمم المتحدة سنة 1945، والتي تشير إلى أن تندوف مغربية،
وهذا ما يفسر، في اعتقادنا، كون المملكة المغربية اقتصرت في لجوءها للأمم المتحدة سنة 1960 على المطالبة بمدينتي سبتة ومليلية والجزر الواقعة بالبحر الأبيض المتوسط.
وفي سنة 1963، بعد حصولها على الاستقلال، رفضت الجزائر الاعتراف بسيادة المغرب على مدينة تندوف، ولم تقف عند هذا الحد، وإنما تجرأت جيوشها على ضم أجزاء أخرى من التراب المغربي.
ومع هزيمتها في حرب الرمال، بعد أن حاصر الجيش المغربي الجيش الجزائري بواحة حاسي بيضا يوم 8 نونبر 1963 بعد 34 يوما من القتال تراجعت القوات الجزائرية لكن دون تسليم تندوف.
في سنة 1969 استرجع المغرب مدينة سيدي إفني، كما حصل اتفاق بين المغرب والجزائر بخصوص تندوف، لكن ظل معلقا في انتظار المصادقة عليه من طرف البرلمان المغربي، وظلت الحالة على ما هي عليه بعد بروز قضية الصحراء، والآن كل المستندات تفيد أنه لم يسبق أن تم تحديد الحدود وقبولها من طرف البلدين المجاورين، إذ لحد الآن، الوثيقة الوحيدة التي يمكن الاعتداد بها في هذا الشأن هي اتفاقية الجزيرة الخضراء المبرمة سنة 1906 والمعترف بها من طرف الأمم المتحدة سنة 1945، والتي تشير إلى أن تندوف مغربية، وبالتالي فإن أي خط حدودي سواء على بعد 10 أو 100 كلم من تندوف لا قيمة له في غياب اتفاق صريح بين الطرفين، لذا فلا يحق لمنظمة الأمم المتحدة ولا لغيرها اعتماد أي خط حدودي في الخرائط المرتبطة بهذه المنطقة، لاسيما الخريطة المنشورة في موقع الأمم المتحدة، لذا نلتمس من سيادتكم حذف تلك الخريطة(map n° 3688 (F) rev 5 united nation january 2005)من موقع منظمتكم وفي انتظار ذلك تقبلوا فائق الاحترام والتقدير
3 Comments
هذا المقال الرائع يجيب على تساؤلات الإخوة الجزائريين بكل وضوح بما فيهم وزير الخارجية فخامة السيد مراد مدلسي
وتحيا الأخوة المغربية الجزائرية
السلام على المغاربة استطيع بعد التوفيق من الله ان اعيد امجاد الكولونيل ادريس بن عمر حياه الله وافك مشكل الصحراء من جذوره
انا جزائري اقول ان الاخوة المغاربة لهم الحق في طلب و استرجاع سبتة ومليلة وليس تندوف لان اي ارض سقيت بدماء الشهداء الاحرار اذن حررو ارضكم قبل ان تطمعوا في ارض غيركم اما عن فتح الحدود فلا نقاش فيه لاننا كرهنا المتطفلين و الطماعين اعملوا ولا تنتضروا صدقات الجزائر فالجزائر لا تفكر في تفاهة الحدود بل في صناعة طائرة دون طيار وفي تطوير صواريخ س 300 الى اس 400 اذهبوا بعيدا وغنوا لمن يسمعكم دمتم جيرانا عاقلين