Home»Régional»فيلم «الراكد» والتلفزة التي استيقظت متأخرة

فيلم «الراكد» والتلفزة التي استيقظت متأخرة

2
Shares
PinterestGoogle+

فيلم «الراكد» والتلفزة التي استيقظت متأخرة

———————————

المخرجة ياسمين قصاري تخلص لانتمائها إلى المنطقة الشرقية

——————————————

أخيرا، استيقظ فيلم «الراكد» على الشاشة الصغيرة للقناة الثانية بعد أكثر من ثلاث سنوات على إنتاجه وخروجه إلى دور العرض، وإلى المهرجانات السينمائية الأوربية والعالمية والوطنية، والتي حصد منها أكثر من 47 جائزة. وهو الفعل الذي أيقظ معه المنطقة الشرقية «الراكدة».

————————————
عندما تنبعث مبدعة محترفة ومخرجة مثل «ياسمين قصاري» -تكن الوفاء لجذورها الضاربة في عمق الشرق- فتشحذ الذاكرة الطفولية، أولا، وذاكرة ساكنة بأكملها ثانيا، وتقدم عملا فنيا في شكل فيلم تقريري يحكي الشؤون الصغيرة والكبيرة معا، حينها يحس الجميع بأنهم انبعثوا معها ورأوا وجوههم على حقيقتها، دون تجميل أو تنميق في تلفزة ظلت هي الأخرى «راكدة».
وعلى هذا الأساس لا يمكن الحديث عن فيلم «الراكد» دون الرجوع إلى «ريبرطوار» المخرجة ياسمين قصاري وبالضبط إلى تاريخ إنجاز شريطها الوثائقي:
«quand les hommes pleurent

