لا مودة لحاسد
بقلم الدكتور أبي سيرين محمد علال
awabson2@gmail.com
إن من شر ما يمكن أن يتصف به مخلوق، وينطوي عليه قلب خفوق، الحسد، داء الأمم السابقة الذي فتك بها ودب إلى بعض النفوس اللئيمة في زماننا، فأوته وآزرته حتى استغلظ واستوى على سوقه،فراحت تبغي به على الناس بحيث لا يرضيها إلا زوال النعمة من مستحقيها.
وليس في الوجود أشقى من حسود، يتعذب في كل لحظة وحين، لأنه عدو لنعم الله، ونعم الله تجدد على المخلوقات باستمرار، فهو يحسد الإنس والجن والدواب والشجر والحجر ، ويتمنى أن يسلبوا كل نعمة ظهرت عليهم وتساق إليه وحده، وهل ترك من الجهل شيئا من كانت هذه طويته وأمنيته ؟ وفي الأثر عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : » لا تعادوا نعم الله . قيل له ومن يعادي نعم الله ؟ قال: الذين يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله ، يقول الله تعالى في بعض الكتب: الحسود عدو نعمتي متسخط لقضائي غير راض بقسمتي ».
نعم إلى هذه الدرجة يصل الحسد بصاحبه فهو عدو ومتسخط وغير راض بقسمة الله تعالى في خلقه، وما من نفس تمكنت منها هذه الأدواء والشرور إلا وأصبحت في حرب وسوء أدب مع الله، ولم يخل التاريخ القديم من هذه النماذج الفاسدة المنحطة، مما جعل أحد الشعراء وأظنه منصور الفقيه يعبر عنه في قوله:
ألا قل لمن ظل لـي حـــــــاسدا
أتدري على من أسـأت الأدب
أســـأت على الله في حكمــــــه
إذا أنت لم ترض لي ما وهــب
ولمن حارب الله وأساء معه الأدب ان ينظر إلى من ستكون الغلبة في نهاية المطاف.؟ هل ستكون لنفسه وأمانيه الحاسدة الفاسدة ؟ أم ستكون لقدرة الله وحكمته البالغة القاهرة؟ وصدق الله العظيم إذ يقول في كتابه العزيز : » ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله ».
وإذا كانت نفس الحاسد بهذا الشر الذي لا يسلم منه شيء ظهرت عليه نعمة، فهل يليق أن تكون لعاقل مودة مع حاسد، وهل يحسن بإنسان أن يغتر بابتسامة حاسد، أو عمامة حاسد، أو لحية حاسد، أو كلمة طيبة قد تخرج من فم حاسد أو منصب حاسد. فالحاسد يزعم أنه لم يخلق مثله في البلاد، وأنه القمين بكل شيء من دون العباد، ولذلك فكل من يسعى لأن يواد حاسدا إنما يسعى في أمر لافائدة فيه ولا طائل من ورائه.
ألا إنه لا مودة لحاسد ، ولا محبة لحاقد، ولا مروءة لفاسد، فالحاسد كما قال بعضهم : » يعمى على محاسن الصبح بعين يدرك بها دقائق القبح . » ورحم الله المتنبي إذ قال :
أعادى على ما يوجب الحب للفتى
وأهدأ والأفكـــــــــار فـيّ تـجـــول
ولا تطمعن من حاسد في مـــــودة
وإن كنـــت تبديهــا لــــه وتنيــــل
وأنا حينما أنظر في من حولي من الحاسدين الحاقدين، وأرى حقارة نفوسهم، وصغارة أقدارهم، وسعيهم الحثيث لإذايتي، أطرب وأحس بصدق قول الشاعر العربي القديم ابن المعتز:
مــا عـابني إلا الحســــــــــــــــود
وتلــــك من خيــر المعـــــــايب
والخير والحســاد مقرونـــــــــان
إن ذهـبــــــوا فـــــــــذاهـــــــب
وإذا ملكــت الـمجد لــــــــــــم
أملـــــك مودات الأقـــــــارب
وإذا فقدت الحاسديـــــــــــــــن
فقدت في الدنيـــــا المطـــــايب
وأما الدواعي التي دعت النفوس المريضة ، ورمت بها في أتون ناره الحامية، وكذا الحديث عن المؤمن هل يحسد أم يغبط؟ وحظ كل نفس من الحسد، فذلك ما أسأل الله تعالى أن ينسأ في الأجل وأحدثك عنه في قابل الأيام.
Aucun commentaire