دلالة الوقفة الاحتجاجية الخاصة بالصحافة المحلية في الجهة الشرقية
إن ما حصل يوم السبت 20 أكتوبر2007 بدار الطالبة بمدينة وجدة للصحافة المحلية من إقصاء تعمدته الجهة المنظمة للحملة الاشهارية الخاصة بالمشاريع التنموية والتأهيلية في مدينة الألفية أمر مخجل حقا.
فإذا ما كانت الجهة المسئولة على أعلى مستوى تتصرف بشكل غير حضاري يعكس غياب الوعي بالدور الريادي للسلطة الرابعة فكيف تكون تصرفات غيرها من الجهات ممن هي في مستويات أدنى؟
لقد ذكرني الحدث المؤسف بحكاية رواها الدكتور طه حسين لما كان طالبا وقرر زملاؤه الإضراب ضد أستاذ إيطالي مستشرق ؛ولما حضر الأستاذ انصرف الجميع وبقي طه حسين وحده نظرا لعاهته و لفرار سائقه فسأله الأستاذ : ما خطبكم ؟ فأجاب طه : إنهم مضربون ضدك ؛ فضحك الأستاذ قائلا : شأنكم شأن من أراد أن يغضب زوجته فأخصى نفسه .
إن الذين نظموا الحملة الإشهارية للتعريف بالمشاريع التنموية في مدينة زيري بن عطية ـ ولا نريد الحديث عن النوايا التي يتولى أمرها الله عز وجل العالم بالسرائر ـ شأنهم وهم يقصون الصحافة المحلية المطلعة يوميا على المشاريع المشهر بها تدميرا وحفرا وبناء…. وهلم جرا شأن الذي ذكره أستاذ طه حسين حيث أرادوا إغضاب الصحافة المحلية فاخصوا أنفسهم . ولست أدري كيف تمخر السفن اليابسة وصدق من قال :
ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها إن السفينة لا تجري على اليبس
كيف ترام حملة إشهارية من سبل ملتوية تشير إلى الأذن اليمنى باليد اليسرى ؛ فالأولى والأجدر أن تكون الصحافة المحلية الحاضرة باستمرار هي سفيرة غيرها من الصحافة الزائرة ؛ وتكون هي مصدر الخبر بل صاحبة الحق الأولى في نشر الخبر المحلي قبل غيرها . ولكن مع الأسف الشديد الجهل بحقيقة الصحافة جعل المنظمين للحملة الاشهارية التنموية ؛ وهم ضحايا ثقافة مغلوطة يصنفون الصحافة تصنيفات لا أساس لها ولا وجود لها إلا في أدمغة عشش فيها التخلف ؛ وسكنها الجهل المركب أو حتى المكعب . فالصحافة لا تقاس بالمساحات الجغرافية والكم الورقي والألقاب بل بمصداقيتها من خلال الالتزام بالموضوعية والدقة والحياد والشجاعة في نقل الحقيقة حرصا على هذه المصداقية عند الرأي العام الذي له وحده الحق في تقييم الصحافة. فكم من مسئول يسيل لعابه من أجل استدعاء منبر إعلامي معين لغرض في نفسه ؛ وعندما تظهر صوره الإشهارية وحواراته على المنبر الإعلامي المستأجر يسخر منه الرأي العام المتنبه بذكائه الخارق لكل المناورات الإعلامية المكشوفة .
فالمنظمون الذين أقصوا الصحافة المحلية عبروا عن مستوى يرثى له من الوعي ؛ فموقفهم هذا المستهجن يوحي بأنه ربما كان مبلغهم من العلم أن ما يسمى صحافة هو ما كان اسمه كيت أو كيت كما هو حال الأمي الذي يسمي كل الجرائد باسم واحد لأنه لايعرف غيره. ولربما كان مستوى الصحافيين المحليين الذين أقصوا يفوق مئات المرات مستوى من انبهر فيهم المنظمون لمجرد أنهم وافدون ؛ ولأن الثقافة السائدة مع الأسف هي : مغنية الحي لا تطرب ؛ والحقيقة أن ذوق الحي فيه نظر.
أرجو ألا تكون قناعة المسئولين تجاه الصحافة المحلية على شاكلة ومقاس قناعة المنظمين للعرض الإشهاري ؛ وقد عاينت مرارا تدخلات متعثرة للجان التنظيم والبروتوكولات ؛ فأحيانا تزيد هذه اللجان من رأسها كما يقول التعبير العامي الوجدي لإظهار الشطارة أمام المسئول ؛ وقد تكون النتيجة عكسية فيكيل المسئول لها في الكواليس من النقد وربما الشتائم ما يليق بفضولها.
وأتمنى ألا ينال هذا السلوك الغريب والمرفوض حضاريا من عزائم الصحافة المحلية ؛ ولا من إيمانها برسالتها وخير رد على الإقصاء الحضور الدائم من خلال البحث عن الحقيقة بموضوعية وحياد وتجرد وشجاعة واستماتة من أجل إيصال الحقيقة للرأي العام عارية من كل تزويق وتنميق يستخدم للتضليل ولتحقيق المآرب.
إن المشاريع المنجزة في مدينة الألفية ينظر إليها بعيون ساكنة وجدة لا بعيون ساكنة أخرى ؛ والصحافة المحلية خبيرة بعيون هذه الساكنة وأعلم من غيرها بها ؛ لهذا لا بد من حملة إعلامية دقيقة للكشف عن كل غث وسمين في المشاريع المنجزة أو في طور الإنجاز . ولربما كان إقصاء الصحافة المحلية لحاجة في نفس يعقوب خوفا من سوءة تكشف للضيوف من طرف أهل الدار ولأمر ما قيل إذا عرف السبب بطل العجب.
1 Comment
لست متفق مع الإقصاء وخاصة إقصاء الصحافة المحلية. لأن الإقصاء سلوك متخلف يلجأ إليه المعجبون برأيهم (الذين يتبجحون بالديمقراطية وحرية التعبير ولا علاقة لهم لا بالديمقراطية ولا بحرية التعبير). هذه ليست المرة الأولى التي تنظم فيها الحملة الدعائية « لمشاريع الولاية » . وهنا نتساءل عن مستقبل الديمقراطية في المغرب وعن دور الانتخابات والأحزاب السياسية الجادة ودور الجماعات المحلية والحياة السياسية عموما. فالخطير هنا هو محاولة هؤلاء ترسيخ أن لاشيء يمكنه أن يقام في هذا البلد بدون مخزن. وهنا أتساءل عن الهدف من الحملة الاشهارية ولماذا يتم الاعلان عن هذه المشاريع في دار الطالبة بين « النخبة » و لا يتم الاعلان عنها مثلا في دوار الزرارقة أو الغلاليس أو السمارة أو في أي حي من الأحياء المنكوبة والمحرومة. هل الأماكن المقترحة غير مناسبة ? أم أن معظم هذه المشاريع لا تدخل في سلم أولويات هؤلاء الساكنة (وبطبيعة الحال لم تتم استشارتهم ولا اتشارة » ممتليهم »). وهل تعلمون كيف يتم الاعلان عن المشاريع. أولا يأتي المسؤولون متأخرون تم يتم سرد الوصلات الاشهارية بسرعة كبيرة وبدون أي support لايمكنك أن تفهم أي شيء سوى بطبيعة الحال ما يريدون أن تلتقطه. تحيى الصحافة المحلية الجادة