عندما يبكي الرجال» سنة 2000، رصدت فيه ظاهرة الهجرة السرية بجوانبها المعقدة والمركبة مركزة على معاناة مجموعة من الشباب، يشتغلون في وضعية غير قانونية وصعبة داخل الحقول الإسبانية، ويسترجعون شريط العبور:كيف خططوا له؟ كيف حشروا كأغنام في «باطيرا» لا تقوى على حمل 10 أشخاص، ومع ذلك تكدس فيها أكثر من 23 شابا؟ كيف تبادرت إلى مخيلتهم صور الجثث التي يلفظها البحر مع مطلع كل يوم حتى صار المشهد وجبة دسمة للصحافة والرسامين؟ كيف تعاملوا مع لحظة الموت التي أصبح الخلاص منها هو حصول معجزة أو نزول رحمة أو دعوة «أُمِّ»-لم تكف عن البكاء والصلاة مند الرحيل- قد تنقذ حياتهم في آخر شوط للاستسلام أمام حمى الموت.
ويضع القدر أمام المهاجر السري إنسانة اسمها ياسمين قصاري، التي تنحدر من نفس المنطقة «المنطقة الشرقية» التي ينتمي إليها هذا الرجل المكلوم في وضعه ورغبته واشتياقه، بعدما ترك عائلته الصغيرة تنتظر عودته التي قد تتحقق أو لا تتحقق… هكذا سيقرر الطاقم أن يساعده ويحمله إلى أقرب مدينة لتجرى له العملية ويعود بصيص النظر والأمل إلى عينيه ويُمنح فرصة ليحدث أهله عبر الهاتف، ويطمئن عليهم ويطمئنوا عليه. ومن الصدفة أيضا أن أغلب المتحدثين هم من نفس المنطقة. وهكذا، عرفت ياسمين كيف تقدم لكل واحد بلسما شافيا من نوع خاص، هو إعطائهم فرصة للحديث والتفريغ والذكرى ولو امتزج بها البكاء الرجالي الحار، رغم أن هذا الوصف لا يستقيم في العرف الذي يقرن البكاء بالنساء وليس بالرجال. وهكذا تعود الذاكرة إلى: جرادة، ولاد عمر، سيدي لحسن، بني شبل، طفراطة، تاوريرت، «وادي زا» وقضاء أحلى الأوقات على ضفتي النهر ومراقبته في هدوئه وهيجانه ومواسم التين والزيتون والسنين التي مضت بلحظاتها الحميمية.
وبما أن الوثاقي ليس هو السينمائي، فلا بد من رمز قوي تتمحور حوله الأحداث، ولم يكن المنفذ المشوق هنا إلا بالعودة إلى الأسطورة، وليس بالضبط الأسطورة باعتبارها قصة مكتملة العناصر لكن إلى ما تنطوي عليه من أحداث متوارثة ؛وما فعلته بالناس عبر الزمن ؛وهدا الطرح له ما يعززه في كلام المخرجة نفسها: «الأسطورة تكشف دائما ما تضمره، ليس الأسطورة نفسها هي الأهم (…) الأهم هو القوة المجازية للأسطورة، الأهم هو الإيمان بالأسطورة وما يمليه ذلك الإيمان من أفعال وممارسات (…) الأهم بالنسبة لي، هو الجانب الإنساني، نتحدث دائما عن الجوانب السياسية والاجتماعية، لكن الجانب الإنساني هو الذي يسمح بالتطور على المستويين السياسي والاجتماعي. (…) أؤمن حقا وبعمق بقوة الرقة والشعر، أؤمن أن ما يغير العالم بعد أربعة أو خمسة قرون، هو ما تختزنه الذاكرة من أحداث إنسانية».
وهذا نوع مميز من الكتابة ومشوق أيضا، إذ يعتمد على استحضار التراث والملاحم الفلكلورية والحكايات الشعبية لقوتها التعبيرية وقدرتها التواصلية، بالإضافة إلى التناغم الفني الذي يجمع بين الفكرة والمتعة… هكذا، كانت أسطورة (الراكد) هي المنفذ الرئيسي للفيلم الذي بَنَت عليه المخرجة قصتها دون أن تغفل تنظيرها الأساسي، وهو ما تفعله الأسطورة في المتخيل الشعبي، كما تستحضر عبره طقوس الشعوذة وطلاسم الفقهاء الذين يزعمون تنويم الجنين في رحم أمه إلى حين، هذا الجنين الذي تحدده عودة الأب أو رغبة الأم. والمهم والرائع في الفيلم أنه صُور بوجوه الجهة أيضا إذا استثنينا طبعا الممثلتين/البطلتين «رشيدة براكني في دور حليمة ومونية عصفور في دور زينب». أما الوجوه الأخرى فهي تقف لأول مرة أمام الكاميرا، والسر في تقمصها وإتقانها لأدوارها هو أنها تتحدث بلسان حالها، إذ تحاور الأم ابنها وهي تمد بصرها نحو الأراضي وقد جدبت، والسواقي وقد تحطمت، والأشجار وقد اقتُلعت ويبست بفعل الجفاف، وإذا رحل كل الشباب فمن سيخدمها أو ينقذ ما تبقى فيها… والابن لا يستطيع أن يقوم بكل شيء لوحده لهذا يحاول إقناعها بقرار الهجرة الذي عزم عليه بعد ليلة زفافه، وهو بذلك لا يتقمص دورا بقدرما يحكي مأساته ومأساة العديد من أقرانه…
أما دور الجدة فهو أيضا كان بسيطا متوازنا بأدائها وبحقيقتها، فهي المرأة التي عانت وكابدت، لكن مع ذلك كانت حياتها سعيدة، لأنها كانت بقرب زوجها في السراء والضراء «وكانوا يزوجون الأبناء ليذهبوا مع زوجاتهم وأطفالهم، أما الآن فأصبحوا يزوجونهم لينتظروا عودتهم». مفارقة عجيبة تتحملها الجدة بصبر، كما تقيم التوازن بين صلابة الأم ورغبات الزوجة ومشاكسات الحفيدة، فهي «البركة» كل البركة التي توقظ الحنين إلى كأس الشاي وقطعة الخبز المغموس بالزيت بحضرتها والى القطعة النقدية المخبأة «بإزارها» لتكون لك وحدك…
في حين كان دور شباب القرية بسحنتهم الحقيقية دون الرجوع إلى المتخصصين في فن الماكياج، سحنة رسمتها الطبيعة الجافة التي أرغمتهم على اتخاذ أصعب القرارات: إما الرحيل أو التذمر البطيء أو مواجهة الواقع كما هو (دور أمزيان نموذجا)…
ثم دور نساء القرية اللواتي يجسدن واقعهن اليومي(جلب الماء… غسل الصوف والقمح والملابس في الوادي، بل وتقمص حتى ادوار الرجال بعد رحيلهم كالاعتناء بالماشية وجلب الحطب من الغابة). وفي الحقيقة هذه هي عقدة الفيلم الأساسية التي تركز على تصوير مأساتهن في غياب أزواجهن، ولعله الأمر الذي دفع الكثير من المتتبعين إلى تسميته بفيلم للنساء… إضافة إلى دور الأطفال الذين ينقصهم حنان الأب، ويبرز هذا جليا في اللقطة التي تلتحق فيها الطفلة بأبيها؛ وتبكيه بكاء هستيريا، حتى إن المخرجة تقول إن الطفلة هي «أنا» وتتذكر كيف كان يتكرر المشهد كلما همَّ أبوها بمغادرتهم بعد انتهاء عطلته، إلى أن قرر أخذها معه ولم تتجاوز الـ12 من عمرها… كما لم تغفل المخرجة دور أطفال المدرسة وكيف فسروا الديمقراطية بالخبز، لأن الخبز هو ما يريدونه، أما المقرر الذي يفرض على أطفال دراسة مفاهيم لم يعايشوها ولم يهضموها فلا سبيل لهم إلى فهمها، فالمقرر الديمقراطي، حسب الفهم العام، هو أن يبقى آباؤهم بجانبهم ويضمنوا لهم الخبز وهم في مواطنهم، لا أن يتغربوا في أوطان بعيدة…
أما بالعودة إلى دور البطلتين؛ فيمكن الوقوف على معاناة أخرى جسدتاها بكل فنية واحترافية، حيث الامتثال للأوامر دون نقاش والاضطهاد الذي تتعرض له المرأة، بل والضرب أيضا…
وهناك الحرمان العاطفي والجنسي، وتقول المخرجة في هذا الصدد: «ما طرحته في الفيلم أمر واقع ويكفي النظر حولنا، كيف يعقل أن يرحل رجل عن امرأة عاش معها مدة طويلة ونام بجانبها كل ليلة على السرير وربما لهم أطفال. وفي لمح البصر يرحل وتجد نفسها وحيدة، البيت فارغ والسرير واسع. حرمان على كل المستويات. تطرح الأسئلة على نفسها وعلى النساء الأخريات بحثا عن جواب أو حل…». وهنا يأتي سؤال حليمة لزينب، هل تشتاق إلى زوجها؟ فهي أحيانا تحس بالألم وتريد أن تصرخ كالذئب ولا تسكتها إلا زينب، وهذا ما يدفعها إلى التمرد والوقوع في الخطيئة مع امزيان، وعندما يفتضح أمرها وينقطع حبل التواصل مع الزوج تثور ثورة جنونية وتبحث عن حرية أكثر وهي الطلاق. أما زينب (فالراكد) بالنسبة لها هو أيضا رغبة مؤجلة، لكنها الوجه الصابر على القدر، ورغم ذلك تقوم بمبادرة محتشمة فترسل إلى زوجها صورتها لعلها تحرك فيه شيئا من الحنين، كما لم تغفل رغبة أخرى وهي أن ترسل إليه صورة مدينة تاوريرت كخلفية في إشارة ذكية منها، على الأقل، إن لم تحركه الرغبة في رؤية الزوجة ربما تحركه الرغبة في رؤية «لبلاد». لكن المصور يُخَيّبُ أملها ويجيبها بسخرية مرة «شكون يتصور مع هاد الثلث الخالي»، وفعلا لا شيء نفع، ويأتيها رد الزوج قاسيا وعلى ظهر نفس الصورة (فَيْقِي الرَّاكَدْ وَعَمّْرَكْ تْعَتّْبِي تَاوْرِيرَتْ بْلَا خُبْرِي)، إنها قمة التجاهل وقمة المعاناة…
وإذا كان حال الرجال لا يسر حبيبا أو عدوا… في إشارة إلى فيلم «عندما يبكي الرجال»، وإذا كان حال النساء لا يسرهن ولا يسر من يكتب أو يقرأ عنهن… في إشارة إلى فيلم «الراكد»، فلا شك أن هناك فكرة معينة تعتبر قاسما مشتركا بين العملين، وطبعا الفكرة هي التغيير… لأنه لا يمكن أن يستمر الوضع على ما هو عليه:
لا يمكن أن يعيش الرجال أزمة نفسية ومادية وقانونية.. وتعيش النساء أزمة اجتماعية وبنفسيات مهزوزة ومضطهدة…
وفكرة التغيير التي يمكن أن نتعقبها أيضا خارج الفيلمين تبرز تجلياتها فيما يلي:
تغيير نحو وضع قانوني يسمح للرجال بالعودة إلى أرضهم ونسائهم..
تغيير نحو وضع نفسي مستقر، وضعه الطبيعي هو المرأة إلى جانب الرجل والرجل إلى جانب المرأة، ولا وجود لرغبات مؤجلة…
وأخيرا، تغيير نحو وضع سياسي يوقف نزيف الهروب، يضمن الديمقراطية الحقّة ويعيد الثقة التي أصبحت مفقودة. والعبرة لمن يعتبر في كل ما يجري (مقاطعات انتخابية، انتفاضات شعبية ضد الغلاء، مظاهرات احتجاجية للمعطلين، قوارب الموت التي أصبحت ماركة مغربية مسجلة ).
في الفيلم الأول، كل الرجال هم شهود على الأوضاع، يوجهون كلامهم إلى من «يتناوبون» على تسيير الأمور…
وفي الثاني، كل النساء هن شاهدات عصر من القهر…
دون أن نغفل الشاهد الرئيسي والمطلع على الوجهين ليتخذ قراره ويوجه رسالته بطريقته الخاصة- التي تحتم العودة إلى موضوع الفيلم، انه أمزيان الشخصية التي حملتها معها المخرجة من فيلق العابرين، فهو نموذج الشاب الذي جرب الهجرة وعاد إلى الوطن ليتشبث بالأرض أكثر من أي وقت مضى…
وفي حواراته ما يبرهن على ذلك:
أولا: لقطة أحيدوس التي يتغنى فيها بالأرض والعمل على خدمتها وحرثها وزرعها بكل عزة وفخر وكرامة لأنه لا يريد أن يصير عبدا في «بلادات الناس»، ولا أحد استطاع أن يجاريه في حقيقته…
ثانيا: مباشرته للعمل فعلا، «حمل الحبوب، العمل في معصرة الزيتون، عدم توانيه في تقديم المساعدة والنصيحة لزينب…».
ثالثا: في حديثه إلى حليمة عندما يقول لها: «حليمة انتي هنا راكي لَالّة النسا»، لأنه أدرك كيف تمتهن كرامة الرجل في بلاد الغربة فما بالك بكرامة المرأة، وشرح الموضحات من المفضحات، رغم أن فضائح نسائنا لم تعد خفية على أحد…
وأخيرا، موقف أمزيان فيه مبدأ صريح وشجاع ينتظر فقط من يتبنى معه نفس الموقف لإحداث التغيير

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

2 Comments

  1. hamzaoui med
    29/10/2007 at 19:59

    la neride khidmat coper cller ila kayan chi haja dyalak araha ma3andakch ya khai had achi 9rinah

  2. رشيد قدوري/ صاحب المقال
    03/11/2007 at 23:18

    باسم الله الرحمن الرحيم: ( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) صدق الله العظيم

    ولو أن هذا التعليق لا يستحق أن يُرَدَّ عليه إلا التبيين للقراء واجب… إذ أن صاحب التعليق يبدو انه فعلا قرأ الكلام ولكنه لم يتحقق جيدا من كاتبه, وإذا كنت تحتفظ بنسخة جريدة المساء عد و تأكد من الكاتب .فهذه المقالة كنت قد نشرتها بجريدة المساء بتاريخ 13- 14 اكتوبر 2007 كما نشرتها في موقعي الخاص ونشرتها هنا وكذلك نشرها في جريدة محلية ليس تباهيا ولكن لتعميم الإفادة ولأوفر عليك البحث ارجع لهدا الموقع وتأكد من الاسم لكي لا تطلق التعاليق على عواهنها مرة أخرى http://rachidkaddouri.maktoobblog.com

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *